الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْوَصِيَّةِ]
كِتَابُ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيهِ إذَا وَصَلْتُهُ. لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَصَلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِ مَمَاتِهِ. وَوَصَّى وَأَوْصَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِصَايَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةً: الْأَمْرُ. قَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] وَقَالَ {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151] وَشَرْعًا (الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَوَصِيَّتِهِ إلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ أَوْ يُصَلِّي عَلَيْهِ إمَامًا، أَوْ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِغَارِ أَوْلَادِهِ أَوْ يُزَوِّجَ بَنَاتِهِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ وَصَّى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. وَوَصَّى بِهَا عُمَرُ لِأَهْلِ الشُّورَى. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ:" أَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ مِنْ مَالِهِ " وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَوْتِ: مُخْرِجٌ لِلْوَكَالَةِ.
(وَ) الْوَصِيَّةُ (بِمَالٍ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
(وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (الْقُرْبَةُ) لِصِحَّتِهَا لِمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيّ بِدَارِ حَرْبٍ كَالْهِبَةِ.
وَفِي التَّرْغِيبِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاءِ
وَفِي التَّبْصِرَةِ إنْ أَوْصَى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فِيهِ وَلَا بِرَّ، كَكَنِيسَةٍ أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ لَمْ تَصِحَّ (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مُطْلَقَةً) كَوَصَّيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا.
(وَ) تَصِحُّ (مُقَيَّدَةً) كَإِنْ مِتَّ فِي مَرَضِي أَوَعَامِي هَذَا فَلِزَيْدٍ كَذَا. لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فَمَلَكَ تَعْلِيقَهُ كَالْعِتْقِ
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُوصٍ وَوَصِيَّةٌ وَمُوصًى بِهِ وَمُوصًى لَهُ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (مِنْ مُكَلَّفٍ لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ) فَإِنْ عَايَنَهُ لَمْ تَصِحَّ. لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ مَلَكَ الْمَوْتِ، أَوْمَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ؟ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ. وَالصَّوَابُ تُقْبَلُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا. .
وَفِي مُسْلِمٍ
وَغَيْرِهِ " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمَلُ الْغِنَى. وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا. وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» " قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إمَّا مِنْ عِنْدَهُ أَوْ حِكَايَةٍ عَنْ الْخَطَّابِيِّ: وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ، إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (وَلَوْ) كَانَ مُوصٍ (كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا) أَوْ امْرَأَةً أَوْ قِنًّا فِيمَا عَدَا الْمَالَ. وَفِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ. فَلَا وَصِيَّةَ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ، وَكَذَا مُكَاتَبٌ وَنَحْوُهُ (أَوْ أَخْرَسَ) بِإِشَارَةٍ لِصِحَّةِ هِبَتِهِمْ فَوَصِيَّتُهُمْ أَوْلَى. وَ (لَا) تَصِحُّ إنْ كَانَ مُوصٍ (مُعْتَقَلًا لِسَانُهُ بِإِشَارَةٍ) وَلَوْ مَفْهُومَةً نَصًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ نُطْقِهِ. أَشْبَهَ النَّاطِقَ (أَوْ) كَانَ (سَفِيهًا) وَوَصَّى (بِمَالٍ) فَتَصِحُّ لِتَمَحُّضِهَا نَفْعًا لَهُ بِلَا ضَرَرٍ كَعِبَادَاتِهِ. وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَلَا إضَاعَةَ فِيهَا لَهُ. لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ فَمَالُهُ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ فَلَهُ ثَوَابُهُ، وَهُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ سَفِيهٍ (عَلَى وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَوَصِيُّهُ أَوْلَى (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ مُوصٍ إنْ كَانَ (سَكْرَانَ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَاقِلٍ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ. وَطَلَاقُهُ إنَّمَا وَقَعَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (مُبَرْسَمًا) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ. أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ. وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَوَصَّى فِي إفَاقَتِهِ صَحَّتْ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ مُمَيِّزٍ) يَعْقِلُهَا لِتَمَحُّضِهَا نَفْعًا لَهُ كَإِسْلَامِهِ وَصَلَاتِهِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا بَعْدَ غِنَاهُ مِنْ مَالهِ، فَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ. وَ (لَا) تَصِحُّ مِنْ (طِفْلٍ) لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْوَصِيَّةَ، وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ (بِلَفْظٍ) مَسْمُوعٍ مِنْ الْمُوصِي بِلَا خِلَافٍ (وَبِخَطٍّ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (ثَابِتٍ) أَنَّهُ خَطُّ مُوصٍ (بِإِقْرَارِ وَرَثَةٍ أَوْ) إقَامَةِ (بَيِّنَةٍ) أَنَّهُ خَطُّهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَمَلٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعَمَلِ طَرِيقُهَا الرُّؤْيَةُ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. وَالْمُقَدَّمُ الْأَوَّلُ. وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا. وَلِهَذَا صَحَّ تَعْلِيقُهَا. وَ (لَا) تَصِحُّ (إنْ خَتَمَهَا) مُوصٍ (وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا) مَخْتُومَةً وَلَمْ يُعْلِمْ الشَّاهِدَ مَا فِيهَا (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ (بِخَطِّهِ) أَيْ الْمُوصِي. لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمَا فِيهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا فِيهَا، كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.
فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا خَطُّهُ عُمِلَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ. وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِوَصِيَّةٍ ثَبَتَتْ بِشَهَادَةٍ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَةٍ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا. لِأَنَّ حُكْمَهَا لَا يَزُولُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَالْأَوْلَى كِتَابَتُهَا وَالْإِشْهَادُ عَلَى مَا فِيهَا لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا. وَعَنْ أَنَسٍ " كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ. فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ
(وَتُسَنُّ) الْوَصِيَّةُ. (لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] فَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّركَ وَأُزَكِّيَكَ» " (وَهُوَ) أَيْ الْخَيْرُ (الْمَالُ الْكَثِيرُ عُرْفًا) فَلَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ (بِخُمْسِهِ) أَيْ خُمْسِ مَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِ تُسَنُّ. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ " رَضِيتُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِنَفْسِهِ " يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41]
(لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ) غَيْرِ وَارِثٍ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] " وَقَوْلِهِ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة: 177] وَكَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ فَقِيرٌ وَتَرَكَ خَيْرًا (فَ) الْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِي (لِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ) فَقِيرٍ (وَدَيِّنٍ) فَقِيرٍ (وَنَحْوِهِمْ) كَابْنِ سَبِيلٍ وَغَازٍ
(وَتُكْرَهُ) وَصِيَّةٌ (لِفَقِيرٍ) أَيْ مِنْهُ إنْ كَانَ (لَهُ وَرَثَةٌ) قَالَ (الْمُنَقِّحُ: إلَّا مَعَ غِنَى الْوَرَثَةِ) وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ. رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ) مُطْلَقًا (بِجَمِيعِ مَالِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَارِثِ وَهُوَ مَعْدُومٌ
(فَلَوْ وَرِثَهُ) أَيْ الْمُوصِي (زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ وَرَدَّهَا) أَيْ رَدَّ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ الْوَصِيَّةَ (بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ الْمَالِ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (فِي قَدْرِ فَرْضِهِ) أَيْ الرَّادِّ (مِنْ ثُلُثَيْهِ) أَيْ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا بَطَلَتْ فِي الثُّلُثِ. لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَةَ بَطَلَتْ فِي السُّدُسِ لِأَنَّ لَهَا رُبْعَ الثُّلُثَيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ لَا
يُرَدُّ عَلَيْهِمَا.
وَالثُّلُثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذَانِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضِهِمَا (فَيَأْخُذُ وَصِيٌّ الثُّلُثَ ثُمَّ) يَأْخُذُ (ذُو الْفَرْضِ) زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَرْضَهُ مِنْ ثُلُثَيْهِ) أَيْ الْمَالِ (ثُمَّ تُتَمَّمُ) الْوَصِيَّةُ (مِنْهُمَا) لِمُوصًى لَهُ. لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ. أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمُوصٍ وَارِثٌ زَوْجًا أَوْ غَيْرَهُ مُطْلَقًا
(وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (لِلْآخَرِ) بِكُلِّ مَالِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ (فَلَهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ الْمَالِ فَيَأْخُذُ جَمِيعَهُ (إرْثًا وَوَصِيَّةً) كَمَا تَقَدَّمَ (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِلَا بَيِّنَةٍ ذِكْرُهُ) أَيْ الْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ لِئَلَّا يَضِيعَ
(وَتَحْرُمُ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ زَوْجٍ أَوْ) غَيْرُ (زَوْجَةٍ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ) نَصًّا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ. أَمَّا تَحْرِيمُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ «فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَالشَّطْرُ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَالثُّلُثُ. قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» الْحَدِيثِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ فَلِحَدِيثِ "«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ (وَتَصِحُّ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ (وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "«لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا "«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ» " رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ. فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ نَفَذَ. وَتَصِحُّ لِوَلَدِ وَارِثِهِ. فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْوَارِثِ لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
(وَلَوْ وَصَّى) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ (لِكُلِّ وَارِثٍ) مِنْهُمْ (بِمُعَيَّنٍ) مِنْ مَالِهِ (بِقَدْرِ وَارِثِهِ) صَحَّ. أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ. فَلَوْ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَبِنْتُهُ فَقَطْ. وَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَمَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَوَصَّى لِابْنِهِ بِالْعَبْدِ وَلِابْنَتِهِ بِالْأَمَةِ صَحَّ. لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ لِصِحَّةِ مُعَاوَضَةِ الْمَرِيضِ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا جَمِيعَ مَالِهِ بِثَمَنٍ مِثْلَهُ وَلَوْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ جَمِيعَ الْمَالِ
(أَوْ) وَصَّى (بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ (صَحَّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَجَازَ ذَلِكَ بَاقِي الْوَرَثَةِ أَوْ رَدُّوهُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ نَصًّا. لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ بِهِ (وَكَذَا وَقْفٌ زَائِدٌ) عَلَى الثُّلُثِ (أُجِيزَ) فَيَنْفُذُ فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ لَمْ
يَنْفُذْ الزَّائِدُ (وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا) وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ. لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَدَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ. فَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ
(وَمَنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِوَصَايَاهُ أُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ (بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ وَإِنْ) كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ (عِتْقًا) كَتَسَاوِيهِمْ فِي الْأَصْلِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي الْمِقْدَارِ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ. فَلَوْ وَصَّى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ وَلِثَالِثٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَبِثَلَاثِينَ لِفِدَاءِ أَسِيرٍ وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ. وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةً وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْوَصَايَا ثَلَاثُمِائَةٍ نُسِبَتْ مِنْهَا الثُّلُثُ فَهُوَ ثُلُثُهَا. فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ
(وَإِنْ أَجَازَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ (وَرِثَهُ بِلَفْظِ إجَازَةٍ) كَ أَجَزْتُهَا (أَوْ) بِلَفْظِ (إمْضَاءٍ) كَأَمْضَيْتُهَا (أَوْ) بِلَفْظِ (تَنْفِيذٍ) كَنَفَّذْتُهَا (لَزِمَتْ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَزِمَتْ بِإِجَازَتِهَا كَمَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِمْ (وَهِيَ) أَيْ الْإِجَازَةُ (تَنْفِيذٌ) لِمَا وَصَّى بِهِ الْمَوْرُوثُ لَا ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَ (لَا يَثْبُتُ لَهَا) أَيْ الْإِجَازَةِ (أَحْكَامُ هِبَةٍ فَلَا يَرْجِعُ أَبٌ) وَارِثٌ مِنْ مُوصٍ (أَجَازَ) وَصِيَّةً لِابْنِهِ. لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ. وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ لِمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ لِابْنِهِ (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا) أَيْ الْإِجَازَةِ (مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ (وَوَلَاءُ عِتْقٍ) مِنْ مُورِثٍ (مُجَازٌ) أَيْ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ تَنْجِيزًا، كَأَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَاتَ، أَوْ مُوصًى بِهِ كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ. فَعِتْقُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْهِ. فَإِذَا أَجَازُوهُ نَفَذَ. وَوَلَاؤُهُ (لِمُوصٍ تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ) لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ. وَالْإِجَازَةُ لِتَنْفِيذِ فِعْلِهِ (وَتَلْزَمُ) الْإِجَازَةُ (بِغَيْرِ قَبُولٍ) مُجَازٍ لَهُ (وَ) بِغَيْرِ (قَبْضٍ وَلَوْ) كَانَتْ الْإِجَازَةُ (مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ) لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لَا تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ.
(وَ) تَلْزَمُ الْإِجَازَةُ (مَعَ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُجَازِ (وَقْفًا عَلَى مُجِيزِهِ) وَلَوْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِ الْوَاقِفِ. لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مَنْسُوبًا لِلْمُجِيزِ. إنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لَهُ.
(وَ) تَلْزَمُ الْإِجَازَةُ (مَعَ جَهَالَةِ الْمُجَازِ) لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ غَيْرِهِ (وَيُزَاحَمُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِ) قَدْرِ (مُجَاوِزٍ لِثُلُثِهِ الَّذِي لَمْ يُجَاوِزُهُ) كَأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ وَلِعَمْرٍو بِالنِّصْفِ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ لِعَمْرٍو خَاصَّةً فَيُزَاحِمُهُ زَيْدٌ بِنِصْفٍ كَامِلٍ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِزَيْدٍ خُمُسَاهُ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ (لِقَصْدِهِ) أَيْ الْمُوصِي (تَفْضِيلَهُ كَجَعْلِهِ الزَّائِدَ لِثَالِثٍ) بِأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ وَلِبَكْرٍ بِالسُّدُسِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ، ثُمَّ يُكْمِلُ
لِصَاحِبِ النِّصْفِ فِي الْأُولَى نِصْفُهُ. وَمَنْ قَالَ: الْإِجَازَةُ عَطِيَّةٌ عَكَسَ الْأَحْكَامَ الْمُتَقَدِّمَةَ. وَقَالَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ: إنَّمَا يُزَاحِمُهُ بِثُلُثٍ خَاصَّةً لِأَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُكْمِلُ إذْ الزِّيَادَةُ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ تَتَلَقَّ مِنْ الْمَيِّتِ فَلَا يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا. فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يُكْمِلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ (لَكِنْ لَوْ أَجَازَ مَرِيضٌ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ. قُلْتُ: وَكَذَا مَنْ أَلْحَقَ بِهِ وَصِيَّةً تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ (فَ) إجَازَتُهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِتَرْكِهِ حَقًّا مَالِيًّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ) بِأَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (ثُمَّ مَرِضَ) الْبَائِعُ (زَمَنَهُ) أَيْ فِي الشَّهْرِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لَهُ وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَ الْبَيْعِ حَتَّى لَزِمَ. فَإِنَّ الْعِشْرِينَ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِهَا بِالْفَسْخِ فَتَعُودُ لِوَرَثَتِهِ. فَلَمَّا لَمْ يَفْسَخْ كَانَ كَأَنَّهُ اخْتَارَ وُصُولَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي. أَشْبَهَ عَطِيَّتَهُ فِي مَرَضِهِ (وَ) كَ (إذْنِ) مَرِيضٍ (فِي قَبْضِ هِبَةٍ) وَهَبَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَ (لَا) تُعْتَبَرُ مُحَابَاةٌ فِي (خِدْمَتِهِ) مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ بِدُونِ أَجْرِ مِثْلِهِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَمْضَاهَا بَلْ مُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. لِأَنَّ تَرْكَهُ الْفَسْخَ إذَنْ لَيْسَ بِتَرْكِ مَالٍ (وَالِاعْتِبَارُ بِكَوْنِ مَنْ وَصَّى) لَهُ بِوَصِيَّةٍ (أَوْ وَهَبَ لَهُ) هِبَةً مِنْ مَرِيضٍ (وَارِثًا أَوْ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ مُوصٍ وَوَاهِبٍ. فَمَنْ وَصَّى لِأَحَدِ إخْوَتِهِ أَوْ وَهَبَهُ فِي مَرَضِهِ، فَحَدَثَ لَهُ وَلَدٌ صَحَّتَا إنْ خَرَجَتَا مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَإِنْ وَصَّى أَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ أَخَاهُ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَهُ وَقَفْنَا عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ.
(وَ) الِاعْتِبَارُ (بِإِجَازَةِ) وَصِيَّةٍ أَوَعَطِيَّةً (أَوْ رَدٍّ) لِأَحَدِهِمَا (بَعْدَهُ) أَيْ الْمَوْتِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ وَقْتُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهَا (وَمَنْ أَجَازَ) مِنْ وَرَثَةِ عَطِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَكَانَتْ جُزْءًا (مُشَاعًا) كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ (ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَجَزْتُ) ذَلِكَ (لِأَنِّي ظَنَنْتُهُ) أَيْ الْمَالَ الْمُخَلَّفَ (قَلِيلًا) ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَثِيرٌ (قُبِلَ) قَوْلُهُ ذَلِكَ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ. وَالظَّاهِرُ مَعَهُ (وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ) لِإِجَازَتِهِ مَا فِي ظَنِّهِ. فَإِذَا كَانَ الْمَالُ أَلْفًا وَظَنَّهُ ثَلَاثَمِائِةٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ. فَقَدْ أَجَازَ السُّدُسَ وَهُوَ خَمْسُونَ فَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ مَعَ ثُلُثِ الْأَلْفِ فَلِمُوصًى لَهُ ثَلَاثُمِائِةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