الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَقَعَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ.
(وَكَذَا إنْ بَلَغَ) وَلَدُ الْكَافِرِ (مَجْنُونًا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) فِي الْحَالِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِإِسْلَامِ غَيْرِ الْبَالِغِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْمَسْبِيَّ الْمَجْنُونَ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ وَقَوْلُهُمْ فِي بَابِ الذِّمَّةِ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجْنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ بَلَغَ) مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا (عَاقِلًا مُمْسِكًا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ قُتِلَ قَاتِلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَرِثُ مِمَّنْ جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا بِمَوْتِهِ حَتَّى، وَلَوْ تُصُوِّرَ مَوْتُهُمَا) أَيْ: أَبَوَيْهِ (مَعًا لَوَرِثَهُمَا) إذْ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ يَعْقُبُ الْمَوْتَ، فَحَالَ الْمَوْتِ كَانَ عَلَى دِينِ مُوَرِّثِهِ لَكِنْ الْحَمْلُ لَا يَرِثُ أَبَاهُ إذَا مَاتَ بِدَارِنَا كَمَا يَأْتِي فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ (وَإِنْ مَاتَا) أَيْ: أَبَوْا غَيْرِ الْبَالِغِ (بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يُجْعَلْ مُسْلِمًا بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا دَارُ كُفْرٍ لَا إسْلَامٍ.
(وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ سَبَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ كَالْعِتْقِ.
(وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (فِي الْقِسْمَةِ، وَ) لَا فِي (الْبَيْعِ) لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ (وَإِنْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا) أَيْ: دُونَ زَوْجِهَا (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ: وَالْمُحْصَنَاتُ الْآيَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْمُرَادُ: تَحِلُّ لِسَابِيهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ.
(وَإِنْ سُبِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ) نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ.
(وَلَيْسَ بَيْعُ الزَّوْجَيْنِ الْقِنَّيْنِ وَ) بَيْعُ (أَحَدِهِمَا طَلَاقًا لِقِيَامِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (مَقَامَ الْبَائِعِ) وَكَذَا هِبَتُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَنَحْوُهَا.
[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ]
فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ) مِنْ قِسْمَةٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَوْ رَضُوا بِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَرْضَوْنَ بِمَا فِيهِ ضَرَرُهُمْ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ قَلْبُهُمْ، فَيَنْدَمُونَ (أَوْ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ) لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعَتْ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا فَعَلَ غُلَامُكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رُدَّهُ رُدَّهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ (إلَّا بِعِتْقٍ) ، فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ (أَوْ افْتِدَاءِ أَسِيرٍ) مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ (أَوْ بَيْعٍ فِيمَا إذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا عَلَى مَا يَأْتِي) فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ، فَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ، أَوْ الْهِبَةِ، وَنَحْوِهِمَا لِلضَّرُورَةِ.
(وَلَوْ بَاعَهُمْ) أَيْ: بَاعَ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ السَّبَايَا (عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمْ نَسَبًا يَمْنَعُ التَّفْرِيقَ) مِنْ أُخُوَّةٍ وَنَحْوِهَا (ثُمَّ بَانَ عَدَمُهُ) أَيْ: النَّسَبِ الْمُحَرِّمِ لِلتَّفْرِيقِ (فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ) أَيْ: فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُهُمْ لِيَبِيعَهُمْ بِثَمَنِهِمْ مُتَفَرِّقِينَ إنْ كَانُوا بَاقِينَ، فَإِنْ فَاتُوا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْفَضْلَ الَّذِي فِيهِمْ بِالتَّفْرِيقِ وَيُرَدُّ إلَى الْمَغْنَمِ إنْ كَانُوا غَنِيمَةً (وَإِذَا حَضَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا) لِلْكُفَّارِ (لَزِمَهُ عَمَلُ الْأَصْلَحِ) لِلْمُسْلِمِينَ (مِنْ مُصَابَرَتِهِ، وَهِيَ مُلَازَمَتُهُ) مَهْمَا أَمْكَنَ (أَوْ انْصِرَافُهُ) لِانْصِرَافِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حِصْنِ الطَّائِفَ قَبْلَ فَتْحِهِ (فَإِنْ أَسْلَمُوا) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ أَحْرَزُوا مَا لَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ (أَوْ) أَحْرَزَ (مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَحْرَزَ مَالَهُ وَدَمَهُ (أَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَلَوْ مَنْفَعَةُ إجَازَةٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» .
