الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ " قَالَ مَالِكٌ " بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ ".
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ. وَلِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مُقَامَهُ صلى الله عليه وسلم وَحَدِيثِ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا يَحْمِيهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ حُرِمَ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ. وَالْحِمَى الْمَنْعُ، يُقَالُ: حَمَى الْمَكَانَ إذَا جَعَلَهُ حِمًى لَا يُقْرَبُ. وَلَمْ يَحْمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ إذَا حَمَى مَحِلًّا (نَقْضُ مَا حَمَاهُ) ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ (أَوْ) أَيْ: وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ (غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ) ; لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فَلَهُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ. فَلَوْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ مَلَكَهُ. قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشَرَّكَةِ. وَ (لَا) يَنْقُضُ أَحَدٌ (مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ) ; لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (وَلَا يُمَلَّكُ) مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (بِإِحْيَاءٍ وَلَوْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) ، وَإِنْ كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ. فَإِنْ خُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ وَمُنِعَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَرَكَ النَّاسَ فِيهِ.
[فَصْلٌ لِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَالْأَمْطَارِ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَهُ]
فَصْلٌ وَلِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَالْأَمْطَارِ وَالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَهُ أَيْ: الْمَاءَ (حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ) أَيْ: السَّاقِي أَوَّلًا (ثُمَّ هُوَ) أَيْ: الَّذِي يَلِي الْأَعْلَى يَفْعَلُ (كَذَلِكَ) أَيْ: يَسْقِي وَيَحْبِسُ حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ، وَهَكَذَا (مُرَتَّبًا) الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى إلَى انْتِهَاءِ الْأَرَاضِي (إنْ فَضَلَ شَيْءٌ) عَمَّنْ لَهُ السَّقْيُ وَالْحَبْسُ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِي) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُ. إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ. لِحَدِيثِ عُبَادَةَ
«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَاءَ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ أَعْلَى وَأَسْفَلُ) بِأَنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي ذَلِكَ (سُقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ) أَيْ: انْفِرَادِهِ فِي مَحِلِّهِ، (وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قُرْبٍ) مِنْ أَوَّلِ نَهْرٍ (قُسِّمَ) الْمَاءُ بَيْنَهُمْ (عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ جَرِيبٌ وَلِآخَرَ جَرِيبَانِ وَلِثَالِثٍ ثَلَاثَةٌ، فَلِلْأَوَّلِ سُدُسٌ وَلِلثَّانِي ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ نِصْفٌ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ جَرِيبٌ، (إنْ أَمْكَنَ) قَسْمُهُ بَيْنَهُمْ (وَإِلَّا) يُمْكِنُ قَسْمُهُ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ فَيَسْقِي مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرِينَ فَيَسْقِي مِنْ قُرِعَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكُهُ لِلْآخَرِ، (فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ) الْمَاءُ (عَنْ وَاحِدٍ) مَعَ التَّسَاوِي فِي الْقُرْبِ (سَقَى الْقَارِعُ بِقَدْرِ حَقِّهِ) لِمُسَاوَاتِهِ مَنْ لَمْ تَخْرُجْ لَهُ الْقُرْعَةُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ
. (وَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ) أَيْ: السَّيْلِ أَوْ النَّهْرِ الصَّغِيرِ (لَمْ يُمْنَعْ) مِنْ الْإِحْيَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ فِي الْمَاءِ لَا فِي الْمَوَاتِ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) فَإِنْ ضَرَّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْهُمْ (وَلَا يَسْقِي قَبْلَهُمْ) إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَأَحْيَى لِسَبْقِهِمْ لَهُ إلَى النَّهْرِ ; وَلِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا قَبْلَهُ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حُقُوقِهَا وَسَبْقِهِمْ إيَّاهُ بِالسَّقْيِ مِنْ حُقُوقِهَا
. (وَلَوْ أَحْيَا سَابِقٌ) مَوَاتًا (فِي أَسْفَلِهِ) أَيْ النَّهْرِ (ثُمَّ) أَحْيَا (آخَرُ) مَحِلًّا (فَوْقَهُ) أَيْ: الْأَوَّلِ (ثُمَّ) أَحْيَا (ثَالِثٌ) مَحِلًّا (فَوْقَ ثَانٍ سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا) وَهُوَ الْأَسْفَلُ. ثُمَّ سَقَى ثَانٍ فِي الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الْأَسْفَلِ (ثُمَّ) سَقَى (ثَالِثٌ) أَيْ: الَّذِي فَوْقَ الثَّانِي اعْتِبَارًا بِالسَّبْقِ إلَى الْإِحْيَاءِ لَا إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ. لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا
. (وَإِنْ حُفِرَ نَهْرٌ صَغِيرٌ وَسِيقَ مَاؤُهُ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ مَلَكَهُ) أَيْ: مَلَكَ الْحَافِرُ الْمَاءَ الدَّاخِلَ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ: النَّهْرُ (بَيْنَ جَمَاعَةٍ) اشْتَرَكُوا فِي حَفْرِهِ (عَلَى حَسَبِ عَمَلٍ وَنَفَقَةٍ) لِأَنَّهُ مُلِكَ بِالْعِمَارَةِ. وَهِيَ الْعَمَلُ وَالنَّفَقَةُ (فَإِنْ) كَفَاهُمْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِيهَا فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ (لَمْ يَكْفِهِمْ وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ) بِمُهَايَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (جَازَ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ (وَإِلَّا) يَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ وَتَشَاحُّوا (قَسَمَهُ) أَيْ: الْمَاءَ بَيْنَهُمْ (حَاكِمٌ عَلَى