الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاةِ
هي لغة التطهير والنماء وغيرهما، وشرعًا اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص، والأصل في وجوبها قبل الإِجماع آيات كقوله تعالى:{وآتوا الزكاة} ، وقوله:{خذ من أموالهم صدقة} ، وأخبار كخبر بني الإِسلام على خمس، وخبري ابن العباس ومعاذ، الآتيتين على الأثر.
1/ 234 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذا إلى اليمَن) فَذَكَر الحديث (وهو أنَّه قَال لَهُ حين بعثه إلى اليمن أنك ستأتي قومًا أهلَ كتاب، فَإذَا جئْتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بِذَلِك، فَأخبرهُم أن الله قدْ فرضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يوم وليلة، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فأخْبِرهُم إلى آخِرِه وهو ما ذكرته في قولي، وفِيه فأخبرهم أن الله قد فَرَضَ عليهم صدقةً في أموالهم) أي زكاة، وعمم بقوله فرض عليهم ثم خصص بقوله (تؤخذ مِن أغنيائهم) زيادة في الاهتمام بشأن الزكاة، فذلك أبلغ من قوله ابتداء فرض على أغنيائهم (فتُرد عَلَى
فقرائِهِم أي فقراء المسلمين الذين فرضت عليهم الزكاة، فلا يجوز ردها على فقراء الكفار أو أي على فقراء أهل تلك البلدة، فلا يجوز نقلها إلى فقراء غير بلد المال، والمراد بالفقراء هنا ما يشمل الأصناف الثمانية المستحقين في الزكاة لا الفقراء بالمعنى الأخص. (فإنْ هُمْ أطَاعُوا) أي انقادوا لك بذلك وأطاع، يأتي متعديًّا باللام كمطاع كما هنا ومتعديًا بنفسه (فإياكَ) أي فباعد نفسك واتق (كَرَائم أمْوَالِهِم) فلا تلزمهم بها، والكريمة العزيزة عند مالكها ككونها أكولة، أي مُسَمَّنَة للأكل أو كونها رُبًا أي قريبة العهد بالولادة أو كونها مَاخِضًا أي حاملَا أو فحلًا معدًا لضراب ماشيته، والحكمة في المنع من ذلك أن الزكاة وجبت مواساة للفقراء في مال الأغنياء لا يناسب ذلك الإِجحاف بأرباب الأموال (واتَّقِ) في رواية وتَوَقَّ (دعوةَ المظْلُوم).
ومنه من عليه الزكاة إذا ظلم بأخذ الساعي منه ما لا يلزمه، (فإِنَّه) أي
الشأن (ليس بينهما) أي بين دعوة المظلوم وبين الله (حجاب، رواه الشيخان واللفظ للبخاري).
وفيه دلالة على أمور لا تخفى.
منها أن الوتر ليس بواجب وقوله فإنَّه -إلى آخره كناية عن عدم رد دعوة المظلوم كما صرح به في خبر أبي داود وغيره وحسنه التِّرْمِذِيّ. "ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتَّى يفطر، والإِمام العادل والمظلوم، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر في حديث طويل -قلت: يَا رسول الله مَا كانتْ صحف إبراهيمَ، قَال: كَانَتْ أمثَالها كلها أيها الملك المبتلى المغرور- إنِّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإنِّي لا أردها ولو كانت من كافر.
2/ 235 - (وعن معاذ) هو ابن جبل رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَه إلى اليمنِ، فَأمَرَهُ أنْ يأخذ من كل ثلاثينَ بَقَرةً ذَكَرًا أو أنْثَى تبيعًا أو تبيعةً) لكل
منهما سنة، (ومن كل أربعينَ) بقرة (مسنةً) لها سنتان (رواه أبو داود وغيره وحسنه التِّرْمِذِيّ وصححه ابن حبان والحاكم) وسميت ذات السنتين مسنة لتكامل أسنانها.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دُونَ) أي أقل (من خمسِ أواقٍ بفتح الهمزة جمع أوقية بضمها وبتشديد الياء على الأشهر، وهي أربعون درهم بوزن مكة (من الوَرِق) بفتح الواو وكسر الراء أي الفضة، وقيل الفضة والذهب (صدَقَة) أي زكاة، وأما الذهب فنصابه عشرون مثقالا، (ولا فيما دون خمس ذود) بإضافة خمس إلى ذود بتنوينه وجر ذود بدلًا على قلة (صَدَقة) والزود بمعجمة أوله ومهملة آخره اسم جمع كقوم، وهي كمال قال الجوهري وغيره ما بين الثلاثة والعشرة، وهي مؤنثة لا واحد له من لفظه بل من معناه وهو بعير، وشرط الزكاة فيها أن تكون سائمة لخفة المونة بخلاف المعلوفة كما هو مبسوط في كتب الفقه، (ولا فِيما دُونَ خَمْسَه أوْسُقٍ) جمع وَسَقٍ -بفتح الواو وبكسرها على قلة، وهو ستون صاعًا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بغدادي، أي وليس
فيما دون خمسة أو سق من التمر والحب (صَدَقَة. رواه الشيخان).
وفيه دلالة على وجوب الزكاة في المذكورات، وعلى عدمه فيما دونها والكلام على ذلك مبسوط في كتب الفقه.
4/ 237 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَيسَ على المسلم في عبده ولا فرسِه صَدَقَة) أي الزكاة لا في عينها ولا في قيمتها (رواه البُخَارِيّ)، وفي رواية لمسلم ليس في العبد صدقة إلَّا صدقة الفطر يرفعها بدلًا مما قبلها على الأفصح، ونصبها على الاستثناء جيد، فيجب على سيد العبد زكاة فطرية وإن كان للتثنية.
ويستثنى منه عبده المكاتب كتابة صحيحة، فلا تجب عليه زكاة فطرته
كما لا تجب على المكاتب، وقيس بالعبد والفرس وغيرهما ما سوى النَّعم والنقد والقوت، ومحل عدم الوجوب فيها إذا لم تكن للتجارة وإلا وجبت في قيمتها لخبر الحاكم بإسنادين صحيحين في الإِبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته، والبز يقال لا متعة البزاز والسلاح، وليس فيه زكاة عين كما في النعم والنقد، فتجب الزكاة في قيمته ويقاس به غيره وإلا تجب الزكاة في عينه، والكلام على ذلك مبسوط في كتب الفقه.
5/ 238 - (وعن علي رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَتْ لَكَ مائتا درهم -وحال عليها الحول- فَفِيهَا خَمْسَة دراهم -وَلَيسَ عَلَيكَ شيءٌ حَتَّى يكُونَ لَكَ عشْرونَ دِينارًا، وحَال عَلَيها الحوْل، فَفِيهَا نصفُ دِينارِ فما زَادَ
فبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَلَيسَ في مالٍ) نقد أو غيره (زكاة حتَّى يَحُولَ عليهِ الحوْل. رواه أبو داود بإسناد حسن).
وفيه أن الواجب في النقدين ربع العشر، وقوله وليس في مال إلى آخره من ذكر العام بعد الخاص.
ويستثنى منه المعدن والركاز، فلا يشترط فيهما الحول لأنه إنما يعتبر للتمكن من تنمية المال، وكل من المعدن والركاز نماء في نفسه.
(وعنه) أي عن علي أن العباس (سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في تعجيلِ صَدَقَتِه) قبل أن تحل (فَرَخصَ لَه في ذلك، رواه أبو داود والتِّرمذيّ وغيرهما بإسناد حسن كما في المجموع).
وفيه جواز تعجيل الزكاة قبل الحول، ولا بد أن يكون بعد انعقاده، فلا يصح تعجيلها قبله، فلو عجل لعامين بعد انعقاد حلول الأول أجزأه للأول
فقط، وأما خبر البيهقي أنَّه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين فأجيب بانقطاعه، وباحتمال أنَّه تسلف في عامين.
7/ 240 - (وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيما سَقَتِ السماء) أي ماؤها وهو المطر (والعيُونُ) أي الآبار -أي ماؤها (أو كان عَثَرِيًّا) بفتح المثلثة، أي يسقى بالسيل البُخَارِيّ إليه في حفر، وتسمى الحفر عاثورًا لتعثر الماء بها إذا لم يسقَ بها (العشر وفيما سُقِيَ بالنّضْحِ) أي سقي بناضح وهو ما يسقى عليه من بعير ونحوه، والأنثى ناضحة، وفي معنى النضح الدولاب ونحوه (نِصْفُ العشْرِ رواه البُخَارِيّ).
والفرق بين الحكمين خفة المؤنة في الأول وكثرتها في الثاني كما في السائمة والمعلوفة بالنظر إلى الوجوب وعدمه، ولا عبرة بمؤنة القناة والساقية لأنها لعمارة الضيعة لا لنفس الزرع، فإذا تهيأت وصل الماء بنفسه بخلاف النضح ونحوه.
8/ 241 - (وعن أبي يحيى سهل بن أبي جثمة بالمثلثة عبد الله بن ساعدة بن عامر بن عدي الخزرجي الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه قَال: أمرنا
النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إذا حَرَصْتم) أي ثمارًا زكويًّا (فَخذوا) بإعجام الذال، وحكي إهمالها أي اقطعوا ما خرصتم (وَدَعوا) أي اتركوا بلا خرص وقطع (الثلثَ، فإِنْ لم تَدَعوا الثُلُثَ فَدَعوا الربيع، رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حبان والحاكم).
احتج به على القول المرجوح أن الثمار التي يجب فيها الزكاة لا يخرص كلها بل يترك لمالكها القدر المذكور، وقيل يترك له نخلة أو نخلات، ويختلف ذلك باختلاف حال الرَّجل في قلة عياله وكثرتهم.
9/ 242 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفي الركازِ) بمعنى المركوز ككتاب بمعنى المكتوب (إِذَا بَلَغَ نصابًا) ولو بضمه إلى ما ملكه واحدة من جنسه بوجه آخر (الخمس، رواه الشيخان).
وإنما وجب فيه الخمس لا ربع العشر كالمعدن لعدم المؤنة أو خفتها فيه
بخلاف المعدن، والركاز- دفين جاهلي، ومحل وجوب الزكاة فيه إذا كان واجده من أهل الزكاة، ووجده بموات أو بملك جاهلي أو بملك أحياه أو بدار حرب وإن دب أهلها عن مكانه، فلا يجب عليه أو كان مكاتبًا أو كافرًا، ولأن وجده في غير ما ذكر، فإن وجده بمسجد أو شارع أو كان الدفين إسلاميًّا كان وجد عليه شيء من القرآن وعلم مالكه في الثلاثة، فهو له وإن جهل فيها أو جهل حال الدفين بأن لم يعرف أنَّه جاهلي أو إسلامي فهو لقطة، وإن وجده في أرض موقوفة، فهو لمن هي في يده، كذا قاله البَغَويّ والكلام على ذلك مبسوط في كتب الفقه.