الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإحرام
أي الدخول في النسك بنيته ولو بلا تلبية وما يتعلق به مما يأتي فيه.
1/ 298 - (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عنْد المسجِد) أي المسجد الحرام (رواه الشيخان).
ولا خلاف أن إحرام من بمكة بالحج يكون من كل موضع بمكة وفي الأفضل قولان وقيل وجهان: أحدهما أن يحرم به من المسجد، ويسن كونه قريبًا من الكعبة ويجوز له أن يحرم به من المسجد كما ذكره وأصحهما من باب داره، ويأتي المسجد محرمًا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ فقولهم من باب داره جرى على الغالب وإلا فالمعتبر مكان إنشائه من مسجد أو غيره كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم.
2/ 299 - (وعن أبي يزيد السائب بن يزيد بن سعيد بن تمامة بن
الأسود الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتَانِي جبريلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمر أَصْحَابِي أنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالإِهْلال، رواه أبو داود وغيره وصححه الترمذي وابن حبان).
وفيه سن رفع الصوت بالتلبية عند الإحرام وكأن المراد بالإِهلال فيه التلبية مجازًا وإلا فحقيقة رفع الصوت بها فعلية يكون قوله رفع الصوت تأكيدًا وإيضاحًا.
3/ 300 - (وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ عَنْ ثَيابِه لإهلاله) يعني لإحرامه (واغْتَسَلَ) له (رواه الترمذي وحسنه).
وفيه مع قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وجوب التجرد للإِحرام وهو خاص بالرجل دون المرأة والخنثى.
4/ 301 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ مَا يَلْبَس) بفتح الياء والباء (المُحْرِمُ من الثِّيابِ) هو مستلزم لضده المعبر عنه، وفي رواية ماذا يترك المحرم من الثياب.
المناسب لجوابه الآتي، وعلى الأول إنما عدل عن جوابه يلبس كذا إلى لا يلبس كذا لأنه أخصر وأحصر وهو قوله (فقال: لا يَلْبَس القَمِيص) أي شيئًا منها، وكذا التقدير فيما يأتي ويلبس بالجزم على النهي فتكسر لالتقاء الساكنين ويحتمل رفعه على أنه خبر بمعنى النهي (ولا العَمَائِمَ) جمع عمامة سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتعظيم (ولا السَّراويَلات) جمع سراويل مؤنث، وقيل مذكر وعجمي معرب وقيل عربي ومفرد، وقيل جمع سروالة، ويقال فيه سراوين بالنون (ولا البَرَانِسَ) جمع برنس -بضم الباء والنون وهو قلنسوة طويلة (ولا الخِفَافَ) جمع خف ويجمع أيضًا على أخفاف (إلَّا أحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَين فَلْيَلْبَسِ الخفين ولْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الكَعْبَينِ ولا يَلْبَسُ من الثياب شَيئًا مسَّهُ الزَّعْفَرانُ) -نبت يكون باليمن- (أو وَرْس) بفتح الواو وسكون الراء وبسين مهملة نبت أصفر يصبغ به ويزرع باليمن ولا
تنتقب -أي لا تستر وجهها بالنقاب وهو بكسر النون ما يستر به الوجه، ويسد على الأنف، ولا تلبس القفازين- تثنية قفاز وهو شيء يعمل لتغطية اليدين والساعدين يُحَشّى بقطن وله إزرار تزر على الساعدين من البرد، (والحديث رواه الشيخان إلا ولا تنتقب إلى آخره فالبخاري) وفيه أنه يحرم على الرجل المحرم لبس ما ذكر وعلى المرأة المحرمة ستر وجهها ولبس القفازين، وكل ذلك حيث لا عذر، والسر في تحريم المذكورات على المحرم ما فيها من الترفه، وأن يتذكر بذلك موت الناس وبعثهم حفاة عراة.
5/ 302 - (وعن عائشة رضي الله عنها قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ ولِحلِّهِ) أي تحلله من محرمات الإِحرام (قَبْلَ أنْ يَطوفَ بالبيتِ) طواف الإِفاضة (رواه الشيخان).
وفيه سن التطيب قبل الإِحرام وقبل التحلل الثاني، ولا يضر بقاء أثر
الطيب قبل الإِحرام وقبل التحلل الثاني ولا يضر بقاء أثر الطيب بعد الإِحرام إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
6/ 303 - (وعن أبي عمر وأمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَنْكحُ المُحْرِمُ) بفتح الياء أي لا يتزوج (ولا يُنْكِحُ) بضمها -أي لا يزوج غيره ولو بنيابة (ولا يَخْطُبُ) أي لا يطلب تزوج امرأة لنفسه أو غيره (رواه مسلم).
