الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قَضَاء الحَاجَةِ هو كناية عن إخراج البول أو الغائط من الفرج
1/ 34 - (عَنْ أَنَسْ رضي الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ) أي أراد أن يدخل (الخَلَاء) بالفتح والمد، وأصله المكان الخالي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ثمَّ غلب في موضعه، ويسمى بالكنيف لما فيه من التستر إذ معنى الكنيف الساتر، ويسمى أيضًا بالمرحاض والغائط والمذهب والمرفق والحشر والبراز، بفتح الموحدة وسمي مكانها بالخلاء لخلائه في غير أوقات الحاجة، ولأن الشيطان الموكل به اسمه خلا، والخلاء منصوب بأنه مفعول به لا بالظرفية لأنَّ دخل عدته العرب بنفسه إلى كل ظرف مكان مختص، نقول دخلت الدار ودخلت المسجد ونحوهما، كما عدّت ذهب إلى الشام خاصة فقالوا ذهبت إلى الشام، ولا يقولون ذهبت العراق (قَال اللهمَّ) أصله يا الله حذفت يا وعوض عنها الميم وشددت ليكون على حرفين كالمعوض عنه.
وقد يقال فيه لاهم بحذف أل (إني أعوذُ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو واستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين فبقيت الواو ساكنة، أي أستجير وأعتصم (بِكَ مِنْ الخُبُثِ والخَبائِثِ) أي ذكران الشياطين وإناثهم هو تفسير من زيادتي لما قبله باللف والنشر المرتب إِذْ الخبث بضم الخاء مع ضم الباء وإسكانها جمع خبيث، وهو ذكر الشياطين والخبائث جمع خبيثة وهي أنثاهم، وقيل الخبث الشياطين والخبائث المعاصي، وقيل الخبث الشياطين والخبائث البول والغائط وقيل غير ذلك واستعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إنما هي إظهار للعبودية وتعليم للأمة وإلا فهو معصوم منه (والحديثُ رَوَاه الشّيخَان).
وفيه استحباب الذكر المذكور لأنَّ "كان" في مثله كثيرًا ما يدل على المداومة استعمالًا مع أن ذلك مجمع عليه سواء فيه البنيان والصحراء، لأنَّ مكان قضاء الحاجة يصير مأوى الشياطين بخروج الخارج، وتسن التسمية
قبله، وقد جاء في رواية من حديث أنس هذا "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". ويخالف التعوذ في القراءة في الصلاة وغيرها. فإن التعوذ مقدم ثَمَّ، لأنه ثَمَّ للقراءة والبسملة من القرآن بخلافه هنا.
2/ 35 - (وعنه أي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ) أي يريد أن يدخل الخلاء (فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ) قال الواحدي هو الشاب من الناس، وأصله من الغلمة وهي شدة طلب النكاح وهيجان شهوته (نحْوي) أي مقارب لي في السن والحرية (إِدَاوَةً) بكسر الهمزة أي مطهرة (مِنْ مَاءٍ) بيان لما تضمنته الإِداوة مما حوته، وكأنه قال فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة بما فيها من ماء (وَعَنَزَةً) بفتح العين وتاليها وهي حربة ويعبر عنها بعصي في أسفلها زج، وبرمح قصير وإنما كان صلى الله عليه وسلم يستصحب العنزة لأنه كان إذا توضأ صلى فيحتاج إلى نصبها بين يديه إن كان في غير بناء ليكون حائلًا يصلي إليه، ويحتمل أن يكون استصحبها ليتقي بها من يكيده من المنافقين واليهود فإنهم كانوا يرمون قتله، ولحملها فوائد منها ما ذكر ومنها نبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة خشية الرشاش ومنها تعليق الأمتعة بها، والتوكؤ عليها (فَيَسْتَنْجِي بِالماء) الذي حملته أنا والغلام (رَوَاه الشَّيخَان).
وفيه خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك واستعانة الرجل الفاضل
ببعض أتباعه الأحرار في حاجاته واستحباب الاستنجاء بالماء ورجحانه على الحجر كما قاله النووي.
والماء أفضل من الحجر والجمع بينهما أفضل وبسط ذلك يطلب من كتب الفقه.
3/ 36 - (وعن أَبِي سَعِيد الخدري رضي الله عنه قَال: قَال النَّبي صلى الله عليه وسلم لا) ناهية أو نافية بمعنى الناهية. (يَخْرج الرَّجُلانِ يَضْرِبَانِ الغَائِطَ) أي يأتيان الخلاء، حالة كونهما (كَاشِفَينِ عَنْ عَوْرَتِهمَا يَتَحدَّثَانِ، فَإِنَّ الله يَمْقَتُ عَلَى ذَلِكَ، رَوَاهُ أبو دَاود وغيره) بإسناد حسن كما في المجموع وصححه
الحاكم والمقت البغض، وقيل أشده وفي الحديث كراهية التحدث على قضاءِ الحاجة وهي متفق عليها. فإن قلت: لا دلالة في الحديث عليها لأنَّ الذم فيه ليس على التحدث فقط قلنا: بعض موجب المقت مكروه بلا شك ويؤيده رواية الحاكم قال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المتغوطين أن يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك ذكر ذلك النووي في مجموعه.
4/ 37 - (وعَنْ أَبِي قَتَادة) الحارث بن ربعي بن بلدمة بفتح الموحدة والدال المهملة، وقيل بضمهما وقيل بذال معجمة مضمومة ابن خناس بضم الخاء المعجمة ثمَّ نون ابن سنان الأنصاري المدني رضي الله عنه قَال: قَال النّبي صلى الله عليه وسلم لا يمسكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِه، وَهُوَ يَبُولُ) قضيبه تقيد النهي عما ذكر بحالة البول وجرى عليه بعضهم، والمعتمد خلافه أخذًا برواية ترك فيها هذا القيد، لا يقال يلزم منه ترك حمل العام على الخاص لأنا نقول لا محذور فيه هنا إذ ذاك محله إذا لم يخرج القيد مخرج الغالب، ولم يكن العام أولى بالحكم من الخاص وهنا بخلافه إِذْ الغالب أن مس الذكر إنما يكون حال البول ولأنه إذا نهي عن المس باليمين حالة الاستنجاء مع مظنة الحاجة إليها فعنه في غيرها أولى مع أن كراهة مس الذكر لا تختص باليمين بل اليسار مثلها في غير
حالة البول والاستنجاء (وَلَا يَتَمَسَّحْ) أي يستنجي (مِنَ الخَلَاءِ) أي الغائط سمي باسم مكانه (بِيَمِينِه) بل يفعل ذلك بيساره لأنَّ اليمين لما شرف وعلا واليسار لما خس ودنئ، ولأنه إذا باشر النجاسة بها قد يذكر عند تناوله الطعام على ما باشرت يمينه من النجاسة فينفر طبعه من ذلك (وَلا يَتَنَفَّسْ) أي لا يخرج نفسه من الفم (فِي الإِنَاءِ) لئلا يتقذر الماء أو نحوه بذلك وليأمن خروج شيء تعافه النفس من الفم، وكل ذي رئة يتنفس بالمعنى المذكور.
ودواب الماء لا رئة لها كما نقل عن الجوهري قال والرئة السَّحْرُ وفي القاموس الرئة موضع النفس والريح من الآدمي وغيره، وأما التنفس بمعنى الزيادة كما في قوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] وبمعنى التصعد كما في قولهم تنفست القوس إذا تصعدت فمجاز (والحديث رواه الشيخان واللفظ لمسلم) وفيه كراهة كل من الثلاثة المذكورة فيه والجمهور على أنها
كراهة تنزيه ومن عبر من الأصحاب في الأولين بقوله ولا يجوز معناه لا يجوز جوازًا مستوى الطرفيين.
قال أئمتنا: ويسن أن لا يستعين باليمين في أمر من أمور الاستنجاء إلا لعذر كأن فقدت يساره ولو كان يستنجي بالحجر وهو صغير جعل عقبه عليه أو أمسكه بين إبهامي رجليه لئلا يستنجي بيمينه ولا يمس ذكره بها فإن لم يكنه ذلك واحتاج إلى الاستعانة بها فالجمهور على أنَّه يأخذه بيمينه والذكر بيساره ويحركها دون اليمين فإن حرك اليمين كان مستنجيًا بها، ومن قال إنه يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويحركها لئلا يستنجي بيمينه فقد غلط لأنه منهي عن مس الذكر بيمينه، ويسن في الاستنجاء أن يستنجي قبل الوضوء للخروج من الخلاف وليأمن انتقاض طهره وأن يبدأ في الاستنجاء بالماء بقبله.
ويجب أن يستعمل فيه من الماء ما يظن زوال النجاسة به فإن فعل ذلك ثمَّ شم من يده رائحة النجاسة فقيل يدل ذلك على بقاء النجاسة في محل الاستنجاء، فيجب إزالتها وعليه يسن شم الإِصبع، والأصح لا يدل على بقائها ويدل على بقائها في الإِصبع وعليه لا يسن شم الأصبع.
