الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْهِبَةِ]
ِ وَأَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ أَيْ مُرُورِهِ يُقَالُ: وَهَبْتُ لَهُ وَهْبًا بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا وَهِبَةً وَهُوَ وَاهِبٌ وَوَهَّابٌ وَوَهُوبٌ وَوَهَّابَةٌ وَالِاسْمُ الْمُوهِبُ وَالْمَوْهِبَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا، وَالِاتِّهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُهَا وَتَوَاهَبُوا وَهَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَهِيَ شَرْعًا (تَمْلِيكُ) خَرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةُ (جَائِزِ التَّصَرُّفِ) أَيْ: مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ (مَالًا مَعْلُومًا) خَرَجَ بِهِ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ (مَعْلُومًا) يَصِحُّ بَيْعُهُ (أَوْ) مَالًا (مَجْهُولًا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ) كَدَقِيقٍ اخْتَلَطَ بِدَقِيقٍ لِآخَرَ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مِلْكَهُ مِنْهُ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ لِلْحَاجَةِ.
وَفِي الْكَافِي تَصِحُّ هِبَةُ ذَلِكَ وَكَلْبٌ وَنَجَاسَةٌ يُبَاحُ نَفْعُهُمَا (مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ كَمَا تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ، وَلَا هِبَةُ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَآبِقٍ وَشَارِدٍ كَبَيْعِهِ (غَيْرَ وَاجِبٍ) عَلَى مُمَلِّكٍ. فَلَا تُسَمَّى نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَنَحْوِهِمَا هِبَةً لِوُجُوبِهَا (فِي الْحَيَاةِ) خَرَجَ الْوَصِيَّةُ (بِلَا عِوَضٍ) فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَبَيْعٌ وَيَأْتِي (بِمَا يُعَدُّ هِبَةً) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَإِرْسَالِ هَدِيَّةٍ وَدَفْعِ دَرَاهِمَ لِفَقِيرٍ، وَنَحْوِهِ (عُرْفًا) لِمُعَاطَاةٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِلَا عِوَضٍ (فَمَنْ قَصَدَ بِإِعْطَاءٍ) لِغَيْرِهِ (ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَ) الْمَدْفُوعُ (صَدَقَةٌ وَ) مَنْ قَصَدَ بِإِعْطَائِهِ (إكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَنَحْوَهُ) كَمَحَبَّةٍ فَالْمَدْفُوعُ (هَدِيَّةٌ وَإِلَّا) يَقْصِدُ بِإِعْطَائِهِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (فَ) الْمَدْفُوعُ (هِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ) أَيْ: تُسَمَّى بِذَلِكَ فَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَحْثُوثٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «تَهَادُوا تَحَابُّوا» وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّدَقَةِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تُقْبَلُ هَدِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْمُشْرِكِ أَلَيْسَ يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ وَقَبِلَ وَقَدْ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيَعُمُّ جَمِيعَهَا) أَيْ: الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْهِبَةِ (لَفْظُ الْعَطِيَّةِ) لِشُمُولِهِ لَهَا (وَقَدْ يُرَادُ بِعَطِيَّةٍ الْهِبَةِ) أَيْ: الْمَوْهُوبُ (فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) كَمَا يَأْتِي
(وَمَنْ أَهْدَى لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِحَدِيثِ الْمُسْتَفْزِزُ يُثَابُ مِنْ هِبَةٍ (لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ} [المدثر: 6] وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْحِرْصِ وَالْمِنَّةِ
(وَوِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ) فَلَا يُرَدُّ (مَعَ عُرْفٍ) كَقَوْصَرَةِ التَّمْرِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ رَدَّهُ (وَكُرِهَ رَدُّ هِبَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ) ;
لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «لَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ» وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ: الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَنْهُ يَجِبُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ
(وَيُكَافِئُ) الْمُهْدَى لَهُ (أَوْ يَدْعُو) لَهُ.
وَفِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ دَعَا لَهُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى عَنْ وَهْبٍ قَالَ تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ مِنْ التَّطْفِيفِ وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ (إلَّا إذَا عَلِمَ) الْمُهْدَى لَهُ (أَنَّهُ) أَيْ: الْمُهْدِي (أَهْدَى حَيَاءً فَيَجِبُ الرَّدُّ) أَيْ: رَدُّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهُوَ قَوْلٌ: حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَةٌ
(وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا) أَيْ: الْهِبَةِ عِوَضٌ مَعْلُومٌ صَحَّ نَصًّا كَشَرْطِهِ فِي عَارِيَّةٍ (وَصَارَتْ بَيْعًا) بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي عَارِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ عِوَضٌ مَعْلُومٌ فَتَصِيرُ إجَارَةً
(وَإِنْ شُرِطَ) فِي هِبَةٍ (ثَوَابٌ مَجْهُولٌ لَمْ تَصِحَّ) كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَحُكْمُهَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَتُرَدُّ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ زَوَائِدُهَا ضَمِنَهَا بِبَدَلِهَا فَإِنْ أُطْلِقَتْ الْهِبَةُ لَمْ تَقْتَضِ عِوَضًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِمِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَقَوْلُ عُمَرَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا خَالَفَهُ ابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ: الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي شَرْطِ عِوَضٍ فِي الْهِبَةِ فَقَوْلٌ مُنْكَرٌ لَهُ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصَّادِرِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ وَهَبْتَنِي مَا بِيَدِي فَقَالَ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ قَبْلُ بَلْ بِعْتُكَهُ وَلَا هِبَةَ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ وَلَا هِبَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيْعَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا
وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِعَقْدٍ وَتُمْلَكُ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ بِعَقْدٍ أَيْ: إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْقَبْضُ مُعْتَبَرٌ لِلُزُومِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا لِانْعِقَادِهَا وَإِنْشَائِهَا حَكَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْمُغْنِي وَالِانْتِصَارِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي الشَّرْحِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ فِيهَا مُرَاعًى فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى
ذَلِكَ النَّمَاءُ وَالْفِطْرَةُ
فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ مَوْهُوبٍ لَهُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ قَبْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَالنَّمَاءُ لِلْمُتَّهِبِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَبِيعُ بِخِيَارٍ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ زَمَنَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَلِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ
وَتَصِحُّ هِبَةٌ وَتَمَلُّكٌ بِمُعَاطَاةٍ بِفِعْلٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُهْدِي وَيُهْدَى إلَيْهِ وَيُعْطِي وَيُعْطَى لَهُ وَأَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ لَفْظُ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ وَلَا أَمْرٍ بِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ نَقْلًا مَشْهُورًا «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى بَعِيرٍ لِعُمَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بِعْنِيهِ فَقَالَ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَلَمْ يُنْقَلْ قَبُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُمَرَ وَلَا قَبُولُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَا بِنَقْلِ الْمِلْكِ تَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَتَجْهِيزُ بِنْتِهِ بِجِهَازٍ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ لِوُجُودِ الْمُعَاطَاةِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ أَيْ: الْهِبَةُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي تَرَاخِي قَبُولٍ عَنْ إيجَابٍ وَفِي تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا كَاسْتِثْنَاءِ وَاهِبٍ نَفْعَ مَوْهُوبٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَبَيْعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
(وَ) يَحْصُلُ قَبُولٌ هُنَا وَفِي وَصِيَّةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَالٍّ عَلَى الرِّضَا لِمَا تَقَدَّمَ
وَقَبْضُهَا أَيْ: الْهِبَةُ كَ قَبْضِ مَبِيعٍ فَفِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ أَوْ مَذْرُوعٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ زَرْعٍ وَفِيمَا يُنْقَلُ بِنَقْلِهِ وَمَا يُتَنَاوَلُ بِتَنَاوُلِهِ وَمَا عَدَاهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُ هِبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ وَاهِبٍ فِيهِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى وَاهِبٍ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَأَصْلِ الْعَقْدِ وَكَالرَّهْنِ
