المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العلاقة بين الكتاب والسنة - فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب

- ‌حجِّيته:

- ‌السنة

- ‌ماهيتها:

- ‌حجّيتُهَا ووجوب اتباعها والتحذير من مخالفتها

- ‌(إنكار حجية السنة موجب للردة)

- ‌العلاقة بين الكتاب والسنة

- ‌ أحاديث الأحكام والكتب المصنفة فيه

- ‌‌‌الكلام عن المخطوطو‌‌منهجنا في التحقيق

- ‌الكلام عن المخطوط

- ‌منهجنا في التحقيق

- ‌البخاري

- ‌مسلم

- ‌أبو داود

- ‌الترمذي

- ‌النسائي

- ‌ترجمة شيخ الإِسلام الشيخ زكريا الأنصاري

- ‌نَسَبُهُ

- ‌مولده

- ‌نشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه

- ‌ومن أعيان من أخذ عنه:

- ‌مصنفاته

- ‌وَفَاتُه

- ‌(كِتاب الطهَارَة)

- ‌(باب المياة)

- ‌باب الآنية

- ‌بابُ إزالة الْخبَثِ

- ‌بابُ الوضوء

- ‌باب المسح عَلى الْخُفينِ

- ‌بابُ أسْبَاب الحَدَثِ

- ‌باب قَضَاء الحَاجَةِ هو كناية عن إخراج البول أو الغائط من الفرج

- ‌بَاب الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة

- ‌كتابُ الصلاة

- ‌باب أوقاتها

- ‌بابُ الأذَانُ

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب سترة المصلي

- ‌باب الخشوع في الصلاة

- ‌باب المساجد

- ‌بابُ صفَةِ الصلاةِ

- ‌باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاةِ الجمَاعَةِ والإمَامَةِ

- ‌باب كيفية صلاة المسافرين من حيث القصر والجمع

- ‌بابُ الجُمُعَةِ

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌بابُ صَلاةِ العِيدَينِ

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاةِ

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌باب صدقة التطوع

- ‌باب قَسْمِ الصدَقَاتِ

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب صوم التطوع وما نهي عن صومه

- ‌باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌كتاب الحج

- ‌باب فضلهما وبيان من فرضا عليه

- ‌باب المواقيت المكانية للحج والعمرة

- ‌باب وجوب الإحرام من تمتع وقران وإفراد

- ‌باب الإحرام

- ‌باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌بَابُ الْفَوات والإحصار للحج

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ شروطه والمراد بعضها وما نهى عنه منه

- ‌بَاب الْخِيار في البيع والإقالة مِنه

- ‌بَاب الربا

- ‌بابُ العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌أبواب السلم والإقراض والرهن

- ‌التفليس وَالْحَجر

- ‌بَاب الصُّلح

- ‌الحوالة والضمان

- ‌الشِّرِكةِ والوَكالةِ

- ‌بابُ الإقْرارِ

- ‌بابُ العَارِيةِ

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌المُسَاقَاة والإجارة

- ‌بابُ إحياء المَوَاتِ

- ‌بَابُ الْوَقفِ

- ‌كتابُ الهِبَةِ

- ‌بَابُ اللقطة

- ‌بَابُ الفرائض

- ‌بَاب الوصايا

- ‌كتَاب النِّكاح

- ‌بابُ الكفاءة بين الزوجين والخيار لأحدهما بعيب في الآخر

- ‌بابُ عشرة النساء

- ‌بَاب الصداق

- ‌بَاب الوليمة

- ‌بَابُ الْقَسْمَ بَينَ الزوجات

- ‌بَابُ الخُلْع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌كتاب الرجعة

- ‌الإيلاء والظهار

- ‌باب اللعان وَمَا يُذْكر مَعهُ

- ‌أبواب العدة والإحداد والاستبراء

- ‌بَاب الرضاع

- ‌باب النفقات

- ‌بَابُ الحَضَانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب الديَات

- ‌بَابُ دَعْوَى الدم

- ‌بَاب قتال البغاة

- ‌باب قتال الجاني عمدًا

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزاني

- ‌بَابُ حَد القذف

- ‌بَاب حَد السرقة

- ‌باب حد الشارب للمسكر وبيان المسكر

- ‌التعزير والصيال

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الجزية والهدنة

- ‌كتاب المسابقة على الخيل والسهام ونحوهما

- ‌كتاب الأطْعِمَة

- ‌باب الصيد

- ‌بابُ الأضَاحِي

- ‌بابُ العقيقة

- ‌كتابُ الأيمان والنذور

- ‌كتابُ القضاء

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌الدعوى والبينات

- ‌كتاب الإعتاق

- ‌المدبر والمكاتب وأم الولد

- ‌ثبت المراجع

- ‌أولًا: القرآن الكريم

- ‌ثانيًا: كتب الحديث

- ‌ثالثًا: كتب التفسير

- ‌رابعًا: كتب الفقه

- ‌خامسًا: كتب أصول الفقه

- ‌سادسًا: كتب اللغة والتاريخ والتراجم

- ‌سابعًا: كتب العقيدة

- ‌فهرس الكتب الواردة في النص

الفصل: ‌العلاقة بين الكتاب والسنة

وقائل هذا مشرك حلال الدم والمال وقال لو أن امرأ لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت به النصوص لكان فاسقًا بإجماع الأمة.

‌العلاقة بين الكتاب والسنة

ومن المعلوم بالضرورة أن كل ما جاء عن الله تعالى لا يمكن أن يوصف أن فيه اختلافًا والمعلوم أن كلًّا من القرآن والسنة من عند الله تعالى كما قدمنا ولهذا يقول ابن القيم (1) والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله تعالى وتخالفه البتة كيف ورسول الله هو المبين لكتاب الله وعليه أنزل وبه هداه الله فهو مأمور باتباعه وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده فلا يوجد تخالف وإن حصل مخالفة في ظاهر اللفظ فيكون ذلك للخفاء على المجتهد فعلى ضوء ذلك إذا تتبعنا السنة من حيث دلالتها على الأحكام التي اشتمل عليها القرآن إجمالًا وتفصيلًا وجدناها تأتي على أنحاء منها (2):

الأول:

أن تكون موافقة للقرآن.

فتكون واردة حينئذ مورد التأكيد فيكون الحكم مستمدًا من مصدرين القرآن مثبتًا له والسنة مؤيدة.

ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (3)، اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" فإنه يوافق قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4).

(1) الطرق الحكمية 72 - 73.

(2)

قال الشافعي في الرسالة (91) فلا أعلم من أهل العلم مخالفًا في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وجوه وسيأتي كلام الشافعي رحمه الله. ولقد بوب الخطيب البغدادي في الكفاية (12) فقال باب تخصيص السنن لعموم محكم القرآن وذكر الحاجة في المجمل إلى التفسير والبيان.

(3)

سيأتي تخريجه في أصل الكتاب مفصلًا. هو في مسلم من رواية جابر رضي الله عنه.

(4)

سورة النساء آية [19].

ص: 12

وقوله صلى الله عليه وسلم (1)"إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" فإنه موافق لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} (2).

ثانيًا:

أن تكون بيانًا (3) للكتاب.

ومن أمثلة ذلك النوع: أولًا بيان المجمل (4) كالأحاديث التي جاء فيها أحكام الصلاة. فقال صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"(5).

وورد في الكتاب وجوب الحج من غير بيان لمناسكه فبينت السنة ذلك فقال صلى الله عليه وسلم "لتأخذوا عني مناسككم"(6).

وورد في الكتاب وجوب الزكاة من غير بيان لما تجب فيه ولا لمقدار الواجب فبينت السنة كل ذلك (7).

(1) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري أخرجه 8/ 205 في التفسير (هود / باب وكذلك أخذ ربك (4686) ومسلم 4/ 1997 في البر والصلة / باب تحريم الظلم (61/ 2583).

(2)

سورة هود آية [102].

