الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شروط الصلاة
جمع شرط بالسكون وهو لغة: إلزام الشيء والتزامه. واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
فشروط الصلاة ما يتوقف عليها صحة الصلاة وقد ذكرتها في شرح المنهج وغيره. والمذكور منها هنا خمسة: طهارة الحدث والتوجه للقبلة وستر العورة وطهارة الخبث وترك الكلام.
وقد شرعت في بيانها فقلت:
[1/ 67] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْبَل الله صَلَاةً بِغَيرِ طُهُورٍ) بضم الطاء أكثر من فتحها أي فعل الطهارة، (رواه مسلم).
وفقدان طهارة الحدث والنجس شرط للصلاة. ومحله في القادر عليها، فالعاجز عنها يصلي محدثًا وبالنجس ويعيد.
[2/ 68](وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذَا قمْتَ إلى الصَّلاةِ فَأَسْبغ الوضوءَ ثم اسْتَقْبِل القِبْلَةَ، وهو بعض حديث رواه مسلم) وسيأتي في صفة الصلاة.
وفيه أيضًا أن طهارة الحدث شرط للصلاة، وأن التوجه للقبلة كذلك. ومحله. حيث لا عذر، ومنه في الثاني صلاة شدة الخوف فيصلي فيها كيف شاء، والسفر ولو قصيرًا للنافلة فيصليها فيه إلى جهة مقصده بعد توجهه للقبلة في إحرامه إن سهل وذلك مبسوط في كتب الفقه.
[3/ 69] (وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم " لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ حائِضٍ إلا بِخمارٍ" رواه أبو داود والترمذي وحسنه ابن خزيمة
والحاكم).
وفيه دليل على أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة إذ الخمار يستر به رأس المرأة وهو عورة منها إذ الأمة يصح صلاتها مكشوفة الرأس.
قال في المجموع: والمراد بالحائض البالغ سميت حائضًا لأنها بلغت سن الحيض، والتقييد بالحائض خرج مخرج الغالب فلا يخرج غيرها إذ الصغيرة مثلها.
ويؤخذ من الحديث أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة ولو في خلوة. وعورة الرجل رقيقًا والأمة المبعضة ما بين السرة والركبة. وعورة الحرة ما سوى الوجه والكفين والخنثى كالأنثى رقا وحرية.
[4/ 70](وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذَا سَافَرَ فَأرَادَ أنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَل بَناقَتِه القبلة فَكَبَّر ثمَّ صَلَّى حَيث وجه ركابه، رواه أبو داود بإسناد حسن).
وفيه دليل على أن التوجه للقبلة في الإِحرام بالصلاة شرط لها، لأنه إذا كان شرطًا لها في التطوع ففي الفرض أولى.
وحكم المسألة أن التوجه إليها في جميع الصلاة شرط فيها إلا في السفر والخوف كما مر.
5/ 71 - (وعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال قال: النبي صلى الله عليه وسلم لا تُصَلُّوا إلى القُبورِ ولا تَجْلِسُوا عَلَيهَا رواه مسلم).
وفيه النهي عن الصلاة إلى المقبرة فهي مكروهة أي كراهة تنزيه لما يعلم مما يأتي.
قال في المجموع: وكذا قال أصحابنا ولو قيل بتحريمه لحديث أبي مرثد وغيره لم يبعد.
ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة كما جاء في خبر الترمذي فهي مكروهة كراهة تحريم إن تحقق نبش المقبرة فلا تصح الصلاة فيها بلا حائل ظاهر لاختلاطها بصديد الموتى، وكراهة تنزيه إن تحقق عدم نبشها، أو شك فيه فتصح الصلاة فيها ولو بلا حائل قطعًا في الأول، وعلى الأصح في الثاني مع الكراهة فيها، لأن الأصل عدم النجاسة وإنما كرهت فيها لأن المقبرة مدفن النجاسة ولاحتمال نبشها في الثاني.
وفيه أيضًا النهي عن الجلوس على القبر وهو مكروه كراهة تنزيه ومحله في قبر محترم.
[6/ 72](وعن أبي عمرو زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه قال: كُنَّا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يُكلِّم أحَدُنَا صَاحبه بِحَاجَتِه حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}) أي مطيعين أي ساكتين. (فَأمرنَا بالسَكُوتِ ونُهِينَا عَنِ الْكَلَام) أي الذي ليس بقرآن ولا ذكر ولا دعاء (رواه الشيخان واللفظ لمسلم).
وقوله فيه أمرنا ونهينا حكمه حكم المرفوع.
وفيه دليل على أن ترك كلام الآدميين شرط لصحة الصلاة ولو كان من مصلحتها، نعم يغتفر قليله، فمن سبق لسانه إليه أو نسي ومن جاهل قرب
عهده بالإسلام أو نشأ بعيدًا عن العلماء، والمراد بالكلام هنا اللغوي فيشمل المركب من حرفين فأكثر وإن لم يفهم، والمفهم ولو بحرف واحد كقِ من الوقاية.
واعلم أن زيد بن أرقم مدني فظاهر حديثه أن تحريم الكلام في الصلاة كان بالمدينة بعد الهجرة لكن ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود قال: "كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ثم قال: إن في الصلاة لشغلًا".
وابن مسعود إنما قدم من الحبشة إلى مكة قبل الهجرة فحديثه يقتضي أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة. وأجيب عن ذلك بأوجه:
منها: أن يكون زيد بن أرقم ممن لم يبلغه تحريم ذلك إلا حين نزول الآية، فيكون نزولها غاية لعدم بلوغ النهي عن الكلام لهم لا لعدم النهي على الإِطلاق، ويؤيده ما مر من تفسير كثير، القانتين بالمطيعين، ولولا حديث ابن مسعود لكان تفسيره بالساكتين -كما مر- أنسب.
ومنها: أنه يجوز أن يكون نسخ تحريم الكلام وقع بمكة فأبيح ثم نسخت الإِباحة بحديث زيد بن أرقم وعلى هذا تفسير القانتين بالساكتين أنسب.
7/ 73 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم التَّسْبِيحُ
لِلرِجَال. والتَّصْفِيق للنِّسَاءِ في الصّلاةِ، رواه الشيخان) في من نابه شيء في صلاته كتنبيه إمامه على سهو وإذنه لداخل وإنذاره أعمى خشي وقوعه في وهدةٍ فيسن عند ذلك للرجل أن يقول: سبحان الله بقصد الذكر، ولو مع التفهيم.
وللمرأة أن تصفق بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر أخرى أو ضرب ظهرها على بطن أخرى، لا تضرب بطنها على بطن أخرى، بل إن فعلته لاغية عالمة بتحريمه بطلت صلاتها، وإن قل لمنافاته الصلاة، وكالمرأة فيما ذكر الخنثى. ولو صفق الرجل وسبح غيره جاز مع مخالفتها السنة، والمراد بيان التفرقة بينهما فيما ذكر لا بيان حكم التنبيه، وإلا فإنذار الأعمى ونحوه واجب، فإن لم يحصل الإِنذار إلا بالكلام أو بالفعل المبطل وجب، وتبطل الصلاة به على الأصح.
8/ 74 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ زَينَبَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَإذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. رواه الشيخان).
وفيه جواز حمل الآدمي في الصلاة، ومثله كل حيوان طاهر فيصح مع ذلك صلاته فرضًا أو نفلًا لأن الأصل طهارة أجسادهم وما عليها من ثياب وغيرها، وما في أجوافها من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته.
وفيه أيضًا أن الفعل القليل والكثير المتفرق لا يبطلان الصلاة وفيه التواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم.