الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَتِهِ جَمِيعِهِ هَذَا كَلَامُهُمْ وَمُقْتَضَى، الْقَوَاعِدِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ أَرْشَ نَقْصِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ.
(وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (عَلَى بِنَاءِ حَائِطِ بُسْتَانٍ فَبَنَى أَحَدُهُمَا) مَا عَلَيْهِ وَأَهْمَلَ الْآخَرُ (فَمَا تَلِفَ مِنْ الثَّمَرَةِ بِسَبَبِ إهْمَالِ الْآخَرِ ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهُ (الَّذِي أَهْمَلَ قَالَهُ الشَّيْخُ) لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ.
(وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ) وَتَنَازَعَا فِي السَّقْفِ وَلَا بَيِّنَةَ (فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا) لِانْتِفَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ (لَا لِصَاحِبِ الْعُلْوِ) وَحْدَهُ وَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
[بَابُ الْحَجْرِ]
[الْحَجْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ]
بَابُ الْحَجْرِ هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَالتَّضْيِيقُ وَمِنْهُ: سُمِّيَ الْحَرَامُ حِجْرًا قَالَ تَعَالَى {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] أَيْ حَرَامًا مُحَرَّمًا وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حَجْرًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا يُقْبَحُ وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ.
(وَهُوَ) أَيْ الْحَجْرُ شَرْعًا (مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ) وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ، قَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ أَمْوَالَهُمْ لَكِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ عَلَيْهَا مُدَبَّرُونَ لَهَا وقَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ عَلَى هَذَيْنِ؛ ثَبَتَ عَلَى الْمَجْنُونِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(وَهُوَ) أَيْ الْحَجْرُ (عَلَى ضَرْبَيْنِ) أَحَدُهُمَا (حَجْرٌ لِحَقِّ) أَيْ حَظِّ (الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (كَحَجْرٍ عَلَى مُفْلِسٍ) لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ.
(وَ) عَلَى (مَرِيضٍ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ (عَلَى مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِحَقِّ الْوَرَثَةِ.
(وَ) عَلَى (عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ) لِحَقِّ السَّيِّدِ (وَ) عَلَى (مُشْتَرَكٍ) فِي جَمِيعِ مَالِهِ (إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَلَدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ) لِحَقِّ الْبَائِعِ (وَ) عَلَى (رَاهِنٍ) بَعْدَ لُزُومِ رَهْنٍ لِحَقٍّ مُرْتَهَنٍ.
(وَ) عَلَى (مُشْتَرٍ) فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ) إنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ بِالطَّلَبِ،
لِحَقِّ الشَّفِيعِ (وَ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ (وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالْمُقَتِّرِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالزَّوْجَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى قَوْلٍ فِيهِمَا (عَلَى مَا يَأْتِي) تَوْضِيحُهُ.
(فَنَذْكُرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ (هُنَا الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ) وَمَا عَدَاهُ فِي أَبْوَابِهِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُفْلِسُ (مَنْ لَا مَالَ) أَيْ نَقْدَ (لَهُ وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ) مِنْ الْعُرُوضِ، فَهُوَ الْمُعْدَمُ وَمِنْهُ أَفْلَسَ بِالْحُجَّةِ أَيْ عَدِمَهَا وَمِنْهُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ «مَنْ تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ وَلَكِنَّ الْمُفْلِسَ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ وَيَأْتِي وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا، وَأَخَذَ مِنْ عِرْضِ هَذَا فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَرُدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَقَوْلُهُمْ ذَلِكَ إخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ عُرْفُهُمْ وَلُغَتُهُمْ وَقَوْلُهُ " لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ " تَجَوُّزٌ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ بَلْ إنَّمَا أَرَادَ فَلَسَ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ، حَتَّى إنَّ فَلَسَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغِنَى.
(وَ) الْمُفْلِسُ (شَرْعًا: مَنْ لَزِمَهُ) مِنْ الدَّيْنِ (أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ) الْمَوْجُودِ، وَسُمِّيَ مُفْلِسًا وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ، كَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا.
(وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (حَجْرٌ لِحَظِّ نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (كَحَجْرٍ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ) إذْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ لَا تَتَعَدَّاهُمْ (فَحَجْرُ الْمُفْلِسِ: مَنْعُ الْحَاكِمِ مَنْ) أَيْ شَخْصٌ (عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ) حَالَ الْحَجْرِ (مُدَّةَ الْحَجْرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ وَيَأْتِي مُحْتَرَزُ قُيُودِهِ.
(وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ) مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (حَرُمَتْ مُطَالَبَتُهُ بِهِ قَبْلَ) حُلُولِ (أَجَلِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَمِنْ شُرُوطِ الْمُطَالَبَةِ: لُزُومُ الْأَدَاءِ (أَوْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ) لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تُسْتَحَقُّ فَكَذَا الْحَجْرُ.
(وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا طَوِيلًا) فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَابْنِ أَخِيهِ وَجَمَاعَةٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَلَعَلَّهُ أَوْلَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا فَمُقْتَضَاهُ الْعُمُومُ وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ (يَحِلُّ الدَّيْنُ) الْمُؤَجَّلُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) أَيْ السَّفَرِ (أَوْ) يَحِلُّ (بَعْدَهُ، مَخُوفًا كَانَ) السَّفَرُ (أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَخُوفٍ (وَلَيْسَ بِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَا كَفِيلٌ مَلِيءٌ) بِالدَّيْنِ (فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ) مِنْ
السَّفَرِ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ مَحَلِّهِ وَقُدُومُهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا ظَاهِرٍ فَمَلَكَ مَنْعَهُ (فِي غَيْرِ جِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ) فَلَا يُمْنَع مِنْهُ بَلْ يُمْكِنُ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ (حَتَّى) أَيْ لِغَرِيمِ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا مَنْعُهُ إلَّا أَنْ (يُوَثِّقَهُ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِرَهْنٍ يَحْرُزُ الدَّيْنَ، أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ.
فَإِذَا وَثَّقَهُ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْنَعْهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (فَلَوْ أَرَادَ الْمَدِينُ وَضَامِنُهُ مَعًا السَّفَرَ فَلَهُ) أَيْ الْغَرِيمِ (مَنْعُهُمَا وَ) لَهُ (مَنْعُ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا شَاءَ) فَإِنْ شَاءَ مَنَعَ الْمَدِينَ أَوْ ضَامِنَهُ (حَتَّى يُوَثَّقَ بِمَا ذُكِرَ) مِنْ رَهْنٍ مُحْرِزٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ.
(وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الضَّامِنُ غَيْرَ مَلِيءٍ) بِالدَّيْنِ وَأَرَادَ الْمَدِينُ السَّفَرَ (فَلَهُ) أَيْ لِلْغَرِيمِ (أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ) أَيْ الْمَدِينِ (ضَامِنًا مَلِيئًا، أَوْ رَهْنًا) مَلِيئًا، أَوْ رَهْنًا مُحْرِزًا.
(وَلَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ لَا تَفِي قِيمَتُهُ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (فَلَهُ) أَيْ الْغَرِيمِ (أَنْ يَطْلُبَ) مِنْ الْمَدِينِ (زِيَادَةَ الرَّهْنِ حَتَّى تَبْلُغَ قِيمَةُ الْجَمِيعِ قَدْرَ الدَّيْنِ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُ) أَيْ الْمَدِينِ (ضَامِنًا بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ) لِيَزُولَ عَنْهُ الضَّرَرُ (وَإِنْ أَرَادَ) الْمَدِينُ (سَفَرًا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ) لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْسَرُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْغَرِيمُ مِنْ طَلَبِهِ.
فَإِذَا كَانَ ثَمَّ كَفِيلٌ طَالَبَهُ بِإِحْضَارِهِ.
(وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ دَيْنٍ (تَحْلِيلَ) مَدْيَنِ (مُحْرِمٍ) بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِوُجُوبِ إتْمَامِهِمَا بِالشُّرُوعِ.
(وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ) أَيْ الْمَدِينِ (حَالًّا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ) أَيْ الدَّيْنِ الْحَالِّ (وَطَلَبَ) الدَّيْنَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَدِينِ (فَسَافَرَ) الْمَدِينُ (قَبْلَ وَفَائِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ) كَفِطْرٍ وَأَكْلِ مَيْتَةٍ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَدِينُ (عَاجِزًا عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ الدَّيْنِ (حَرُمَتْ مُطَالَبَتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ وَمُلَازَمَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» .
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمَدِينِ (مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ الْحَالِّ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يُطَالَبُ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ غَيْرُهُ وَ) يَجِبُ (عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ) أَيْ الْمَدِينَ (بِوَفَائِهِ إنْ طَلَبَهُ) أَيْ الْأَمْرَ (الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَاكِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ الْمُنْتَصِبِ لَهُ.
(وَيَجِبُ) عَلَى مَدِينٍ (قَادِرٍ وَفَاؤُهُ) أَيْ الدَّيْنِ الْحَالِّ (عَلَى الْفَوْرِ بِطَلَبِ رَبِّهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ (أَوْ عِنْدَ) حُلُولِ (أَجَلِهِ إنْ كَانَ) الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا)
ابْتِدَاءً ثُمَّ حَلَّ قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَتَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ رَبُّهُ (فَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدِينِ (سِلْعَةٌ فَطَلَبَ) مِنْ رَبِّ الْحَقِّ (أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يَبِيعَهَا وَيُوَفِّيَهُ) الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا (أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهَا وَالْوَفَاءِ وَكَذَا إنْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَمَالُهُ بِدَارِهِ أَوْ مُودَعٌ، أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُهُ فِيهِ.
(وَكَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ الْمَدِينَ (أَنْ يَحْتَالَ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ بِاقْتِرَاضٍ وَنَحْوِهِ) فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَلَا يُحْبَسُ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَإِنْ خَافَ رَبُّ الْحَقِّ هَرَبَهُ، احْتَاطَ بِمُلَازَمَتِهِ، أَوْ كَفِيلٍ.
(وَ) إنْ (طَلَبَ) الْمَدِينُ (أَنْ يَرْسِمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ) أَيْ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْوَفَاءِ (وَجَبَتْ إجَابَتُهُ) إلَى ذَلِكَ
دَفْعًا لِضَرَرِهِ.
(وَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ مِنْهُ) أَيْ الْوَفَاءِ (بِحَبْسِهِ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَا مُحْوِجَ إلَيْهَا (وَكَذَا إنْ طَلَبَ تَمْكِينَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَفَاءِ (مَحْبُوسٌ) فَيُمَكَّنُ (أَوْ تَوَكَّلَ) إنْسَانٌ (فِيهِ) أَيْ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْوَفَاءِ (قَالَهُ الشَّيْخُ) كَمَا يُمْهَلُ الْمُوَكِّلُ.
(وَلَوْ مَطَلَ) الْمَدِينُ رَبَّ الْحَقِّ (حَتَّى شَكَا عَلَيْهِ فَمَا غَرِمَهُ) رَبُّ الْحَقِّ (فَعَلَى) الْمَدِينِ (الْمُمَاطِلِ) إذَا كَانَ غُرْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي غُرْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
(وَفِي الرِّعَايَةِ: لَوْ أَحْضَرَ مُدَّعَى بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمُدَّعِي لَزِمَهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ وَ) مُؤْنَةُ (رَدِّهِ) إلَى مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَثْبَتَهُ (لَزِمَ الْمُنْكِرَ) لِحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .
