الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ عَارَ الشَّيْءُ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَطَّالِ: عَيَّارٌ لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ. وَأَعَارَهُ وَعَارَهُ لُغَتَانِ كَ أَطَاعَهُ وَطَاعَهُ، أَوْ مِنْ الْعُرْيِ وَهُوَ التَّجَرُّدُ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ، أَوْ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِجَعْلِ الْمَالِكِ لِلْمُسْتَعِيرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ. وَهِيَ (الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ) مِنْ مَالِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِمَنْفَعَتِهَا أَوْ وَكِيلُهُ (لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُطْلَقًا) أَوْ زَمَنًا مَعْلُومًا (بِلَا عِوَضٍ) وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا (وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةُ نَفْعِهَا) أَيْ: الْعَيْنِ أَيْ: رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِهَا. وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَمَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْإِجَارَةِ (بِلَا عِوَضٍ) وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى " {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَهِيَ مِنْ الْبِرِّ وقَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ " الْعَوَارِيّ " وَفَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْعَوَارِيّ: بِالْقِدْرِ وَالْمِيزَانِ وَالدَّلْوِ. وَحَدِيثُ " «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ " حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ. وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِمَا (وَتُسْتَحَبُّ) الْإِعَارَةُ ; لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَجِبُ لِحَدِيثِ "«إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلِحَدِيثِ "«لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» " وَنَحْوُهُ، فَيُرَدُّ مَا خَالَفَهُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ.
(وَتَنْعَقِدُ) الْإِعَارَةُ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا) أَيْ: الْإِعَارَةِ، ك أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ ارْكَبْهَا إلَى كَذَا، أَوْ اسْتَرِحْ عَلَيْهَا أَوْ خُذْهَا تَحْتَك وَنَحْوُهُ كَدَفْعِهِ دَابَّةً لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ لِبَرْدِهِ، كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ فَإِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ قَبُولًا. وَكَذَا لَوْ سُمِعَ مَنْ يَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا؟ فَأَعْطَاهُ كَفَى
لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ. نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
(وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ الْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا (كَوْنُ عَيْنٍ) مُعَارَةٍ (مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَائِهَا) كَدَوَابَّ وَرَقِيقٍ وَدُورٍ وَلِبَاسٍ وَأَوَانٍ. بِخِلَافِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنِهِ كَأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ. فَإِنْ أَعْطَاهَا بِلَفْظِ إعَارَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ. نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. .
(وَ) الثَّانِي (كَوْنُ مُعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا) ; لِأَنَّهَا نَوْعُ تَبَرُّعٍ، إذْ هِيَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ.
(وَ) الثَّالِثُ: كَوْنُ (مُسْتَعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لَهُ) بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ قَبُولُهَا مِنْهُ لِشِبْهِ الْإِبَاحَةِ بِالْهِبَةِ. فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِخِدْمَتِهِ (وَصَحَّ فِي) إعَارَةٍ (مُؤَقَّتَةٍ شَرْطُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتَصِيرُ إجَارَةً) كَمَا يَصِحُّ شَرْطُ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَتَصِيرُ بَيْعًا تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ. فَإِنْ أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ أَوْ جُهِلَ الْعِوَضُ فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ. وَلَوْ أَعَارَهُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَفَسَادُهَا إمَّا لِاشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ آخَرَ أَوْ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَتَيْنِ.
(وَإِعَارَةِ نَقْدٍ وَنَحْوِهِ) كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ (لَا لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ) كَاسْتِعَارَةِ نَقْدٍ لِيُنْفِقَهُ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لِيَأْكُلَهُ (قَرْضٌ) ; لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَرْضِ، وَهُوَ مُغَلَّبٌ عَلَى اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ كَوَزْنٍ وَتَحَلٍّ فَلَيْسَ بِقَرْضٍ. .
(وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (كَوْنُ نَفْعِ) عَيْنٍ مُعَارَةٍ (مُبَاحًا) لِمُسْتَعِيرٍ ; لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تُبِيحُ لَهُ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةٌ لِغِنَاءٍ أَوْ زَمْرٍ وَنَحْوِهِ وَلَا إنَاءٍ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَلَا حُلِيٍّ مُحَرَّمٍ، وَلَا أَمَةٍ لِيَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا وَنَحْوِهِ (وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) أَيْ: النَّفْعِ الْمُبَاحِ (كَ) إعَارَةِ (كَلْبٍ لِصَيْدٍ أَوْ فَحْلٍ لِضِرَابٍ) لِإِبَاحَةِ نَفْعِهِمَا. وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ إطْرَاقُ فَحْلِهَا.
(وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ) إذَا (عَدِمَ) مُصْحَفًا (غَيْرَهُ) وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبِ عِلْمٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى (وَتُكْرَهُ إعَارَةُ أَمَةٍ جَمِيلَةٍ لِذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ) مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا. وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَزَانٍ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَجْهَلْ التَّحْرِيمَ.
وَلِسَيِّدِهَا الْمَهْرُ وَإِنْ طَاوَعَتْ، أَيْ: إذَا لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ فِي الْوَطْءِ. فَإِنْ كَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ كَبِيرَةً لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا أُبِيحَتْ إعَارَتُهَا لَهُ، كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ لِمَحْرَمِهَا
مُطْلَقًا أَوْ لِامْرَأَةٍ ; لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا.
(وَ) تُكْرَهُ (اسْتِعَارَة أَصْلِهِ) كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوْا (لِخِدْمَتِهِ) ; لِكَرَاهَةِ اسْتِخْدَامِهِ أَصْلَهُ (وَصَحَّ رُجُوعُ مُعِيرٍ) فِي عَارِيَّةً (وَلَوْ قَبْلَ أَمَدٍ عَيَّنَهُ) ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ; لِأَنَّهَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا. فَكُلُّ مَا اسْتَوْفَى شَيْئًا فَقَدْ قَبَضَهُ وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ رُجُوعُهُ (فِي حَالٍ يَسْتَضِرُّ بِهِ) أَيْ: بِرُجُوعِهِ فِيهِ (مُسْتَعِيرٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا (فَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ، أَوْ) أَعَارَ (أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ، أَوْ) لِ (زَرْعٍ. لَمْ يَرْجِعْ) فِي الْإِعَارَةِ (حَتَّى تَرْسِي) السَّفِينَةُ (أَوْ يَبْلَى) الْمَيِّتُ (أَوْ يُحْصَدُ) الزَّرْعُ عِنْدَ أَوَانِهِ. وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ بِقِيمَتِهِ نَصًّا ; لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الزَّرْعُ (يُحْصَدُ قَصِيلًا) أَيْ: أَخْضَرَ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَطْعُهُ فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ فِيهِ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ إذَنْ. (وَكَذَا حَائِطٌ) أُعِيرَ (لِحَمْلِ خَشَبٍ لِتَسْقِيفٍ أَوْ سُتْرَةٍ) فَلَا رُجُوعَ لِمَالِكِ الْحَائِطِ فِيهِ إذَا وَضَعَهُ وَبَنَى عَلَيْهِ (قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ) الْخَشَبُ ; لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِقَلْعِهِ، وَلَوْ قَالَ مُعِيرٌ لِمُسْتَعِيرٍ: أَدْفَعُ لَك قِيمَةَ مَا يَنْقُصُ بِالْقَلْعِ ; لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ انْقَلَعَ مَا فِي مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ.
وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ (فَإِنْ سَقَطَ) الْخَشَبُ عَنْ الْحَائِطِ (لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُعَدْ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْمُعِيرِ وَلَوْ سَقَطَ بِسَبَبِ هَدْمِ الْحَائِطِ وَأُعِيدَتْ بِآلَتِهَا لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ وَزَوَالِ الضَّرَرِ الَّذِي كَانَ لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ (أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ فَيَجُوزُ. وَلَيْسَ لِرَبِّهِ مَنْعُهُ إذَنْ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ) بِوَضْعِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَضَرَّرَ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ.
(وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِغَرْسٍ أَوْ لِبِنَاءٍ وَشَرَطَ) عَلَى مُسْتَعِيرٍ (قَلْعَهُ) أَيْ: غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ (بِوَقْتٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ) ب (رُجُوعٍ لَزِمَ) مُسْتَعِيرًا غَرَسَ أَوْ بَنَى قَلْعُهُ (عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ أَوْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مُعِيرٌ. لِحَدِيثِ " «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» " قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ فَلَمْ تَتَنَاوَلْ مَا عَدَا الْمُقَيَّدَ، وَالْمُسْتَعِيرُ دَخَلَ فِي الْعَارِيَّةِ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِنَقْصِهِ. وَ (لَا) يَلْزَمُ مُسْتَعِيرًا (تَسْوِيَتُهَا) أَيْ: الْحُفَرِ فِي الْأَرْضِ بِسَبَبِ قَلْعِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ (بِلَا شَرْطٍ) لِرِضَا الْمُعِيرِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهَا.
فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَى
الْمُسْتَعِيرِ لَزِمَتْهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ وَأَبَى مُسْتَعِيرٌ قَلْعَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ; لِمَفْهُومِ حَدِيثِ " «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» " ; لِأَنَّهُ بِإِذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ بِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِذَلِكَ.
فَإِنْ أَمْكَنَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ مُسْتَعِيرٌ وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ بِلَا نَقْصٍ وَأَبَاهُ مُسْتَعِيرٌ (فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ) أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهُ (بِقِيمَتِهِ) قَهْرًا عَلَيْهِ كَالشَّفِيعِ وَلَوْ مَعَ دَفْعِ مُسْتَعِيرٍ قِيمَةَ أَرْضٍ ; لِأَنَّهَا أَصْلٌ. وَالْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ تَابِعٌ بِدَلِيلِ تَبَعِهِمَا لَهَا فِي الْبَيْعِ دُونَ تَبَعِهَا لَهُمَا فِيهِ (أَوْ) أَيْ: وَلِمُعِيرٍ (قَلْعُهُ) أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (وَيَضْمَنُ) الْمُعِيرُ (نَقْصَهُ) بِالْقَلْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ (وَمَتَى اخْتَارَهُ) أَيْ: الْقَلْعَ (مُسْتَعِيرٌ) مَعَ بَذْلِ الْمُعِيرِ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَيْهِ (سَوَّاهَا) أَيْ: الْحُفَرَ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ خَلَّصَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ إلْجَاءٍ أَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَخَذَ غِرَاسَهُ أَوْ بِنَاءً مِنْ الْمَشْفُوعِ (فَإِنْ أَبَاهُمَا) أَيْ: الْأَخْذَ بِالْقِيمَةِ وَأَرْشَ نَقْصِ الْقَلْعِ (مُعِيرُ الْأَرْضِ وَ) امْتَنَعَ (الْمُسْتَعِيرُ مِنْ) دَفْعِ (أُجْرَةِ) غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ.
(وَ) مِنْ (قَلْعٍ بِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا) مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ (إنْ رَضِيَا) أَيْ: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ (أَوْ) رَضِيَ بِهِ (أَحَدُهُمَا وَبِجَبْرِ الْآخَرِ) بِطَلَبِ مَنْ رَضِيَ ; لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِإِزَالَةِ الْمُضَارَّةِ بَيْنَهُمَا وَتَحْصِيلِ مَالِيَّتِهِ (وَ) إذَا بِيعَا (دَفَعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ) مِنْ الثَّمَنِ (قِيمَتَهَا فَارِغَةً) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ (وَ) دَفَعَ (الْبَاقِي) مِنْ الثَّمَنِ (لِلْآخَرِ) وَهُوَ رَبُّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ.
(وَلِكُلٍّ) مِنْ رَبِّ أَرْضٍ وَغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ (بَيْعُ مَا لَهُ مُنْفَرِدًا) مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِهِ (وَيَكُونُ مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إجَارَةٌ (فَإِنْ أَبَيَاهُ) أَيْ: أَبَى مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ الْبَيْعَ (تُرِكَ) غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ (بِحَالِهِ) فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَتَّفِقَا ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا.
