الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لُقَطَةٍ (أَوْ) يُدْخِلَا فِيهَا (غَرَامَةً) مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ مَهْرِ وَطْءٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ أَدْخَلَا ذَلِكَ فَهِيَ الْفَاسِدَةُ وَتَقَدَّمَتْ.
[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُنَاصَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ]
جَمَعَهَا فِي بَابٍ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْأَحْكَامِ (الْمُسَاقَاةُ) مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ أَمْرِهَا وَكَانَتْ النَّخْلُ بِالْحِجَازِ تُسْقَى نَضْحًا، أَيْ مِنْ الْآبَارِ، فَيَعْظُمُ أَمْرُهُ وَتَكْثُرُ مَشَقَّتُهُ وَهِيَ (دَفْعُ أَرْضٍ وَشَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ) خَرَجَ بِهِ الصَّفْصَافُ وَالْحَوَرُ، وَالْعَفْصُ، وَنَحْوُهُ، وَالْوَرْدُ وَنَحْوُهُ (لِمَنْ يَغْرِسُهُ) وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ أَوْ مِنْهُ وَهِيَ الْمُنَاصَبَةُ وَتَأْتِي (أَوْ) دَفْعُ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ (مَغْرُوسٌ مَعْلُومٌ) بِالْمُشَاهَدَةِ (لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ وَيَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ) لَا مِنْهُ وَلَا بِآصُعٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَيَأْتِي فَعَلِمْتَ: أَنَّ الْمُسَاقَاةَ أَعَمُّ مِنْ الْمُنَاصَبَةِ.
(وَالْمُزَارَعَةُ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَتُسَمَّى مُخَابَرَةً مِنْ الْخَبَارِ بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ وَمُؤَاكَرَةً، وَالْعَامِلُ فِيهَا خَبِيرٌ وَمُؤَاكِرٌ (دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ، أَوْ) دَفْعُ حَبٍّ (مَزْرُوعٍ) يُنَمَّى بِالْعَمَلِ (لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمُتَحَصَّلِ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَى ابْن عُمَرَ قَالَ «عَامَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَامَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ " وَهَذَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا شَجَرَ لَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ إلَى الثَّمَرِ؛ وَأَهْلُ الشَّجَرِ يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَمَلِ فَفِي تَجْوِيزِهَا دَفْعٌ لِلْحَاجَتَيْنِ، وَتَحْصِيلٌ لِمَنْفَعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَجَازَ كَالْمُضَارَبَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ عَاقِدَيْهِمَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ (جَائِزَيْ التَّصَرُّفِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ لَهَا ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَخْلًا وَلَا كَرْمًا لِمَا تَقَدَّمَ لَا يُقَالُ: ابْنُ عُمَرَ قَدْ
رَجَعَ عَمَّا رَوَى، لِقَوْلِهِ " كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ» ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُعَامِلُ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ.
فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا تُسَمَّى لِسَيِّدِ الْأَرْض فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ وَرُبَّمَا تُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ فَنُهِينَا فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ " وَرَوَى تَفْسِيرَهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا قَالَ الْإِمَامُ: رَافِعٌ يُرْوَى عَنْهُ فِي هَذَا ضُرُوبٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ: أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يُوهِنُ حَدِيثَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ، كَالصَّفْصَافِ، وَالسَّرْوِ، وَالْوَرْدِ وَنَحْوِهَا،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ إنَّمَا تَكُونُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ وَهَذَا لَا ثَمَرَةَ لَهُ.
(وَقَالَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ (تَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (عَلَى مَالَهُ وَرَقٌ يُقْصَدُ، كَتُوتٍ، أَوْ لَهُ زَهْرٌ يُقْصَدُ كَوَرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَيَاسَمِينٍ، إجْرَاءً لِلْوَرَقِ وَالزَّهْرِ مَجْرَى الثَّمَرَةِ (وَعَلَى قِيَاسِهِ) أَيْ قِيَاسِ مَالَهُ وَرَقٌ أَوْ زَهْرٌ يُقْصَدُ (شَجَرٌ لَهُ خَشَبٌ كَحَوَرٍ وَصَفْصَافٍ) لَكِنْ صَرَّحَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي الصَّنَوْبَرِ وَالْحَوَرِ وَالصَّفْصَافِ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ، مَعَ أَنَّ خَشَبَهُ مَقْصُودٌ أَيْضًا فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى كَلَامِهِمَا مَا صَرَّحَا بِنَفْيِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْقَصْدُ مِنْهُ إلْزَامُهُمَا الْحُجَّةَ، أَيْ هَذَا لَازِمٌ لَكُمْ مَعَ أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ وَقَوْلُهُ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ (أَوْ) مِنْ.
(وَرَقِهِ وَنَحْوِهِ) كَزَهْرِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ (بِجُعْلٍ) أَيْ يُسَمَّى ذَلِكَ الْجُزْءُ (لِلْعَامِلِ) أَوْ لِرَبِّ الشَّجَرِ، فَيَكُونُ مَا عَدَاهُ لِلْعَامِلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ.
(وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمَلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ كَالْقُطْنِ) الَّذِي يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَ) ك (الْمَقَاثِي) مِنْ نَحْوِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ.
(وَ) ك (الْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِ) لَمْ تَصِحَّ،؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَجَرٍ وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (أَوْ) سَاقَاهُ (عَلَى شَجَرٍ لَا ثَمَرَ لَهُ، كَالْحَوَرِ وَالصَّفْصَافِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَوَّلِ) كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (بِلَفْظِ مُسَاقَاةٍ) مُسَاقَاةٍ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا (وَ) بِلَفْظِ (مُعَامَلَةٍ وَمُفَالَجَةٍ، وَاعْمَلْ بُسْتَانِي هَذَا حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ
وَبِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ صَحَّ كَالْبَيْعِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْوَكَالَةِ (صِفَةُ الْقَبُولِ) وَأَنَّهُ يَصِحُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَشُرُوعُهُ فِي الْعَمَلِ قَبُولٌ (وَتَصِحُّ هِيَ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ بِلَفْظِ إجَارَةٍ (وَ) تَصِحُّ (مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ إجَارَةٍ) فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ لِي فِي هَذَا الْحَائِطِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ أَوْ زَرْعِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى وَقَدْ وَجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ.
(وَتَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ) مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً (بِنَقْدٍ) مَعْلُومٍ (وَ) بِ (عُرُوضٍ) مَعْلُومَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَتُهَا أَيْضًا (بِجُزْءِ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ) كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ (مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا) سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، أَوْ غَيْرِهِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَهُوَ إجَارَةٌ حَقِيقَةً كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِنَقْدٍ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ: هِيَ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ مَجَازًا (فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (فِي إجَارَةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهَا إجَارَةٌ أَوْ مُزَارَعَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَارِحُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُ (نَظَرَ إلَى مُعَدَّلِ الْمَغْلِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ إلَى الْمَغْلِ الْمُعَدَّلِ أَيْ الْمُوَازِنِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَوْ زُرِعَتْ (فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ.
(وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ مِنْهَا) كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِيَزْرَعَهَا بُرًّا بِقَفِيزٍ بُرٍّ فَإِنْ قَالَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَسَدَتْ صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَتُهَا أَيْضًا بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْهَا بِأَنْ أَجَّرَهَا بِشَعِيرٍ لِمَنْ يَزْرَعُهَا بُرًّا (وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى) شَجَرٍ لَهُ (ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ لَمْ تَكْمُلْ) تُنَمَّى بِالْعَمَلِ.
(وَ) تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ (عَلَى زَرْعٍ نَابِتٍ يُنَمَّى بِالْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ فِي الْمَعْدُومِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ فَفِي الْمَوْجُودِ مَعَ قِلَّةِ الْغَرَرِ أَوْلَى (فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا نُرِيدُ بِهِ الثَّمَرَةَ) أَوْ الزَّرْعَ (كَالْجُذَاذِ وَنَحْوِهِ) كَالْحَصَادِ (لَمْ يَصِحَّ) عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَلَا الْمُزَارَعَةِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدْيِ نَخْلٍ) أَيْ صِغَارِهِ (أَوْ) سَاقَاهُ عَلَى (صِغَارِ شَجَرٍ إلَى مُدَّةٍ يُحْمَلُ فِيهَا غَالِبًا بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ يَكْثُرُ وَنَصِيبُهُ يَقِلُّ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَمَا لَوْ جُعِلَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ.
(وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ (مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ مِنْ الشَّجَرِ، أَوْ مِنْهُمَا وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ وَالْمُنَاصَبَةُ صَحَّ) الْعَقْدُ نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خَيْبَرَ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ وَعِوَضَهُ مَعْلُومَانِ فَصَحَّتْ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مَوْجُودٍ (إنْ كَانَ الْغَرْسُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ) يَعْنِي الْأَرْضَ كَالْمُزَارَعَةِ
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَوْ كَانَ) الْمُغَارِسُ (نَاظِرَ وَقْفٍ وَ) قَالَ (إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ) مِنْ الشَّجَرِ (بِلَا حَاجَةٍ انْتَهَى) وَمُرَادُهُ بِالْحَاجَةِ: مَا يَجُوزُ مَعَهُ بَيْعُ الْوَقْفِ وَيَأْتِي مُفَصَّلًا (فَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ مِنْ الْعَامِلِ فَصَاحِبُ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَلْعِهِ وَيَضْمَنُ لَهُ نَقْصَهُ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ فِي أَرْضِهِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (قِيمَتَهُ) أَيْ الْغِرَاسِ (كَالْمُشْتَرِي إذَا غَرَسَ فِي الْأَرْضِ) الَّتِي اشْتَرَاهَا (ثُمَّ أَخَذَهُ) أَيْ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ (الشَّفِيعُ) بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَأْتِي.
(وَإِنْ اخْتَارَ الْعَامِلُ قَلْعَ شَجَرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ بَذْلَ لَهُ) صَاحِبِ الْأَرْضِ (الْقِيمَةُ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَمْ يَمْنَعْ تَحْوِيلَهُ (وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ (عَلَى إبْقَائِهِ) أَيْ الْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ (وَدَفْعِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (وَقِيلَ: يَصِحُّ كَوْنُ الْغِرَاسِ مِنْ مُسَاقٍ وَمُنَاصِبٍ قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) .
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَظَمَهَا قُلْتُ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا انْتَهَى.
(وَلَوْ دَفْعَ أَرْضَهُ) لِمَنْ يَغْرِسُهَا عَلَى (أَنَّ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسَ بَيْنَهُمَا فَسَدَ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْأَصْلِ (كَمَا لَوْ دَفْعَ إلَيْهِ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ) مُسَاقَاةً (لِيَكُونَ فِي الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، أَوْ شَرَطَا فِي الْمُزَارَعَةِ كَوْنَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بَيْنَهُمَا) فَلَا يَصِحَّانِ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ.
(وَلَوْ عَمِلَا فِي شَجَرٍ لَهُمَا وَهُوَ) أَيْ الشَّجَرُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَشَرَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (التَّفَاضُلَ فِي الثَّمَرَةِ) بِأَنْ قَالَا: عَلَى أَنَّ لَك الثُّلُثَ وَلِيَ الثُّلُثَيْنِ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّ مَنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثَانِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ وَأَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ (وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ: تَقْدِيرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ بِجُزْءٍ) مُشَاعِ (مِنْ الثَّمَرَةِ، كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ) وَالْخُمْسِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» (فَلَوْ جَعَلَ) رَبُّ شَجَرٍ (لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ) جَازَ (أَوْ) جَعْلَ رَبُّ الشَّجَرِ (الْجُزْءَ) مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ (لِنَفْسِهِ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ جَازَ) مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (مَا لَمْ يَكُنْ) شَرَطَهُمَا لِرَبِّ الشَّجَرِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ (حِيلَةً) عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَلَا يَصِحُّ (وَيَأْتِي قَرِيبًا) مُوَضَّحًا.
(وَلَوْ جَعَلَ) رَبُّ الشَّجَرِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (آصُعًا مَعْلُومَةً) كَعَشَرَةٍ لَمْ تَصِحَّ،؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ إلَّا ذَلِكَ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ (أَوْ) جَعَلَ لَهُ (دَرَاهِمَ) وَلَوْ
مَعْلُومَةً لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّمَاءِ مَا يُسَاوِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ (أَوْ جَعَلَهَا) أَيْ الْآصُعَ الْمَعْلُومَةَ أَوْ الدَّرَاهِمَ (مَعَ الْجُزْءِ) الْمُشَاعِ (الْمَعْلُومِ) بِأَنْ سَاقَاهُ عَلَى الثُّلُثِ وَخَمْسَةِ آصُعٍ أَوْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ (فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا (وَكَذَلِكَ) تَفْسُدُ (إنْ شَرَطَ) رَبُّ الشَّجَرِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (ثَمَرَ شَجَرٍ بِعَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْمِلُ غَيْرَهُ أَوْ لَا يَحْمِلُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ وَالْغَرَرُ.
