الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مَوَانِعِ صِحَّة الْبَيْعِ]
فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ صِحَّةِ الْبَيْعِ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعٌ) وَلَوْ قَلَّ الْمَبِيعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ (وَلَا) يَصِحُّ (شِرَاءٌ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ) وَلَوْ بِغَيْرِهِ (بَعْدَ نِدَائِهَا) أَيْ أَذَانِ الْجُمُعَةِ أَيْ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَلَوْ لِأَحَدِ جَامِعَيْنِ بِالْبَلَدِ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي الْآخَرِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ (الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ) عَقِبَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَخُصَّ بِالنِّدَاءِ الثَّانِي ; لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَالشِّرَاءُ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ، فَكَانَ كَالشِّقِّ الْآخَرِ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ: أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ النِّدَاءِ الثَّانِي (لِمَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ، بِحَيْثُ إنَّهُ يُدْرِكُهَا: انْتَهَى) .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي وَقْتِ لُزُومِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ انْتَهَى، وَيَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ (إلَّا مِنْ حَاجَةٍ كَمُضْطَرٍّ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ يُبَاعُ) فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِحَاجَتِهِ.
(وَ) كَ (عُرْيَانٍ وَجَدَ سُتْرَةً) فَلَهُ شِرَاؤُهَا (وَكَفَنٍ وَكَمُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ لِمَيِّتٍ خِيفَ فَسَادُهُ بِتَأَخُّرِ) تَجْهِيزِهِ حَتَّى تُصَلِّيَ (وَ) كَ (وُجُودِ أَبِيهِ أَوْ نَحْوِهِ) كَأُمِّهِ وَأَخِيهِ (يُبَاعُ مَعَ مَنْ لَوْ تَرَكَهُ) حَتَّى يُصَلِّيَ (لَذَهَبَ) بِهِ.
(وَ) كَشِرَاءِ (مَرْكُوبٍ لِعَاجِزٍ) عَنْ مَشْيٍ إلَى الْجُمُعَةِ (أَوْ) شِرَاءِ (ضَرِيرٍ عَدِمَ قَائِدًا) مَنْ يَقُودُهُ إلَى الْجُمُعَةِ (وَنَحْوِهِ) كَشِرَاءِ مَاءِ طَهَارَةٍ، عُدِمَ غَيْرُهُ، فَيَصِحُّ لِلْحَاجَةِ.
(وَكَذَا) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ مِنْ مُكَلَّفٍ (لَوْ تَضَايَقَ وَقْتُ مَكْتُوبَةٍ) وَلَوْ جُمُعَةً لَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا، لِوُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ مُنِعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: صِحَّةُ الْعَقْدِ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ، كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَإِبَاحَتُهُ لَهُ، لَكِنْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ، وَوُجِدَ مِنْهُ الْإِيجَابُ أَوْ الْقَبُولُ بَعْدَ النِّدَاءِ حَرُمَ وَلَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَكُرِهَ لِلْآخَرِ (وَيَصِحُّ إمْضَاءُ بَيْعِ خِيَارٍ وَبَقِيَّةُ الْعُقُودِ) مِنْ إجَارَةٍ وَصُلْحٍ، وَقَرْضٍ، وَرَهْنٍ، وَغَيْرِهَا بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَا يُسَاوِيهِ فِي التَّشَاغُلِ الْمُؤَدِّي لِفَوَاتِهَا (وَتَحْرُمُ مُسَاوِمَةٌ وَمُنَادَاةٌ) بَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ ثَانٍ ; لِأَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ لِلْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ إذَنْ، وَتَحْرُمُ أَيْضًا الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عِنَبٍ) أَوْ زَبِيبٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ عَصِيرٍ لِمُتَّخِذِهِ خَمْرًا) وَلَوْ ذِمِّيًّا (وَلَا) بَيْعُ (سِلَاحٍ وَنَحْوِهِ) كَتُرْسٍ وَدَرْعٍ (فِي فِتْنَةٍ، أَوْ لِأَهْلِ حَرْبٍ، أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ) مِمَّنْ يَشْتَرِيهِ (وَلَوْ
بِقَرَائِنَ، وَلَا) بَيْعُ (مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَشْمُومٍ وَقَدَحٍ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ الْمَشْمُومِ مُسْكِرًا (أَوْ) يَشْرَبُ (بِهِ) أَيْ الْقَدَحِ (مُسْكِرًا، وَ) لَا بَيْعُ (جَوْزٍ وَبَيْضٍ وَنَحْوِهِمَا) كَبُنْدُقٍ (لِقِمَارٍ.