5/ 38 - (وعَنْ أَبِي أيوب) خالد بن زيد بن كليب الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَيتُم الغَائِط) أي موضع التغوظ (فلا تستقبلوا القبلة) أي الكعبة (بغائط) أي بخارج من الدبر ولا بول (ولا تستدبروها) بشيء من ذلك (ولكن شرِّقوا وغرِّبوا - رواه الشيخان).
ورويا أيضًا "أنَّه صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة.
وروي ابن ماجه وغيره بإسناد حسن أنَّه صلى الله عليه وسلم قضاها مستقبل الكعبة.
فجمع أئمتنا أخذًا من كلام الشافعي رحمه الله بين هذه الأخبار بحمل أولهما المقيد للتحريم على غير البنيان لأنه لسعته لا يشق فيه اجتناب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان فقد يسن فيه اجتناب ذلك فيجوز فعله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وإن كان الأولى لنا تركه.
ومحل الثاني إذا استتر بمرتفع ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع
الآدمي، ولو بإرخاء ذيله لمحل الأول إذا لم يستتر بذلك وهذا كله في غير المعد لذلك، أما فيه فلا تحريم ولا كراهة. ولا خلاف الأوْلى، والخطاب في الحديث لأهل المدينة ومن في معناهم كأهل الشام واليمن وغيرهم ممن قبلته على هذا السمت. أما من قبلته من جهة المشرق والمغرب فإنَّه يتيامن أو يتياسر.
فرع: مقتضى الحديث ومذهبنا فيما إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة ثمَّ استقبلها واستدبرها حال الاستنجاء جواز ذلك بلا كراهة.
قال الروياني وهو صحيح عندنا، ولا كراهة عندنا أيضًا في إخراج الريح ولا في الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها ذكر ذلك النووي في مجموعه. ومسألة اجتناب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط مبسوطة في
شرح البهجة وغيره.
6/ 39 - (وعن أبي عبد الله سلمان) الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: لَقَدْ نَهَانَا النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتنْجِي بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ) فيجب استيعابها حتى لا يكتفى باثنين، وإن زالت بهما عين النجاسة والمراد ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر، لكن الأحجار أفضل من حجر، واقتصاره عليها جرى على الغالب، ففي معناها كل جامد طاهر قالع غير محترم، فإن حصل الإِنقاء بالثلاث فذاك، وإلا زاد إلى الإِنقاء، فإن حصل بوتر فذاك، وإلا سن الإِيتار ونهانا عن (أَنْ نَسْتَنْجِي بِرَجِيعٍ) أي روث لأنه نجس (أَوْ
عَظْمٍ) ولو طاهرًا، (هذا بعض حديث رواه مسلم) وقال في العظم فإنَّه طعام إخوانكم، يعني الجن، فمطعوم الإِنس كالخبز أولى وفي معنى الرجيع كل نجس، فلو استنجي به ولو جافًا لم يجزه ولزمه الاستنجاء بالماء لأنَّ المحل صار نجسًا بنجاسة أجنبية. وفي شرح مسلم ما يوهم خلاف ذلك فاجتنبه.
7/ 40 - (وعن عائشة رضي الله عنها قَالتْ: قَال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَتَى الغَائِط) أي موضع التغويط (فَلْيَسْتَتِرْ)(رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة).
وفيه استحباب الستر عن أعين الناس حال قضاء الحاجة وهو متفق
عليه، ويحصل ذلك بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل إن كان بصحراء، وقباء لا يمكن تسقيفه فإن كان بيتًا مسقف أو يمكن تسقيفه حصل التستر بذلك ذكره في المجموع، وظاهر أن محل استحباب ذلك إذا لم يكن، ثمَّ من لا يغض بصره عن نظر عورته ممن يحرم عليه نظرها، وإلا وجب استتار وعليه يحمل قول النووي في شرح مسلم يجوز كشف العورة في محل الحاجة في الخلوة كحالة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة.
أما بحضرة الناس فيحرم كشفها.
8/ 41 - (وعنها) أي عن عائشة (رضي الله عنها قَالتْ: كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ) أي من موضع التغوط (قَال: غُفْرَانَكَ) بالنصب بمقدر أي أسألك أو أغفر والأول أجود، والحديث صحيح كما في المجموع. (رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وفيه استحباب ذلك.
وفي حكمة قوله صلى الله عليه وسلم قولان: أحدهما: أنَّه استغفر من ترك ذكر الله تعالى حال قضاء الحاجة.
ثانيهما: أنَّه استغفر خوفًا من تقصيره شكر نعم الله عليه فيما يتعلق بذلك حيث أطعمه ثمَّ هضمه ثمَّ سهل خروجه.
وروي "غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"، وهو ضعيف.