وفيه أنه يحرم على المحرم أن يتزوج أو يزوج غيره للنهي المذكور ولأن الإِحرام عبادة تحرم الطيب فحرمت ذلك كالعدة، فلو فعل ذلك لم يصح وظاهر الحديث أنه يحرم عليه الخطبة أيضًا، وليس مرادًا بل المراد أنها تكره كراهة تنزيه كما نص عليه الشافعي والأصحاب فهي جائزة وإن كرهت.
فإن قلت: كيف تجوز وما عطفت عليه حرام، قلنا لا يمتنع ذلك كقوله
تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} والأكل مباح والإِبقاء واجب، ويكره أيضًا للحلال خطبة مُحْرِمَة ليتزوجها بعد إحلالها بخلاف خطبة المعتدة فإنها تحرم، وفرق بأن المحرمة متمكنة من تعجيل تحللها، والمعتدة لا يمكنها تعجيل فربما غلبتها الشهوة فأخذت بانقضاء عدتها قبل انقضائها.
7/ 304 - (وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في قصة صيده الحمار الوحشي وهو غير محرم -قال: فَقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا مُحْرِمِينَ هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ أمره أو أَشَار إِلَيه بشيءٍ) من اصطياد؟ (قالوا: لا قال: فكُلُوا ما بقي من لحمِهِ رواه الشيخان).
وفيه أنه إذا كان للمحرم سبب في اصطياد الصيد بإشارة أو إعانة يحرم أكله عليه وعلى غيره وأنه لا يحرم عليه صيد غيره إذا لم يكن له فيه إشارة وأجمع العلماء على أنه يحرم عليه الاصطياد فإن قلت لم ترك أبو قتادة الإِحرام مع كونه خرج للنسك ومر بالميقات قلت أجيب بأوجه: أولها أنه أرسل إلى جهة أخرى لكشف عدو لهم فكان الالتقاء معه بعد مجاوزة الميقات، وأضعفها أنه لم يكن مريدًا للنسك، وأبعدها أن المواقيت لم تكن وقتت بعد.
8/ 305 - (وعن الصعب) بفتح الصاد وسكون العين بن جثامة -بفتح الجيم وتشديد المثلثة- ابن قيس بن ربيعة الليثي بمثلثة نسبة إلى ليث جد من
أجداده رضي الله عنه أنه أهْدَى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشيًّا وهو بالأَبْواء) -بفتح الهمزة وسكون الموحدة قرية من عمل الفرع بضم الفاء وسكون الراء بالقرب من المدينة بينهما وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا (أوْ بِوَدَّانَ) بفتح الواو وتشديد المهملة قرية من الفزع أيضًا بينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال قريبة من الجحفة (فَرَدَّهُ عَلَيه وقال: إنَّا لم نَرُدُّه عليك) بضم الدال أفصح من كسرها وفتحها لمناسبة الراء (إلا أَنا) أي لأنا (حُرُم) بضم المهملتين جمع حرام أي مُحْرِم (رواه الشيخان).
وفيه أنه تجوز الهدية وقبولها ما لم يمتنع من ذلك مانع وأن المهدي إليه يعتذر للمهدي إذا لم يقبل هديته بطيب قلبه.
9/ 306 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدَّوَابِ) جمع دابة وهي كل ما يدب على الأرض (كُلُّهُنَّ فَوَاسِقٌ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ الغَرَاب) وفي رواية لمسلم الغراب الأبقع وهو المراد (والحدأَة) بوزن العنبة (والعَقْرب) يقال فيها أيضًا عقربة وعقربا بالمد كلها للأنثى، وأما الذكر فعقربان بضم العين والراء (والفَأْرَة) بالهمزة وقد يترك تخفيفًا (والكلبُ العقورُ، رواه الشيخان).
وفيه إباحة قتل الخمس المذكورة في الحل والحرم، وفي رواية لمسلم أربع: الحدأة والغراب والفارة والكلب العقور فأسقط العقرب، وفي رواية لهما خمس أسقطا فيها الفأرة وذكرا بدلها الحية، وفي رواية لأبي داود خمس أسقط فيها الغراب وذكر بدله الحية فتكون ستة وليس بين الروايات تناف لاحتمال أن يكون ذكر في كل مقام ما يليق بالسامعين فيه كما يجاب بذلك في نظائره.
10/ 307 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، رواه الشيخان) وتقدم الكلام عليه في كتاب الصيام.
11/ 308 - (وعن أبي محمد كعب بن عجرة) بضم العين ابن أمية ابن عدي بن عبيد بن الحارث رضي الله عنه قَال: حُمِلْت) يعني أتيت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمَّلُ يتناثر على وجهي فقال: مَا كُنْتُ أُرَى) بضم الهمزة أي أظن (الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى) بفتح الهمزة من رؤية البصر أي ما أبصره (أتَجِدُ شَاةً) أي أتقدر عليها لتفدي بها إذا حلقت رأسك لإزالة الأذى (فقلتُ: لا قال: فَصُمْ ثلاثةَ أيامِ، أوْ أطعِمْ ستةَ مساكينَ لكلِ مسكينٍ نصفُ صاعٍ) من الطعام (رواه الشيخان) وفي رواية أيؤذيك، هوامَ رأسك فقلت: نعم قال فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة.
وفي ذلك أنه يجوز للمحرم حلق رأسه لدفع الأذى مع الفدية وأنه يحرم من غير أذى مع لزومها كما فهم بالأولى ووجه سؤاله صلى الله عليه وسلم لكعب بقوله أتجد شاة
مع أنه مخير بينها وبين غيرها مما ذكر كما هو نص القرآن، والرواية السابقة أنه أراد إعلامه بأنه إن وجد الشاة فهو مخير بينهما وبين الصوم والإِطعام وإن لم يكن واحد لها فهو مخير بين الصوم والإطعام.
واعلم أن كل هدي أو إطعام يلزم المحرم يكون بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم إلا الهدي اللازم للمحصر فإنه يذبحه حيث أحصر. وأما الصوم فإنه يفعل حيث شاء على ما هو مقرر في كتب الفقه.
12/ 309 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لَمَا فَتَحَ الله عَلَى رسُولِهِ مَكَّةَ قَامَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم في النَّاس فَحَمِدَ الله وَأَثْنى عَلَيهِ) من عطف العام على الخاص لأن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري على وجه التبجيل (ثم قَال: إِنَّ اللَّه حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ) أي دخولها (الفِيلَ) وَسَلَّط عَلَيها) أي مكن منها (رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمِنين وإِنّها) بكسر الهمزة (لم تَحِلَّ) أي لم يحل القتال فيها (لأحدٍ كَانَ قَبْلِي وإِنَّمَا أُحِلتْ) أي أحل القتال فيها (لِي ساعةً مِنْ نَهَارٍ) أي نهار الدخول في فتح مكة وهذه الساعة من صحوة النهار إلى بعد الظهر، وفي رواية أحلت لي نصف نهار (وإنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحدٍ بَعْدِي فلا يُنفَّرُ صَيدَها) أي لا، يزعج من مكانه فإتلافه أولى (ولا تحل ساقطتها) أي لقطتها (إلا لمنشدٍ) أي معرف يعرفها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها بخلاف سائر اللقطات (ولا تخْتَلى) أي يقطع خلاها بالقصر الكلأ الرطب واحدهُ خلاة كنواة ونوى وأما الكلأ اليابس فيسمى حشيشًا (فقال العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم) طالبًا
منه استثناء الإِذخر من الخلاء (يا رسول الله - الإِذخر) بكسر الهمزة وسكون المعجمة وكسر الخاء المعجمة نبت معروف طيب الرائحة الواحدة إذخره - والإِذخر منصوب ويجوز رفعه بدلًا (فإِنَّا نجعلُهُ في قبُورِنا) أي عليها (وبُيُوتِنَا) أي في سقوفنا (فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الإِذخِرَ) قاله إما بوحي أو إلهام أو اجتهاد أو تفويض إليه من الله تعالى على الخلاف فيه (والحديث رواه الشيخان).
وفيه أن القتال لم يحل بمكة لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم ولن يحل لأحد بعده إكرامًا له صلى الله عليه وسلم وهذا كما قال النووي، محله في قتال بما يحل كمنجنيق إذا أمكن إصلاح الحال بدونه وإلا فقتال أهل البغي أو طائفة تحصنت بمكة جائز فيها كما نص عليه الشافعي والجمهور وفيه أيضًا أنه يحرم تنفير صيدها وأخذ لقطتها لغير حفظها، وإنه يحرم قطع ما نبت فيها إلا الإِذخر.
13/ 310 - (وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حَرَّمَ) بأمر الله (مكَّةَ) أي حرم صيدها وقطع نباتها والقتال فيها على ما مر (وَدَعَا لأهْلِهَا) ولها بقوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا
وَارْزُقْ أَهْلَهُ} الآية (وإنِّي حَرَّمْت) بأمر الله (المدينَة) أي حرمت صيدها وقطع شجرها (كما حَرَّمَ إبراهيم مكَّةَ وَإِنِّي دَعَوْتُ في صَاعِهَا ومُدِّهَا بِمثْل مَا دَعَا إِبراهيم لأَهْلِ مَكَّةَ) بأن دعي به مرتين أو دعا دعاءين (رواه الشيخان).
وفيه تحريم مكة والمدينة بالمعنى السابق واختلفوا في ابتداء تحريم مكة، فالجمهور على أنها محرمة من يوم خلق السموات والأرض كما جاء في الصحيحين بذلك.
وقيل إن إبراهيم أول من حرمها للحديث المذكور، وأجاب الجمهور بأن تحريمها كان ثابتًا بما ذكر ثم خفي فأظهره إبراهيم لا أنه ابتدأه.
وجواب الثاني عما استدل به الجمهور بأن معنى قوله أن الله حرم مكة أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى بعيد.