الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذْنِ سَيِّدِهِ (وَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا) مِنْهُ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْهُ، فَإِنْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ بَقِيَّتَهُ (وَ) لِسَيِّدِهِ (تَرْكُهَا مَعَهُ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ (إنْ كَانَ عَدْلًا يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا) وَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ غَيْرَ أَمِينٍ وَأَقَرَّهَا السَّيِّدُ مَعَهُ فَهُوَ مُفَرِّطٌ. فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ; لِأَنَّ يَدَ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ فَلَهُ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ (، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ) رَقِيقٌ مُلْتَقِطٌ (سَيِّدَهُ) عَلَى اللُّقَطَةِ (لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَيَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. فَإِنْ أَعْلَمَ سَيِّدَهُ بِهَا فَلَمْ يَأْخُذَهَا أَوْ أَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا. فَتَلِفَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تُضْمَنْ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِتَفْرِيطِ أَحَدِهِمَا (وَمَتَى تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِإِتْلَافِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ (أَوْ تَفْرِيطِهِ) فِي الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِدَفْعِهَا لِسَيِّدِهِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهَا (فَ) ضَمَانُهَا (فِي رَقَبَتِهِ) نَصًّا كَغَيْرِ اللُّقَطَةِ. وَمِثْلُهُ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا (وَمُكَاتَبٌ) فِي الْتِقَاطٍ (كَحُرٍّ) ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ وَهُوَ مِنْهَا. فَإِنْ عَادَ قِنًّا بِعَجْزِهِ كَانَتْ كَلُقَطَةِ الْقِنِّ.
(وَ) مَا يَلْتَقِطُهُ (مُبَعَّضٌ ف) هُوَ (بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ) عَلَى حَسَبِ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِهِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ (وَكَذَا كُلُّ نَادِرٍ مِنْ كَسْبٍ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا) كَنِثَارٍ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ (وَلَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ (مُهَايَأَةً) أَيْ: مُنَاوَبَةً بِأَنْ كَانَ يَسْتَقِلُّ بِنَفْعِهِ وَكَسْبِهِ مُدَّةً، وَسَيِّدُهُ كَذَلِكَ. لِأَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا يُظَنُّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الْمُلْتَقِطُ مُشْتَرَكًا فَلُقَطَتُهُ بَيْنَ سَادَاتِهِ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ فِيهِ.
[بَابُ اللَّقِيطِ]
(بَابُ اللَّقِيطِ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ وَطَرِيحٍ شَرْعًا (طِفْلٌ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَا رِقُّهُ، نُبِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ: طُرِحَ فِي شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ) مَا بَيْنَ وِلَادَتِهِ (إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ) فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ: إلَى الْبُلُوغِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ فَإِنْ نُبِذَ أَوْ ضَلَّ مَعْرُوفُ النَّسَبِ أَوْ الرِّقِّ فَأَخَذَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِلَقِيطٍ (وَالْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ; وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسِهِ. فَكَانَ وَاجِبًا كَإِطْعَامِهِ إذَا اضْطَرَّ
وَإِنْجَائِهِ مِنْ نَحْوِ غَرَقٍ. فَإِنْ تَرَكَهُ جَمِيعُ مَنْ رَآهُ أَثِمُوا
. (وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِمَّا مَعَهُ) إنْ كَانَ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ وَمَا مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ كَمَا يَأْتِي، وَإِلَّا يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ (فَ) يُنْفَقُ عَلَيْهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ. قَالَ:" وَجَدْتُ مَلْقُوطًا فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ عَرِيفِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَاذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ ".