(وَقَالَ الشَّيْخُ لَوْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ عَنْهُ فَغَرِمَ الضَّامِنُ بِسَبَبِهِ) رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ أَوْ أَنْفَقَهُ فِي الْحَبْسِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَطْلَقَهُ فِي مَوْضِعٍ وَقَيَّدَهُ فِي آخَرَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ وَتَقَدَّمَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِعْلَ لَهُ وَلَا تَسَبُّبَ (أَوْ غَرِمَ) شَخْصٌ (بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ) أَوْ بِإِغْرَاءٍ أَوْ دَلَالَةٍ عَلَيْهِ (رَجَعَ) الْغَارِمُ (عَلَى الْمُتَسَبِّبِ) بِمَا غَرِمَهُ لِتَسَبُّبِهِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ إنْ كَانَ الْأَخْذُ ظُلْمًا.
(فَإِنْ أَبَى مَنْ) أَيْ مَدِينٌ (لَهُ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ) الْحَالِّ (الْوَفَاءَ، حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَحْمَدُ قَالَ وَكِيعٌ " عِرْضُهُ " شَكْوَاهُ " وَعُقُوبَتُهُ " حَبْسُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ مَتَى تَوَجَّهَ حَبْسُهُ حُبِسَ وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوْ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْحَبْسِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ
تَتِمَّةٌ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يَجِبُ حَبْسُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ: مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ، فَيُحْبَسُ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْحَاكِمِ (إخْرَاجُهُ) أَيْ الْمَدِينِ مِنْ الْحَبْسِ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ) أَيْ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَيَجِبُ إطْلَاقُهُ (أَوْ يَبْرَأَ) الْمَدِينُ (مِنْ غَرِيمِهِ بِوَفَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ) أَوْ حَوَالَةٍ فَيَجِبُ إطْلَاقُهُ لِسُقُوطِ الْحَقِّ عَنْهُ (أَوْ يَرْضَى) غَرِيمُهُ (بِإِخْرَاجِهِ) مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ سَأَلَ الْحَاكِمَ إخْرَاجَهُ لِأَنَّ حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ " فَائِدَةٌ " رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى " الْحَبْسُ عَلَى الدَّيْنِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ " وَأَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ وَكَانَ الْخَصْمَانِ يَتَلَازَمَانِ.
(فَإِنْ أَصَرَّ) الْمَدِينُ الْمَلِيءُ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُقْبِضْ الدَّيْنَ (بَاعَ) الْحَاكِمُ (مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ) لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ، وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ (إذَا أَصَرَّ) الْمَدِينُ (عَلَى الْحَبْسِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ يَحْبِسُهُ فَإِنْ أَبَى) الْوَفَاءَ (عَزَّرَهُ قَالَ وَيُكْرَهُ حَبْسُهُ وَتَعْزِيرُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ) أَيْ الدَّيْنَ.
(قَالَ الشَّيْخُ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ إنْ قِيلَ بِتَقْدِيرِهِ) وَجَزَمَ بِمَعْنَى ذَلِكَ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَقَالَ) الشَّيْخُ (وَمَنْ طُولِبَ بِأَدَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَطَلَبَ إمْهَالًا) بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ أَدَائِهِ (أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ (فِي كَلَامِهِ: لَكِنْ إنْ خَافَ غَرِيمُهُ مِنْهُ) هَرَبًا (احْتَاطَ عَلَيْهِ بِمُلَازَمَتِهِ أَوْ كَفِيلٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ) وَتَقَدَّمَ (وَإِنْ ادَّعَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْإِعْسَارَ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ مَعَهُ) يُؤَدِّيهِ فِي الدَّيْنِ (فَقَالَ الْمُدَّعِي لِلْحَاكِمِ: الْمَالُ مَعَهُ، وَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (تَفْتِيشَهُ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى تَفْتِيشِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعِي وَعَدَمِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ.
(وَإِنْ صَدَّقَهُ) أَيْ الْمَدِينَ (غَرِيمُهُ) فِي دَعْوَى الْإِعْسَارِ (لَمْ يُحْبَسْ وَوَجَبَ إنْظَارُهُ) إلَى مَيْسَرَةٍ (وَلَمْ تَجُزْ مُلَازَمَتُهُ) وَلَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] .