وَ) لَا بَيْعِ (غُلَامٍ وَأَمَةٍ لِمَنْ عُرِفَ بِوَطْءِ دُبُرٍ، أَوْ بِغِنَاءٍ) بِالْمَدِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ كَإِجَارَةِ الْأَمَةِ لِلزِّنَا أَوْ الْغِنَاءِ (وَلَوْ اُتُّهِمَ ب) وَطْءِ (غُلَامِهِ فَدَبَّرَهُ أَوَّلًا) إذْ التَّدْبِيرُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ (وَهُوَ) أَيْ السَّيِّدُ (فَاجِرٌ مُعْلِنٌ) بِفُجُورِهِ (أُحِيلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ السَّيِّدِ وَغُلَامِهِ دَفْعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (كَمَجُوسِيٍّ تُسْلِمُ أُخْتُهُ) وَنَحْوِهَا (وَيُخَافُ أَنْ يَأْتِيَهَا) فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاجِرًا مُعْلِنًا لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ تَثْبُتْ التُّهْمَةُ
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (قِنٍّ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) وَلَوْ وَكِيلًا لِمُسْلِمٍ (لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَالنِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ، صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، بَلْ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ إهَانَةِ الرِّقِّ فِي لَحْظَةٍ يَسِيرَةٍ (وَإِنْ أَسْلَمَ) قِنٌّ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْكَافِرِ أَوْ مَلَكَهُ بِنَحْوِ إرْثٍ (أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] " وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ إذَنْ ; لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَلَا تَكْفِي كِتَابَتُهُ) أَيْ الْقِنِّ الْمُسْلِمِ بِيَدِ كَافِرٍ ; لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهُ (وَلَا) يَكْفِي (بَيْعُهُ بِخِيَارٍ) ; لِأَنَّ عَلَقَتَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ
(وَبَيْعٌ) مُبْتَدَأٌ (عَلَى بَيْعِ مُسْلِمٍ) مُحَرَّمٌ، لِحَدِيثِ " «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» (كَقَوْلِهِ لِمُشْتَرٍ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ: أُعْطِيكَ مِثْلَهُ بِتِسْعَةٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (وَشِرَاءٌ عَلَيْهِ) أَيْ شِرَاءٌ عَلَى شِرَاءِ مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ، (كَقَوْلِهِ لِبَائِعٍ شَيْئًا بِتِسْعَةٍ: عِنْدِي فِيهِ عَشَرَةٌ، زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ) أَيْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، بَلْ يُسَمَّى بَيْعًا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ لَمْ يَحْرُمْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ إذَنْ.
(وَسَوْمٌ) بِالرَّفْعِ (عَلَى سَوْمِهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ (مَعَ الرِّضَا) مِنْ بَائِعٍ (صَرِيحًا مُحَرَّمٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «لَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرِّضَا لَمْ يَحْرُمْ ; لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَزَالُوا يَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِالْمُزَايَدَةِ.
وَ (لَا) يَحْرُمُ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا سَوْمٌ (بَعْدَ رَدِّ) السِّلْعَةِ الْمُبْتَاعَةِ، أَوْ رَدِّ السَّائِمِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْ الرِّضَا بَعْدَ الرَّدِّ غَيْرُ مَوْجُودٍ (وَلَا) يَحْرُمُ (بَذْلُ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى) كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ: أُعْطِيكَ مِثْلَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ
لِأَنَّ الطَّبْعَ يَأْبَى إجَابَتَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِبَائِعِ شَيْءٍ بِعَشَرَةٍ: عِنْدِي فِيهِ تِسْعَةٌ (وَيَصِحُّ الْعَقْدُ) أَيْ الْبَيْعُ (عَلَى السَّوْمِ) ; لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ السَّوْمُ لَا الْبَيْعُ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ، فَلَا يَصِحَّانِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (وَكَذَا) أَيْ الْبَيْعِ (إجَارَةٌ) وَسَائِرُ الْعُقُودِ، وَطَلَبُ الْوِلَايَاتِ وَنَحْوِهَا، فَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى مُسْلِمٍ زَمَنَ الْخِيَارِ أَوْ يَسُومَ لِلْإِجَارَةِ عَلَى سَوْمِهِ فِيهَا بَعْدَ الرِّضَا صَرِيحًا لِلْإِيذَاءِ
(وَإِنْ حَضَرَ) أَيْ قَدِمَ بَلَدًا (بَادٍ) أَيْ إنْسَانٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَجَهِلَهُ) أَيْ جَهِلَ بَادٍ سِعْرَ سِلْعَتِهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ (وَقَصَدَهُ) أَيْ الْبَادِي (حَاضِرٌ) بِالْبَلَدِ (عَارِفٌ بِهِ) أَيْ السِّعْرِ (وَبِالنَّاسِ إلَيْهَا) أَيْ السِّلْعَةِ (حَاجَةٌ)(حَرُمَتْ مُبَاشَرَتُهُ) أَيْ الْحَاضِرِ (الْبَيْعَ لَهُ) أَيْ لِلْبَادِي، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقْ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» " وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَتَى تَرَكَ الْبَادِيَ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ اشْتَرَاهَا النَّاس بِرُخْصٍ وَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا تَوَلَّى الْحَاضِرُ بَيْعَهَا اُمْتُنِعَ مِنْهُ إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ فَيَضِيقُ عَلَيْهِمْ.
(وَبَطَلَ) بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي. لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (رَضُوا) أَيْ أَهْلُ الْبَلَدِ بِذَلِكَ (أَوْ لَا) لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَإِذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ) بِأَنْ كَانَ الْقَادِمُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَوْ بَعَثَ بِهَا لِلْحَاضِرِ، أَوْ قَدِمَ الْبَادِي لَا لِبَيْعِ السِّلْعَةِ، أَوْ لِبَيْعِهَا لَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ أَوْ لِبَيْعِهَا بِهِ وَلَكِنْ لَا يَجْهَلُهُ أَوْ جَهِلَهُ وَلَمْ يَقْصِدْهُ الْحَاضِرُ الْعَارِفُ، أَوْ قَصَدَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالنَّاسِ إلَيْهَا حَاجَةٌ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لَهُ (كَشِرَائِهِ) أَيْ الْحَاضِرِ (لَهُ) أَيْ الْبَادِي فَيَصِحُّ ; لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا مَعْنَاهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّرَاءِ لَهُ تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا تَضْيِيقٌ (وَيُخْبِرُ) وُجُوبًا عَارِفٌ بِسِعْرٍ (مُسْتَخْبِرًا) جَاهِلًا (عَنْ سِعْرٍ جَهِلَهُ) لِوُجُوبِ النُّصْحِ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ حَاضِرٌ عَلَى بَادٍ بِلَا مُبَاشَرَةِ بَيْعٍ لَهُ
(وَمَنْ خَافَ ضَيْعَةَ مَالِهِ) بِنَهْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ إنْ بَقِيَ بِيَدِهِ (أَوْ) خَافَ (أَخْذَهُ) مِنْهُ (ظُلْمًا) فَبَاعَهُ (صَحَّ بَيْعُهُ لَهُ) لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ (وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا حَقٍّ) كَغَصْبِهِ (أَوْ جَحْدِهِ) أَيْ حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى بَيْعِهِ إيَّاهُ (أَوْ مَنَعَهُ) أَيْ الْغَيْرُ حَقَّهُ (حَتَّى يَبِيعَهُ إيَّاهُ فَفَعَلَ) أَيْ بَاعَهُ إيَّاهُ لِذَلِكَ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَيْهِ (وَمَنْ أَوْدَعَ شَهَادَةً) خَوْفًا
عَلَى ضَيَاعِ مَالِهِ (فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي أَبِيعُهُ) لِزَيْدٍ مَثَلًا خَوْفًا وَتَقِيَّةً (أَوْ) أَنِّي (أَتَبَرَّعُ بِهِ) لَهُ (خَوْفًا) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَتَقِيَّةً) لِشَرِّهِ، ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ تَبَرَّعَ لَهُ بِهِ (عُمِلَ بِهِ) أَيْ بِإِيدَاعِهِ الشَّهَادَةَ ; لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى حِفْظِ مَالِهِ إذْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ تَبَرَّعَ خَوْفًا أَوْ تَقِيَّةً بِلَا بَيِّنَةٍ
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ، فَفَعَلَ) أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ (فَبَانَ) الْقَائِلُ (حُرًّا فَإِنْ أَخَذَ) الْقَائِلُ (شَيْئًا) مِنْ الثَّمَنِ (غَرِمَهُ) لِرَبِّهِ ; لِأَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَالْغَصْبِ (وَإِلَّا) يَأْخُذْ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ (لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ) أَيْ ضَمَانُ مَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ (حَضَرَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ) ; لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ دُونَ الضَّمَانِ (كَ) يَقُولُ إنْسَانٌ لِآخَرَ (اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا) فَاشْتَرَاهُ وَظَهَرَ حُرًّا.
فَإِنْ أَخَذَ الْقَائِلُ شَيْئًا رَدَّهُ وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ. وَلَوْ غَابَ الْبَائِعُ (وَأُدِّبَ) مَنْ قَالَ اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ، أَوْ قَالَ: اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا (هُوَ وَبَائِعٌ) نَصًّا لِتَغْرِيرِهِمَا الْمُشْتَرِي (وَتُحَدُّ مُقِرَّةٌ) أَيْ حُرَّةٌ قَالَتْ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي أَمَتُهُ فَفَعَلَ (وُطِئَتْ) لِزِنَاهَا مَعَ الْعِلْمِ (وَلَا مَهْرَ) لَهَا نَصًّا ; لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ (وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ) بِمُشْتَرٍ ; لِأَنَّهُ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا أَمَتَهُ فَوَطْؤُهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا مُشْتَرٍ مِمَّنْ يَجْهَلُ الْحَالَ فَوَطِئَهَا
(وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ نَسِيئَةً) أَيْ مُؤَجَّلٍ (أَوْ) بِثَمَنٍ حَالٍّ (لَمْ يُقْبَضْ حُرِّمَ وَبَطَلَ شِرَاؤُهُ) أَيْ الْبَائِعِ (لَهُ) أَيْ لَمَا بَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ (مِنْ مُشْتَرِيهِ) مِنْهُ، وَلَوْ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ (بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ) النَّقْدِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي بَاعَهُ بِهِ إنْ كَانَ (أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ) كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ثَانِيًا (نَسِيئَةً) لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَسَعِيدٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ " دَخَلْتُ أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتُ وَبِئْسَ مَا شَرَيْتَ أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ " وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا.
(وَكَذَا الْعَقْدُ الْأَوَّلُ حَيْثُ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الثَّانِي) فَيَحْرُمُ وَيَبْطُلُ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى مُحَرَّمٍ (إلَّا إنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ كَانَ عَبْدًا فَهَزَلَ أَوْ نَسِيَ صَنْعَةً أَوْ عَمِيَ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِدُونِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَيَصِحُّ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَقْدٍ لَا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ (وَتُسَمَّى) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ ; لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا