الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتَاب النِّكاح
النكاح: هو لغة الضم والوطء.
وشرعًا عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو نحوه وهو حقيقة في العقد، مجاز في الوطء على الصَّحيح وإنَّما حمل على الوطء في قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ} لخبر حتَّى تذوقي عسيلته الآتي.
والأصل فيه قبل الإِجماع آيات كقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وأخبار كبعض الأخبار الآتية على الأثر.
1/ 422 - (في ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مَعْشَرَ) أي طائفة (الشَّبَاب مَنِ اسْتَطَاعَ) أي أطاع بمعنى أطاق - {مِنْكُمُ الْبَاءَةَ} بالمد والهاء وفيها لغة بالقصر ولغة بلا هاء مع المد ولغة: باهة، بهاء، عوض الهمزة وأصلها لغة الجماع من المياه وهي المنزل لأنَّ من تزوج امرأة بوّأها منزلًا، والمراد بها هنا أيضًا الجماع، وقيل مؤن النكاح والقائل بالأول رده إلى معنى الثَّاني إذ التقدير عنده من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح.
(فَلْيَتَزَوَّجْ فإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَر) أي للطرف كما في رواية لأنَّه الذي ينسب إليه الغض- أي الخفض (وَأَحْصَن) - مأخوذ من الحصن - (لِلْفَرْجِ) الذي به الجماع وكل من أغض وأحصن، أفعل تفضيل، ويصح أن يكون بمعنى فاعل واللام فيما بعدها للتعدية كنظيره في أفعل التعجب نحو ما ضرب زيدًا لعمر ولتقارب البابين.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ) لعجزه عن المؤن (فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ) أي فليلزمه (فَإِنَّهُ لَهُ وجَاءُ) بكسَر الواو والمد أي راض الخصيتين والمراد قاطع الشهوة وتفسيره يرض الخصيتين مجاز علاقته المشابهة بين رضهما ورض الذكر إذ كل منهما قاطع للشهوة (والحديث رواه الشيخان).
وفيه الأمر بالنكاح للمستطيع وهو أمر ندب، وصرفه عن الوجوب قوله
فانكحوا {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} إذ الواجب لا يعلق بالاستطابة وقوله {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} إذ لا يجب العدد بالإِجماع وقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} .
وفيه الأمر بالصوم للعاجز عن القيام بمؤن النكاح وإنما أمره به لما فيه من كسر الشهوة فإن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوتها وتضعف بضعها - وخرج به غيره كالكافور فلا تكسر به شهوته لأنَّه نوع من الخصاء كما نقله ابن الرفعة عن الأصحاب وجزم به الشيخان.
وصرح به صاحب الأنوار وغيره.
ويؤيده ما أفتى به العماد بن يونس وغيره من تحريم استعمال المرأة دواء يمنع الحبل.
ويؤخذ من التعليل أن محل التحريم إذا قطع الشهوة كالكافور دون ما يكسرها فقول البغوي في تهذيبه يكره أن يحتال لقطع شهوته محمول على كراهة التحريم بقرينة تعبيره بقطع الشهوة.
وأمَّا قوله في شرح السنة في هذا الحديث دليل على جواز المعالجة لقطع الباءة بالأدوية فممنوع إلَّا أن يريد بالقطع الكسر والحاصل أن التحريم مقيد بدواء يقطع الشهوة. والجواز بدواء يكسرها لكنه مع الجواز مكروه أو خلاف الأولى لمخالفته الأمر بالصوم الذي هو عبادة.
2/ 423 - (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قَال: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِالْبَاءَةَ) أي الجماع نكاح أو ملك بشرط (وَكانَ يَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ) بمثناتين بينهما موحدة -وهو ترك النكاح وأصله القطع سمي ترك النكاح تبتلًا لأنَّ فيه انقطاعًا عن النساء إلى عبادة الله تعالى (نَهْيًا شَدِيدًا، وكان يقُولُ تَزَوَّجُوا الوَلُودَ) أي التي تلد ويعرف كون البكر ولودًا بأقاربها (الوَدُودَ) أي المحبة لمعارفها (فَإِني مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأنْبِيَاء يَوْمَ القِيَامَةِ، رواه أحمد وصححه ابن حبان).
وفي رواية فإني مكاثر بكم الأمم - والمكاثرة المغالبة يقال كاثرته فكثرته أي غلبته بأن زدت عليه في الكثرة.
وفي هذا الحديث الأمر بالنكاح، وهو سنة لمن تاقت نفسه إليه ووجد أهبته، وفيه النَّهي عن التبتل وهو محمول -أخذًا مما مر- على كراهة التنزيه للتائق الواجد للأهبة.
وفيه طلب نكاح من وصفت بكونها ولودًا ودودًا والكلام على ذلك مستوفى في كتب الفقه.
3/ 424 - (وَعَنْ أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم) إخبارًا بما يفعله النَّاس عادة (تُنْكَحُ المَرْأةُ لأرْبَعٍ لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا) بفتح المهملتين وبالموحدة -أي بسببها بأن تكون طيبة الأصل (ولِجَمَالِهَا وَلِدِينها، فَاظْفَرْ) أيها المسترشد (بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبت يَدَاكَ) أي افتقرتا وأضيف ذلك إلى اليد لأنَّ التصرفات تقع بها غالبًا، ولم تر العرب بهذه اللفظة معناها الأصليّ من الدعاء بل إيقاظ المخاطب لذلك المذكور ليعتنى به وقيل معناها افتقرتا إن لم تفعل ما أرشدتك إليه وجريت عليه في غير هذا الشَّرح (والحديث رواه الشيخان).
وفيه الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأنَّ صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وطرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.
4/ 425 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا
خَطَبَ أحَدُكُم المَرْأةَ) أي عزم على خطبته الخبر أبي داود وغيره إِذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة (فإِنِ اسْتَطَاعَ) أي أطاع بمعنى تيسر له (أنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلى مَا يَدْعُوهُ إِلى نِكاحِهَا) وهو غير عورتها (فَلْيَفْعَلْ) أي فلينظر إليه (رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم).
وفيه الأمر بنظر الرجل إلى المرأة إذا عزم على خطبتها وهو سنة له ويسن لها أيضًا أن تنظر منه ذلك فإن لم يتيسر له ذلك أو لم يرد النظر لنفسه بعث امرأة أو نحوها تتأملها، أو تصفها له؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة وقال: انظري إلى عرقوبها وشمي عوارضها رواه الحاكم وصححه، وفي رواية للطبراني وشمي معاطفها ويؤخذ من هذا أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدًا على ما ينظره هو فيستفيد بالبعث ما لا يستفيد بنظره.
5/ 426 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْطُبْ بعضكم عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخَاطِب) الذي خطب (قَبْلَهُ أوْ
يَأذَنَ لَهُ) المخاطب في خطبته (رواه الشيخان واللفظ للبخاري) فيه تحريم خطبة الرجل على خطبة غيره إذا لم يعرض عنها؛ أي يصرح بإجابته، وذكر الأخ فيه جري على الغالب ولأنه أسرع إلى الامتثال وتقدم ذلك أيضًا في البيع.
6/ 427 - (وعن عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعْلِنُوا النِّكَاحَ) أي أظهروه (بَينَ النَّاس، رواه أحمد والحاكم وصححه).
وفيه الأمر بإظهار النكاح وهو سنة ليشتهر بين النَّاس فيترتب عليه عدم الريبة واشتهار نسب الولد إذا وجد.
8/ 428 - (وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكَاحَ إلَّا بِوَلِي، رواه أبو داود وغيره وصححه التِّرمذيُّ وابن حبان).
وفيه اشتراط وقوع عقد النكاح من الولي ولو بنيابة.
8/ 429 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّمَا امْرَأَةٍ) بزيادة ما (نَكَحَتْ بِغَيرِ إِذْنِ وَليها فَنِكَاحهَا بَاطِلٌ، فإِنْ دَخَلَ بِهَا) الزوج (فَلَهَا) عليه (المهر بِمَا اسَتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَروا) أي تنازعوا بالوجه الآتي (فالسُّلْطَان وَليُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ. رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حبان والحاكم).
وفيه عدم صحة النكاح الواقع بلا ولي، ووجوب المهر. فيه إذا دخل بها الزوج، وأنَّه إذا تنازع الأولياء فيمن يزوجها فالسلطان وليها وهو عند الشَّافعي محمول على عضلهم بأن قال كل: لا أزوج أما إذا قال كل: أنا الذي أزوج فلا تنتقل الولاية للسلطان بل إن اتحد المخاطب أقرع بينهم وجوبًا فمن خرجت قرعته زوج فإن زوج غيره صح تزويجه للإِذن فيه وفائدة القرعة قطع النزاع بينهم لا تفي ولاية من لم تخرج له، إن تعدد المخاطب زوجت ممن ترضاه فإن رضيتهما أمر الحاكم بتزويج أحدهما.
9/ 430 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا تُنْكحُ الأيِّمُ) بكسر الحاء هنا وفيما يأتي إن جعلت لا ناهية وبضمها إن جعلت نافية والجملة خبر بمعنى النَّهي، والأيم من لا زوج لها ثيبًا كانت أو بكرًا والمراد هنا بقرينة مقابلتها بالبكر الثيب- أي لا تنكح الثيب (حتَّى تُسْتَأْمَرَ) أي يطلب أمرها أي إذنها فتأذن باللفظ (ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأذَنُ) أي يطلب إذنها فتأذن (قالُوا يا رسولَ اللهِ، وكيف إِذْنُهَا؟ قال: أنْ تَسْكُتَ، رواه الشيخان).
وفيه أن المرأة لا تزوج إلَّا بإذنها وهو عند الشَّافعي محمول على غير المجبرة، أما المجبرة فلا تحتاج إلى إذنها كما هو معلوم في الفقه، وفارقت البكر الثيب فيما ذكر بأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة وهي على غباوتها وحيالها بخلاف الثيب.
10/ 431 - (عن أبي هريرة قَال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا تُزَوِّجُ المَرْأَة المَرْأةَ، وَلَا تُزَوِّجُ المَرْأةُ نَفْسَهَا، رواه ابن ماجه والدارقطني بإسناد على شرط الشيخين).
وفيه أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها لا إيجابًا ولا قبولًا وحكمته أنَّه لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها عن الحياء وعدم ذكره أصلًا.
ومثلها الخنثى لكن لو زوج أخته مثلًا فبان رجلًا صح.
11/ 432 - (وَعَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قال: نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّغارِ) قال نافع، وقيل: رسول الله وقيل: ابن عمر، (والشِّغارُ أنْ يُزَوَّجَ الرجُلُ ابنته عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيسَ بَينَهُما صدَاقٌ، ورواه الشيخان).
وفيه النَّهي من الشغار المفسر بما ذكر وهو بكسر الشين وبالغين المعجمة مصدر شاغر يشاغر شغارًا أو مشاغرة وكان من نكاح الجاهلية.
واختلف أهل اللغة في أصله على أقوال أقربها أنَّه مأخوذ من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول فكأن كلا من الوليين يقول لا ترفع رجل ابنتي ما لم أرفع رجل ابنتك أو لأنَّ المرأة ترفع رجلها عند الجماع.
ثانيها أنَّه من شغر البلد عن السلطان إذا خلا عنه لخلوه عن المهر.
ثالثها أنَّه من البعد ومنه قولهم بلد شاغر إذا بعد من الناصر والسلطان فكأنه بعد عن طريق الحق ونكاح الشغار باطل عند الشَّافعي، والنهي فيه للتحريم، واختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح، فعند الشَّافعي نعم والمعنى فيه شريكًا في البضع لأنَّ كلا منهما جعل بضع موليته مورد النكاح وصداقًا للأخرى فأشبه ما لو زوج موليته من رجلين، ولا يختص الحكم بالبنت بل سائر الموليات والمملوكات كذلك -وقوله وليس بينهما صداق يقتضي أنَّه لو كان بينهما صداق صح وليس مرادًا عند الشَّافعي لوجود الشريك في البضع.
12/ 433 - (وعن سَمُرَةَ بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّما امْرَأةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ) لإِثنين وأسقطوا الكفأة (فَهِيَ للأوَّلِ مِنْهُمَا، رواه أبو داود وغيره وحسنه التِّرمذيُّ) ومحل كونها للأول إذا عرف ولم ينسَ فإن لم يعرف بأن وقعا معًا أو عرف السابق ولم يتعين السابق أو جهل السبق. والمعية بطلا، وإن عرف ونسي وجب التوقف حتَّى يتبين الحال، ولا
يحل لواحد منهما وطئها ولا لثالث نكاحها قبل أن يطلقاها أو يموتا أو يطلق أحدهما ويموت الآخر وتنقضي عدتها.
12/ 434 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ أوْ أهْلِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ) أي زانٍ، (رواه أبو داود وغيره وصححه التِّرمذيُّ وابن حبان).
وفيه أنَّه لا يصح نكاح العبد بغير إذن سيده، وأو فيه للشك من الراوي.
13/ 435 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُجْمَعُ) لا ناهية فتجزم الفعل أو نافية فيرفع، والجملة خبر بمعنى النَّهي (بَينَ المَرْأةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَينَ المَرْأةِ وَخَالتِهَا، رواه الشيخان).
وفيه تحريم الجمع بين المرأة وعمتها الحقيقية والمجازية وبين المرأة وخالتها كذلك في النكاح واحد أو في وطء بملك سواء نكحهما معًا أو مرتبًا لإِفضاء التنافر بذلك والتباغض إلى قطيعة الرحم أو نحوه فإن جمع بينهما في نكاح معًا بطل عملًا بمقتضى النَّهي، أو مرتبًا فالثاني لأنَّ مسمى الجمع حصل به، ويحرم الجمع بين الأختين كما فهم بالأولى بخلاف بنتي العم وبنتي الخال ونحوهما.
14/ 436 - (وعن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَنْكحُ المُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ رواه مسلم) وتقدم الكلام عليه في الحج.
15/ 437 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تَزَوَّجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَيمُونَةَ وَهُوَ مُحْرمٌ رواه الشيخان).
وعليه فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم -وهو ما صححه النووي في روضته كأصلها، لكن أكثر الروايات عن ابن عباس أيضًا أنَّه كان حلالًا، ويوافقه
خبر ميمونة المذكور في قوله.
16/ 438 - (ومن أم المؤمنين ميمونة) بنت الحارث زوج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: زَوَّجَنِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْن حَلالانِ لسرِف) بكسر الراء موضع من مكّة على عشرة أميال (رواه مسلم).
وقال أبو رافع تزوجها وهو حلال وكنت السفير بينهما رواه التِّرمذيُّ وحسنه وبذلك رد الشَّافعي رواية ابن عباس الأوَّل.
17/ 439 - (عن) أبي حماد (عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) هو ابن عيسى بن عمرو ابن معدي الجهيني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ أحَقَّ الشُّروطِ أنْ) أي بأن (يُوَفَّى) أي أحقها بالتوفية (بِهِ) أي بالشّرط شرط (ما) أي العقد
أي الشرط الواقع في العقد الذي (اسْتَحْلَلْتمْ بِهِ الفروجَ، رواه الشيخان). ومنه أن الشروط الواقعة في النكاح أحق بالوفاء بها من الشروط الواقعة في غيره احتياطًا لحرمة الأبضاع.
قال النووي في شرح مسلم حمل الشَّافعي وأكثر العلماء هذا على شروط لا تنافي مقتضى النكاح كشرط العشرة والإِنفاق والكسوة بالمعروف وأن يقسم لمَّا كغيرها ونحوها -أما ما ينافي مقتضاه كشرط أن لا يقيم لها، أو لا يتسرى عليها، أو لا ينفق عليها أو نحْوها فلا يجب الوفاء به بل يلغو الشرط ويصح النكاح لخبر "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" وقول ابن دقيق العيد في الحمل على هذه الأمور ضعف بأن الشرط لا يؤثر في إيجابها فلا تشتد لحاجة إلى تعليق الحكم بالشرط فيها، فيه وقفة.
