الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ وَشَرْطُ الْمُنَاضَلَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ]
(فَصْلٌ وَشَرْطُ الْمُنَاضَلَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ) أَحَدُهَا (كَوْنُهَا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ) ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ بِهِ. وَمَنْ لَا حِذْقَ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَتَبْطُلُ) مُنَاضَلَةٌ بَيْنَ حِزْبَيْنِ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ (فِيمَنْ لَا يُحْسِنُهُ مِنْ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَيَخْرُجُ مِثْلُهُ) أَيْ: مَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ (مِنْ) الْحِزْبِ (الْآخَرِ) إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ يَخْتَارُ إنْسَانًا وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ آخَرُ. فَمَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَأُخْرِجَ مُقَابِلُهُ، كَالْبَيْعِ إذَا بَطَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ سَقَطَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ (وَلَهُمْ) أَيْ: الْبَاقِينَ (الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا) لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِمْ.
(وَإِنْ تَعَاقَدُوا لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ) أَيْ: لِيُعَيَّنَ رَئِيسُ كُلِّ حِزْبٍ مَعَهُ (بِرِضَاهُمْ لَا بِقُرْعَةٍ. صَحَّ) ; لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَعَلَى الْكَوَادِنِ فِي الْآخَرِ. فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضَالِ ; وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُخْرِجُ الْمُبْهَمَاتِ. وَالْعَقْدُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَتَمَيَّزَ كُلُّ حِزْبٍ " وَيُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ، فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا " أَيْ: أَحَدُ الرَّئِيسَيْنِ (وَاحِدًا) مِنْ الرُّمَاةِ يَكُونُ مَعَهُ (ثُمَّ) يَخْتَارُ (الْآخَرُ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ (آخَرُ) مِنْ الرُّمَاةِ (حَتَّى يَفْرُغَا) فَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ بِالِاخْتِيَارِ إذَنْ. وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. لِأَنَّ اخْتِيَارَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ يَبْعُدُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْعَدْلِ.
(وَإِنْ تَشَاحَّا فِيمَنْ يَبْدَأُ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ (بِالْخِيَرَةِ اقْتَرَعَا) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اخْتَارَ أَوَّلًا. إذْ الْقُرْعَةُ تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ بَعْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَسَاوِي أَهْلِهِ (وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا) ; لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ سَبَقَ لِتَدْبِيرِهِ لَهُمَا، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ (وَلَا) يَجُوزُ جَعْلُ (الْخِيَرَةِ فِي تَمْيِيزِهِمَا) أَيِّ الْحِزْبَيْنِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى وَاحِدٍ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَرَادُوا الْقُرْعَةَ لِإِخْرَاجِ الزَّعِيمَيْنِ جَازَ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرِ ثَمَانِيَةً وَنَحْوُهُ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرَّمْيِ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الِاخْتِلَافِ. فَقَدْ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْقَطْعَ وَيُرِيدُ الْآخَرُ الزِّيَادَةَ.
وَالرِّشْقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرُ رَشَقَ الشَّيْءَ رَشْقًا (وَ) مَعْرِفَةُ عَدَدِ (الْإِصَابَةِ) لِتَبَيُّنِ مَقْصُودِ الْمُنَاضَلَةِ وَهُوَ الْحِذْقُ. فَيُقَالُ مَثَلًا: الرِّشْقُ عِشْرُونَ، وَالْإِصَابَةُ خَمْسَةٌ وَنَحْوُهَا.
وَيُشْتَرَطُ إمْكَانُ قِسْمَةِ عَدَدِ الرَّمْيِ عَلَى الرُّمَاةِ بِلَا كَسْرٍ. فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثٌ، أَوْ أَرْبَعَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ رُبُعٌ. وَهَكَذَا لِئَلَّا يَبْقَى مَا لَا يُمَكِّنُ الْجَمَاعَةَ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ. وَيُشْتَرَطُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي عَدَدِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَصِفَتِهَا وَسَائِرُ أَحْوَالِ الرَّمْيِ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَالْغَرَضُ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: تَبْيِينُ كَوْنِهِ) أَيْ: الرَّمْيِ (مُفَاضَلَةً ك) قَوْلِهِمْ (أَيْنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ) وَنَحْوُهُ. وَيَلْزَمُ فِيهَا إتْمَامُ الرَّمْيِ إنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ (أَوْ) تَبْيِينُ كَوْنِ الرَّمْيِ (مُبَادَرَةً، كَأَيْنَا سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ) وَنَحْوُهُ. فَإِذَا رَمَيَا عَشْرًا عَشْرًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرَ خَمْسًا، فَمُصِيبٌ الْخَمْسِ هُوَ السَّابِقُ سَوَاءٌ أَصَابَ الْآخَرُ مَا دُونَهَا أَوْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا (وَلَا يَلْزَمُ إنْ سَبَقَ إلَيْهَا وَاحِدٌ إتْمَامُ الرَّمْيِ) ; لِأَنَّ السَّبْقَ قَدْ صَارَ لِلسَّابِقِ.
وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسًا فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا وَلَا يُكْمِلَانِ الرَّشْقَ. ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ حَصَلَتْ وَاسْتَوَيَا فِيهَا (أَوْ) تَبْيِينُ كَوْنِ الرَّمْيِ (مُحَاطَّةً بِأَنْ) اشْتَرَطَا أَنْ (يُحَطَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ إصَابَةٍ مِنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي) عَدَدِ (الرَّمَيَاتِ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ) صَاحِبَهُ (بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُحَاطَّةِ: أَنَّ الْمُحَاطَّةَ تُقَدَّرُ فِيهَا الْإِصَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفَاضَلَةِ.
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْإِقْنَاعِ: الْمُفَاضَلَةُ هِيَ الْمُحَاطَّةُ (وَإِنْ أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ) فِي الْمُنَاضَلَةِ (أَوْ قَالَا) أَيْ: شَرَطَا أَنَّهَا (خَوَاصِلَ) بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ (تَنَاوَلَهَا) أَيْ: تَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْإِصَابَةَ (عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) .
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ خَصَلْتُ مُنَاضِلِي خَصْلَةً وَخَصْلًا. وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْقَرْعَ. وَالْقَرْطَسَةَ يُقَالُ: قَرْطَسَ إذَا أَصَابَ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْإِصَابَة لَكِنْ يُسَنُّ.
(وَإِنْ قَالَا) أَيْ: اشْتَرَطَا أَنَّ الْإِصَابَةَ (خَوَاسِقَ أَوْ خَوَازِقَ بِالزَّايِ أَوْ مُقَرْطَسَ) وَهِيَ (مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ)(أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّ الْإِصَابَة (خَوَارِقَ بِالرَّاءِ أَوْ مَوَارِقُ) وَهِيَ (مَا خَرَقَهُ) أَيْ: الْغَرَضَ (وَلَمْ يَثْبُتْ) فِيهِ (أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (خَوَاصِرَ) وَهِيَ (مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ)(أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (خَوَارِمَ) ، وَهِيَ (مَا خَرَمَ جَانِبَهُ) .
(أَوْ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا (حَوَابِي) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ (مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ وَثَبَ إلَيْهِ) أَيْ: الْغَرَضِ (أَوْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْهُ) مُعَيَّنٍ (كَدَائِرَتِهِ) أَيْ: الْغَرَضِ (تَقَيَّدَتْ) الْمُنَاضَلَةُ
(بِهِ) أَيْ: بِمَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّهُ مَرْجِعُ الْمُنَاضَلَةِ. وَإِنْ شَرَطَا الْخَوَاسِقَ وَالْحَوَابِي مَعًا صَحَّ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ) كَتِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ وُجُودِهَا فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ.
(وَلَا) يَصِحُّ (تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لَا يَعْدُوهُمَا رَمْيًا) إذْ الْغَرَضُ مِنْ الرَّمْيِ الْإِصَابَةُ لِقَتْلِ الْعَدُوِّ أَوْ جَرْحِهِ أَوْ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِصَابَةِ لَا مِنْ بُعْدِ الرَّمْيِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ) أَيْ: الْغَرَضِ (طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا) مِنْ الْأَرْضِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ; لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ وَغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَانْخِفَاضِهِ. وَالْغَرَضُ مَا تُقْصَدُ إصَابَتَهُ بِالرَّمْيِ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَسُمِّيَ أَيْضًا: شَارَةً وَشَنًّا (وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ الْمُتَنَاضِلَانِ (فِي الِابْتِدَاءِ) أَيْ: فِي الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا.
فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَبَدَرَهُ الْآخَرُ وَرَمَى لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِسَهْمٍ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ. وَيُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ فِي الْعَقْدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا سَهْمًا سَهْمًا وَخَمْسًا خَمْسًا وَأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَ الرِّشْقِ وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَطْلَقَا تَرَاسَلَا سَهْمًا سَهْمًا ; لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ عَنْ يَمِينِ الْغَرَضِ أَوْ يَسَارِهِ فَالْأَمْرُ إلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا. فَإِذَا صَارَ الثَّانِي إلَى الْغَرَضِ صَارَ الْخِيَارُ إلَيْهِ لِيَسْتَوِيَا.
وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا اسْتِقْبَالَ الشَّمْسِ وَالْآخَرُ اسْتِدْبَارَهَا أُجِيبَ مَنْ طَلَبَ اسْتِدْبَارَهَا (وَإِذَا بَدَأَ) أَحَدُهُمَا (فِي وَجْهٍ) هُوَ رَمْيُ الْقَوْمِ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَامِ (بَدَأَ الْآخَرُ) فِي الْوَجْهِ (الثَّانِي) عَدْلًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةِ لِأَحَدِهِمَا فِي كُلِّ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَهَذَا تَفَاضُلٌ، وَإِنْ فَعَلَاهُ بِتَرَاضِيهِمَا بِلَا شَرْطٍ جَازَ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْبُدَاءَةِ فِي الْإِصَابَةِ (وَسُنَّ جَعْلُ غَرَضَيْنِ) فِي الْمُنَاضَلَةِ يَرْمِي الرَّسِيلَانِ أَحَدَهُمَا ثُمَّ يَمْضِيَانِ إلَى الْمَرْمِيِّ فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ وَيَرْمِيَانِ الْآخَرَ. لِأَنَّهُ فِعْلُ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم " «مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» " وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: رَأَيْتُ حُذَيْفَةَ يَشْتَدُّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ: أَنَالُهَا فِي قَمِيصٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ.
وَالْهَدَفُ مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْو تُرَابٍ مَجْمُوعٍ أَوْ حَائِطٍ. (وَإِذَا) كَانَ غَرَضَانِ فَ (بَدَأَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْمُتَنَاضِلَيْنِ (بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرُ بِالثَّانِي) لِحُصُولِ التَّعَادُلِ (وَإِنْ أَطَارَتْهُ) أَيْ: الْغَرَضَ (الرِّيحُ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ) أَيْ: الْمُتَنَاضِلَيْنِ (خَوَاسِقَ أَوْ نَحْوُهَا) كَخَوَارِقَ وَمُقَرْطَسٍ (لَمْ
يُحْتَسَبْ لَهُ) أَيْ: الرَّامِي (بِهِ) أَيْ: بِالسَّهْمِ (وَلَا عَلَيْهِ) ; لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ كَانَ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ اُحْتُسِبَ بِهِ لِرَامِيهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ. وَإِنْ بَقِيَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ وَشَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ وَأَصَابَ السَّهْمُ الْغَرَضَ بِعَرْضِهِ أَوْ بِفَوْقِهِ، بِأَنْ انْقَلَبَ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ فَأَصَابَهُ فَوْقَهُ أَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ قِطْعَتَيْنِ وَأَصَابَ الْغَرَضَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
(وَإِنْ عَرَضَ) لِأَحَدِهِمَا (عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ أَوْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ) فَأَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ (لَمْ يُحْتَسَبْ) لَهُ (بِالسَّهْمِ) وَلَا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْعَارِضَ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الصَّوَاب إلَى الْخَطَأِ كَعَكْسِهِ. وَإِنْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ فَنَفِدَ مِنْهُ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ سَدَادِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ (وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ أَوْ ظُلْمَةٌ) عِنْدَ رَمْيٍ (جَازَ تَأْخِيرُهُ) ; لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرْخِي الْوَتَرَ وَالظُّلْمَةُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْعَادَةُ الرَّمْيُ نَهَارًا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا فَيَلْزَمُ. فَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً مُنِيرَةً اُكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا رَمَيَا فِي ضَوْءِ شَمْعَةٍ أَوْ مِشْعَلٍ.
وَيُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامٍ يَغِيظُ بِهِ صَاحِبَهُ، كَأَنْ يَرْتَجِزَ أَوْ يَفْتَخِرَ وَيَتَبَجَّحَ بِالْإِصَابَةِ وَيُعَنِّفَ صَاحِبَهُ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ يُظْهِرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ (وَكُرِهَ) لِمَنْ حَضَرَهُمَا مِنْ أَمِينٍ وَشُهُودٍ وَغَيْرِهِمْ (مَدْحُ أَحَدِهِمَا أَوْ) مَدْحُ (الْمُصِيبِ وَعَيْبُ الْمُخْطِئِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ) وَغَيْظِهِ وَحَرَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ.
وَفِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: إنْ كَانَ مَدْحُهُ يُفْضِي إلَى تَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ أَوْ كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ قَوِيَ التَّحْرِيمُ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَنَحْوِهِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ (وَمَنْ قَالَ) لِآخَرَ: (ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ) أَيْ: إصَابَتُك فِيهَا (أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِك فَلَكَ دِرْهَمٌ) صَحَّ (أَوْ) قَالَ: (لَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ) صَحَّ، أَوْ قَالَ: فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصَابَاتِ دِرْهَمٌ صَحَّ (أَوْ) قَالَ: (ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ صَحَّ) وَكَانَ جَعَالَةً فِي الْجَمِيعِ (وَلَزِمَهُ) الْجُعْلُ (بِذَلِكَ) أَيْ: بِوُجُودِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ ; لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ عَلَى عَمَلٍ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ. وَلَيْسَ نِضَالًا. ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. فَإِنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ خَطَؤُك أَكْثَرَ فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوُهُ لَمْ يَصِحَّ. وَ (لَا إنْ قَالَ: وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ) ; لِأَنَّهُ قِمَارٌ. وَإِنْ قَالَ: مَنْ أَرَادَ رَمْيَ سَهْمٍ لِحَاضِرِهِ إنْ أَخْطَأْتُ فَلَكَ دِرْهَمٌ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ الْجُعْلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَاضِرِ.