الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الوضوء
هو بضم الواو الفعل. وهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحًا بنية، وهو المراد هنا. وبفتحها ما يتوضأ به، وقيل بفتحها فيهما. وقيل بضمها فيهما والأصل فيه قبل الإِجماع مع ما يأتي خبر مسلم "لا يقبل الله صلاة بغير طهور".
1/ 14 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أنْ أشقَّ عَلَى أُمَّتي لأمَرْتهُمْ) أي أمر إيجاب (بالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوءٍ. رواه النسائي وغيره وصححه ابن خزيمة).
وفيه أن السواك سنة للوضوء لا واجب.
قال الشافعي رحمه الله: إذ لو كان واجبًا لأمرهم به شق أو لم يشق وهو سنة مطلقًا لخبر النسائي وغيره "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" ويتأكد في مواضع منها: الوضوء. والصلاة وتغير الفم والقراءة ودخول المنزل وإرادة النوم والتيقظ منه. لخبر أبي هريرة المذكور ولخبر الشيخين "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة "وخبرهما أيضًا" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" أي يدلكه به. ويقاس بما فيها ما في معناه.
ويحصل السواك بكل خشن كعود وإشنان وأولاه الأراك. ويكره
للصائم الاستياك بعد الزوال: وقد بسطت الكلام على ذلك في شرح الروض وغيره.
2/ 15 - (وعن حُمْرَانَ) بن إبان بضم الحاء مولى عثمان بن عفان (أن) أبا عمرو) عثمان) بن عفان بن أبي العاص بن أمية رضي الله عنه دَعَا بِوَضُوءٍ) بفتح الواو على الأشهر كما مر أي بما يتوضأ به (فَغَسَلَ كَفيهِ ثَلاثَ مَراتٍ، ثم تَمَضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ، واسْتَنثَرَ) المضمضة إدخال الماء في الفم سواء مجه أم لا، والاستنشاق جذب الماء في الأنف، والاستنثار إخراجه منه بعد الاستنشاق مأخوذ عن النثرة وهي الأنف كما قال الخطابي أو
طرف الأنف كما قال ابن الأعرابي. قال الفراء يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر حرك النثرة في الطهارة.
ويسن أن يكون الإِستنثار بيده اليسرى ويستخرج بها ما في الأنف من أذى لأن اليسرى تستعمل فيما كان من أذى وكل من المضمضة والاستنشاق والاستنثار سنة لا واجب لخبر "توضأ كما أمرك الله" وليس فيما أمر الله شيء منها. ولأن محلها عضو باطن دونه حائل فلا يجب كما لا يجب غسل العين.
وأما خبر "تمضمضوا واستنشقوا" فضعيف.
والمضمضة مقدمة على الاستنشاق شرطًا لا سنة، وقدمت عليه لشرف منافع الفم على منافع الأنف، لأنه مدخل الطعام والشراب اللذين بهما قوام الحياة، ومحل الأذكار الواجبة والمندوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(ثمَّ غسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُم كَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلى المِرْفَق) أي معه (ثَلاثَ مَراتٍ) والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء أفصح من كسرها. عظم الذراع مع عظم الساعد. وقيل عظم الذراع فقط (ثُم الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أي ثلاث مرات (ثُمَّ مَسَحَ بَرأْسِهِ ثُم غسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الكَعْبَين ثَلاثَ مَراتٍ) والكعبان العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم (ثُم الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَال: رَأيتُ النبِي صلى الله عليه وسلم تَوَضَأ وضُوءًا نَحْوَ وُضوئِي هَذَا، رواه الشيخان).
قال النووي في شرح مسلم: وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وأن الثلاث سنة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة وثلاثًا ثلاثًا وبعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها مرتين وبعضها مرة. قال العلماء: فاختلافها دليل على جواز ذلك كله والثلاث هي الكمال.
والواجب في مسح الرأس مسح بعضه بشرًا أو شعرًا في حده.
قال في المجموع ويسن التثليث فيه، روي في خبر علي رضي الله عنه بإسناد حسن كما قاله البيهقي.