(وَلِمُعِيرٍ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ) مَعَ بَقَاءِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِهَا ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَنَفْعَهَا (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِمَا فِيهَا) مِنْ غَرْسِ مُسْتَعِيرٍ أَوْ بِنَائِهِ لِاحْتِرَامِهِمَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ فِي وَضْعِهِمَا (وَلِمُسْتَعِيرٍ) غَرَسَهَا (الدُّخُولُ لِسَقْيٍ وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرٍ) إذْ الْإِذْنُ فِي شَيْءٍ إذْنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ. وَ (لَا) يَجُوزُ لِمُسْتَعِيرٍ الدُّخُولُ (لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ) كَمَبِيتٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِصَلَاحِ مَالِهِ، فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا.
(وَلَا أُجْرَةَ) عَلَى مُسْتَعِيرٍ لِمُعِيرٍ (مُنْذُ رَجَعَ) إلَى زَوَالِ ضَرَرِ مُسْتَعِيرٍ حَيْثُ كَانَ الرُّجُوعُ يَضُرُّ بِهِ إذَنْ، وَلَا إذَا أَعَارَ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِعَارَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
الرُّجُوعَ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ تَضَرُّرِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ ; وَلِأَنَّهُ إذَا أَبَى أَخْذَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَفْسِهِ فَإِبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ جِهَتِهِ.
فَلَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ (إلَّا فِي الزَّرْعِ) أَيْ: إذَا أَعَارَهُ لِلزَّرْعِ وَزَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصْدِهِ. وَلَا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْحَصَادِ ; لِوُجُوبِ تَبْقِيَتِهِ فِيهَا قَهْرًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ. بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ ; وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ ; لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ. وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَلَا إلَى قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ. وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا اخْتَارَ قَلْعَ زَرْعِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الِانْتِفَاعَ بِأَرْضِهِ ذَلِكَ الْعَامَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ إبْقَاؤُهُ بِأُجْرَتِهِ إلَى حَصَادِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
(وَإِنْ غَرَسَ) مُسْتَعِيرٌ (أَوْ بَنَى) فِيمَا اسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ (بَعْدَ رُجُوعِ) مُعِيرٍ: فَغَاصِبٌ (أَوْ) غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ (أَمَدِهَا) أَيْ: الْعَارِيَّةِ (فِي) عَارِيَّةٍ (مُؤَقَّتَةٍ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ (فَغَاصِبٌ) ; لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِزَوَالِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ وَبِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا إذَا قُيِّدَتْ بِوَقْتٍ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ مُسْتَعِيرٌ: هِيَ سَنَتَانِ، وَقَالَ مُعِيرٌ: هِيَ سَنَةٌ، أَوْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَرْسَخَيْنِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ فَرْسَخًا فَقَوْلُ مَالِكٍ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعَارَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ.
(وَالْمُشْتَرِي) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ (كَمُسْتَعِيرٍ) فِي أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُؤَجِّرَ لَا يَمْلِكُ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِلَا ضَمَانِ نَقْصٍ ; لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ. وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَإِذَا غَرَسَ مُشْتَرٍ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ بَنَى ثُمَّ فُسِخَ بَيْعٌ لِنَحْوِ عَيْبٍ فَكَغَرْسٍ أَوْ بِنَاءِ مُسْتَعِيرٍ.
(وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ) وَنَبَتَ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ (فَ) الزَّرْعُ (لِرَبِّهِ) أَيْ: رَبِّ الْبَذْرِ (مَبْقِيٌّ إلَى) أَوَانِ (حَصَادٍ) ; لِأَنَّ قَلْعَهُ إتْلَافٌ لَهُ عَلَى مَالِكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ (بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) ; لِأَنَّ إلْزَامَ رَبِّ الْأَرْضِ بِتَبْقِيَةِ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ وَشَغْلٌ لِمِلْكِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِلَا عِوَضٍ فَوَجَبَ عَلَى رَبِّ الْبَذْرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمُسْتَأْجِرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَبَقِيَ زَرْعُهُ (وَحَمَلَهُ) أَيْ: السَّيْلُ (لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ) كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ (إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَالِكِ هَذِهِ (فَنَبَتَ) فِي الْأَرْضِ