الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إنكار حجية السنة موجب للردة)
وقد لبست طائفة من الناس ثياب الدين زورًا وبهتانًا بعد ما راحوا يشككون في ثبوت السنة ليكون ذلك عذرًا لهم على ردها وقد كذبوا ورحم الله أعين رجال سهروا على حفظ هذا الدين.
قال الحافظ ابن عبد البر (2): أصول العلم الكتاب والسنة والسنة تنقسم إلى قسمين أحدهما إجماع تنقله الكافة عن الكافة فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف ومن رد إجماعهم فقد رد نصًّا من نصوص الله يجب استتابته عليه وإراقة دمه إذا لم يتب لخروجه عما أجمع عليه المسلمون وسلوكه غير سبيل جميعه.
والضرب الثاني من السنة خبر الآحاد والثقات الأثبات المتصل الإسناد فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة ومنهم من يقول أنه يوجب العلم والعمل.
وقال ابن حزم (3) بعدما ساق قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (4) قال والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا وإلى كل من يخلقه ويركب روحه في جسده وساق أيضًا قول الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (5) فوجدنا الله تعالى يردنا إلى كلام نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قررناه آنفًا فلم
(1) سورة الأحزاب [33].
(2)
جامع بيان العلم وفضله 2/ 41 - 42 حجية السنة 252 - 253.
(3)
الأحكام في أصول الأحكام 1/ 93.
(4)
سورة النساء آية [51]
(5)
سورة الشورى [10].
يسع مسلمًا يقر بالتوحيد: أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يأبى عما وجد فيهما فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق وأما من فعله مستحلًا للخروج عن أمرهما وموجبا لطاعة أحد دونهما فهو كافر لا شك عندنا في ذلك قال وقد ذكر محمَّد بن نصر المروزي: أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقيّة فهو كافر وقال ولم نحتج في هذا بإسحاق وإنما أوردناه لئلا يظن جاهل أننا متفردون بهذا القول وإنما احتججنا في تفكيرنا: من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} هذه الآية كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر وأيقن أن هذا العهد عهد ربه إليه ووصيته عز وجل الواردة عليه فليفتش الإِنسان نفسه فإن وجد في نفسه مما قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد نفسه مائلة إلى قول فلان وفلان أو إلى قياسه واستحسانه أو وجد نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحدًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب فمن دونه فليعلم أن الله قد أقسم وقوله الحق أنه ليس مؤمنًا وصدق الله تعالى وإذا لم يكن مؤمنًا فهو كافر ولا سبيل إلى قسم ثالث ثم ساق قول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (1) فليتق الله الذي إليه المعاد امرؤ على نفسه ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية وليشتد إشفاقه من أن يكون مختارًا للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، وقال: لو أن امرأ قال لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل وأخرى عند الفجر لأن ذلك هو: أقل ما يقع عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك.
(1) سورة النساء [61].