3/ 16 - (وعن عبد الله بن زيد) هو ابن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء ثم أدْخَلَ صلى الله عليه وسلم يَدَه في الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ) كما مر بيانهما آنفًا (مِنْ كَفٍ وَاحِدَةٍ يفعل ذلك) أي كلا منهما بغرفة واحدة (ثَلاثًا) من المرات بأن يغترف ثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق وهذه أفضل كيفيات خمس، ثانيها وثالثها أن يغترف غرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثًا ثم يستنشق منها ثلاثًا أو يتمضمض منها ثم يستنشق مرة كذلك ثانية وثالثة ورابعتها: أن يغترف غرفتين يتمضمض من واحدة ثلاثًا ثم يستنشق بالأخرى
ثلاثًا. وخامستها أن يغترف ست غرفات يتمضمض منه ثلاث ثم يستنشق بثلاث. (ثُم) أدْخَلَهَا (فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُم غَسَلَ يَدَيه) إلى المرفقين (مرَّتين مرتَين ثم أخَذَ بِيَدِيِه ماء فَبَدَأ صلى الله عليه وسلم بمقدّم رأسِه حتى ذَهَب بِهِمَا إلى قَفاهُ ثم رَدَّهُما إلى المكانِ الذِي بَدَأ منْهُ) هو مع ما قبله بعض حديث رواه الشيخان.
والسنة في كيفية مسح الرأس أن يضع يديه على مقدمه ويلصق مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى ما بدأ منه.
هذا إن كان له شعر ينقلب. وإلا فليقتصر على الذهاب وهو مخير بين أن يمسحه كله أو يمسح ما قل منه. ويتيمم بالمسح على نحو عمامته كما سيأتي في خبر المغيرة. واستشكل الحديث بحديث.
"بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بمؤخر رأسه وموالي جهة الوجه ثم رجع من مقدمه إلى
المؤخر" رواه الترمذي وحسنه. ثم أجاب بأن حديث عبد الله بن زيد أصح وأجود إسنادًا. وحمل بعضهم الثاني على بيان الجواز.
4/ 17 - (وعن ابن عمرو رضي الله عنهما في ذَلِكَ) أي فيما ذكر من صفة الوضوء (قَال: ثم مَسَحَ صلى الله عليه وسلم بِرَأسِهِ، وَأدْخَلَ إِصبَعَيه السبَّاحَتَين بأُذنَيه ومَسَحَ بِإِبْهَامَيهِ ظَاهِرَ أذنَيهِ. رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه).
ومسح الأذنين يكون بماء جديد غير بلل الرأس ومحل ذلك بعد مسح الرأس للاتباع والسنة في كيفيته أن يدخل مسبحتيه في صماخيه ويديرها على المعاطف ويمرانها منه على ظهريهما ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهارًا، والمراد منهما أن يمسح برأس مسبحتيه صماخيه وبباطن أنملتيهما باطن الأذنين ومعاطفهما.
5/ 18 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا اسْتَيقَظَ أحَدُكم مِنْ منَامِه فَلْيَسْتَنْثِر ثَلاثًا فإنَّ الشَيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خيشُومِهِ) وهو
أعلى الأنف (رواه الشيخان).
وفيه ندب الاستنثار ثلاثًا بعد استيقاظه من النوم، والاهتمام بتعليل الأحكام لأنه أدعى للقبول والعمل بها وأثبت في القلوب وقوله فإن الشيطان يبيت على خيشومه.
قال القاضي عياض: يحتمل بقاؤه على حقيقته إذ الأنف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها، وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه، وسوى الأذنين، وفي الحديث "إن الشيطان لا يفتح غلقًا". وجاء في التثاؤب الأمر بكظم الفم من أجل دخول الشيطان حينئذ فيه.
قال: ويحتمل أن يكون استعارة فإنما ينعقد من الغبار ورطوبة الخيشوم قذارة توافق الشيطان.
6/ 19 - (وعنه) أي أبي هريرة مرفوعًا (إذَا اسْتَيقَظَ أحَدُكم مِنْ نَوْمِه) ولو بالنهار والتقييد بالليل في رواية أبي داود "إذا قام أحدكم من الليل، جرى على الغالب"(فَلا يَغْمِسْ) بالجزم (يَدَة فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا. فإِنَّه لا يَدْرِي أينَ بَاتَتْ) أي صارت يده، (رواه الشيخان إلا ثلاثًا فمسلم).
وقوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده". سببه أن أهل الحجاز كانوا يقتصرون على الاستنجاء بالأحجار وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك المحل النجس فتتنجس.
وفي الحديث فوائد نبه على بعضها النووي في مجموعه منها أن الماء القليل إذا ورد عليه نجس وإن قل ولم يغيره تنجس به لأن ما تعلق باليد ولا يرى قليل، وكان من عادتهم استعمال ما صغر من الآنية التي لا تسع قلتين، وتقدم ذلك في باب المياه ومنها الفرق بين ورود الماء على النجس وعكسه حيث تنجس الماء في الثاني دون الأول وإلا لم يكن للنهي معنى ومنها أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالحجر بل يبقى نجسًا. لكنه معفو عنه في حق الصلاة فقط حتى لو انغمس المستنجي بالحجر في ما دون قلتين نجسه.
ومنها ندب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج من حد الاحتياط إلى الوسوسة.
ومنها ندب غسل المتنجس ثلاثًا لأنه إذا أمر به في النجاسة المتوهمة ففي المتحققة أولى.
ومنها أنه يكره غمس اليد في الإِناء قبل غسلها ثلاثًا إذا قام من النوم أو شك في نجاسة يده بلا نوم كما أشار إليه بقوله "لا يدري أين باتت يده" وأن الكراهة لا تزول إلا بغسل اليد ثلاثًا، والكراهية في ذلك كراهة تنزيه لا تحريم.
فرع: إذا كان الماء في إناء كبير أو صخرة مجوفة لا يمكن أن يصب منه على يده وليس معه إناء صغير يغترف به فطريقه أن يأخذ الماء بفمه أو بطرف ثوبه أو باستعانة غيره ثم يغسل به كفيه.
7/ 20 - (وعن) أبي رزين (لَقِيط) بفتح اللام وكسر القاف ابن عامر (بْنِ صَبِرَةَ) بفتح الصاد وكسر الموحدة أشهر من إسكانها مع فتح الصاد وكسرها العقيلي الطائفي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم أسْبغ الْوُضُوءَ) أي عمم أعضاء الوضوء بالماء (وَخَلَّلْ) بالماء (بَينَ الأصَابع) وهو في أصابع اليدين بالتشبيك، وفي أصابع الرجلين من أسفلهما بخنصر يده البسرى مبتدئًا بخنصر رجله اليمنى خاتما بخنصر اليسرى. (وبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ) بأن تُصَعِّدَ الماء بالنفس إلى الخيشوم (إِلا أنْ تَكونَ صَائِمًا) فلا تبالغ خوف الفطر بل تكره المبالغة له (رواه الترمذي وغيره وصححوه).
وفي رواية لأبي داود "إذا توضأت فمضمض" ويبالغ غير الصائم في
المضمضة أيضًا للأمر به في خبر الدولابي بأن يبلغ بالماء أقصر الحنك ووجهي الأسنان واللثات، وقيل يبالغ في المضمضة وإن كان صائمًا لأنه يمكنه رد الماء فيها بإطباق حلقه عن وصوله إلى جوفه بخلافه في الاستنشاق، والمذهب الأول إذ لا يأمن سبق الماء في المبالغة في المضمضة بغفلة أو نحوها والمبالغة سنة لا واجبة والأمر بها محمول على الندب لخبر "تؤضأ كما أمرك الله" كما مر نظيره.
8/ 21 - (وعن أبي عمر وأمير المؤمنين عثمان بن عفان) بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي المكي ثم المدني رضي الله عنه قَال كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ) بكسر اللام أفصح من فتحها في الوضوء (رواه الترمذي وغيره وصححوه).
وتخليل اللحية -وهي الشعر النابت على الذقن- سنة إن كانت كثيفة، ولحيته الكريمة كانت كثيفة، وتخليلها بأن يدخل أصابعه من أسفلها بعد تفريقها، وكاللحية في ذلك بقية شعور الوجه الكثيف الخارجة عنه، وكذا غير الخارجة عنه إن كان لحية أو عارضًا لغلبة كثافتها العارض ما ينحط عن القدر المحاذي للأذن والكثيف ما لا ترى بشرته في مجلس التخاطب، والخفيف
بخلافه، وهذا كله في الرجل أما المرأة والخنثى فيجب غسل ذلك كلة منهما باطنًا وظاهرًا كثيفًا وخفيفًا.
9/ 22 - (وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سَمعْت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم (فهو مفعول سمعت (يَقولُ) حال دالة على محذوف مضاف للمفعول أي سمعت كلامه لأن الذوات لا تسمع، وقيل مفعول ثان لسمعت وأتى به مضارعًا بعد سمع الماضي حكاية لحال وقت السماع أو لإِحضار ذلك في ذهن السامع (إن أمَّتِي) أي أتباعي من المؤمنين (يدعَوْنَ) أي يسَمُون أو يطلبون إلى المحشر أو الجنة أو نحوهما، والمفعول الثاني ليدعون بمعنى يطلبون محذوف مجرور بإلى كما في قوله تعالى:{يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} . ويجوز عدم اعتباره يوم القيامة أي قيام الناس من قبورهم لرب العالمين لأجل حسابه وجزائه (غُرًّا - مُحَجَّلِينَ) حال أو مفعول ثان ليدعون بمعنى يسمون، والغر جمع أغر من الغرة وهي بياض في وجه الفرس، والمحجلين من
التحجيل وهو بياض في قوائم الفرس أو ثلاث منها أو رجليه، سمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غره وتحجيلًا تشبيهًا بالبياض في وجه الفرس وقوائمها، فالمعنى يدعون بيض الوجوه واليدين والرجلين كالفرس الأغر المحجل (مِنْ) سببية أو ابتدائية (آثَارِ الوُضُوءِ) ولا يعارض هذا خبر الترمذي "إن أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء" إذ يجوز أن يكون للغرة في الوجه سببان الوضوء والسجود (فمنِ اسْتَطَاع مِنْكُمْ أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ) أي وتحجيله كما في رواته وحذفه اكتفاء بالغرة كما في قوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي والبرد، أو لاقترانها به، قيل وخصت بالذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء ولأنه أول ما يقع عليه البصر يوم القيامة ولما قيل أنها تطلق على التحجيل.
(فَلْيَفْعَلْ) إطالة ذلك طلبًا لفضيلتها، (رواه الشيخان) لكن في رواية مسلم "يؤتون" بدل يدعون و "أثر" بدل آثار وفيه ندب إطالة الغرة والتحجيل، والمراد بالغرة غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائد على الجزء الذي يجب غسله لاستيعاب كمال الوجه وبالتحجيل غسل ما فوق المرفقين والكعبين، وأما حد الزائد فغايته استيعاب العضد والساق، وفيه
أيضًا أن الوضوء مختص بهذه الأمة، ويوافقه خبر مسلم "لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون عليّ غُرًّا محجلين من أثر الوضوء" وقيل ليس مختصًا بها وإنما المختص بها الغرة والتحجيل لخبر "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي".
وأجاب الأول عنه بأنه حديث ضعيف وبأنه لو صح احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أمتهم بخلاف هذه الأمة وفيه ما أطلعه الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المغيبات المستقبلة التي لم يطلع عليها نبيًّا غيره من أمور الآخرة.
10/ 23 - (وعن عائشة رضي الله عنها قَالتْ: كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يعْجِبه التَّيمُّن) ويقال فيه التأمن والتيامن والمراد بالتيمن الجانب الأيمن وفعل الشيء باليمين (في تَنَعُّلِهِ) أي لبسه النعل (وَتَرَجُّلِهِ) بمعنى ترجيله أي تسريحه شعره
(وَطُهُورِ) أي تطهره (وَفي شَأْنِهِ كُلّهِ) أي مما كان من باب التكريم والتزيين كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والخروج كحن الخلاء، ونحوه من المستقذرات وتقليم الظفر ونتف الإِبط والتختم والاستياك، فيبدأ فيه بالجانب الأيمن من الفم ويمسك السواك بيمينه، وذلك لشرف الأيمن فخص بالفضائل، ولأن اليمين يرجى أن يؤخذ بها الكتاب يوم القيامة فقدمت في أعمال البر، بخلاف ما ليس من باب التكريم والتزيين كدخول الخلاء ونحوه والخروج من المسجد والاستنجاء ونزع الثوب والنعل فإنما يبدأ فيه بالأيسر ويفعل باليد اليسرى لمناسبتها لذلك، وعلى ما تقرر يحمل خبر أبي داود. عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل يمينه لطعامه وشرابه ويجعل يساره لما سوى ذلك، فلو عكس كأن قدم غسل اليسرى في الوضوء على اليمنى لم يؤثر في الصحة لكنه يكره كراهة تنزيه للنهي عنه في خبر ابن حبان ومنع من حمله على التحريم الإِجماع على عدم تحريمه كما منع من حمل الأمر بالابتداء في خبر ابني خزيمة وحبان "إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم" على الوجوب ويستثنى من سن التيامن فيما مر الخدان والعينان والأذنان والمنخران والكفان فلا يُسَنّ التيامن فيها بل المعية إلا أن يكون أقطع فيسن التيامن (والحديث
رواه الشيخان) وفيه أن التأكيد لا يرفع المجاز فإنه قد أكد عمومه بِكُلّ مع أنه خاص كما تقرر.
فرعان: أحدهما لو تعارض التنعل والخروج من المسجد خرج منه بيساره ووضعها على نعله اليسرى بلا لبس، ثم خرج باليمنى ولبسها ثم لبس اليسرى.
ثانيهما يستحب إذا تثائب أن يضع يده على فيه كما رواه مسلم وهل يضع اليمنى تبركًا بها كما في تنعله أو اليسرى لأنها لتنحية الأذى كالاستنجاء.
فيه احتمالان للمحب الطبري ثم قال والثاني أنسب.
11/ 24 - (وعن) أبي عيسى (المُغِيرَة) بضم الميم أشهر من كسرها (بن سعيد الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتهِ) وهي مقدم رأسه (وَعَلى العِمَامَةِ، رواه مسلم وغيره) وهو مما احتج به أئمتنا على أن مسح بعض الرأس كاف عن مسح جميعه إذ لو وجب جميعه لما اكتفى
بالعمامة عن الباقي، إذ الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد لا يجوز، كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى كذا قاله النووي في شرح مسلم، وإنما يسن التيمم بالعمامة لتكمل الطهارة على جميع الرأس سواء عسر رفعها عن الرأس أم لا، وسواء وضعها على طهر أم حدث، ولو اقتصر عليها لم يجز لقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} والعمامة ليست برأس ولأن الرأس عضو طهارته المسح فلم يجز المسح على حائل دونه كالوجه واليد في التيمم، وعبر في الرأس بالباء وفي العمامة بعلى إشارة إلى موافقة الآية الدالة على أن مسح بعض الرأس كاف وإن قل وإن لم يكن بأعلى الشعر إذ الباء للإِلصاق والرأس اسم جنس فيكفي في مسحه ما قلنا.
وبالثاني إلى اعتبار تعميم المسح بأعلى العمامة، وكالعمامة فيما ذكر القلنسوة ونحوها. وإنما اقتصر على العمامة لأنها الغالب فيما يراد هنا بلا تكلف.
12/ 25 - (عَنْ أبِي عبد الله جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي المدني (رَضِيَ الله تعالى عَنْهُما) في صفة الحج (قَال النبي صلى الله عليه وسلم ابْدَأوا بِمَا بَدَأ الله بِه. رواه النسائي بإسناد صحيح) وهو ما احتج به أئمتنا على وجوب الترتيب في أفعال الوضوء.
13/ 26 - (وَعَنْ أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَوَضأ بِالمُدِّ) وهو رطل وثلث بالبغدادي (وَيَغْتَسِل بِالصَّاعِ) وهو أربعة أمداد وله الزيادة (إِلَى خَمْسَةِ أمْدادٍ. رواه الشيخان، إلا قوله خمسة أمداد فمسلم).
وظاهر الحديث سن الاقتصار على المد والصاع وظاهر قول الشافعي والأصحاب يسن أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد والغسل عن صاع أعم من ذلك. وصرح الشيخان بأن المد والصاع تقريب لا تحديد. وأجمعوا على أن ماء الوضوء والغسل لا يشترط فيه قدر معين بل إذا استوعب الأعضاء كفاه بأي قدر كان. قال الشافعي رحمه الله وقد يرفق بالقليل فيكفي، ويخرق بالكثير فلا يكفي. ويدل على جواز النقص عن صاع ومد مع الإِجماع خبر مسلم عن عائشة "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من
ذلك" وخبر النسائي وغيره بإسناد حسن عن أم عمارة الأنصارية "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من إناء فيه قدر ثلثي مد".
فرع: يكره الإِسراف ولو بشاطئ البحر في ماء الوضوء والغسل كراهة تنزيه وقيل كراهة تحريم.