الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَصْبِ) لِمَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْ مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَلَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ: الْمَغْصُوبَ (وَرَثَةُ غَاصِبِهِ) بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ مَالِكِهِ إلَى وَرَثَتِهِ (فَلِمَغْصُوبٍ مِنْهُ مُطَالَبَتُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ بِمَا غَصَبَهُ مِنْهُ (فِي الْآخِرَةِ) ; لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ ; وَلِأَنَّهَا ظُلَامَةٌ عَلَيْهِ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهَا بِرَدٍّ وَلَا تَبْرِئَةٍ. فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِرَدِّ غَيْرِهِ لَهَا إلَى غَيْرِ الْمَظْلُومِ، كَمَا لَوْ جَهِلَ وَرَثَةَ رَبِّهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ.
[فَصْلٌ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ]
(فَصْلٌ وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ) إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّهُ لَهُ (وَلَوْ سَهْوًا مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْمُتْلِفِ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الْمُتْلِفُ (يَضْمَنُهُ ضَمَّنَهُ) أَيْ: مَا أَتْلَفَهُ. لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ. وَخَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ سِرْجِينٍ نَجَسٍ وَكَلْبٍ وَبِالْمُحْتَرَمِ نَحْوُ صَنَمٍ وَصَلِيبٍ وَآلَاتِ لَهْوٍ، وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِ مَالِ نَفْسِهِ، وَبِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ مَا يُتْلِفُهُ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقْتَ حَرْبٍ وَعَكْسِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ وَعَكْسِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَحْظُهُ مِمَّا دُفِعَ إلَيْهِ وَالصَّائِلُ وَيَأْتِي. (وَإِنْ أُكْرِهَ) شَخْصٌ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مَضْمُونٍ فَأَتْلَفَهُ (فَمُكْرِهُهُ) يَضْمَنُهُ، (وَلَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ) كَإِكْرَاهِهِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ رَبِّهَا وَلِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ قَتْلٍ وَلَمْ يَخْتَرْهُ بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ. فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَ (لَا) يُضْمَنُ الْمَالُ إنْ كَانَ (غَيْرَ مُحْتَرَمٍ) بِإِتْلَافِهِ (كَ) إتْلَافِ (صَائِلٍ) لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ.
(وَ) إتْلَافِ (رَقِيقٍ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ. وَمَالِ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ) كَمَالِ بُغَاةٍ مَعَ أَهْلِ عَدْلٍ وَعَكْسُهُ حَالَ حَرْبٍ، (فَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ) مَمْلُوكٍ مُحْتَرَمٍ فَفَاتَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَ حَيَوَانٍ (أَوْ حَلَّ قَيْدَ قِنٍّ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْقِنِّ أَوْ الْأَسِيرِ (مِبْرَدًا فَبَرَدَهُ) أَيْ: الْقَيْدَ وَفَاتَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ، (أَوْ حَلَّ فَرَسًا) وَنَحْوَهَا (أَوْ) حَلَّ (سَفِينَةً فَفَاتَ) ذَلِكَ بِأَنْ ذَهَبَ الطَّائِرُ مِنْ الْقَفَصِ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهِ حَيَوَانٌ فَقَتَلَهُ، أَوْ هَرَبَ الْقِنُّ أَوْ الْأَسِيرُ ; أَوْ شَرَدَتْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهَا، أَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوْ لَا (أَوْ عَقَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ، بِأَنْ كَانَ الطَّائِرُ جَارِحًا فَقَلَعَ عَيْنَ إنْسَانٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ فَقَتَلَ أَوْ عَقَرَ ضَمِنَهُ (أَوْ أَتْلَفَ) الطَّائِرُ أَوْ الْقِنُّ أَوْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهُ (شَيْئًا) كَأَنْ كَسَرَ إنَاءً أَوْ
قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا، أَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي حَلَّهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ انْحَدَرَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي حَلَّهَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَتْهُ وَنَحْوَهُ ضَمِنَهُ (أَوْ) حَلَّ (وِكَاءَ زِقِّ) دُهْنٍ (مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذَابَتْهُ نَارٌ قَرَّبَهَا إلَيْهِ غَيْرُهُ. فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُهَا. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ (أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ) مُنْتَصِبًا (فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ) أَوْ زَلْزَلَةٌ أَوْ مَطَرٌ أَوْ نَحْوُهُ (فَانْدَفَقَ) أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ أَسْفَلَهُ فَسَقَطَ، أَوْ لَمْ يَزَلْ يَمِيلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى سَقَطَ فَانْدَفَقَ أَوْ لَمْ يَنْدَفِقْ، بَلْ خَرَجَ مَا فِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا (ضَمِنَهُ) الْمُعْتَدِي بِذَلِكَ سَوَاءٌ نَفَرَهُ مَعَ ذَلِكَ أَوْ لَا، أَوْ ذَهَبَ مَا حَلَّهُ عَقِبَ حَلِّهِ أَوْ لَا لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ. وَلِأَنَّ الطَّائِرَ وَسَائِرَ الصَّيْدِ مِنْ عَادَتِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى مَعَ الْمَانِعِ فَإِذَا أُزِيلَ ذَهَبَ بِطَبْعِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ عِلَاقَةَ قِنْدِيلٍ فَسَقَطَ فَانْكَسَرَ. وَ (لَا) يَضْمَنُ (دَافِعُ مِفْتَاحِ) نَحْوِ دَارٍ فِيهَا مَالٌ (لِلِّصِّ) مَا سَرَقَهُ اللِّصُّ مِنْ الْمَالِ لِمُبَاشَرَةِ اللِّصِّ لِلسَّرِقَةِ، فَهُوَ أَوْلَى بِإِحَالَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ فَتَحَ حِرْزًا فَجَاءَ آخَرُ فَسَرَقَ.