(وَ) أَحْرَزَ (أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَالْمَجَانِينَ، وَلَوْ حَمْلًا فِي السَّبْيِ كَانُوا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ، تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَعْصِمُ أَوْلَادَهُ الْكِبَارَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَهُ (وَلَا يُحْرِزُ امْرَأَتَهُ إذَا لَمْ تُسْلِمْ) لِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهَا لَهُ (فَإِنْ سُبِيَتْ صَارَتْ رَقِيقَةً) كَغَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ (وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا (وَيَتَوَقَّفُ) بَقَاءُ النِّكَاحِ (عَلَى إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ) إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ كِتَابِيَّة؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ كَمَا يَأْتِي.
(وَإِنْ دَخَلَ) كَافِرٌ (دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَوْ حَمْلٌ (صَارُوا مُسْلِمِينَ) تَبَعًا لَهُ.
(وَلَمْ يَجُزْ سَبْيُهُمْ) لِعِصْمَتِهِمْ بِالْإِسْلَامِ (وَإِنْ سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ) أَيْ: الْمُهَادَنَةَ (بِمَالٍ
أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ) أَنْ يُجِيبَهُمْ (إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ سَوَاءٌ أَعْطُوهُ) أَيْ: الْمَالَ (جُمْلَةً، أَوْ جَعَلُوهَا خَرَاجًا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِمْ كُلَّ عَامٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، وَصِغَارُ الْكَفَرَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمُوَادَعَةِ، فَيَجِبُ كَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَشَرَطَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي عَقْدِهَا بِغَيْرِ مَالٍ عَجْزَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ اسْتِضْرَارَهُمْ بِالْمُقَامِ لَيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الِانْصِرَافِ (فَإِنْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ، وَكَانُوا مِمَّنْ تُقْبَلُ مِنْهُمْ) الْجِزْيَةُ (لَزِمَ) الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ (قَبُولُهَا، وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ) كَغَيْرِ الْمُحَاصَرِينَ (وَإِنْ بَذَلُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ، (مَالًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْجِزْيَةِ فَرَأَى) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (الْمَصْلَحَةَ فِي قَبُولِهِ قَبِلَهُ) مِنْهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ حَرْبِيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَهِيَ غَنِيمَةٌ) كَسَائِرِ أَرَاضِي الْحَرْبِ (وَمَنَافِعِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ) إلَى قَضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مَالُ مُسْلِمِ مَعْصُومٌ.
(وَإِذَا أَسْلَمَ رَقِيقُ الْحَرْبِيِّ وَخَرَجَ إلَيْنَا) أَيْ: إلَى جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ (فَهُوَ حُرٌّ) لِحَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْتِقُ الْعَبِيدَ إذَا جَاءُوا مَوَالِيهِمْ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي الْعِتْقِ.
(وَإِنْ أَسَرَ) عَبْدٌ خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا (سَيِّدَهُ) الْكَافِرَ (أَوْ غَيْرَهُ) لَا مِنْ الْكُفَّارِ (وَأَوْلَادِهِ) أَيْ: أَوْلَادِ سَيِّدِهِ (وَخَرَجَ إلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ وَلِهَذَا لَا نَرُدُّهُ فِي هُدْنَةٍ) قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ «سَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرُدَّ عَلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ عَبْدًا لَنَا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا فَأَسْلَمَ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا. وَقَالَ: هُوَ طَلِيقُ اللَّهِ، ثُمَّ طَلِيقُ رَسُولِهِ، فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا» (وَالْمَالُ لَهُ وَالسَّبْيُ) مِنْ سَيِّدِهِ وَأَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ (رَقِيقه) لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ وَذُلِّ الْمَعْصِيَةِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ) عَبْدٌ (وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ) مُسْلِمًا (فَهُوَ عَلَى رِقِّهِ وَلَوْ) لَحِقَ الْعَبْدُ بِنَا، ثُمَّ (جَاءَ مَوْلَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا لِلُحُوقِهِ بِنَا (وَلَوْ جَاءَ) السَّيِّدُ (قَبْلَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ جَاءَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَعْسَمِ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ قَضِيَّتَيْنِ قَضَى: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَرَجَ مَنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ سَيِّدِهِ: أَنَّهُ حُرٌّ فَإِنْ خَرَجَ سَيِّدُهُ بَعْدُ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَقَضَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْعَبْدِ، ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّهُ بِإِسْلَامِهِ عَصَمَ مَالَهُ وَالْعَبْدُ مِنْ جُمْلَتِهِ.
(وَإِنْ خَرَجَ إلَيْنَا عَبْدٌ بِأَمَانٍ) فَهُوَ حُرٌّ (أَوْ نَزَلَ) إلَيْنَا عَبْدٌ مِنْ حِصْنٍ فَهُوَ حُرٌّ نَصَّ
عَلَيْهِ.