18/ 440 - (عن سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رضي الله عنه قَال: رَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ أوْطَاسٍ) يوم فتح مكّة (في) نكاح (المُتْعَةِ، ثَلَاثَة أيّامٍ).
وحقيقته نكاح مدة سواء كانت ثلاثة أيَّام أم غيرها وأوطاس وادٍ بالطائف
ويصرف بإرادة الوادي والمكان ولا يصرف بإرادة البقعة وهو الأكثر (ثمَّ نَهى عَنْهَا) أي عن المتعة (رواه مسلم).
وفيه النَّهي عن نكاح المتعة للتوقيت فيه.
19/ 441 - (وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال لَعَنَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ، وَالمُحلَّلَ لَهُ رواه النَّسائيّ والترمذي وصححه).
وفيه النَّهي عن نكاح المحلل ومحله إذا نكح بشرط أنَّه إذا وطئ طلق أو بانت منه أو فلا نكاح بينهما، فلو نكح بلا شرط وفي عزمه أن يطلق إذا وطئ كره وصح النكاح.
20/ 442 - (وعن عائشة رضي الله عنها قَالتْ جاءت امرأة رِفَاعَةَ) بن سموال بفتح المهملة وكسرها (القُرَظِيِّ) وامرأته صحابية واسمها قيل: أميَّة بنت الحارث وقيل: تميمة بفتح التاء وضمها بنت وهب وقيل: سهيمة وقيل عائشة وقيل نعيمة بنت وهب (إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: كُنْتُ عِنْدَ رفاعة القرظي فَطلَّقَنِي فَأبَتَّ) بالمثناة من البت وهو القطع (طَلاقِي) ثلاثًا بمعنى قطع به الوصلة بيني وبينه (فَتَزَوَّجتُ) بعده (عَبْدَ الرَّحْمنِ بنَ الزُّبَيرِ) بفتح الزَّاي
(وإنّمَا مَعهُ ذكر مِثْلُ هُدْبَةِ الثوب) بضم الهاء وسكون الدال وقد تضم لغة أي طرفه الذي لم ينسج وإنَّما هي المركبة المقيدة للحصر- ويؤيده رواية للبخاري "ولم يكن معه إلَّا مثل الهدبة"، وعليه فتكتب ما موصولة وتحتمل أن تكون ما موصولة اسم أنّ فتكتب مفصولة أي أن الذي معه من الذكر مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا من جهرها وتصريحها بما يستحي النساء من ذكره عادة أو لرغبة زوجها الأول وكراهتها في الثَّاني لرواية البُخاريّ "فجاء ومعه أبناء له من غيرها فقال كذبت يا رسول الله إنِّي لأنقصها نقص الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة.
(وقال) لها (صلى الله عليه وسلم) حينئذ (أتُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفاعَةَ؟ ) لا ترجعين إليه (حَتَّى تَذُوقي عُسَيْلَتَهُ ويذوق عُسَيْلَتَكِ، رواه الشيخان).
وفيه أن المرأة إذا طلقت ثلاثًا لا تحل لمطلقها إلَّا بعد نكاحها لغيره ووطئه لها فهو مخصص لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ} بناء على الصَّحيح
من النكاح حقيقة في العقد واتفق العلماء على أن تغيب الحشفة في قبلها كاف في التحليل ولو بلا إنزال.
وفيه أيضًا اعتبار انتشار الذكر في التحليل وإن ضعف انتشاره ولا بد من صحة النكاح وكونه ممن يمكن وطؤه لا طفلًا لا يتأتى منه والعسيلة مصغرة وهي كناية عن الوطء شبه لذته بلذة العسل وحلاوتة، وأنثت لأنَّ العسل يذكر ويؤنث، أو لأنها تصغير عسَلة أي قطعة من العسل أو لإِرادة اللذة والمراد بها عند اللغويين اللذة الحاصلة بالوطء وعند جماعة الإِنزال بوطء وعند الشافعي وجمهور الفقهاء الوطء، فالوطء النائمة والمجنونة والمغمى عليها عندهم كاف وإن لم يحصل لهن لذة اكتفاء بمظنتها.