وَلَهُ أَيْ: الْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ وَفِي إذْنٍ فِي قَبْضِهَا قَبْلَهُ أَيْ: الْقَبْضِ وَلَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِ مُتَّهِبٍ
وَيَبْطُلُ إذْنُ وَاهِبٍ فِي قَبْضِ هِبَةٍ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَيْ: الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ كَالْوَكَالَةِ وَإِنْ مَاتَ وَاهِبٌ قَبْلَ قَبْضِ هِبَتِهِ وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا فَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي إذْنٍ فِي قَبْضٍ وَفِي رُجُوعٍ فِي هِبَتِهِ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ كَالرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ خِيَارٌ بِخِلَافٍ نَحْوِ الْوَكَالَةِ
وَتَلْزَمُ هِبَةٌ بِقَبْضٍ بِإِذْنِ وَاهِبٍ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِعَائِشَةَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ يَا بُنَيَّةُ إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُذَاذَ عِشْرِينَ وُسْقًا وَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ وَحُزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ لَا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةٌ يُجَوِّزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَالِدِ وَكَالطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِي أَكْلِهِ كَمَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ بِعَقْدٍ فِيمَا بِيَدِ مُتَّهِبٍ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ أَوْ مَضْمُونَةً كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ
وَلَا يُحْتَاجُ لِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُسْتَدَامٌ فَأَغْنَى عَنْ الِابْتِدَاءِ
وَتَبْطُلُ هِبَةٌ بِمَوْتِ مُتَّهِبٍ بَعْدَ عَقْدٍ وَقَبْلَ قَبْضٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَا إذَا مَاتَ مَنْ أُوجِبَ لَهُ بَيْعٌ قَبْلَ قَبُولِهِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ فَلَوْ أَنْفَذَهَا أَيْ: الْهِبَةَ وَاهِبٌ مَعَ رَسُولِهِ أَيْ: الْوَاهِبِ ثُمَّ مَاتَ مَوْهُوبٌ لَهُ أَيْ: الْمُرْسَلُ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ «لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ لَهَا إنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَ مِسْكٍ وَلَا أَرَى النَّجَاشِيَّ إلَّا قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى هَدِيَّتِي إلَّا مَرْدُودَةً عَلَيَّ فَإِنْ رُدَّتْ فَهِيَ لَكِ قَالَتْ فَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُدَّتْ إلَيْهِ هَدِيَّتُهُ فَأَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةً مِنْ مِسْكٍ وَأَعْطَى أُمَّ سَلَمَةَ بَقِيَّةَ الْمِسْكِ وَالْحُلَّةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاهِبٌ وَمَتَى بَلَّغَ الرَّسُولُ مَوْتَهُ أَيْ: مَوْتَ الْوَاهِبِ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقٍ فَلَيْسَ لَهُ حَمْلُهَا إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَارِثُ وَهِيَ ابْتِدَاءُ هِبَةٍ مِنْهُ لِبُطْلَانِ الْهِبَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ وَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ إنْ كَانَتْ مَعَ رَسُولٍ مَوْهُوبٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ قَبْضَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَبْضِهِ فَيَكُونُ الْمَوْتُ بَعْدَ لُزُومِهَا بِالْقَبْضِ فَلَا يُؤَثِّرُ
وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لِحَمْلٍ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْهِبَةُ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ
(وَيَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لِصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) وَسَفِيهٍ وُهِبَ لَهُمْ شَيْءٌ (وَلِيٌّ) وَهُوَ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ لِأَنَّهُ قَبُولٌ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ حَظٌّ فَكَانَ إلَى الْوَلِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنْ عُدِمَ الْوَلِيُّ فَمَنْ يَلِيهِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِئَلَّا يَضِيعَ وَتَهْلَكَ وَيَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ قَبْضُ مَأْكُولٍ يُدْفَعُ مِثْلُهُ لِلصَّغِيرِ
فَإِنْ وَهَبَ هُوَ أَيْ: الْوَلِيُّ لِمُوَلِّيهِ وَكَّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ الْهِبَةَ مِنْهُ إنْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَيَقْبِضُ هُوَ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ لِلصَّبِيِّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ وَيَقْبِضُ لَهُ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَا يَحْتَاجُ أَبٌ وَهَبَ مُوَلِّيَهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ إلَى تَوْكِيلٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَبَ وَغَيْرَهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ هُنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصْدُرُ مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَالْأَبِ وَصَرِيحُ كَلَامِ الْمُغْنِي وَالْإِنْصَافِ أَنَّ تَوْكِيلَ غَيْرِ الْأَبِ يَكُونُ فِي الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَظَاهِرُ
كَلَامِ التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْقَبُولِ فَقَطْ وَيَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبْضُ مِنْ الْوَاهِبِ
وَمَنْ أَبْرَأَ مَدِينَهُ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ وَهَبَهُ أَيْ: الدَّيْنَ لِمَدِينِهِ أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ أَوْ تَرَكَهُ لَهُ أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَيْ: الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَيْ: الْمَدِينِ أَوْ عَفَا عَنْهُ أَيْ: الدَّيْنَ صَحَّ ذَلِكَ جَمِيعُهُ وَكَانَ مُسْقِطًا لِلدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ انْصَرَفَ إلَى مَعْنَى الْإِبْرَاءِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَةٌ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِهِ أَيْ: الدَّيْنِ أَوْ اعْتَقَدَ رَبُّ دَيْنٍ مُسْقِطٍ لَهُ عَدَمَهُ أَيْ: الدَّيْنِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ أَوْ نَحْوَهُ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ
وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَنَحْوُهُ إنْ عَلَّقَهُ رَبُّ دَيْنٍ بِشَرْطٍ نَصًّا فِي إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ وَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ بِضَمِّ التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِلْمَدِينِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَيَبْرَأُ مَدِينٌ بِإِبْرَاءِ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ بِأَحَدِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ مُنَجَّزًا وَلَوْ رَدَّ الْمَدِينُ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ هِبَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (أَوْ) أَيْ: وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مُنَجَّزًا وَلَوْ جَهِلَ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا إنْ عَلِمَهُ مَدِينٌ فَقَطْ وَكَتَمَهُ مِنْ رَبِّ دَيْنٍ خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ إنْ عَلِمَهُ رَبُّ الدَّيْنِ لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ وَهُوَ إذْنٌ كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ
وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَ إبْهَامِ الْمَحَلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ الْإِبْرَاءُ كَ أَبْرَأْتُ أَحَدَ غَرِيمَيْ أَوْ أَبْرَأْتُ غَرِيمِي هَذَا مِنْ أَحَدِ دَيْنَيْ كَ وَهَبْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ كَفَلْتُ أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ
وَمَا صَحَّ بَيْعُهُ مِنْ الْأَعْيَانِ صَحَّتْ هِبَتُهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ فَتَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَيَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَيْسَ هِبَةً حَقِيقَةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَظْهَرُ لِي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا
وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهِ أَيْ: الْمَوْهُوبِ فِيهَا أَيْ: الْهِبَةِ عِنْدَ عَقْدِهَا زَمَنًا مُعَيَّنًا نَحْوَ شَهْرٍ وَسَنَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ
وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُعْتَبَرُ لِقَبْضِ مُشَاعٍ يُنْقَلُ أَيْ: لِجَوَازِهِ أَوْ انْتِفَاءِ ضَمَانِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ
ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ أَذِنَ شَرِيكٌ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَتَكُونُ حِصَّتُهُ أَيْ: الشَّرِيكِ وَدِيعَةً مَعَ قَابِضٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فَإِنْ أَبَى شَرِيكٌ تَسْلِيمَ نَصِيبِهِ قِيلَ لِمُتَّهَبٍ وَكِّلْ شَرِيكَكَ فِي قَبْضِهِ لَكَ فَإِنْ أَبَى نَصَّبَ حَاكِمٌ مَنْ يَكُونُ بِيَدِهِ لَهُمَا فَيَنْقُلُهُ فَيَحْصُلُ الْقَبْضُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ وَيَتِمُّ بِهِ عَقْدُ شَرِيكِهِ فِيهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَيْ: الْقَابِضُ فِي التَّصَرُّفِ أَيْ الِانْتِفَاعِ بِمَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَوْهُوبُ مَجَّانًا بِلَا عِوَضٍ فَحِصَّةُ الشَّرِيكِ مَضْمُونَةٌ كَعَارِيَّةٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِأُجْرَةٍ فَنَصِيبُ شَرِيكِهِ أَمَانَةٌ كَأُجْرَةٍ فَإِنْ قَالَ اسْتَعْمِلْهُ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِ فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَا ضَمَانَ فِيهَا
وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَجْهُولٍ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ نَصًّا لِأَنَّهُ كَحَمْلٍ فِي بَطْنٍ وَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فَلَمْ تَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْبَيْعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ صَحَّتْ هِبَتُهُ كَالصُّلْحِ عَنْهُ لِلْحَاجَةِ
وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا فِي ذِمَّةِ مَدِينٍ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَمَغْصُوبٍ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ أَوْ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ كَبَيْعِهِ
وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا أَيْ: الْهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مَوْتِ الْوَاهِبِ فَيَصِحُّ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَوَعْدٌ لَا هِبَةٌ وَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِيهَا كَأَنْ لَا يَبِيعَهَا الْمُتَّهَبُ أَوْ لَا يَهَبَهَا وَنَحْوَهُمَا كَلَا يَلْبِسُ الثَّوْبَ الْمَوْهُوبَ وَتَصِحُّ هِيَ أَيْ الْهِبَةُ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْسَرَ
وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مُؤَقَّتَةً كَ وَهَبْتُكَهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ فَلَا تَصِحُّ مَعَهُ كَالْبَيْعِ إلَّا فِي الْعُمْرَى فَتَصِحُّ مَعَ التَّوْقِيتِ بِالْعُمْرِ لِأَنَّهُ شَرْطُ رُجُوعِهَا هُنَا عَلَى غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ وَارِثُهُ بِخِلَافِ التَّوْقِيتِ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ وَمَعْنَاهَا شَرْطُ الْوَاهِبِ عَلَى الْمُتَّهِبِ عَوْدَ مَوْهُوبٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَيْ: الْمَوْهُوبِ لَهُ سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِهَا بِالْعُمْرِ كَ أَعْمَرْتُكَ أَوْ أَرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْفَرَسَ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ يُقَالُ أَعْمَرْتُهُ وَعَمَّرْتُهُ مُشَدَّدًا إذَا جَعَلْتُ لَهُ الدَّارَ مُدَّةَ عُمُرِكَ أَوْ عُمُرِهِ وَأَرْقَبْتُكَ أَعْطَيْتُكَ وَنَصُّهُ أَيْ: أَحْمَدَ فِيمَنْ يَعْمُرُ أَمَةً لَا يَطَؤُهَا نَقَلَهُ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ وَحَمَلَ أَيْ: حَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَرَ لَهُ وَطْأَهَا لِهَذَا وَبَعَّدَهُ ابْنُ رَجَبٍ قَالَ وَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ
جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى أَوْ مَا بَقِيت أَوْ أَعْطَيْتُكَهَا عُمُرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى أَوْ مَا بَقِيت فَتَصِحُّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَالنَّهْيُ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِنُفُوذِهَا لِلْمُعْمَرِ وَالْمُرْقَبِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَتَكُونُ لِمُعْطِي وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إنْ كَانُوا لِلْخَبَرِ كَتَصْرِيحِهِ أَيْ: الْمُعْمِرِ بِأَنَّ الْعُمْرَى بَعْدَ مَوْتِ مُعْمَرٍ لِوَرَثَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَإِلَّا يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ نَصًّا كَسَائِرِ الْمَالِ الْمُخَلَّفِ وَإِنْ أَضَافَهَا لِعُمْرِ غَيْرِهِ كَوَهَبْتُكَهَا عُمْرَ زَيْدٍ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الْعُمْرَى
وَإِنْ شَرَطَ وَاهِبٌ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ رُجُوعَهَا أَيْ: الْهِبَةِ بِلَفْظِ إرْقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمُعْمِرٍ أَيْ وَاهِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ مُطْلَقًا أَوْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ أَيْ الْوَاهِبِ إنْ مَاتَ مَوْهُوبٌ لَهُ قَبْلَهُ أَيْ: الْوَاهِبِ أَوْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَى غَيْرِهِ كَوَرَثَةِ وَاهِبٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْهُوبٍ لَهُ وَهَذِهِ هِيَ الرُّقْبَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ الرُّقْبَى هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ لِفُلَانٍ أَوْ رَاجِعَةٌ إلَيَّ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ أَوْ شَرَطَ وَاهِبٌ رُجُوعَهَا مُطْلَقًا أَيْ: بِلَا تَقْيِيدٍ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى آخَرِهِمَا مَوْتًا لَغَا الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ لِمُعْمَرٍ اسْمِ مَفْعُولٍ وَبَعْدَهُ لِوَرَثَتِهِ كَالْأَوَّلِ أَيْ: كَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَغَا وَصَحَّ الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرٍ إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا إذَا قَالَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ نَفْسِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَلَا يَصِحُّ إعْمَارُ الْمَنَافِعِ وَلَا إرْقَابُهَا فَلَوْ قَالَ مَنَحْتُكَهُ عُمُرَكَ فَعَارِيَّةٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَحَهُ النَّاقَةَ: جَعَلَ لَهُ وَبَرَهَا وَلَبَنَهَا وَوَلَدَهَا وَهِيَ الْمِنْحَةُ وَالْمَنِيحَةُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ عَنْ بَيْتِهِ سُكْنَاهُ لَكَ عُمُرَكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَنْ بُسْتَانِهِ وَنَحْوُهُ غَلَّتُهُ لَكَ عُمُرَكَ وَعَنْ قِنِّهِ خِدْمَتُهُ لَكَ عُمُرَكَ عَارِيَّةٌ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