(3)

والسنة خير مبين فقد كان عمر رضي الله عنه يقول سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. وسأل رجل عمران بن حصين رضي الله عنه فقال الرجل حدثونا عن كتاب الله ولا تحدثونا عن غيره فقال انك امرؤٌ أحمق أتجد في كتاب الله عز وجل صلاة العصر أربعًا لا يجهر فيها وعد الصلوات ومقادير الزكاة ونحوها ثم قال أتجد هذا مفسرًا في كتاب الله، كتاب الله قد أحكم ذلك والسنة تفسره -الكفاية في علم الرواية (15) وقال علي رضي الله عنه لابن عباس حينما بعثه إلى الخوارج لا تخاصمهم بالقرآن فإنه حمال ذو وجوه ولكن حاججهم بالسنة.

(4)

ما له دلالة غير واضحة.

(5)

أخرجه البخاري من حديث مالك بن الحوبري.

(6)

أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.

(7)

انظر كتاب الزكاة من هذا الكتاب.

ص: 13

ثانيًا تقيد المطلق (1) ومثال ذلك الأحاديث التي بينت المراد من اليد في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا} (2) فبينت السنة أنها اليمنى وأن القطع من الكوع وقوله تعالى أيضًا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} (3) وردت الوصية مطلقًا فقيدتها السنة بعدم الزيادة على الثلث.

ثالثًا:

تخصيص (4) العام (5).

كالحديث الذي بين أن المراد من الظلم في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (6) هو الشرك، فهم بعض الصحابة منه العموم حتى قالوا أينا لم يظلم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "ليس بذاك إنما هو الشرك"(7).

ومن ذلك أيضًا أن الله عز وجل أمر أن يرث الأولاد الآباء أو الأمهات على نحو ما بين بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} (8) فكان هذا الحكم عامًّا في كل أصل مورث وكل ولد وارث فقصرت السنة الأصل على غير الأنبياء.

وقصرت الولد الوارث على القاتل بقوله صلى الله عليه وسلم "القاتل لا يرث"(9) وكذلك اختلاف الدين فهو مانع من موانع الإِرث كما بينت السنة (10).

وقال تعالى في المرأة يطلقها زوجها ثلاثًا: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ

(1) ما دل على الماهية من غير قيد.

(2)

سورة المائدة آية [38].

(3)

سورة النساء آية [12].

(4)

قصر العام على بعض أفراده.

(5)

لفظ يستغرق جميع ما يصلح له بوضع واحد.

(6)

سورة الأنعام آية [82].

(7)

أخرجه البخاري 1/ 109 في الإيمان / باب ظلم دون ظلم (32).

(8)

سورة النساء آية [11].

(9)

أخرجه الترمذي وغيره من رواية أبي هريرة.

(10)

انظر كتاب الفرائض من هذا الكتاب.

ص: 14

زَوْجًا غَيرَهُ} (1) واحتمل ذلك أن يكون المراد به عقد النكاح وحده واحتمل أن يكون المراد الإِصابة معًا، فبينت السنة أن المراد به الإِصابة بعد العقد (2).

رابعًا:

توضيح المشكل كالحديث الذي بين المراد من الخيطين في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (3) فهم منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم العقال الأبيض والعقال الأسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم. هما بياض النهار.

وأغلب ما في السنة من هذا النوع ولهذه الغلبة وصفت بأنها مبينة للكتاب.

خامسًا: أن تكون دالة على حكم سكت عنه القرآن ومن أمثلة ذلك النوع:

قوله صلى الله عليه وسلم "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"(4).

وقوله صلى الله عليه وسلم في الجنين الخارج من بطن أمه المذكاة "ذكاة الجنين ذكاة أمه"(5).

والأحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل (6).

والأحاديث الواردة في تحريم كل ذي ناب من السباع (7) وكل ذي مخلب من الطير وتحريم لحوم الحمر الأهلية (8).

والأحاديث (9) التي دلت على تحريم الرضاع.

(1) سورة البقرة آية [220].

(2)

انظر حديث رفاعة القرظي في هذا الكتاب.

(3)

سورة البقرة آية [187].

(4)

مالك والشافعي وغيره.

(5)

أبو داود والحاكم وغيره.

(6)

انظر باب الربا من هذا الكتاب.

(7)

انظر كتاب الصيد والذبائح من هذا الكتاب.

(8)

انظر كتاب الصيد والذبائح من هذا الكتاب.

(9)

انظر كتاب النكاح من هذا الكتاب.

ص: 15

وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.

والأحاديث (1) الواردة في تشريع الشفعة والرهن في الحضر وبيان ميراث الجدة والحكم (2) بشاهد ويمين.

ووجوب الرجم للزاني المحصن.

ووجوب الكفارة على من انتهك حرمة شهر رمضان وغير ذلك كثير.

اعلم أن النوع الأول والثاني من هذا التقسيم متفق عليهما بين المسلمين وأن النوع الثالث مختلف فيما بينهم كما صرح بذلك الشافعي في رسالته (3) فقال "فلم أعلم من أهل العلم مخالفًا في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه فاجتمعوا على وجهين:

أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما نص الكتاب والآخر ما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين عن الله معنى ما أراد وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث:

ما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس فيه نص كتاب (كما قل منا) فمنهم من قال جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق من علمه وتوفيقه لمرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب. ومنهم من قال لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سنته لتبين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة. وكذلك ما من من البيوع وغيرها من الشرائع لأن الله قال: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (4). وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (5).

ومنهم من قال بل جاءته به رسالة الله فأثبتت بفرض الله ومنهم من قال ألقى

(1) انظر كتاب البيوع من هذا الكتاب.

(2)

انظر كتاب الأقضية والشهادات من هذا الكتاب.

(3)

تقدم النقل في الحاشية.

(4)

سورة النساء [29].

(5)

سورة البقرة [275].

ص: 16

الله في روعه كل ما سن وسنته الحكمة الذي ألقى في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سنة.

وقال العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق (1) أن حكاية الشافعي لهذه الأقوال في النوع الثالث يرى أن القول الأول والثالث والرابع على اتفاق في أن السنة تستقل بالتشريع ومختلفة في أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع المستقل من عند نفسه مع توفيقه تعالى له بالصواب أو ينزل عليه الوحي به أو يلهمه الله إياه وهذه الخلافية لا تعنينا، وأن القول الثاني هو المخالف وقال والحق في هذه المسألة أنها حجة وتعبدنا الله بالأخذ بها والعمل بمقتضاها ودلّل على ذلك بأدلة نورد بعضها للبيان حتى تسد أفواه المتنطعين الذين لا خلائق لهم في الدنيا والآخرة:

أولًا: عموم عصمته صلى الله عليه وسلم الثابتة بالمعجزة عن الخطأ في التبليغ لكل ما جاء به عن الله تعالى ومن ذلك ما وردت به السنة وسكت عنه الكتاب فهو إذن حق مطابق لما عند الله تعالى وكل ما كان كذلك بالعمل به واجب.

ثانيهما: عموم آيات الكتاب الدالة على حجية السنة وقد تقدمت فهي تدل على حجيتها سواء أكانت مؤكدة أم مبينة أم مستقلة وقد كثرت هذه الآيات كثرة تقيد القطع بعمومها للأنواع الثلاثة وبعدم احتمالها للتخصيص بإخراج نوع عن الآخر بل إن قول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فهذه الآية تفيد حجية خصوص المستقلة.

قال الشافعي رضي الله عنه في توجبها نزلت هذه الآية في رجل خاصم الزبير في أرض فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها للزبير (2).

(1) حجية السنة.

(2)

أخرجه البخاري 5/ 42 في المساقاة / باب سكر الأنهار (2359) وفي 8/ 103 في التفسير سورة النساء / باب فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم حديث (4585) ومسلم 4/ 1829 - 1830 في الفضائل / باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم (129/ 2357) والشافعي في الرسالة ص 88.

ص: 17

وقال الشافعي وهذا القضاء سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حكم منصوص في القرآن.

ثالثًا: عموم الأحاديث المثبتة لحجية السنة مؤكدة كانت أو مبينة أو مستقلة كقوله صلى الله عليه وسلم. "عليكم بسنتي"(1) وهذه الأحاديث كثيرة لا تحصى تفيد القطع بهذا العموم وقد ورد ما هو خاص بالسنة المستقلة أو يكون على أقل تقدير دخولها فيه متبادرًا في النظر وأولى من دخول غيرها فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لَا ألفِيَنَ أحَدَكُمْ مُتكئًا على أرِيكتهِ يأتيه الأمر من أمري مما أمَرْتُ به أو نَهَيتُ عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه"(2).

وقوله صلى الله عليه وسلم "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شَبْعَانُ على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فَحرمُوهُ وإنما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كلّ ذي ناب من السباع ولا لُقَطَةُ معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يَقْرُوهُ فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"(3).

(1) أبو داود من حديث العرباض بن سارية في 4/ 201 في كتاب السنة / باب في لزوم السنة (4607) والترمذي 5/ 44 في العلم / باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (2676) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1/ 16 في المقدمة / باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (43) والحاكم وقال صحيح ليست له علة 1/ 96 في كتاب العلم.

(2)

أخرجه أبو داود من حديث أبي رافع رضي الله عنه 4/ 200 في كتاب السنة / باب في لزوم السنة (4605) والترمذي 5/ 37 في كتاب العلم / باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (2663) وقال حسن صحيح وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين 1/ 108 - 109 في كتاب العلم.

(3)

أبو داود من حديث المقداد بن معد يكرب 4/ 200 في كتاب السنة / باب في لزوم السنة 4604) والترمذي 5/ 38 في العلم / باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (2664) وقال حسن غريب من هذا الوجه وابن ماجه 1/ 6 في المقدمة باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (12) والدارمي 1/ 114 في المقدمة باب السنة قاضية على كتاب الله.

ص: 18

ولا يخفى أن تحريم الحمر الأهلية المذكورة في الحديث ليس في القرآن فهو خاص بما نحن فيه ولا يخفى أن الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم "ومثله معه" ما كان مستقلًا عنه وإن سلمنا شموله لغيره أيضًا فلا ضير علينا حيث إنه أثبت أن الجميع من عند الله والحديث الأول يفيدنا أن كل ما لا يوجد في كتاب الله مما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه فتركه مذموم منهي عنه وذلك يستلزم الحجية والمتبادر من عدم الوجود أن لا يكون مذكورًا في الكتاب لا إجمالًا ولا تفصيلًا.

ولقد بوب الخطيب البغدادي في كفايته (1) بابًا فقال باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب العمل ولزوم التكليف وذكر الحديثين وقال الشافعي (2) رحمه الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه نص حكم فبحكم الله سنه وكذلك أخبرنا الله في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ} وقد سن رسول الله مع كتاب الله وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب وكل ما من فقد ألزمنا الله باتباعه وجعل في اتباعه طاعته وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقًا ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجًا. وبهذا يتضح لنا حجية السنة بأقسامها الثلاثة فطاحت شبهة المعاندين قلت ويوجد للفقه الإِسلامي بجانب هذين المصدرين مصادر أخرى منها ما هو متفق عليه كالإِجماع (3) والقياس (4) ومنها ما هو مختلف فيه بين أهل العلم ولكن يرجح جانبه كالأصل (5) والاستصحاب (6)

(1) الكفاية في علم الرواية ص 8.

(2)

الرسالة 88 - 89.

(3)

سيأتي الكلام عليه في تحقيقنا على الكتاب.

(4)

سيأتي الكلام عليه في تحقيقنا على الكتاب.

(5)

المراد به القاعدة المستمرة.

(6)

هو الحكم بثبوت أمر في الزمن الثاني لثبوته في الزمن الأول لعدم ما يصلح للتغيير.

ص: 19