الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَاتُه
مات شيخ الإِسلام رضي الله عنه يوم الأربعاء ثالث شهر ذي القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة عن مائة وثلاث سنوات وغسل في صبيحة يوم الخميس وكفن وحمل ضحوة النهار ليصلى عليه بجامع الأزهر في محفل من قضاة الإِسلام والعلماء والفضلاء وخلائق لا يحصون واجتمع بالجامع الأزهر ونواحيه أمثالهم اغتنامًا للصلاة عليه وتحول إلى الرُمَيلة وصلّي عليه هناك. قال العلائي ودفن بالقرافة الصغرى بتربة الشيخ نجم الدين الخويشاتي بقرب قبر الإِمام الشافعي في فسقية جديدة أنشأها شرف الدين قريب ابن أبي المنصور. وحزن الناس عليه كثيرًا لمزيد محاسنه ورثاه جماعة من تلامذته فمن ذلك قول عبد اللطيف:
قضَى زَكَرِيَا نَحْبَه فَتَفَجّرتْ
…
عَلَيه عيُون النِّيل يومَ مَمَاتِه
ليَعْلَمَ أنّ الدّهْرَ راحَ إمَامُه
…
وما الدّهر يبْقَى بَعْدَ فَقْد إمَامِه
سَقَى الله قَبْرًا ضمّه غوثٌ صَبيبٌ
…
عليه مَدَى الأيَّام صبْح غَمامِه
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن واختم بخير يا رب العالمين.
قال سيدنا مولانا قاضي القضاة شيخ مشايخ الإِسلام ملك العلماء الأعلام قاضي النقض والإِبرام سيبويه زمانه فريد عصره وأوانه، زين الدين لسان المتكلمين حجة الناظرين محيي سنة سيد المرسلين: أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي تغمده الله تعالى برحمته وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح صدورنا لشرح أحاديث خير الأنام، ووفقنا لتهذيب ما تضمنته من الأحكام، والصلاة والسلام على نبينا محمَّد أشرف الأنام وعلى آله وأصحابه وأتباعه البررة الكرام.
وبعد
فقد كنت لخصت كتابًا سميته الإِعْلَام بأحَادِيث الأحكام وأردت الآن أن أشرحه شرحًا يحل ألفاظه، ويبين مراده مجتنبًا فيه الإِعادة إلا لنكتة يحصل بها إفادة.
فشرعت فيه قاصدًا به الأجر والثواب بعون المتفضل الأكرم الوهاب وسميته بفَتْحِ العَلامِ بِشَرْح الإِعلَام بأحَادِيثِ الأحْكَام. والله الهادي إلى أحسن سبيل أسأله أن ينفع به وهو حسبي ونعم الوكيل.
(بسْمِ الله الرحْمنِ الرحِيمِ)
أي أؤلف، والاسم مشتق من السمو وهو العلو، والله علم للذات الواجب الوجود، والرحمن والرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم.
لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما قطع وقطع ولقولهم رحمان الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة، وقيل رحيم الدنيا.
(الْحَمدُ للهِ): الحمد لغة الثناء باللسان على الجميل الإِختياري على جهة التبجيل سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل. وعرفا: فعل ينبيء عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره. وابتدأت بالبسملة والحمدلة اقتداءًا بالكتاب العزيز وعملًا بخبر "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وفي رواية "بالحمد لله"، فهو أجزم": أي مقطوع البركة. رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره.
وجمعت بين الإِبتدائين عملًا بالروايتين وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما إذ الابتداء حقيقي وإضافي.
فالحقيقي: حصل بالبسملة والإِضافي بالحمدلة، وقدمت البسملة عملًا بالكتاب والإِجماع، والحمد مختص بالله كما أفادته الجملة سواء أجعلت آل فيه للاستغراقي أم للجنس أم للعهد، وقد بسطت الكلام على البسملة والحمدلة في غير هذا الكتاب، بل أفردت الكلام عليهما وعلى الشكر والمدح في مقدمة لطيفة (الَّذِي ظَهَرَ لمَعالِمِ السُّنَّةِ النّبويَّة سَبِيلًا) أي طريقًا والمعالم جمع معلم أي بوزن مقعد وهو مظنة العلم وما يستدل به كالعلامة، وجعلها: أي السنة أو معالمها الأحكام الشرعية أي الطريقة في الدين دليلًا إلى الدين القويم.
(والصلَاةُ) وهي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الآدمي والجن تضرع ودعاء، (والسّلامُ) بمعنى التسليم (على نَبِيِّنَا) النبي إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر به فرسول أيضًا فالنبي أعم من الرسول وعبرت بالنبي لذلك ولأنه أكثر استعمالًا.
(مُحمَّدٍ) هو علم منقول من اسم مفعول المضعف سمي به نبينا بإلهام من الله تعالى تفاؤلًا بأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الجميلة كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها، لم سميت ابنك محمدًا وليس من أسماء آبائك ولا قومك قال رجوت أن يحمد في السماء والأرض.
وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه (الَّذِي أنْزَلَ عَلَيه الْكِتَاب) أي القرآن (هُدىً) أي دلالة (ومَوْعِظَةً وَتَفْصيلًا) أي بيانًا لما يحتاج إليه (وَعَلَى آلِه) وهم مؤمنو بني هاشم وبني المطلب.
(وَأصْحَابِه) جمع صاحبه بمعنى الصحابي وهو من اجتمع مؤمنًا بنبينا صلى الله عليه وسلم، وعطف الأصحاب على الآل الشامل لبعضهم تشمل الصلاة والسلام باقيهم. وجملتا الحمد والصلاة والسلام خبريتان لفظًا إنشائيتان معنى. واخترت اسميتهما على فعليتهما للدلالة على الثبات والدوام.
(وَأتْبَاعِه) جمع تابع بمعنى التابعي وهو من لقي الصحابة (بكرَةً وَأصِيلا) وهو ما بين العصر والمغرب. وجمعه أصل وآصال وأصائل.
(وَبَعْدُ) يؤتى للانتقال من أسلوب إلى آخر، وأصلها أما بعد بدليل لزوم الفاء في حيزها غالبًا لتضمن إما معنى الشرط، والأصل مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر (فَهَذَا) المؤلف الحاضر ذهنًا (مُخْتَصَر) من الإِختصار وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى أي يشمل (عَلَى أَدِلَّةٍ نبَويًةٍ لِلأحْكَامِ الشَّرْعِيَّة) أي المأخوذة من الشرع (لَخَصتُه مِنْ صحِيحَي
البُخَارِي ومُسْلِم وغَيرهما) كسنن أبي داود والترمذي والنسائي (وَلا أذْكر فيهِ إِلا مَا صَحَّ أَو قَارَبَهُ) بأن يكون حسنًا أو معتضدًا بما يلحقه بهما في الاحتجاج به.
(وَسَمَّيتُه الإِعْلَام) بكسر الهمزة (بِأَحَادِيثِ الأحْكَامِ) بفتحها. (والله) لا غيره (أَسْألُ أنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ) أي المتفضل. وقيل العفو، وقيل الغنى (وَأنْ يَنْفَعَ بِهِ مَعَ الْفَوْزِ) أي النجاة والظفر بالخير (بِجِنانِ النعيمِ) وهي جميع الجنات لما تَضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من مأكول ومشروب وملبوس وصور ورائحة طيبة ومنظر بهيج ومساكن واسعة وغيرها من النعيم الظاهر والباطن.