(فَإِنْ جَعَلَ) رَبُّ الشَّجَرِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (ثَمَرَةَ سَنَةٍ غَيْرَ السَّنَةِ الَّتِي سَاقَاهُ عَلَيْهَا) أَيْ الثَّمَرَةِ (فِيهَا) أَيْ السَّنَةِ، بِأَنْ سَاقَاهُ عَلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَةِ سَنَةِ خَمْسٍ لَمْ تَصِحَّ (أَوْ) جَعَلَ لَهُ (ثَمَرَةَ شَجَرٍ غَيْرِ الشَّجَرِ الَّذِي سَاقَاهُ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ الشَّرْقِيِّ بِرُبْعِ ثَمَرِ الْغَرْبِيِّ لَمْ تَصِحَّ (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (عَمَلًا فِي غَيْرِ الشَّجَرِ الَّذِي سَاقَاهُ عَلَيْهِ) بِأَنْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ بِنِصْفِ ثَمَرِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي بُسْتَانٍ آخَرَ (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (عَمَلًا فِي غَيْرِ السَّنَةِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ سَنَةً بِنِصْفِ ثَمَرِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِيهِ السَّنَة الْآتِيَةَ (فَسَدَ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ إذْ مَوْضُوعُهَا أَنَّهُ الْعَمَلُ فِي شَجَرٍ مُعِينِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِيهِ الْعَمَلَ (سَوَاءٌ جَعَلَ ذَلِكَ) الثَّمَرَ (كُلَّهُ حَقَّهُ) أَيْ الْعَامِلِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ (أَوْ) جَعَلَهُ (بَعْضَهُ) بِأَنْ سُمِّيَ لَهُ النِّصْفَ أَوْ نَحْوَهُ (أَوْ) شَرَطَ (جَمِيعَ الْعَمَلِ) عَلَى الْعَامِلِ (أَوْ بَعْضَهُ) بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ نِصْفَ السَّنَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
(وَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أَجْنَاسٍ، كَتِينٍ وَزَيْتُونٍ وَكَرْمٍ فَشَرَطَ) رَبُّ الْبُسْتَانِ (لِلْعَامِلِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ) مِنْ الشَّجَرِ (قَدْرًا) مَعْلُومًا (كَنِصْفِ ثَمَرِ التِّينِ وَثُلُثِ) ثَمَرِ (الزَّيْتُونِ وَرُبْعِ) ثَمَرِ (الْكَرْمِ) صَحَّ (أَوْ كَانَ فِيهِ) أَيْ الْبُسْتَانِ (أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ فَشَرَطَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا) مَعْلُومًا كَنِصْفِ الْبَرْنِيِّ، وَثُلُثِ الصَّيْحَانِيِّ، وَرُبْعِ الْإِبْرَاهِيمِيِّ.
(وَهُمَا) أَيْ رَبُّ الْبُسْتَانِ وَالْعَامِلُ (يَعْرِفَانِ قَدْرَ كُلِّ نَوْعٍ صَحَّ) الْعَقْدُ عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ثَلَاثَةِ بَسَاتِينَ، سَاقَاهُ عَلَى كُلِّ بُسْتَانٍ بِقَدْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ هَذَا بِالثُّلُثِ وَنِصْفُهُ هَذَا بِالرُّبْعِ، وَهُمَا مُتَمَيِّزَانِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا كَبُسْتَانَيْنِ (وَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ لِاثْنَيْنِ فَسَاقَيَا عَامِلًا وَاحِدًا، عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَثُلُثَ نَصِيبِ الْآخَرِ وَالْعَامِلُ عَالِمٌ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الْبُسْتَانِ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بُسْتَانَيْنِ سَاقَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مُخَالِفٍ لِلْآخَرِ.
(وَكَذَا إنْ جَهِلَ) الْعَامِلُ (مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الْبُسْتَانِ (إذَا شَرَطَا