وَفِي الْإِقْنَاعِ: إنْ فَتَحَ بَابًا فَنَهَبَ الْغَيْرُ مَالَهُ أَوْ سَرَقَهُ ضَمِنَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْآخِذِ.
وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَزَالَ يَدَ إنْسَانٍ عَنْ نَحْوِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَحْشِيَّةٍ فَهَرَبَ، أَوْ أَزَالَ يَدَهُ الْحَافِظَةَ عَنْ مَتَاعِهِ حَتَّى نَهَبَهُ النَّاسُ أَوْ أَفْسَدَتْهُ الدَّوَابُّ أَوْ الْمَاءُ أَوْ النَّارُ أَوْ سُرِقَ، أَوْ ضَرَبَ يَدَ آخَرَ وَفِيهَا دِينَارٌ فَضَاعَ، أَوْ أَلْقَى عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ أَوْ هَزَّهُ فِي خُصُومَةٍ فَسَقَطَتْ عِمَامَتُهُ وَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ ضَمِنَ، (وَلَا) يَضْمَنُ (حَابِسُ مَالِكِ دَوَابَّ فَتَتْلَفُ) دَوَابُّهُ بِحَبْسِهِ لَهُ.
وَفِي الْمُبْدِعِ: يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ، (وَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ) الَّذِي فُتِحَ قَفَصُهُ (أَوْ) بَقِيَ (الْغَرْسُ) الَّذِي حَلَّ قَيْدَهُ (حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ) بَعْدَ ذَلِكَ فَذَهَبَا (ضَمِنَ الْمُنَفِّرُ) وَحْدَهُ ; لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ، كَدَافِعِ وَاقِعٍ فِي بِئْرٍ مَعَ حَافِرِهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَّ حَيَوَانًا وَحَرَّضَهُ آخَرُ فَجَنَى فَضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُحَرِّضِ، وَإِنْ وَقَعَ طَائِرٌ عَلَى جِدَارٍ فَنَفَّرَهُ شَخْصٌ فَذَهَبَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِامْتِنَاعِهِ قَبْلَهُ، فَلَيْسَ تَنْفِيرُهُ بِسَبَبِ فَوَاتِهِ، وَإِنْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ رَمَاهُ فِي هَوَاءٍ وَغَيْرِهِ.
(وَمَنْ رَبَطَ) دَابَّةً (أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ (بِطَرِيقٍ وَلَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (وَاسِعًا) نَصًّا (أَوْ تَرَكَ بِهَا) أَيْ: الطَّرِيقِ وَلَوْ وَاسِعًا (طِينًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ) نَصًّا (أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِ) سَبَبِ (ذَلِكَ) الْفِعْلِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حَقٌّ وَطَبْعُ دَابَّةٍ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ
رِجْلِهَا فَإِبْقَاؤُهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ.
(وَيَضْمَنُ مَغْرَمًا أَخَذَهُ ظَالِمٌ بِإِغْرَائِهِ وَدَلَالَتِهِ) لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ، (وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا) وَلَوْ لِصَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ (أَوْ) اقْتَنَى كَلْبًا (لَا يُقْتَنَى) كَاقْتِنَاءِ كَلْبٍ لِغَيْرِ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ (أَوْ) اقْتَنَى كَلْبًا (أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ) اقْتَنَى (أَسَدًا) أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا (أَوْ هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ عَادَةً مَعَ عِلْمِهِ) أَيْ: الْمُقْتَنِي لِذَلِكَ، (أَوْ) اقْتَنَى (نَحْوَهَا مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ) كَدُبٍّ وَقِرْدٍ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْكَبْشُ الْمُعَلَّمُ النِّطَاحَ) انْتَهَى، فَعَقَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ آدَمِيًّا أَوْ دَابَّةً (أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ) مَنْزِلَ الْمُقْتَنِي (بِإِذْنِهِ) إنْ لَمْ يُنَبِّهْهُ عَلَى الْكَلْبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُوثَقٍ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ هُوَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ ضَمِنَهُ، بِخِلَافِ بَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ (أَوْ نَفَحَتْ دَابَّةٌ بِ) مَكَانٍ (ضَيِّقٍ مِنْ ضَرْبِهَا) فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ (ضَمِنَهُ) مُوقِفُهَا لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ. فَإِنْ عَقَرَ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ بِلَا إذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ. وَكَذَا لَوْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ بِلَا اقْتِنَائِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ فَأَفْسَدَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلَ الْإِفْسَادُ بِسَبَبِهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: فَإِذَا اقْتَنَى حَمَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا فَلَقَطَ حَبًّا لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهُ. (وَيَجُوزُ قَتْلُ هِرٍّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ) كَفَوَاسِقَ.
وَفِي الْفُصُولِ: حِينَ أَكَلَهُ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَصَائِلٍ.
(وَمَنْ أَجَّجَ) أَيْ: أَوْقَدَ (نَارًا) حَتَّى صَارَتْ تَلْتَهِبُ (بِمِلْكِهِ) وَلَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَكَذَا بِمَوَاتٍ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ (أَوْ سَقَاهُ) أَيْ مِلْكَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ (فَتَعَدَّى) ذَلِكَ (إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (لَا) إنْ تَعَدَّتْ النَّارُ (بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَأَتْلَفَهُ) أَيْ: مِلْكَ غَيْرِهِ (ضَمِنَهُ) الْفَاعِلُ (إذَا فَرَّطَ) بِأَنْ أَجَّجَ نَارًا تَسْرِي عَادَةً لِكَثْرَتِهَا أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَحْمِلُهَا، أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى مِثْلُهُ (أَوْ فَرَّطَ) بِتَرْكِ النَّارِ مُؤَجَّجَةً وَالْمَاءِ مَفْتُوحًا وَنَامَ وَنَحْوَهُ لِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ. وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ النَّارُ بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَلَا يَضْمَنُهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِتَفْرِيطِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مَغْصُوبًا ضَمِنَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ أَسْرَفَ أَوْ لَا. وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ إنْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيُفِيضُ ضَمِنَ مَا يَبِسَ مِنْ أَغْصَانِ شَجَرَةِ جَارِهِ بِسَبَبِ إيقَادِ النَّارِ ضَمِنَهُ الْمُوقِدُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَوَائِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَارٍ كَثِيرَةٍ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَمَنْ حَفَرَ) بِنَفْسِهِ أَوْ قِنِّهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ
(أَوْ) حَفَرَ (قِنُّهُ) وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدُ (بِأَمْرِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ) أَيْ: لِيَخْتَصَّ بِنَفْعِهَا (فِي فِنَائِهِ) أَيْ: فِي فِنَاءِ دَارِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَفِنَاءُ الدَّارِ كَكِسَاءِ مَا كَانَ خَارِجَ دَارِهِ قَرِيبًا مِنْهَا (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ) أَيْ: الْبِئْرِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نِصْفَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفَهَا فِي فِنَائِهِ نَصًّا لِتَعَدِّيهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِيهِ سِكِّينًا، وَإِنْ حَفَرَ الْقِنُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ. فَإِنْ عَتَقَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَسَوَاءٌ أَضَرَّ الْحَفْرُ أَوْ لَا، أَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا ; لِأَنَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِفِنَائِهِ لِنَفْعٍ عَامٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: حُكْمُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَهُ بِالطَّرِيقِ عَلَى مَا يَأْتِي، (وَكَذَا حُرٌّ) حَفَرَ لِغَيْرِهِ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ تَعَدِّيًا أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا إذَا (عَلِمَ الْحَالَ) أَيْ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ الْآذِنِ. إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكِ أَرْبَابِ الدُّورِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِهِمْ. فَإِنْ جَهِلَ حَافِرٌ الْحَالَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِيَمِينِهِ. وَكَذَا حُكْمُ مَنْ بُنِيَ لَهُ بِأَمْرِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ. وَ (لَا) يَضْمَنُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا (فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ لِارْتِفَاقٍ أَوْ لِانْتِفَاعٍ عَامٍّ) نَصًّا، (أَوْ) حَفَرَهَا (فِي سَابِلَةٍ) أَيْ: طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ (وَاسِعَةٍ) لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ بِأَنْ حَفَرَهَا لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ أَوْ لِيَشْرَبَ مِنْهَا الْمَارَّةُ وَنَحْوُهُ، (أَوْ بَنَى فِيهَا) أَيْ: فِي السَّابِلَةِ الْوَاسِعَةِ (مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُمَا) كَسِقَايَةٍ (لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ) بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ (وَلَوْ) فَعَلَهُ (بِلَا إذْنِ إمَامٍ) ; لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَوَاتِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا وَفِي غَيْرِهِ إحْسَانٌ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ؟ فَقَالَ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ. وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ؟ فَقَالَ لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ (كَبِنَاءِ جِسْرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا.
(وَ) كَ (وَضْعِ حَجَرٍ بِطِينٍ لِيَطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ) لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ كَإِصْلَاحِهَا وَإِزَالَةِ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْهَا، وَحَفْرِ هَدَفِهِ فِيهَا، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَوَضْعِ نَحْوِ حَصًى فِي حُفْرَةٍ بِهَا. لِيَمْلَاهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ، لَكِنْ حَفَرَ أَوْ بَنَى لِيَخْتَصَّ بِمَا حَفَرَهُ أَوْ بَنَاهُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ، لَكِنْ جَعَلَهُ فِي مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ.
(وَمَنْ أَمَرَ حُرًّا بِحَفْرِهَا) أَيْ الْبِئْرِ (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْآمِرِ (بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا) بِأُجْرَةٍ، فَحَفَرَ الْمَأْمُورُ وَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا حَافِرٌ عَلِمَ)
أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِغَيْرِ الْآمِرِ نَصًّا (وَإِلَّا) يَعْلَمَ حَافِرٌ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ قِنَّ الْآمِرِ، (فَآمِرٌ) يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا لِتَغْرِيرِهِ (كَأَمْرِهِ بِبِنَاءٍ) فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَفَعَلَ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ (وَحَلَفَا) أَيْ: الْحَافِرُ وَالْبَانِي (إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ) بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِ الْآمِرِ وَادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَهُمَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ أَمَرَ) بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِبِنَاءٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ (وَحْدَهُ) أَيْ: دُونَ حَافِرٍ وَبَانٍ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَوْ لَا ; لِأَنَّهُ لَا تَسَعُهُ مُخَالَفَتُهُ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا أَوْ بَارِيَةً) وَهِيَ الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَيُطْلَقُ بِالشَّامِ عَلَى مَا يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ، (أَوْ) بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ (بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ) فِيهِ (أَوْ أَوْقَدَ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا أَوْ) نَصَبَ فِيهِ (عُمُدًا) لِمَصْلَحَةٍ (أَوْ) نَصَبَ فِيهِ (رَفًّا لِنَفْعِ النَّاسِ أَوْ سَقَفَهُ أَوْ بَنَى جِدَارًا أَوْ نَحْوَهُ) فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، كَوَضْعِهِ فِيهِ حَصًى، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا (أَوْ جَلَسَ) فِيهِ (أَوْ اضْطَجَعَ) فِيهِ (أَوْ أَقَامَ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَلَسَ، (وَاضْطَجَعَ أَوْ أَقَامَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ) لَا ضَيِّقً (فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُبَاحٌ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ فِي مَكَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ. أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ. فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا كَجُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ مَعَ حَيْضٍ أَوْ مَعَ إضْرَارِ الْمَارَّةِ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ. وَخَالَفَ فِيهِ الْحَارِثِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا وَنَحْوَهُ) كَسَابَاطٍ وَحَجَرٍ بَرَزَ بِهِ فِي بُنْيَانٍ (إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ) بِلَا إذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا يَأْتِي. (أَوْ) أَخْرَجَ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ (غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ نَافِذٍ (بِلَا أَهْلِهِ فَسَقَطَ) ذَلِكَ الْمُخْرَجُ (فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ) الْمُخْرِجُ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِمَا أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ بَنَى حَائِطًا مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ أَوْ أَقَامَ خَشَبَةً فِي مِلْكِهِ مَائِلَةً إلَى الطَّرِيقِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا (وَلَوْ) كَانَ التَّلَفُ (بَعْدَ بَيْعِ) مُخْرَجٍ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ، (وَقَدْ طُولِبَ) بَائِعٌ قَبْلَ بَيْعِهِ (بِنَقْضِهِ) وَلَمْ يَفْعَلْ (لِحُصُولِهِ) أَيْ: التَّلَفِ (بِفِعْلِهِ) ، وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يُطَالَبْ قَبْلَ بَيْعِهِ لَا ضَمَانَ. وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ، بَلْ مُوَلِّيهِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ) أَيْ: الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ الْمُخْرَجُ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ، (إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ وَلَا ضَرَرَ) عَلَى الْمَارَّةِ بِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُمْ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، (وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ) وَقَدْ بَنَاهُ مُسْتَقِيمًا (إلَى) هَوَاءِ (غَيْرِ مِلْكِهِ) ، سَوَاءٌ مَالَ الطَّرِيقُ أَوْ هَوَاءُ