الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيام
الصيام هو لغة الإِمساك وشرعًا إمساك عن المفطر على وجه مخصوص والأصل في وجوبه قبل الإِجماع مع ما يأتي آية {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} .
وخبر بُني الإِسلام على خمس.
1/ 251 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: لا تقدموا) بفتح التاء وأصله لا تتقدموا حذفت إحدى التاءين تخفيفًا وروي لا تقدموا بضم التاء وكسر الدال (رَمَضان) أي صومه (بصومِ يومٍ ولا يومينِ) بل ولا أكثر إلى نصف شعبان لخبر أبي داود وغيره الآتي في صوم التطوع "إذا
انتصف شعبان فلا تصوموا" (إلَّا رجلٌ) بالرفع بدلًا من الضمير وبالنصب استثناء منه كما قرئ بهما في قوله تعالى: {ولا يلتفت منكم أحد إلَّا امرأتك} وفي قوله: {ما فعلوه إلَّا قليل منهم} (كان يصومُ صومًا فليصمْهُ، رواه الشيخان).
وفيه مع خبر إذا انتصف شعبان فلا تصوموا كراهة صوم النصف الثاني من شعبان إلَّا أن يكون لسبب كقضاء ونذر وورد فلا كراهة، والكراهة عندنا في ذلك كراهة تحريم، وسببها قيل: ضعف البدن بصوم ذلك عن صوم رمضان وقيل: تعظيم شهر رمضان بأن لا يزاد في العبادة ما ليس منها وكل منهما منتقص بصوم شهر شعبان كله فإنَّه مجمع على جوازه بل هو سنة مع أن المعنيين المذكورين موجودان فيه بل أقوى وعورض الخبر المذكور بقوله صلى الله عليه وسلم -
لرجل هل صمت من سَرَرِ شعبان شيئًا قال لا قال: فإذا أفطرت فصم يومًا وفي رواية يومين رواه الشيخان والمراد بسرر شعبان آخره وقيل أوله وعليه فلا معارضة وعلى الأول جمع بينهما بأن الرَّجل كان قد نذر صوم آخر الشهر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفائه أو كان عادته صوم آخره.
2/ 252 - (وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قَال من صامَ اليومَ الذي يُشَك فيه) من رمضان (فَقَدْ عَصَى أَبا القاسم صلى الله عليه وسلم. ذكره البُخَارِيّ تعليقًا ووصله أبو داود وغيره).
وفيه تحريم صوم الشك.
ومحله إذا صامه بلا سبب.
ويوم الشك يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث النَّاس برؤيته ولم يشهد بها أحد ولم يتحدثوا بها لكن شهد بها من ترد شهادته كصبيان أو نساء أو عبيد أو فسقة وظن صدقهم والكلام على ذلك مبسوط في كتب الفقه.
3/ 253 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا
رَأيتُمُوه) أي هلال رمضان بقرينة السياق (فصُومُوا) من الغد (وإذا رَأيتُمُوه) أي هلال شوال (فَأفْطِرُوا) من الغد (فإِنْ غَم) بضم المعجمة وتشديد الميم أي ستر الغيم أو غيره وفي رواية غمى بزيادة ياء وتشديد الميم وتخفيفها وفي رواية أغمى بضم الهمزة أي استعجم، وفي رواية عمي. بفتح المعجمة وبموحدة مكسورة عن الغباوة وهي عدم الفطنة وفي رواية عمي بفتح المهملة وكسر الميم مخففة أي التبس أو خفي (عَلَيكُم فأكْمِلوا العدة ثَلاثين رواه الشيخان واللفظ للبخاري) وهذه الرواية مفسرة لرواية فاقدروا له بضم الدال وكسرها والمعنى قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا وفي ذلك أنَّه لا يجوز صوم يوم الشك.
والعبرة في رواية الهلال برؤيته بعد الغروب لا قبله، ولا يعتبر برؤية الجميع بل رؤية عدل واحد كافية كما هو مبسوط في كتب الفقه.
4/ 254 - (وعن أم المُؤْمنين حفصة بنت عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه عنها قالت: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لم يبيّتِ الصيامَ قَبْلَ الفجرِ فلا صيَام لَه، رواه أبو داود والتِّرمذيّ وغيرهما وصححه ابنا خزيمة وحبان).
وفيه أن نية الصوم في الليل واجبة وهي والصيام وترك المفطر أركان في الصوم والنية واجبة في كل ليلة من ليالي الصوم الواجب أما صوم النفل فتصح النية قبل الزوال وشرطها فيه أن لا يسبقها مناف له كأكل وجماع والكلام على ذلك مبسوط في كتب الفقه.
5/ 255 - (وعن ابن العباس سهل بن سعد هو ابن مالك بن خالد
الخزرجي الأَنْصَارِيّ) الساعدي رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يَزال النَّاس بخير مَا عَجلوا الفِطْرَ رواه الشيخان).
وفيه سن تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشَّمس.
6/ 256 - (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَسحروا) مأخوذ من السحر وهو قبيل الفجر قاله الجوهري ويقرب منه قول ابن أبي الصيف اليمني إنه السدس الأخير من الليل، والصحيح كما قاله النووي وغيره دخوله بنصف الليل، والمراد الأكل أو الشرب فيه (فإِنَّ في السَّحُورِ) بفتح السين وهي ما يتسحر به وبالضم وهو الفعل وقيل هما لغتان فيهما (بَرَكَةٍ) أي نماء وزيادة (رواه الشيخان).
وفيه الأمر بالسحور وهو سنة، ومعنى كونه بركة، أما في الدنيا فلأنه يقوي على الصوم ويعين على الازدياد منه، وأما في الآخرة فلأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء والاستغفار في هذا الوقت الشريف الذي تنزل فيه الرحمة، وفيه أيضًا اتباع للسنة المحصل للأجور.
7/ 257 - (وعن سلمان بن عامر هو ابن أوس الضَّبِّيّ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفْطَرَ أحَدُكُم فَلْيُفْطِرْ على تمرٍ، فإِن لم يجِدْ فَلْيُفْطِرْ على ماءٍ فإِنَّه طهُورُ. رواه أبو داود وغيره وصححه ابنا خزيمة وحبان والحاكم).
وفيه أنَّه يسن الفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء فإن كان ثم رطب قدم على التمر للاتباع، رواه التِّرْمِذِيّ وحسنه.
8/ 258 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال نَهَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الوصال) بكسر الواو وهو أن يصوم يومين فأكثر ولا يتناول بالليل مأكولًا ولا مشروبًا (فَقَال رجُلٌ من المسلمينَ: فإِنكَ يَا رسول الله تُوَاصِلُ فقال: وأيكُم مِثْلِي؟ إِني أبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي) -بضم الياء- وَيَسْقِيني) بضمها وفتحها أي تجعل في قوة الطاعم الشارب، وقيل يطعمني ويسقيني من طعام الجنة وشرابها (فلما أبَوْا) أي امتنعوا عن (أنْ يَنْتَهُوا عنِ الوصَالِ وَاصَل بِهِمْ يَوْمًا ثم يَوْمًا ثم رَأوُا الْهِلَال فَقَال) لهم (لَوْ تَأخَّرَ الهِلَالُ) -تراءى طلوع- (لَزِدْتُكُم) في الوصال (كالمُنَكلِ لَهُم حِينَ أبَوْا أنْ يَنْتَهُوا رواه الشيخان).
وفيه كراهة الوصال، وهي كراهة تحريم على الأصح عندنا، وقيده في المجموع بما إذا ترك الأكل والشرب عمدًا بلا عذر وسبب تحريمه أنَّه يضعف البدن وإنما واصل بهم عقوبة لهم حيث أبوا إلَّا الوصال، ولهذا قال
كالمنكل لهم يقال: نكل به إذا صنع به ما يحَذِّر غيره.
9/ 259 - (وعنه) أي عن أبي هريرة (قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من لم يَدَعْ) يترك (قولَ الزورِ والعملِ بِهِ) والجهل (فَلَيسَ للهِ حَاجَة في أنْ يَدع طَعَامَه وشَرَابه رواه البُخَارِيّ وأبو داود واللفظ له).
وفيه نهي الصائم عن ارتكاب شيء من ذلك وهو مكروه في حقه وحق غيره، لكنه في حقه آكد ولا يفطر به الصائم.
وأما خبر"خمس يفطرن الصائم الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليمين الفاجرة" فباطل، وبتقدير ثبوته فالمراد بطلان الثواب لا الصوم.
10/ 260 - (وعنه) أي عن أبي هريرة (قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَن نَسِيَ وَهوَ صَائِم فَأكل أو شَرِبَ) وفي رواية وشرب (فليتم صوْمَه فإِنَّما أطْعَمَه الله وَسَقَاه) أي لا دخل له في ذلك قصدًا من حيث أنَّه لم يتعمده (رواه الشيخان).
واقتصر فيه على الأكل والشرب لأنهما أغلب وإلا فسائر المفطرات كذلك سواء أقل ذلك أم كثر على الأصح عندنا، وفارق: بطلان الصلاة بكثير من الأكل والشرب لأن الصلاة ينقطع نظمها به بخلاف الصوم، وقضية الحديث أنَّه لا يجب بذلك القضاء، وهو كذلك كما جاء في خبز صحيح رواه ابن حبان والدارقطني والحاكم وفرق القفال بين ما ذكر وبين الحديث حيث يبطل بسهوه الوضوء بأوجه: أصحها أن الحدث ليس منهيًا عنه بخلاف الفطر يفرق فيه بين السهو والعمد.
11/ 261 - (وعنه) أَيضًا (قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَن ذَرَعه) بذال معجمة أي غلبه (الْقَيء فلا قضاءَ عَلَيه) فلم يبطل به صيامه لعذره (ومن اسْتَقَاء فَعَلَيه القَضَاء. رواه أبو داود وغيره وقواه الدارقطني).
وفيه أن الصوم لا يبطل بغلبة القيء ويبطل بتعمده وإن علم أنَّه لم يرجع شيء من القيء إلى جوفه.
12/ 262 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقبل إِحْدَى نسائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ويباشرُ وَهُوَ صَائمٌ وَلَكِنه كانَ أمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ) بكسر الهمزة وإسكان الراء وبفتحها الحاجة، ويطلق بفتحها على العضو (والحديث رواه الشيخان واللفظ لمسلم).
وفيه جواز تقبيل الصائم ومباشرته حليلته لكنهما مكروهان في حقنا إن لم يحركا الشهوة وإلا حرما، والمراد بالمباشرة لمس البشرة ومعنى قول عائشة ولكنه أملككم لإِربه أنَّه ينبغي لكم الاحتراز عن ذلك ولا تتوهموا أنكم مثل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في استباحته لأنه يملك نفسه، ويأمن الوقوع في قبلة أو مباشرة يتولد منها إنزال أو شهوة وهيجان نفس أو نحوها، وأنتم لا تأمنون ذلك.
وفيه أَيضًا جواز الإِخبار عن مثل ذلك مما يجري بين الزوجين للحاجة وأما في غيرها فمنهي عنه.
13/ 263 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهوَ محْرِم واحْتجم وهوَ صَائِمٌ رواه البُخَارِيّ).
وفيه جواز احتجام المحرم والصائم وهو مكروه في حقنا بلا حاجة لأنه يضعف البدن.
14/ 264 - (وعن أبي صالح حمزة بن عمرو هو ابن عويمر بن الحارث الأسلمي رضي الله عنه أنَّه قال: يَا رسول الله أجِدُ بِي قوَةً على الصّيامِ في السّفَرِ فَهَلْ عليّ جنَاح؟ ) أي حرج (أنْ أصُومَ فقال صلى الله عليه وسلم هي) أي الفطر في السفر وأنت ضميره باعتبار خبره وهو (رُخصة من اللهِ فمنْ أخَذَ بَها فَحَسنٌ وَمَنْ أَحَبُّ أنْ يصوم فلا جنَاحَ عَلَيه رواه مسلم).
وفيه جواز الفطر بل سُنَّةٌ في السفر، والمراد سفر القصر، لكنه إنما
يسن إن تضرر المسافر بالسفر وإلا سن له الصوم.
15/ 265 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رَخصَ) للشيخ الكبير (أنْ يَفْطِرَ ويطْعِمَ عن كل يومٍ أفْطَرَ فيه مَسْكِينًا ولا قضاءَ عَلَيه، رواه الدارقطني والحاكم وصححه).
وفيه جواز الفطر للشيخ الكبير ووجوب الفداء عن كل يوم مد لمسكين من غير قضاء وكالكبير كل عذر لا يرجى برؤه.
16/ 266 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَال: جَاءَ رَجلٌ) واسمه سلمة بن صخر البياضي (إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَال هَلَكْتُ) أي وقعت في الإِثم
بفعل ما حرم عليَّ فعله في الصوم (قال: مَا أهْلَكَكَ؟ قال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأتِي) أي وطأتها (فِي رَمَضَانَ) وأنا صائم (فقال: هَلْ تَجِدُ) أي تقدر (مَا تَعْتِقُ) مفعول تجد وأبدل منه (رَقَبَة؟ ) أي مؤمنة سليمة من العيوب التي تضر بالعمل إضرارًا بينًا (قال: لا، قال: فَهَلْ تستطيعُ) أي تقدر (أنْ تَصُومَ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ؟ قال: لا، قال فَهَلْ تَجِدُ ما تُطْعِمُ ستين مِسْكِينًا؟ ) وهو هنا ما يشمل الفقير بخلاف ما إذا ذكر معه كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (قَال لا، ثمَّ جَلَسَ فأُتِيَ) ببنائه للمفعول (النبي صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ) بفتح العين والراء، أي مكتل من الخوص (فِيهِ تَمْرٌ) خمسة عشر صاعًا، كما جاء في رواية (فقال) للرجل (تصدَّق بهذا فقال) أتصدق به (عَلَى أفْقَرَ مِنا) وفي رواية علي بحذف همزة الاستفهام وهو استفهام به تعجب. أي لا أحد أفقر منا حتى أتصدق به عليه - فوالله (مَا بَينَ لَابَتَيهَا) يعني حَرَّتَي المدينة الشرقية والغربية والحرة بفتح الحاء أرض تركَبُها حجارةُ سُودُ، وقيل للمدينة حرتان أخريان حرة بالقبلة وحرة بالجرف وترجعان إلى الشرقية والغربية لاتصالهما بهما (أهْلُ بيتٍ أحَوجُ إليه منَّا، فَضَحِكَ النبي صلى الله عليه وسلم) إما تعجبًا من حال السائل في كونه جاء أولًا هالكًا متأهقًا (ثم انتقل لطلب الطعام لنفسه وأهله، وإما تعجبًا من رحمته به وإطعامه الطعام بعد أن كان أمره أن
يتصدق به، والضحك غير التبسم وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان ضحكه تبسمًا، فيجوز أن يكون الغالب من ضحكه التبسم وأما قوله تعالى:{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} فضاحكًا حال مقدرة والقول بأنه حال مؤكدة وَهْمٌ (حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ) وفي رواية نواجذه والمراد بها أنيابه جمعًا بين الروايتين وإلا فالنواجذ أبعد من الأنياب وذلك لأن أسنان الإِنسان غالبًا اثنان وثلاثون أربع منها ثنايا وهي مقدم الفم وتسمى سني الصغير رواضع، ثم يليها أربع رباعيات بتخفيف الباء ثم أربعة أنياب ثم أربع ضواحك ثم إثنا عشر ضرسًا ثم أربعة نواجز ثم بعد قول السائل له ما مر (قَال له: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) وهم من تلزمه نفقتهم (رواه الشيخان).
وفيه وجوب السؤال عن حكم ما يفعله الإِنسان مخالفًا للشريعة ووجوب الكفارة بإفساد المجاح عامدًا في رمضان، وفارق إفساد الصلاة بذلك بأنه لا دخل للجبر فيها بخلاف الصوم بدليل الشيخ الكبير وغيره.
وفيه أيضًا وجوب الكفارة مرتبة فيقدم الإِعتاق ثم الصوم ثم الإِطعام، وقوله رقبة شرطها أن تكون مؤمنة كما مر حملًا للمطلق على المقيد في كفارة القتل.
وفيه أنه لا يجب بالجماع إلا كفارة واحدة عن الرجل إذا لم يذكر له ما على المرأة وهو الأصح عندنا.
ويؤخذ مما مر أن في العرق خمسة عشر صاعًا وإنها تعطى لستين مسكينًا أي بالسوية أن لكل مسكين مدًّا لأن الصاع أربعة أمداد وتفرقة الخمسة عشر على الستين بالسوية تقتضي ذلك ويدل لذلك ما رُويَ فأتي بعرق من تمر فيه
خمسة عشر صاعًا نعم في أبي داود فاتي بعرق فيه عشرون صاعًا وفيه رواية أخرى قدر خمسة عشر صاعًا قال البيهقي وهو أصح من الأولى وفي رواية لمسلم فجاءه عرقان فيهما طعام فَيُحْمَلُ أن يكون في أحدهما خمسة عشر وفي الآخر عشرون وشحمى العرق أيضًا قفة وزبيلًا بفتح الزاي بلا نون وزنبيلًا بكسرها وفتحها مع نون وتسمى بذلك لأنه يحمل فيه الزبل ويسمى أيضًا سفيفة بفتح المهملة وبفائين بينهما ياء ويؤخذ من الحديث أن من ادعى عذرًا يسقط عنه شيئًا أو يبيح له أخذه يقبل قوله لا بِنِيَّةٍ لأن هذا الرجل ادعى الفقر وَقَبِلَ منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقوله تصدق بهذا يتضمن أنه ملكه إياه ليتصدق به كقوله لغيره اعتق عبدي عنك فإنه يتضمن تمليكه له قبل العتق وقوله فأطعمه أهلك قيل هو خاص بهذا الرجل فتسقط عنه الكفارة بذلك وقيل منسوخ والأشهر أنه أطعمه وأهله لفقرهم وأبقى الكفارة عليه إلى أن يُوسِرَ فلا تسقط بعجزه قياسًا على سائر الديون.
وأما خبر الدارقطني عن علي أنه صلى الله عليه وسلم قال له انطلق فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك فضعيف.
وأما قضاء ما أفسده فواجب عليه على الأصح كالصلاة إذا أفسدها.
17/ 267 - (وعن أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصْبحُ جُنُبًا مِن جِمَاعٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ ويَصُومُ ولا يَقْضي رواه الشيخان واللفظ لمسلم).
وفيه جواز صوم الجنب حتى لو كان طلوع الفجر مجامعًا فنزع حالًا صح صومه وإن أنزل لتوالده من مباشرة مباحة.
18/ 268 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم من مَاتَ وَعَلَيهِ صِيَام صَامَ عَنْهُ وَليُّه رواه الشيخان) وفي رواية أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها فقال: أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى، وفي رواية بدل رجل امرأة وبدل شهر نذر وفي ذلك أن من مات وعليه صوم صام عنه وليه وهو هنا قريبه وإن لم يكن عاصيًا ولا وارثًا وسواء أوصى به الميت أم لا، وفي المسألة قولان للشافعي أشهرهما أنه لا يصام عنه كما لا يصلى عنه والثاني يسن أن يصام عنه قال النووي وهو الصحيح المختار بل الصواب
الجزم به ولو وقف الشافعي على جميع طرق الحديث لم يخالف ذلك كما قاله البيهقي قال: وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث للأخبار الصحيحة الصريحة انتهى.
وفارق الصلاة بأن الصوم بدلًا في الجملة كما في الكفارة بخلاف الصلاة وأما الأجنبي فلا يصوم عن الميت إلا بإذن منه أو من قريبه.