الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنايات
جمع جناية: وهي الشاملة للجناية بالجارح وغيره كشجر ومثقل.
1/ 501 - (وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا يَحِلُّ دمُ) أي سفك دم (امْرِئٍ مُسْلِمٍ) والمراد لا يحل قتل مسلم ولو بلا دم (يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا الله وأني رسول اللهِ) صفة موضحة لمسلم إذ المسلم من يشهد ذلك (إلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّب الزاني) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي أحدها، وبالنصب بفعل مقدر كأعني، وبالجر بدلًا من مسلم أو امرئ والمراد بالثيب الزاني المحصن كما ورد في رواية وهو هنا من وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل (والنَّفْسَ بِالنَّفْس) ما لم يمنع منه مانع لعدم كفاءة كقتل الحر بالعبد (والتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ) أي جماعة المسلمين والمراد به المرتد ولو امرأة (رواه الشيخان).
وفيه تحريم قتل الآدمي إلا ما استثني ولا يرد على الحصر في الثلاثة جواز قتل نحو الصائل لأن قتله ليس مقصودًا أصالة وإنما المقصود دفعه، نعم يرد عليه
جواز قتل من أخرج الصلاة عن أوقاتها.
2/ 502 - (وعن عمر رضي الله عنه قال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ رواه الترمذي وغيره وصححه البيهقي).
وفيه أن الوالد لا يقاد بقتل ولده والمراد به الأصل وإن علا ذكرًا كان أو أنثى.
3/ 503 - (وعن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم المُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ) في الحرمة (وَيَسعَى بذِمَّتِهِم) أي أيمانهم وعهدهم (أَدْنَاهُم) فإذا أمن أدنى المؤمنين من حر وعبد رجل أو امرأة العدو جاز ذلك على جميع المؤمنين (وَهُمْ) أي المؤمنون (يَدٌ) أي ذوو قوة والمراد كما قال ابن الأثير أنهم مجتمعون (عَلَى مَنْ سِوَاهُم) من أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضًا على جميع الأعداء (ولا يُقْتَلُ مُؤمن بكَافِرٍ ولَا) يقتل (ذُو عَهْدٍ في) حال (عَهْدِهِ) أي أمانة وفاء بالعهد (رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم).
وفيه أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم في الحرمة وإن امتنع القصاص في بعضهم لانتفاء الكفاءة الخاصة المعلومة في الفقه. وأنه يكفي عن أمانهم أمان واحد منهم، وأنه لا يقتل مؤمن بكافر لعدم المكافأة، ولا ذو عهد في عهده أي بلا سبب.
4/ 504 - (وعن أنس رضي الله عنه أنَّ جَارِيَةً) من الأنصار تطلق الجارية على الأمة وعلى الحرة ما لم تبلغ (وُجِدَ رَأْسُهَا قد رُضَّ) أي دق (بَينَ حَجَرَينِ، فَسَأَلُوهَا: ) في رواية في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سألها (مَنْ صَنَعَ بِكِ هَذَا؟ فُلَانٌ، فُلانٌ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا. فَأَوْمَتْ) أصله فأومأت (بِرَأْسِهَا) أيِ نعم (فَأُخِذَ اليَهُودِيُّ. فَأَقَرَّ) بأنه صنع بها ذلك (فَأَمَرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَينَ حَجَرَين. رواه الشيخان واللفظ لمسلم).
وفيه ثبوت القود وقتل الرجل بالمرأة وهو إجماع من يعتد به وجواز قتل الكافر الذي له عهد وأمان بالمسلم وجواز سؤال الجريح من جرحك لفائدة
تعرف الجارح من بين المتهمين ليطالب فإن أقر ثبت عليه القود وإلا فالقول قوله بيمينه ولا يلزمه بمجرد قول المجروح شيء وهو قول جمهور العلماء.
وفيه أيضًا أن الإِشارة بالرأس أو نحوه قائمة مقام النطق ووجوب القود في القتل بالمثقل كالمحدد وهو ظاهر واعتبار المماثلة في استيفاء القود.
5/ 505 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقْتَتَلْتِ امْرَأَتَان مِنْ هُذَيلٍ) كانتا زوجتين لحمل بن النابغة واسم المضروبة مليكة والضاربة أم عطيف بضم المهملة (فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى بَحَجَرٍ) وفي رواية "فضربت إحديهما الأخرى بمسطح وهو عود من أعواد الخباء وفي رواية "بعمود" ولا منافاة لاحتمال أن يكون الضرب وقع بالحجر والعمود والعود فذكر بعض الرواة أحدها وبعضهم آخر والباقون الثالث (فقتلتها وما في بطنها) وقد أجهضته قبل موتها كما ورد في رواية (فَاخْتَصَمُوا) أي أهل المقتولة مع القاتلة وأهلها (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَضَى) أي حكم وألزم (رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْد أوْ وَلِيدَة) أي أمة، (وقَضَى بِدِيةِ المرْأةِ) المقتولة (عَلَى عَاقِلَتها) أي عاقلة القاتلة وهم العصبة ما عدا الأصل والفرع والعاقلة جمع عاقل جمع الجمع عواقل والعقل الدية سميت به لأن مورثها يعقلها بفناء أولياء المقتول والعقل أيضًا مصدر بمعنى تحمل الدية وإعطائها (وَوَرَّثَهَا) بتشديد الراء (وَلَدَهَا) بالنصب بالمفعولية وبتخفيفها، ورفع الولد بالفاعلية والمراد بالولد الجنس فلهذا قال:(وَمَنْ مَعَهُمْ) ولم يقل معه (فَقَال) أبو فضلة
(حَمَل) بفتح الحاء والميم (ابن مَالك بن النَّابِغَةِ رضي الله عنه الهزلي) وكان ابن عم الضاربة (يا رسول الله كَيفَ يُغْرَمُ) أي الشخص.
وفي رواية كيف أغرم أي أناديه (مَنْ لا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ ولا اسْتَهَلَّ) أي رفع صوته بالصياح (فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ) بضم أوله مضارع ولازمه أي هدر وهو من الأفعال التي لم تستعمل إلا مبنية للمفعول كجن ومنهم من قال يقال أطل الحاكم دمه أي أهدره ويروى بالموحدة مفتوحة من البطلان (فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّما هذا) القائل لهذا الكلام (مِنْ إخْوانِ الكُهَّانِ) جمع كاهن وهو من يخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الأسرار كما مر مع زيادة في البيع (مِنْ أَجْل سجعه الَّذِي سَجَعَ) والسجع بفتح السين المهملة كلام يشبه الشعر (رواه الشيخان).
وفيه رفع الجنايات والخصام فيها إلى الحكام بغرض الفصل ووجوب الغرة بالجناية على الجنين إن انفصل منها بعد موته وكذا إن ظهر بلا انفصال عند الشافعي وأن الغرة تسمى دية وأنه لا فرق في وجوب الغرة بين الذكر والأنثى، ويجبر مستحقها على قبولها من أي نوع كان بعد وجود ما اعتبره جمهور الفقهاء من كونها مميزةً سالمةً من عيب المبيع، وأن تكون قيمتها عشْر دية الأم فإن فقدت الغرة وجب خمسة أبعرة، وفيه أيضًا ذم الكهَّان وسجعهم والتشبه بهم وأن السجع لا يذم مطلقًا بل إذا شبه بسجع الكهان في القصد به إلى إبطال حق شرعي كما هنا أو كان منه فحش.
تنبيه: الضرب بالحجر وبالعمود ظاهر في أنه كان بما يقتل غالبًا لكن
يعارضه رواية أبي داود والنسائي لأن الحذق الرمي بحصاة أو بنواة أو نحوها تؤخذ بين السبابتين أو بين الإِبهام والسبابة فالأوجه حمل الحجر والعمود في الخبر السابق على صغيرين لا يقتلان غالبًا ليوافق هذه الرواية -وقوله وقضى بدية المرأة على عاقلتها لأن القتل حينئذٍ شبه عمد ولا يصح حمله على ما يقتل غالبًا ليكون القتل عمدًا وقضى بقتل قاتل المرأة ثم عفا عنه فقضى بالدية لأن القضاء بالدية حينئذ لا يكون على العاقلة.
6/ 506 - (وعن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه أَنَّ الرُّبَيِّعَ) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء (بِنْتَ النَّضرِ - عمته) أي عمة أنس (كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ) أي سن (جَارِيَةٍ) أي شابة حرة (فَطَلَبُوا) أي قوم الربيع (إِلَيهَا) أي إلى الجارية أي منها والمراد من أهلها (العَفْوَ) مجانًا (فَأَبَوْا) أي فامتنعوا (فَعَرَضُوا) عليهم (الأَرْشَ) أي الدية (فَأَبَوْا. فَأَتُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَبَوْا إلا الْقِصَاصَ فقال أنس بن النضر يا رسول الله أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لَا والذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنيَّتَها) إذ إنه قاله قبل أن يعرف أن كتاب الله القصاص على النصين لظنه التخير بين القصاص والدية أو المراد الاستشفاع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ولم يرد به الإِنكار بل توقعًا، ورجاء للعفو من فضل الله لما كان له عند الله من القرب والثقة، ويدل له آخر الحديث (فَقَال رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أنَسُ كِتَابُ اللهِ القَصَاصُ) رفعهما بالابتداء أو الخبر وبنصبهما يجعل المصدرين بدلًا من اللفظ بفعلهما وبنصب الأول بالإِغراء ورفع الثاني خبر مبتدأ محذوف أو نصبه بالبدلية أو بفعل مقدر أو بدلا من اللفظ بفعله (فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ مِنْ عِبادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ) في قسمه (رواه الشيخان واللفظ للبخاري).
وفيه ثبوت القصاص بين النساء وجواز الحلف فيما يظن وقوعه والقضاء على من لا يخاف الفتنة به، وندب العفو عن القصاص والشفاعة في العفو، وأن السن يتصور فيه القصاص بأن يقلع أو يكسر ويكون الكسر مضبوطًا.