الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الأذَانُ
وهو لغة: الإِعلام من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو الاستماع الناشئ من الأذن التي هي آلة السمع كأنه يلقي الشيء فيه.
وشرعًا: كلمات مخصوصة شرعت للإِعلام بدخول وقت المكتوبة. وهو كما قال القاضي عياض: كلمات جامعة لعقيدة الإِيمان مشتملة على نوعية من العقليات والسمعيات، فأولها إثبات الذات، وما تستحقه من الكمال والتنزيه بقوله: الله أكبر، ثمَّ إثبات الوحدانية ونفي ضدها من الشركة، ثمَّ إثبات الرسالة والنبوة لنبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ الدعاء إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات الرسالة لأنَّ معرفة وجوبها من جهته لا من جهة العقل، ثمَّ الدعاء إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم الدائم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، ثمَّ كرر ذلك بإقامة الصلاة للإِعلام بالشروع فيها وهو متضمن لتأكيد الإِيمان.
1/ 61 - (وعن أنس رضي الله عنه أُمِرَ) ببنائه للمفعول وهو (بلال) هو ابن رباح بموحدة مولى أبي بكر الصديق أي أمره
النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء كذلك في النسائي وغيره، وصححه الحاكم. بل لو لم يجئ كذلك كانت هذه الصيغة محمولة على الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ) أي معظمه إذ آخره وتر، وذلك بأن يأتي بكلٍ كلمة منه مرتين، والتكبير في أوله وإن كان أربعًا فكل كلمة منه تقال مرتين ولا، فيصيران كالكلمة الواحدة بشفع (وَأنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ) - أي يأتي بها مرة واحدة. والتكبير في أولها كلمة واحدة بالاعتبار السابق إلا الإِقامة يعني بها قد قامت الصلاة فإنها تشفع (رواه الشيخان).
وفيه سن ما ذكر فيه، وليس في قوله "أمر" دليل على الوجوب لأنَّ المندوب أيضًا مأمور به على الراجح.
وقولهم: الأمر للوجوب إنما هو في صيغة افعل ونحوها. ولو قلنا بالمرجوح من أنَّه يدل على الوجوب، فالوجوب بمعنى ما لا بد منه في الأذان والإِقامة، كما يقال يجب الوضوء لصلاة النفل، والحكمة في إفراد الإِقامة وتثنيه الأذان أن الأذان لإِعلام الغائبين فكرر ليكون أبلغ في الإِعلام والإِقامة
للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها، ولهذا يكون صوته في الإِقامة دونه في الأذان وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة.
[2/ 62](وعنه) أي عن أنس (قال: من السُنَّةِ إذَا قَال المؤذِّنَ فِي الفَجْرِ) أي في أذانه (حيَّ عَلَى الفَلاحِ قال): عقبه (الصَّلاة خيرٌ مِن النّوْمِ) مرتين ويسمى التثويب. (رواه ابن خزيمة في صحيحه) ورواه من طريق أبي محذورة أبو داود وغيره بإسناد جيد كما في المجموع.
وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دليل على أن التثويب في أذان الفجر سنة لأنه لائق بالحال لأن النوم إذ ذاك حلو مطلوب للنفس، فلو تركه صح الأذان وفاتته الفضيلة كما قطع به الأصحاب. ذكره النووي في مجموعه.
[3/ 63](وعن أبي محذورة) بحاء مهملة وذال معجمة رضي الله عنه واسمه سمرة، وقيل: أوس، وقيل: جابر. (أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمهُ الأذانَ فَذَكَرَ فَيه التَرْجيع)، وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين يخفض الصوت قبل إعادتهما برفعه فهو اسم للأول كما في المجموع وغيره، وفي شرح مسلم أنه للثاني، وقضية كلام الروضة كأصلها أنه لهما وسمي بذلك لأن المؤذن رجع إلى رفع الصوت بعد أن تركه، أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما (والحديث رواه مسلم) لكن روي التكبير في أول الأذان مرتين فقط، ورواه أبو داود وغيره أربعًا.
وفيه دليل على سن الترجيع في الأذان فلو تركه صح الأذان وفاتته الفضيلة.
[4/ 64](وعن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي بضم المهملة وتخفيف الواو والمد نسبة إلى بنواه بن عامر بن صعصعة رضي الله عنه قال: رَأيتُ بِلالًا يُؤَذن وإصْبَعَاهُ السَّبَّابتان) أي أنملتاهما (في صماخَي أُذُنَيه فجعلت أتَتَبعُ فَاهُ هَا هنَا وهَا هُنا) يمينًا وشمالًا- بالنصب بالظرفية لقوله يقول أي
حالة كونه يقول: جهة يمينه حي على الصلاة مرتين، وجهة شماله حي على الفلاح مرتين وهذا دعاء إلى الصلاة والفلاح، لأنه حي بمعنى هلم وأقبل، وهي اسم لفعل الأمر، والفلاح الفوز والبقاء الدائم، ومعنى الدعاء إليه الدعاء إلى أسبابه. (وَلَوَّى عُنُقَه لَمَّا بَلَغَهُمَا) أي الحيعلتين ولم يستدر. (رواه الترمذي وصححه إلا قوله ولوى عنقه ولم يستدر فأبو داود وأصله في الصحيحين).
وفيه سن جعل الأصبعين في الأذنين لأنه أجمع للصوت ولأن من لم يسمع الأذان لنحو صمم، أو بعد يستدل بذلك على الأذان ولا يستحب ذلك في الإقامة.
وفيه سن الالتفات في الحيعلتين ويفارق كراهته في الخطبة بأن الخطيب واعظ للحاضرين فالأدب أن لا يعرض عنهم والمؤذن داع للغائبين والالتفات أبلغ في دعائهم وإعلامهم وليس فيه ترك أدب.
وعلم من الحديث أنه لا يلتفت بصدره ولا يستدبر القبلة ولا يستدير في منارة ولا غيرها ولا يزيل قدمه عن مكانها محافظة على جهة القبلة، وما ذكرناه من أنه لا يستدير هو الصحيح. وما روي عن أبي جحيفة أنه قال: إن بلالًا
أذن فاستدار في أذانه فضعيف لضعف سنده ومخالف لرواية الثقات.
[5/ 65](عن أبي جحيفة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بِلَالًا يُؤَذن بِلَيل فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أذان ابْن أمَ مَكْتُوم، رواه الشيخان).
وكان ابن أم مكتوم أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت أي قاربت الصباح.
وفي الحديث صحة الأذان في الصبح ليلًا، وأول وقته نصف الليل على الأصح، وأما أذان بلال فكان قبيل طلوع الفجر، وأذان ابن أم مكتوم عقيبه.
ففي الصحيحين أنه ليس بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا أو يرقى هذا، وفيه أيضًا إباحة الأكل والشرب إلى طلوع الفجر إذ الأمر بهما فيه إباحة وإعلام بامتداد وقت السحور إلى طلوع الفجر، وما ذكر من أن بلالًا كان يؤذن ليلًا، وابن أم مكتوم بعد طلوع الفجر هو المشهور.
وأما خبر ابن حبان أن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال، فمقلوب.
وقال ابن حبان يجوز أن يكون بينهما نوب.
وفيه أيضًا جواز أن يكون للمسجد الواحد مؤذنان وهو مستحب، فإن احتيج إلى زيادة زيد بقدر الحاجة، وقيل لا يؤيد على أربعة بعدد مؤذني
النبي صلى الله عليه وسلم بلال وابن مكتوم وسعد القرظ وأبو محذورة ثم إن اتسع الوقت ترتبوا في أذانهم لأنه أبلغ في الإِعلام، وإن ضاق كالمغرب والمسجد كبير تفرقوا في أقطاره كل واحد في قطر ليسمع أهل تلك الناحية، وإن صغر المسجد أذنوا مجتمعين إن لم يؤد اجتماعهم إلى تهويش وإلا أذن بعضهم بقرعة.
وفيه جواز كون المؤذن أعمى، ولا كراهة فيه إذا كان معه بصير وجواز تقليد البصير له في الوقت وجواز العمل بخبر الواحد.
[6/ 66](وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذَا سَمِعْتُم المُؤَذِّنَ) أي قوله: (فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، رواه الشيخان).
وفيه سن إجابة المؤذن والأمر فيه محمول على الندب والصارف له عن الوجوب الإِجماع على عدم وجوب الأصل وهو الأذان والإِقامة، والقول بأن
الصارف له عن ذلك قوله في حديث آخر في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص ثم صلوا علي ثم سلوا لي الوسيلة وهما مندوبان فالإِجابة أيضًا مندوبة مردود بأن دلالة الاقتران ضعيفة عند الجمهور. وقوله "مثل ما يقول" شامل للأذان والإِقامة إلا أنه يقول في كلمة الإقامة أقامها الله وأدامها وجعلني من صالح أهلها، وشامل للترجيع والحيعلة وللتثويب في الصبح وهو الظاهر في الترجيع وإن لم يسمعه المجيب لتعبيره بمثل ما يقول لا بمثل ما يسمع.
وأما الحيعلة والتثوب فمستثنيان فيقول في كل حيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله كما جاء في خبر مسلم عن عمر رضي الله عنه وفي التثويب صدقت وبررت كما جاء في خبر علي ما قاله ابن الرفعة، وحكمة استثناء الحيعلة أيضًا دعاء للصلاة لا ذكر كما مر في الكلام على حديث أبي جحيفة، فلو قالها السامع لكان الناس كلهم دعاة فلا يبقى مجيب، فحسن من السامع الحوقلة، لأن المؤذن لما دعا الناس للحضور أجابوا بأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بعون الله وتأييده على أن بعضهم لم يستثن الحيعلة، وجمع بعضهم بين الحيعلة والحوقلة واختاره البلقيني، وحكمة استثناء التثويب أنه في معنى الدعاء للصلاة لا ذكر لكن لفظه "خير"، فحسن أن يجاب بصدقت وبررت.