الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ أسْبَاب الحَدَثِ
هي جمع سبب وهو لغة: ما يتوصل به إلى غيره.
وشرعًا: ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدم العدم لذاته والمراد بالحدث عند الإِطلاق -كما هنا- الأصغر غالبًا.
وهو لغة: الشيء الحادث وشرعًا: أمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمنع صحة الصلاة حيث لأمر خص. وفي ذلك زيادة ذكرتها في شرح المنهج وغيره.
1/ 30 - (عن عَائِشَةَ رضي الله عنها. أن فَاطِمَةً بِنْتُ أبي حُبَيشٍ) بضم المهملة وفتح الموحدة بعدها مثناة تحتية ثم شين معجمة ابن عبد المطلب (سألَت النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: إِني أسْتَحَاضُ) ببنائه للمفعول ولا يستعمل مبينًا للفاعل- وأصله من الحيض والزوائد التي لحقته للمبالغة كما يقال قرَّ في المكان ثم يزاد للمبالغة فيه فيقال استقر.
والاستحاضة: جريان الدم من الرحم في غير أوانه يخرج من عرق في أدنى الرحم يسمى بالعاذل بعين مهملة وذال معجمة على المشهور بخلاف الحيض فإنه يخرج من قعر الرحم (أفَأدَعُ الصلاةَ) أي أفأتركها كما تتركها الحائض (فَقَال: لَا) تدعيها كغيرها من العبادات ما لم يمنع منه مانع فقال صلى الله عليه وسلم (إِن دَمَ الْحَيضِ أسْوَدٌ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكِ) بكسر الكاف لأن الخطاب لمؤنث (فَأمْسِكي فَي الصَّلَاةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَإذَا كَانَ الآخَر) وهو دم الاستحاضة (فَتَوَضئِي وصَلِّي وَإِنَمَا هو عرْقٌ) بكسر أوله وإسكان ثانيه يسمى بالعاذل كما مر أي فإنما هو دم عرق وروي فإنما هو داء يعرض أو ركضة -أي دفعة من الشيطان- أو عرق انقطع".
والحديث رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حبان والحاكم وأصله في الصحيحين).
وفيه ثبوت الحيض، ووجوب ترك الصلاة منه، ووجوب الوضوء من الخارج من الفرج عند انقطاعه.
وفيه أن من وقعت له واقعة يستفتي عنها، وأن المرأة تشابه الرجل في استفتائها عما يتعلق بها، وأنه يجوز استماع صوتها عند الحاجة، وأن من عليه الدم لا يترك الصلاة، وأن الدم السائل من فصد أو غيره لا ينقض الطهر، ومحل بسط الكلام على حكم المستحاضة كتب الفقه وقد أوضحت ذلك في شرح الروض وغيره وسيأتي بعضه في باب الحيض.
2/ 31 - (وَعَنْ أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه قَال كنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً) يحتمل أن يكون حكاية عما مضى وانقطع عنه حين اختاره ويحتمل وهو الأظهر أنه على حد قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ} وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} في أن كان للدوام أو زائدة عند بعضهم، فيكون خبرها وصفًا دائمًا للمخبر عنه، ومذاء بالتشديد والمذاء كثير المذي بمعجمة على الأفصح، وهو ماء أبيض وقيل أصفر رقيق يخرج غالبًا عند ثوران الشهوة بلا شهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور (فَأمَرْتُ المِقْدَادَ) بن الأسود (أنْ يَسْألَ النّبي صلى الله عليه وسلم)
عن حكم ذلك (فَسَألَهُ فَقَال: فيه الوُضُوء، رواه الشيخان).
وفي رواية لابن حبان "فأمرت عمار بن ياسر" وفي أخرى. لابن خزيمة "أن عليًّا سأل النبي صلى الله عليه وسلم" وجمع ابن حبان بينهما بأنه يحتمل إنه أمر عمارأ أن يسأل ثم المقداد أيضًا ثم سأل بنفسه.
وفي رواية الصحيحين "كنت رجلًا مذاءً فاستحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني فأمرت المقداد فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ.
وفي الحديث أن المذي لا يوجب الغسل، وأنه يوجب الوضوء وأنه يجوز الاستنابة في الاستفتاء، وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به لأن عليًّا اقتصر على قول غيره مع تمكنه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الرواية الأخيرة نجاسة المذي لإِيجاب غسل الذكر واختلفوا هل
يغسل منه كل الذكر أو محل النجاسة فقط. فالشافعي والجمهور على الثاني وغيرهم على الأول لظاهر الحديث.
3/ 32 - (وعَنْ بُسْرَةَ) بضم الباء وإسكان المهملة (بِنْتِ صَفْوَانَ) بن نوفل بن أسد بن عبد العزى رضي الله عنهما قالت: قَال النَّبي صلى الله عليه وسلم مَنْ مَسّ ذَكَرَه فَلْيَتَوَضَّأْ، رواه الشافعي وأبو داود والترمذي وغيرهم).
قاك الترمذي وغيره إنه حسن صحيح.
وفيه أن مس ذكره يوجب الوضوء وأفحش منه مس دبره ومس فرج غيره، فيجب بمس كل منهما الوضوء بشهوة أو دونها سليمًا كان العضو، أو أشل متصلًا أو منفصلًا.
وأما خبر طلق بن علي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر في الصلاة فقال: "هل هو إلا بضعة منك" وهي بفتح الباء القطعة، فضعيف أو منسوخ بخبر بسرة أو محمول على المس بحائل كما هو المناسب لحال
المصلي وشرط المس الموجب للوضوء: أن يكون ببطن الكف لخبر ابن حبَّان في صحيحه "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ".
إذ الإِفضاء باليد لغة المس ببطن الكف، والمراد به ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير.
وبالفرج فرج الآدمي فلا ينقض مس فرج البهيمة، إذ لا حرمة لها في وجوب ستره، وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها.
4/ 33 - (وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ببناء شكي للمفعول وهو (الرَّجُلَ) يقال شكوت أشكو قلبت الواو ياء لوقوعها بعد كسرة، وقيل الياء أصلية يقال شكيت أشكي ويجوز بناؤه للفاعل ونصب الرجل بأنه مفعول وهو الأنسب، يكون الشاكي هو عبد الله بن زيد كما ذكره البخاري، وعلى هذا كان مقتضاه أن يقول شكوت أو شكيت لكنه عبر عنه
بلفظ الغيبة لأنه أعم، والتقدير شكي إليه حال الرجل، وذكر الرجل مثال فغيره من المرأة والخنثى كذلك.
(خُيِّلَ إِلَيه) من خيل إليّ كذا أي أوقع في خيالي ونفسي أو من خلت أخاك يعني ظننت، والجملة حال من الرجل بجعل أل فيه للتعريف أو صفة له بجعل أل فيه للجنس كما في قوله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37].
قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
ويخيل مبني للمفعول وهو (أَنَّهُ يَجِدُ) بكسر الجيم أشهر من ضمها (الشّيءَ) يعني الحركة في الدبر التي يظن بها أنها حدث وليست كذلك (فِي الصَّلاةِ. فقال صلى الله عليه وسلم لا يَنْصَرِفُ) منها (حَتَّى يَسْمَع صَوْتًا أَوْ يَجِد رِيحًا) يعني حتى يتيقن ذلك لأنه قد يكون أصم أو أخشم، وذكر ذلك إنما هو جري على الغالب وخروج على سؤال.
(والحديث رواه الشيخان) ورواه البزار بلفظ "يأتي أحدكم
الشيطان في صلاته فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنَّه أحدث ولم يحدث فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا وفيه أن خروج الخارج من القبل أو الدبر يوجب الحدث بخلاف الشك فيه، وأخذ منه قاعدة عظيمة وهي أن اليقين لا يرفع بالشك، والمراد به مطلق التردد الشامل للظن والوهم فيعمل باليقين استصحابا له، فمن تيقن الطهر وشك في ضده أخذ بالطهر سواء كان في صلاة أم لا، والصلاة إنما قدرت في الجواب لذكرها في السؤال فلا يعتبر في الحكم كما لا يعتبر فيه كونه في المسجد كما جاء في رواية.
والكلام على القاعدة المذكورة مع ما يتعلق بها مبسوط في كتب الفقه.