الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ]
ِ أَيْ بَيَانُ حُكْمِهِ وَمَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَوْ أَسْلَمُوا (وَهُوَ) صَحِيحٌ وَحُكْمُهُ (كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ يَجِبُ بِهِ) مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَالْإِحْصَانِ، وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْله تَعَالَى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]{امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] فَأَضَافَ النِّسَاءَ إلَيْهِمْ وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي زَوْجِيَّةً صَحِيحَةً «وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» وَإِذَا ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهَا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ.
(وَ) فِي (تَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ) فَلَوْ طَلَّقَ كَافِرٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَسْلَمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَإِنْ نَكَحَ كِتَابِيٌّ كِتَابِيَّةً وَوَطِئَهَا حَلَّتْ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا بِشَرْطِهِ مُسْلِمًا كَانَ الْمُطَلِّقُ أَوْ كَافِرًا.
وَإِنْ ظَاهَرَ كَافِرٌ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ بِشَرْطِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِي النِّكَاحِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَيُقَرُّونَ) أَيْ الْكُفَّارُ عَلَى أَنْكِحَةٍ مُحَرَّمَةٍ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا أَيْ إبَاحَتَهَا ; لِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ فَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] الْآيَةَ فَدَلَّ أَنَّهُمْ يُحَلُّونَ وَأَحْكَامُهُمْ إنْ لَمْ يَجِيئُوا إلَيْنَا وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ نِكَاحَ مَحَارِمِهِمْ.
(فَإِنْ أَتَوْنَا) أَيْ الْكُفَّارُ (قَبْلَ عَقْدِهِ) أَيْ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (عَقَدْنَاهُ عَلَى حُكْمِنَا) أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنَّا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمَتْ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ (وَإِنْ أَتَوْنَا بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (أَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ) عَلَى نِكَاحٍ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ مِنْ وُجُوبِ صِيغَتِهِ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْمُقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ «وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرُونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْلَمَ نِسَاؤُهُمْ فَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلَا كَيْفِيَّتِهِ» (فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُبَاحُ)
لِلزَّوْجِ (إذًا) أَيْ حَالَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (كَعَقْدٍ فِي عِدَّةٍ فَرَغَتْ) نَصًّا.
(أَوْ) عَقْدٍ (عَلَى أُخْتِ زَوْجَةٍ مَاتَتْ أَوْ بِلَا شُهُودٍ أَوْ) بِلَا (وَلِيٍّ أَوْ) بِلَا (صِيغَةٍ أُقِرَّا) عَلَى نِكَاحِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ إذْنٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ بِالْأَوْلَى. (وَإِنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْآنَ) أَيْ وَقْتَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ (كَذَاتِ مَحْرَمٍ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ مُزَوَّجَةٍ فِي عِدَّةٍ) مِنْ غَيْرِهِ (لَمْ تَفْرُغْ) إلَى التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ.
(أَوْ) كَانَتْ (حُبْلَى) حِينَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِهِ (لَوْ) كَانَ الْحَمْلُ (مِنْ زِنًا أَوْ) كَانَ النِّكَاحُ (شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِ مُطْلَقًا) أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِمُدَّةٍ (أَوْ) شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ (بِمُدَّةٍ لَمْ تَمْضِ) عِنْدَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ النِّكَاحُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَهُنَا أَوْلَى (أَوْ اسْتَدَامَ نِكَاحُ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَلَوْ مُعْتَقِدًا حِلَّهَا) مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ; لِأَنَّهُ حَالٌ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَمَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ اللُّزُومَ، وَالْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لُزُومَهُ لِجَوَازِ فَسْخِهِ فَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَائِهِ كَذَلِكَ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ وَطِئَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا أُقِرَّا) عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لِكَيْفِيَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ (وَإِلَّا) يَكُونَا حَرْبِيَّيْنِ أَوْ كَانَا وَلَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا (فَلَا) يُقَرَّانِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عِنْدَهُمَا. (وَمَتَى صَحَّ) الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى) فِي نِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ (أَخَذَتْهُ) دُونَ غَيْرِهِ لِوُجُوبِهِ، وَصِحَّةُ النِّكَاحِ وَالتَّسْمِيَةُ كَتَسْمِيَةِ الْمُسْلِمِ (وَإِنْ قَبَضَتْ) الْمُسَمَّى (الْفَاسِدَ) كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ (كُلَّهُ اسْتَقَرَّ) لِتَقَابُضِهِمَا بِحُكْمِ الشِّرْكِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَاهُ وَالتَّعَرُّضُ لِإِبْطَالِ الْمَقْبُوضِ يَشُقُّ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ وَفِيهِ تَنْفِيرٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ.
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِهِ سَقَطَ قِيَاسًا عَلَى قَرْضِ الْخَمْرِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمْ (وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ) مِنْ الْفَاسِدِ بِلَا قَبْضٍ (وَجَبَ قِسْطُهُ) أَيْ الْبَاقِي (مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ) فَلَوْ سَمَّى لَهَا عَشَرَةَ خَنَازِيرَ فَقَبَضَتْ خَمْسَةً ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَيُعْتَبَرُ) الْقِسْطُ (فِيمَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ) بِالْكَيْلِ (أَوْ) مَا يَدْخُلُهُ (وَزْنٌ)