(وَإِنْ أَكْذَبَهُ) أَيْ أَكْذَبَ الْمُدَّعِي الْمَدِينَ فِي دَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ (وَكَانَ دَيْنُهُ) أَيْ مُدَّعِي الْإِعْسَارِ (عَنْ عِوَضٍ) مَالِيٍّ (كَالْبَيْعِ
وَالْقَرْضِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدِينِ (مَالٌ سَابِقٌ وَالْغَالِبُ بَقَاءُ ذَلِكَ) الْمَالِ الَّذِي عُرِفَ (أَوْ) كَانَ دَيْنُهُ (عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ، كَأَرْشِ جِنَايَةٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَمَهْرٍ، أَوْ ضَمَانٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ وَ) كَانَ (أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ حُبِسَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَالِهِ، وَحَبْسُهُ وَسِيلَةٌ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) الْمَدِينُ (تَلَفًا وَنَحْوَهُ) كَنَفَادِ مَالِهِ، وَيُصَدِّقُهُ رَبُّ الدَّيْنِ فَلَا يُحْبَسَ (أَوْ يَسْأَلُ) الْمَدِينُ (سُؤَالَهُ) أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ (وَيُصَدِّقُهُ) عَلَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ (فَلَا) يُحْبَسُ، لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ أَنْكَرَهُ) أَيْ أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ إعْسَارَ الْمَدِينِ (وَأَقَامَ) رَبُّ الدَّيْنِ (بَيِّنَةً بِقُدْرَتِهِ) عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ؛ حُبِسَ لِثُبُوتِ بَرَاءَتِهِ (أَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ) أَيْ الْمَدِينِ حُبِسَ (أَوْ) حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَدِينَ (مُوسِرٌ أَوْ ذُو مَالٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذَكَرَ بِأَنْ حَلَفَ مَثَلًا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ، وَيَكُونُ حَلِفُهُ بِحَسَبِ جَوَابِهِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (؛ حُبِسَ) الْمَدِينُ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرَتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ) رَبُّ الدَّيْنِ بَعْدَ سُؤَالِ الْمَدِينِ حَلَّفَهُ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ (حَلَفَ الْمَدِينُ) أَنَّهُ مُعْسِرٌ.
(وَخَلَّى) سَبِيلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) رَبُّ الدَّيْنِ (بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ) بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ يَسَارِهِ فَيُحْبَسُ الْمَدِينُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَا يُحْبَسُ.
(وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَدِينِ (ثَبَتَ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ أَخَذَهُ) الْمَدِينُ (كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَمَهْرٍ أَوْ ضَمَانٍ، وَكَفَالَةٍ أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ) أَيْ الْمَدِينِ (مَالٌ) الْغَالِبُ بَقَاؤُهُ.
(وَلَمْ يُقِرَّ) الْمَدِينُ (أَنَّهُ مَلِيءٌ حَلَفَ) الْمَدِينُ (أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَخَلَّى) سَبِيلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْحَبْسُ عُقُوبَةٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ ذَنْبًا يُعَاقَبُ بِهِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ (فَإِنْ شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (بِنَفَادِ مَالِهِ، أَوْ) شَهِدَتْ (بِتَلَفِهِ، وَلَمْ تَشْهَدْ) الْبَيِّنَةُ (بِعُسْرَتِهِ حَلَفَ) الْمَدِينُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْبَيِّنَةِ (أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، خِلَافَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِتَلَفِ مَالِهِ، أَوْ نَفَادِهِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ تُخْبِرُ بَاطِنَ حَالِهِ (وَإِنْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ لِلْمَدِينِ (بِإِعْسَارٍ، اُعْتُبِرَ فِيهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ تُخْبِرُ بَاطِنَ حَالِهِ لِأَنَّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ بِإِعْسَارِهِ (شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ قُبِلَتْ لِلْحَاجَةِ) لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا الْمُخَالِطُ لَهُ.
