الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التيمم
وهو لغة القصد - وشرعًا: إيصال تراب إلى الوجه واليدين بشروط مخصوصة.
والأصل فيه قبل الإِجماع. {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} وأخبار منها ما يأتي، وهو مخصوص بالوجه واليدين في الحدث الأصغر والأكبر، واختصت به هذه الأمة وهو رخصة، وقيل عزيمة، والرخصة إنما هو إسقاط الفرض به، فقيل: إن تيمم لعدم الماء فعزيمة أو لغيره كمرض فرخصة.
1/ 48 - (عن أبي اليقظان عمار بن ياسر) بن عامر بن مالك العيتي رضي الله عنهما قال: بَعَثَنِي) أي أرسلني (النبي صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ) أي سرية كما جاءت في رواية، (فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدَ المَاءَ فَتَمَرَّغْتُ) -أي تمعكت- (في الصَّعِيدِ) أي في التراب (كما تَمْرغَ) أي تتمرغ (الدَّابَةُ) وهي ذوات الأربع (ثَمَّ أَتَيتُ) أي جئت (النبي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَال إِنَّما كان يَكْفِيكَ) أي في التيمم أو في حالة عدم الماء (أَنْ تَقُولَ) أي تفعل (بِيَدَيكَ هَكَذَا، ثمَّ
ضَرَبَ بِيَدَيهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثمَّ مَسَحَ الشِّمَال عَلَى اليَمِينِ وظَاهِرَ كَفَّيهِ وَوَجْهَهُ، رواه الشيخان واللفظ لمسلم).
وفيه دليل لمن قال بجواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يأمر عمارًا بالإعادة وهو الأصح، ودليل لمن اكتفى بضربة واحدة وبمسح الكفين وهو ما رجحه الرافعي في الأولى. أما من لم يكتف إلا بضربتين ويمسح الذراعين مع الكفين، وهو المنصوص ورجحه النووي، فاحتج بخبر أبي داود والحاكم وهو جيد بشواهده كما قاله البيهقي "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين".
وبأن المسح إلى المرفقين أنسب بكون التيمم بدلًا عن الوضوء ومحل الاكتفاء بالضربتين إذا حصل بهما الاستيعاب وإلا وجبت الزيادة، والمراد بالضرب النقل ولو بلا ضرب، وأجاب النووي عن الخبر الأول مع اعترافه بأن مدلوله قوي في الدليل، وأقرب إلى السنة، بأنه إنما أريد به صورة الضرب للتعليم لا إثبات جميع ما يحصل به التيمم، وتقديم مسح الكفين على مسح الوجه لا يوجب الترتيب لأنَّ الواو لا تقتضي ترتيبًا فقول البخاري في رواية "ثمَّ مسح بها وجهه" محمول على الترتيب الإِخباري، ولا نعلم قائلًا بعدم الترتيب المعنوي.
فيه أيضًا دليل على طلب الماء لاستلزام نفي الوجود له، ودليل على أن من فعل ما أمر به بزيادة يصح منه لاندراج أعضاء التيمم في التمرغ كنظيره من الغسل بدل الوضوء.
2/ 49 - (وَعَنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم
أُعْطِيتُ خَمْسًا) من الخصال ولا ينافيه خبر "أعطيت ستًّا" ولا خبر "أعطيت ثلاثًا" ولا تبديل بعض الخصال ببعض الروايات كقوله "أعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون" الحديث، لاحتمال أنَّه أعطي أولًا الأقل فأخبر به وهكذا -أو أنَّه أعطي أولًا الأكثر فأخبر به ثمَّ أخبر ببعضه بناء على المشهور من أن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر. (لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ) من الأنبياء وغيرهم (قَبْلِي: نصرْتُ) أي أعنت (بِالرُّعْبِ) بإسكان العين وضمها أي الخوف مما
يتوقع نزوله (مَسِيَرةَ شَهْرٍ) وروي مسيرة شهرين، "وروي شهرًا أمامي وشهر خلفي ". ولا منافاة كما يعلم مما مر. (وَجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ) ما لم يمنع مانع شرعي كموضع نجس (مَسْجِدًا) أي موضع السجود ولو بغير مسجد وقف للصلاة، ومن كان قبله من الأنبياء إنما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس (وطَهُورًا) أي تطهيرًا وإن كان بمعنى الظاهر في قوله تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] إذ لا تطهر في الجنة، فالخصوصية هنا في التطهير لا في الظاهر به. والمراد تراب الأرض كما جاء في رواية بلفظ "وترابها طهورًا" وفي أخرى "وتربتها لنا طهورًا" وسيأتي (فَأَيُّمَا رَجُلٍ) بجره بإضافة أي إليه وأي اسم مبتدأ فيه معنى الشرط، وما زائدة لتوكيد معنى الشرط (مِنْ أُمَّتِي) بيان لرجل (أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ) صفة له (فَلْيُصَلِّ) جواب الشرط (وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ) جمع غنيمة بمعنى مغنومة والمراد بها ما أخذ من الكفار بقهر وغيره فيعم الفيء إذ كل منهما إذا تفرد عم الآخر وأكد ما ذكر بقوله (ولَمْ تحل لأَحَدٍ قَبْلِي) قال العلماء: كان الأمم قبلنا ضربين -منهم من لا يحل لأنبيائهم جهاد الكفار فلا غنائم لهم، ومنهم من أحل له ذلك إلا أنهم إذا غنموا مالًا جاءته نار فأحرقته فلا يحل لهم أن يتملكوا منها شيئًا، فأباح الله لنبينا تملك الغنائم يتصرف فيها بما يشاء لنفسه ولأمته.
(وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة) أي المختصة بي، فاللام للعهد إن عهد اختصاص وإلا فللجنس. والمراد المختصة بي. قال النووي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شفاعات خمس: الشفاعة العظمى للفصل بين أهل الموقف، وفي جماعة يدخلون الجنة بغير حساب، وفي ناس استحقوا النار فلا يدخلونها وفي ناس دخلوا النار فيخرجون منها، وفي رفع ناس في الجنة.
والمختص به من ذلك الأولى والثانية، ويجوز أن يكون الثالثة والخامسة أيضًا. انتهى.
وزاد بعضهم على هذه الخمس شفاعات أخر كخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، وتخفيف عذاب بعض أهل النار، كما في عمه أبي طالب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه بعثة خاصة بهم، فكان إذا بعث في عصر واحد نبي واحد دعا إلى شريعته قومه فقط ولا ينسخ بها شريعة غيره، أو نبيان دعا كل منهما إلى شريعته فقط ولا ينسخ بها شريعة الآخر، وأما عموم بعثة نوح فإنما كان بعد خروجه من الفلك فهو عارض مع أنها مقيدة بما مر آنفًا، (وبعِثْتُ إلى النَّاسِ من الإِنْسِ والْجِنِّ) بعثة عامة إلى يوم القيامة وشريعته ناسخة لجميع الشرائع.
واعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم خص بما لا يحصى من أحكام وفضائل وكرامات لجوامع الكلم ومفاتيح خزائن الأرض وغيرها، وليس في ذكر ما قدمنا من الأعداد ما ينافيها فإن الأخبار بذلك في أوقات لحكمة اقتضت ذكرها في ذلك الوقت. (والحديث رواه الشيخان وفي رواية لمسلم) وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء، بأن نعجز عن استعماله حسًا أو شرعًا ليدخل ما إذا عجز عن استعماله لمرض أو نحوه، وفي هذه الرواية تقييد لإطلاق الأرض فيما مر.