وَفِي لَفْظٍ " عَلَيْنَا رَضَاعُهُ "(فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ لَهُ بَيْتُ مَالٍ أَوْ بِهِ وَلَا مَالَ بِهِ وَنَحْوُهُ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (حَاكِمٌ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٌ بِهَا ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِلَا مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ. أَشْبَهَ أَخْذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ رَقِيقًا أَوْ لَهُ أَبٌ مُوسِرٌ. رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ وَفَّى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الِاقْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَوْ الْأَخْذِ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ (فَعَلَى مَنْ عَلِمَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِمَا فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِهِ، وَحِفْظُهُ عَنْهُ وَاجِبٌ، كَإِنْقَاذٍ مِنْ الْغَرَقِ (وَلَا يَرْجِعُ) مَنْ أَنْفَقَ بِمَا أَنْفَقَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (فَهِيَ) أَيْ: النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَاسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ رَجَعَ عَلَى الطِّفْلِ بَعْدَ الرُّشْدِ. وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ
(وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ إنْ وُجِدَ بِدَارِ إسْلَامٍ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، لِظَاهِرِ الدَّارِ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ. فَإِنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ (وَ) يُحْكَمُ (بِحُرِّيَّتِهِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَالرِّقُّ لِعَارِضٍ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ (إلَّا أَنْ يُوجَدَ) اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ. أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ فَ) هُوَ (كَافِرٌ رَقِيقٌ) ; لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ كَانَ أَهْلُهَا مِنْهُمْ،، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ غَلَبَ حُكْمُ الْأَكْثَرِ لِكَوْنِ الدَّارِ لَهُمْ (وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ) بِدَارِ حَرْبِ (فَ) لَقِيطُهَا (مُسْلِمٌ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ (أَوْ) إلَّا أَنْ يُوجَدَ اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ) أَهْلُ (ذِمَّةٍ) فَهُوَ (كَافِرٌ) لِأَنَّهُ لَا مُسْلِمَ بِهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَتَغْلِيبُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاحْتِمَالِ (وَإِنْ كَانَ بِهَا) أَيْ: بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ كُلٌّ أَهْلِ ذِمَّةٍ (مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ (فَ) اللَّقِيطُ (مُسْلِمٌ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلِظَاهِرِ الدَّارِ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ) أَيْ: لَقِيطٌ
(قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ) أَيْ دَارِ الْكُفْرِ وَهُوَ مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ بِهِ أَوْ بِهِ نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ (حَتَّى صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ فَ) هُوَ (مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِلدَّارِ
(وَمَا وُجِدَ مَعَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ وَ) مِنْ (ثِيَابٍ) عَلَيْهِ أَوْ فَوْقَهُ (أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ أَوْ) وُجِدَ (مَدْفُونًا تَحْتَهُ) دَفْنًا (طَرِيًّا) بِأَنْ تَجَدَّدَ حَفْرُهُ (أَوْ) وُجِدَ (مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ) وُجِدَ مَعَهُ (حَيَوَانٌ مَشْدُودٌ بِثِيَابِهِ) أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي سَرِيرٍ أَوْ صُنْدُوقٍ (فَ) هُوَ (لَهُ) ; لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا فَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَالْبَالِغِ. فَيُحْكَمُ بِثَبَاتِ مِلْكِهِ عَلَى مَا مَعَهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْعُولًا فِي دَارٍ أَوْ خَيْمَةٍ تَكُونُ لَهُ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ. فَإِنْ وُجِدَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ غَيْرَ طَرِيٍّ أَوْ مَدْفُونًا بَعِيدًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ. وَمَا لَيْسَ مَحْكُومًا بِهِ لَهُ فَلُقْطَةٌ.
(وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ (وَاجِدُهُ إنْ كَانَ أَمِينًا عَدْلًا) لِمَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ، وَلِسَبْقِهِ إلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ (وَلَوْ) إنَّهُ عَدْلٌ (ظَاهِرًا) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ (حُرًّا) تَامَّ الْحُرِّيَّةِ ; لِأَنَّ مَنَافِعَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يُذْهِبُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَنَافِعِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ. فَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِرَقِيقَةِ أَقَرَّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّ السَّيِّدَ الْتَقَطَهُ وَاسْتَعَانَ بِرَقِيقِهِ فِي حَضَانَتِهِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ (مُكَلَّفًا) ; لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (رَشِيدًا) فَلَا يُقَرُّ مَعَ سَفِيهٍ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ الْتِقَاطُهُ ; لِأَنَّ أَخْذَهُ قُرْبَةٌ فَلَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، وَعَدَمُ إقْرَارِهِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً، إلَّا الرَّقِيقُ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ الْتِقَاطُهُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ الْهَلَاكِ كَالْغَرَقِ (وَلَهُ) أَيْ: لِوَاجِدِهِ الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (حِفْظُ مَالِهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ لِقَوْلِ عُمَرَ: " لَكَ وَلَاؤُهُ " ; وَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ لَا مِنْ أَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ. أَشْبَهَ الْحَاكِمَ (وَ) لَهُ (الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ) أَيْ: اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَالْوَصِيِّ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْأَوْلَى بِإِذْنِهِ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ مَنْ غَابَ وَلَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ نَحْوُهَا وَأَوْلَادٌ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ. وَيُنْفِقُ عَلَى اللَّقِيطِ وَاجِدُهُ
بِالْمَعْرُوفِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِنْ بَلَغَ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أُنْفِقَ أَوْ فِي التَّفْرِيطِ فِي الْإِنْفَاقِ فَقَوْلُ مُنْفِقٍ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ
(وَ) لَهُ (قَبُولُ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ) لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ (وَيَصِحُّ) أَيْ: يَجُوزُ (الْتِقَاطُ قِنٍّ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) بَلْ يَجِبُ وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ
(وَ) يَصِحُّ الْتِقَاطُ (ذِمِّيٍّ لِذِمِّيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]
. (وَيُقَرُّ) لَقِيطٌ (بِيَدِ مَنْ) الْتَقَطَهُ (بِالْبَادِيَةِ مُقِيمًا فِي حِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: بُيُوتٍ مُجْتَمِعَةٍ لِلِاسْتِيطَانِ بِهَا لِأَنَّهَا كَالْقَرْيَةِ. فَإِنَّ أَهْلَهَا لَا يَرْحَلُونَ عَنْهَا لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي حِلَّةٍ لَكِنَّهُ (يُرِيدُ نَقْلَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ (إلَى الْحَضَرِ) لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ إلَى أَرْضِ الرَّفَاهِيَةِ وَالدِّينِ وَ (لَا) يُقَرُّ بِيَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ كَانَ (بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ) ; لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابًا لِلَّقِيطِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ لِمَنْ يُقِرُّ بِهِ ; لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ (مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ) ; لِأَنَّ مُقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَيْثُ وَجَدَهُ بِهِ إنَّهُ وُلِدَ فِيهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ وَاجِدِهِ (مَعَ فِسْقِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ. فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ كَافِرًا أُقِرَّ بِيَدِ وَاجِدِهِ الْكَافِرِ وَتَقَدَّمَ (وَإِنْ) كَانَ (الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى أَوْ) إلَى (قَرْيَةٍ أَوْ) الْتَقَطَهُ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ (مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ) ; لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ حِلَّتِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرَادَ النَّقْلَةَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ الَّذِي كَانَ) أَيْ: وُجِدَ (بِهِ وَبِيئًا) أَيْ: وَخِيمًا (كَغَوْرِ بَيْسَانَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدِهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ (وَنَحْوِهِ) كَالْجُحْفَةِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَيُقَرُّ اللَّقِيطُ بِيَدِ مَنْ أَرَادَ النَّقْلَةَ عَنْهَا إلَى بِلَادٍ لَا وَبَاءَ بِهَا أَوْ دُونَهَا فِي الْوَبَاءِ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِي النَّقْلِ.
وَفِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ مَتَى وَجَدَهُ فِي فَضَاءٍ خَالٍ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ.
(وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ مِنْ مُلْتَقِطَيْنِ) لِلَقِيطٍ مَعًا (عَلَى ضِدِّهِمَا) فَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ عَلَى مُعْسِرٍ ; لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِلَّقِيطِ، وَمُقِيمٌ عَلَى مُسَافِرٍ ; لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ لَمْ يَتَّصِفْ أَحَدُهُمَا بِمَا يَكُونُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا إنْ تَشَاحَّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ تَهَايَأَهُ بِأَنْ جُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا فَأَكْثَرَ أَضَرَّ بِالطِّفْلِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأُنْسِ وَالْأُلْفَةِ، وَدَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ لِتَسَاوِي حَقِّهِمَا