لَا يُقَالُ: هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ فَلَا تُسْمَعُ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُرَدُّ مُطْلَقًا إذْ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ قُبِلَتْ وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ النَّفْيَ، فَهِيَ
تُثْبِتُ حَالَةً تَظْهَرُ وَتَقِفُ عَلَيْهَا بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَا يَشْهَدُ بِهِ حَالَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةٍ (وَيُكْتَفَى فِيهَا) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِعُسْرَتِهِ (بِاثْنَيْنِ) كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ (وَلَا يَحْلِفُ) مُدَّعِي الْإِعْسَارِ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ بَيِّنَتِهِ الشَّاهِدَةِ بِعُسْرَتِهِ (لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ وَيَكْفِي فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ فِي حَالِ شَهَادَتِهَا بِالتَّلَفِ وَحَالِ شَهَادَتِهَا بِالْإِعْسَارِ (أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ، أَوْ) أَنْ تَشْهَدَ بِ (الْإِعْسَارِ) .
وَفِي التَّلْخِيصِ: لَا يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ بِالْإِعْسَارِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالتَّلَفِ وَالْإِعْسَارِ مَعًا.
وَفِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ: تَشْهَدُ بِذَهَابِهِ وَإِعْسَارِهِ لَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا (وَتُسْمَعُ) الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ (قَبْلَ حَبْسِهِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ بِيَوْمٍ) لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ جَازَ سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ كَسَائِرِ الْبَيِّنَاتِ لَكِنْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ وَإِذَا حَبَسَتْ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَلَهُ إلْزَامُهَا مُلَازَمَةَ بَيْتِهِ وَأَنْ لَا تُدْخِلَهُ أَحَدًا إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ عَلَى مَحْبُوسٍ قَبُولُ مَا يَبْذُلُهُ غَرِيمُهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْهُ فِيهِ وَلَوْ طَلَبَ مِنْ زَوْجَتِهِ الِاسْتِمْتَاعَ فِي الْحَبْسِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُوفِيَهُ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُفْلِسِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، فَأَنْكَرَ) الْمُفْلِسُ (وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (لِأَحَدٍ، أَوْ قَالَ) الْمُفْلِسُ (هُوَ لِزَيْدٍ فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ قُضِيَ مِنْهُ دَيْنُهُ) وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَدِينِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَر لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوَى قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: أَيْ مِنْ الْمَالِكِ، بَلْ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْغَرِيمِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الْيَدِ.
وَفِي الْمُنْتَخَبِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ وَلِابْنِ نَصْرِ اللَّهِ هُنَا: كَلَامٌ حَسَنٌ ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى (وَإِنْ صَدَّقَهُ) أَيْ الْمُفْلِسَ (زَيْدٌ لَمْ يُقْضَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (الدَّيْنُ، وَيَكُونُ) الْمَالُ (لِزَيْدٍ) عَمَلًا بِإِقْرَارِ رَبِّ الْيَدِ (مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ زَيْدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاطَأَةِ مَعَهُ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْسِرِ أَنْ) يُنْكِرَ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَأَنْ (يَحْلِفَ: أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (وَيَتَأَوَّلَ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لِلْمُدَّعِي بِذَلِكَ فَلَمْ يَنْفَعْهُ التَّأْوِيلُ.
وَفِي الْإِنْصَافِ: لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبْسُهُ، وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ؛ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ انْتَهَى.
وَمَنْ سُئِلَ عَنْ غَرِيبٍ وَظَنَّ إعْسَارَهُ؛ شَهِدَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ إعْسَارِهِ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ: مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِذَا ظَنَّ السَّائِلُ إعْسَارَهُ شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمَدِينِ (مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ كُلُّهُمْ) الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ (أَوْ) سَأَلَ (بَعْضُهُمْ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