(وَإِنْ نَزَلُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ عَيَّنُوهُ، وَرَضِيَهُ الْإِمَامُ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَجَابَهُمْ إلَى ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (إذَا كَانَ) الَّذِي نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ (مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْجِهَادِ) ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا فِي الْجِهَادِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذَنْ (وَلَوْ أَعْمَى) ، فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَاضِي لِيَعْرِفَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّاهِدَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ.
(وَيُعْتَبَرُ لَهُ مِنْ الْفِقْهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحُكْمِ) لَدَى الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَا) أَيْ: اللَّذَانِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِمَا (اثْنَيْنِ جَازَ) ذَلِكَ (وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا (وَإِنْ جَعَلُوا الْحُكْمَ إلَى رَجُلٍ يُعَيِّنُهُ الْإِمَامُ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْتَارُ الْأَصْلَحَ.
(وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْهُمْ) لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ نُفُوذِ حُكْمِهِ (أَوْ جَعَلُوا التَّعْيِينَ إلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا اخْتَارُوا غَيْرَ الْأَصْلَحَ (وَإِنْ مَاتَ مَنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ قَامَ مَقَامَهُ) كَمَا لَوْ عَيَّنُوهُ ابْتِدَاءً.
(وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا) مَعَ الْإِمَامِ (وَطَلَبُوا حَكَمًا لَا يَصْلُحُ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ وَكَانُوا عَلَى الْحِصَارِ حَتَّى يَتَّفِقُوا) مَعَ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ (وَكَذَلِكَ إنْ رَضُوا بِاثْنَيْنِ) يَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِهِمَا (فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْ يَقُومُ مُقَامَهُ جَازَ) حَيْثُ كَانَ أَهْلًا (وَإِلَّا رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ) حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ.
(وَكَذَلِكَ إنْ رَضُوا بِتَحْكِيمِ مَنْ لَا تَجْتَمِعُ الشَّرَائِطُ فِيهِ وَوَافَقَهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ (ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ) لِفَقْدِ شَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ (لَمْ يُحَكَّمْ، وَيُرَدُّونَ إلَى مَأْمَنِهِمْ كَمَا كَانُوا) حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَى مَنْ يَصْلُحُ.
(وَلَا يَحْكُمُ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ (إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ لِلْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ، فَقَامَ مُقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ الْأَحَظِّ كَهُوَ فِي الْأَسْرَى، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ لَازِمٌ (مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْي) ؛ لِأَنَّ سَعْدًا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» (وَالْفِدَاءُ) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ حَكَمُ بِالْمَنِّ عَلَى غَيْرِ الذُّرِّيَّةِ لَزِمَ قَبُولُهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ فَكَانَ لَهُ الْمَنُّ كَهُوَ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَبَاهُ الْإِمَامُ.
(وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ أَوْ سَبْيٍ لَزِمَ قَبُولُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَضَاءِ سَعْدٍ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
(فَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ) بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ (عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
كَمَا تَقَدَّمَ) لِخَبَرِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» (وَإِنْ كَانَ) إسْلَامُهُمْ (بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَلَا يَعْصِمُونَ مَالَهُمْ وَلَا ذُرِّيَّتَهُمْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ (وَلَا يُسْتَرَقُّونَ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَا حَكَمَ فِيهِ) كَالْأَنْفُسِ.
(وَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ) الْمَالُ (غَنِيمَةً) لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَلْزَم حُكْمُهُ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرَاضِي.
(وَإِنْ سَأَلُوهُ) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ) تَعَالَى (لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ وَيُخَيَّرُ فِيهِمْ كَالْأَسْرَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ لَهُمْ لَكِنْ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا وَغَيْرهمَا «وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكِ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ أَمْ لَا» وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَنْزِلَ وَحْيٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُنْتَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُكْرَهُ.
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لَا يُنْزِلهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ: فَيُخَيَّرُ (بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالرِّقِّ، وَالْمَنِّ، وَالْفِدَاءِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِمَامِ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسِ) كَافِرٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ.
(وَرَمْيهِ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ) لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِرَأْسِ بَنَانِ الْبِطْرِيقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا قَالَ فَأَذَّنَ بِفَارِسَ وَالرُّومِ لَا يُحْمَلُ إلَيَّ رَأْسٌ إنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي التَّمْثِيلِ السَّائِغِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ.
(وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ) أَيْ: الْأَمِيرِ (مَالًا لِيَدْفَعَهُ) أَيْ: الرَّأْسَ (إلَيْهِمْ) أَيْ: إلَى الْكُفَّارِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَهُمْ» وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ «ادْفَعُوا إلَيْهِمْ جِيفَتَهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ، خَبِيثُ الدِّيَةِ» فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ " فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ".