الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر
1/ 121 - (عن أبي محمد عبد الله بن بحينه) بضم الموحدة اسم أمه وأبوه مالك بن جندب بن فضلة بن عبد الله الأزدي، ويقال الأسدي بالسين ساكنة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلى بِهِمُ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرّكعَتَينِ الأولَيينِ وَلَمْ يَجْلِسْ) للتشهد (فَقامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ) أي فرغ منها (وانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ) للسجود (وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجدَ سَجْدَتَينِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ ثُم سَلَّمَ، رواه الشيخان واللفظ للبخاري) وفي رواية مسلم "كبر
في كل سجدة وهو جالس وسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس"، وفي الحديث طلب سجود السهو لترك الجلوس للتشهد الأول، ومثله سائر السنن المسماة بالأبعاض كما هي معروفة في كتب الفقه، وذلك سنة لا واجب لأنه بدل عن غير واجب فلم يجب.
وفيه أيضًا سن سجود السهو لتركه التشهد الأول، وأنه سجدتان وأنه قبيل السلام ليكون جابر الجميع السهو الحاصل في الصلاة.
2/ 122 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِحْدَى صَلاتَي العشِيِّ) روي أنها الظهر وروي أنها العصر.
قال النووي: قال المحققون هما قضيتان، والعشي بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء ما بعد الزوال إلى الغروب أي صلى بالقوم إحدى الصلاتين (رَكْعَتينِ، ثمَّ سَلَّمَ، ثمَّ قَامَ) مستندًا (إِلَى خَشَبةٍ) معروضة (فِي مُقَدّمِ المسْجِد) روي أنها كانت جذعًا من نخل، قيل والظاهر أنها الجذع الذي كان يخطب عليه أولًا (فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيهَا، وفِي القَوْمِ أبُو بكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أنْ يُكَلِّمَاهُ) في ذلك لهيبته وعظمته في قلوبهما مع علمهما بأنه سيبين أمر ما وقع (وَخَرَجَ سَرَعانُ) بفتح السين المهملة والراء وبفتح السين وضمها مع إسكان الراء، أوائل (النَّاسِ) وإنما أسرعوا بالخروج لأن الزمن زمن وحي وتشريع فجوزوا وقوع النسخ ولم يحملوه على النسيان (فَقالُوا: قُصِرَتِ الصَّلاةُ) - قصرت هنا وفي قول ذي اليدين بضم القاف وكسر الصاد بالبناء للمفعول، وبفتح القاف وضم الصاد بالبناء للفاعل، وكلاهما صحيح، لكن المشهور الأول بدليل الجواب بقوله لم تقصر فإنه بالبناء للمفعول قطعًا، والفعل لازم ومتعدٍ، (وَفي الْقَوْمِ رَجُلٌ) اسمه الخرباق في يديه طول (يُقَال لَهُ ذُو اليَدَينِ) سمي به لطول يديه كما ذكر في الحديث، وقيل: لأنه كان يعمل بهما جميعًا، وقيل: لقصرهما وهو بعيد وقيل: يحتمل أنه كان طويل اليدين بالعمل وبالبذل من الناس فسمي بذلك لهذا. (فَقَال يا رسول الله أنَسِيتَ أمْ قُصِرَتِ
الصَّلاةُ) في إقدامه على السؤال دليل على حرصه على تعلم العلم واعتنائه بأمر الصلاة (فَقَال. لَمْ أنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ) أي لم يكن شيء منهما في ظني بل ظني أني أكملت الصلاة أربعًا، وقيل: أي لم أنس حقيقة من قبل نفسي وغفلتي عن الصلاة، ولكن الله نساني لأسُنّ، (قَال: بَلَى، قَدْ نَسِيتَ) باقتصارك من الرباعية على ركعتين (فَصَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم رَكْعَتينِ، ثم سَلَّمَ، ثُمَّ كبَّرَ) لسجود السهو (فَسجَدَ) له (مِثْلَ سُجُودِهِ) للصلاة في واجباته ومندوباته (أوْ أطْوَلَ) من سجود الصلاة (ثم رفع رأسه وكبر) للرفع ثم كبر للسجود الثاني وسجد (ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مكبرًا ثم سَلَّمَ، والحديث رواه الشيخان ، واللفظ للبخاري).
وفيه أن الكلام والفعل القليل ناسيًا لا يبطلان الصلاة، وأن سجود السهو سنة للسلام نسيانًا في غير محله، وأنه بعد السلام، والمشهور عندنا ما مر في الحديث قبله، وما يأتي في الذي بعده أنه قبله لأنه كان آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه لمصلحة الصلاة فكان قبل السلام كما لو نسي سجدة منها.
وأجابوا عن سجوده في خبر ذي اليدين بحمله على أنه لم يكن عن قصد مع أنه لم يرد لبيان حكم سجود السهو. والجواب عنه بأنه لا خلاف في جوازه قبيل السلام وبعده، لكن الأفضل كونه قبله ضعيف.
وفيه أيضًا جواز السهو في الفروع على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،
وهو ما عليه الجمهور، ويدل له خبر البخاري "أني أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني، ولا ينافيه خبر بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا لأن الذم فيه إنما هو لإِضافته نسبة النسيان إلى الآية ولا يلزم من الذم للإِضافة إليها الذم للإِضافة إلى كل شيء لأن الآية من كلام الله المعظم، ويقبح بالمسلم إضافة نسيان كلام الله تعالى إلى نفسه، وليس هذا المعنى موجودًا في كل نسيان ينسبه إلى نفسه.
3/ 123 - (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إذَا شَكَّ أحَدُكُم فِي صَلَاتِه) أي الرباعية (فَلَمْ يَدْرِ كَم صَلَّى، أثَلاثًا أمْ أرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَح الشَّكَّ وَلْيَبْن عَلَىَ مَا اسْتَيقَنَ، ثُم يَسْجُدْ سَجْدَتينِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ فَإنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ) أي السجدتان وما تضمنتاه من الجلوس بينهما (صَلَاتَه)
أي ردتها إلى شفع أي أربع، وعبر بالجمع وهو قوله شفعن عن المثنى وهو قوله سجدتين ظاهرًا لتضمنه زائدًا على اثنين كما في قوله تعالى:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19](وَإِنْ كَانَ صلَّى تَمَامًا) أي أربعًا (كَانَتَا) أي السجدتان (تَرْغيمًا للشَّيطَانِ) أي إغاظة وإذلالًا له مأخوذ من الرغام بالفتح وهو التراب، ومنه أرغم الله أنفه، والمعنى أن الشيطان لبس عليه صلاته وتعرض لإِفسادها ونقصها فجعل الله تعالى للمصلي طريقًا إلى جبر صلاته وتدارك ما لبسه عليه وإرغام الشيطان ورده خاسئًا مبعدًا عن مراده (والحديث رواه مسلم)، وفيه سن سجود السهو للشك في ما صلَّاه واحتمل زيادته وأنه قبل السلام، وأنه يجب العمل باليقين، وأن اليقين لا يرفع بالشك، والمراد به هنا مطلق التردد الصادق بمستوى الطرفين وبالراجح منهما.
4/ 124 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَجَدْنَا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم في) سجوده لقراءته {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] عند قوله لا يسجدون، وفي قراءته {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] أي عقب فراغه من قراءتها، (رواه مسلم)،
وفيه سن السجود للتلاوة، وأنه سنة للقارئ والمستمع والسامع وهو للقارئ آكد ثم للمستمع -وهو من يقصد السماع بخلاف السامع، ويسن لهما السجود وإن لم يسجد القارئ سواء كان القارئ متطهرًا أم محدثًا امرأة أو صبيًّا أو كافرًا، ولا فرق في سن السجود للتلاوة بين كون القارئ في صلاة وكونه خارجها، ويشترط كون القراءة مشروعة كقراءة المصلي في قيامه، ولو قبل الفاتحة بخلاف غيرها كقراءته في غير محلها، وقراءة جنب وسكران وأوجب أبو حنيفة سجود التلاوة لقوله تعالى:{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} [الانشقاق: 20 - 21] ولقوله: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62].
واحتج أئمتنا بالأحاديث الصحيحة كخبر زيد بن ثابت الآتي، وكخبر "هل عليّ غيرها، قال لا إلا أن تطوع" رواه الشيخان، واحتج به الشافعي في ذلك والجواب جمعًا بين الأدلة حمل طلب السجود في الآيتين على الندب.
5/ 125 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {ص} لَيسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ) أي ليست من حقوق سجود التلاوة، بل هي سجدة شكر، (وَقَدْ رَأَيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا) أي في {ص} عند قوله:{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]) رواه البخاري) وفيه السجود عند قراءة هذه الآية، وأنها سجدة شكر، أي لقبول توبة داود عليه الصلاة والسلام لا سجدة تلاوة كما مر فتسن خارج
الصلاة، أما فيها فلا تجوز كسائر سجدات الشكر من السجدات التي لهجوم نعمة أو اندفاع نقمة، فلو سجد فيها عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت صلاته في الأصح، أو ناسيًا أو جاهلًا فلا، ويسجد للسهو، ولو سجدها إمامه في الصلاة لاعتقاده لها لم يتابعه في الأصح بل يفارقه أو ينتظره، فإن انتظره قال في الروضة: لم يسجد للسهو إذ لا سجود لسهوه، والمراد أنه لا يسجد لانتظاره وإن سجد لسجدة إِمامه.
6/ 126 - (وعنه) أي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بالنَّجْمِ) أي فيها (رواه البخاري). وفيه سن سجود التلاوة لقراءة آخر سورة النجم.
7/ 127 - (وعن أبي سعيد زيد بن ثايت) وهو ابن الضحاك بن زيد الأنصاري المدني القرظي رضي الله عنه قال: قَرَأتُ على النبي صلى الله عليه وسلم النَّجْم
فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا، رواه الشيخان) وفيه أن سجود التلاوة ليس بواجب كما مر.
8/ 128 - (وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يَا أيها الناسُ إنَّا نَمُرُّ بالسّجودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أصَابَ، ومَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيه) ولم يسجد عمر (رواه البخاري). وفي رواي له أن الله لم يفرض السجود إلا أن يشاء. وفيه كالحديث قبله أن سجود التلاوة ليس بواجب.