المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب أحكام الذمة] - كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي - جـ ٣

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ لَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْعَوْرَاءُ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ هَذَا هَدْيٌ]

- ‌[فَصْلٌ سَوْقُ الْهَدْيِ مِنْ الْحِلِّ مَسْنُونٌ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُضْحِيَّةُ مَشْرُوعَةٌ إجْمَاعًا]

- ‌[فَصْلٌ الْعَقِيقَةُ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ]

- ‌[بَابٌ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ]

- ‌[فَصْلٌ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسَ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ بَدَأَ بِالْأَسْلَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قِسْمَة بَاقِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَيْءِ]

- ‌[بَابُ الْأَمَانِ]

- ‌[بَابُ الْهُدْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ]

- ‌[فَصْلٌ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ تَغْلِبِيًّا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابِ الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَالًا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْمَبِيع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا لَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَة هَذِهِ الصُّبْرَةِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَنْ تَلْزَمهُ الْجُمُعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ لَمْ يَقْبِضْهُ]

- ‌[بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يحرم اشتراطه فِي الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ قَالَ الْبَائِعُ إنْ بِعْتُكَ تَنْقُدُنِي الثَّمَنَ]

- ‌[بَابٌ أَقْسَامُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ]

- ‌[خِيَار الْمَجْلِس]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْرُمُ تَصَرُّفُ البائعين والمشترى فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ الْغَبْنِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ الْعَيْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْعَقْدِ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِيَار الَّذِي يَثْبُتُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِيَارِ الَّذِي يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِقَالَةُ لِلنَّادِمِ مَشْرُوعَةٌ]

- ‌[بَابٌ الرِّبَا وَالصَّرْفُ وَتَحْرِيمُ الْحِيَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُصَارَفَةِ وَهِيَ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ]

- ‌[كِتَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ بَاعَ نَخْلًا قَدْ تَشَقَّقَ طِلْعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا]

- ‌[فَصْلٌ إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ جَازَ بَيْعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَهُ مَالٌ مَلَّكَهُ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَ الْوُجُودِ فِي مَحَلِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ رَاهِنٍ فِي رَهْنٍ لَازِمٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤْنَةُ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ مَنْ تَرَاضَى الْمُتَرَاهِنَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ الْمَبِيعُ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا اخْتَلَفَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَة الرَّهْنُ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ ضَمَانُ دَيْنِ الضَّامِنِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ أَعْلَا الْجَارَيْنِ بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[الْحَجْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّق بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عينا بَاعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْمُحَاصَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَاسْتَمَرَّ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْوَلِيِّ الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ لِوَلِيٍّ مُمَيِّزٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلِسَيِّدِ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ أَوْ بَالِغٍ الْإِذْنُ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُقُوق عَقْدِ الْوَكَالَة]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ نَسَاءً]

- ‌[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ عَلَى إنْسَان حَقٌّ مِنْ دِين أوغيره]

- ‌[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[الشَّرِكَةٌ فِي الْمَالِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْعُقُودِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْعَنَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجُوز لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِي]

- ‌[فَصْلٌ الشُّرُوطُ فِي الشَّرِكَةِ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْل الْمُضَارَبَةُ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَلِفَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَة]

- ‌[فَصْلٌ الْعَامِلُ أَمِينٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرِكَةٌ الْأَبَدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُنَاصَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ عَقْدَانِ جَائِزَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ دَفَعَ إنْسَانٌ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً لِغَيْرِ ضَرُورَة]

- ‌[فَصْلٌ الْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

الفصل: ‌[باب أحكام الذمة]

لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ.

(وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ لَا يَصِحُّ) وَسُئِلَ ابْنُ شُرَيْحٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرُوِيَ: أَنَّهُمْ طُولِبُوا بِذَلِكَ فَأَخْرَجُوا كِتَابًا ذَكَرُوا فِيهِ أَنَّهُ بِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَتَبَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ فِيهِ: شَهَادَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ فَوُجِدَ تَارِيخُهُ بَعْدَ مَوْتِ سَعْدٍ وَقَبْلَ إسْلَامِ مُعَاوِيَةَ فَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِهِ.

(وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ لِتَكُونَ لَهُ حُجَّةً إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ فِي (الْبَابِ بَعْدَهُ) .

[بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ]

ِ أَيْ: مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَوْ لَهُمْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ عَقْدُهَا لَهُمْ (يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ) أَيْ: أَهْلَ الذِّمَّةِ (بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ) فَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا أُخِذَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَالْمَالِ) فَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ (وَالْعِرْضِ) فَمَنْ قَذَفَ إنْسَانًا أَوْ سَبَّهُ وَنَحْوَهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ نَقَضَ حُكْمَ مَا يُخَالِفُهُ.

(وَ) يَلْزَمُهُ (إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَزِنًا وَسَرِقَةٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ الْيَهُودِ زَنَيَا فَرَجْمَهُمَا» وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي دِينِهِمْ وَقَدْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ وَ (لَا) يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ (فِيمَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ، كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ) وَأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ، وَلِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ

ص: 126

عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا، إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لِتَأَذِّيهِمْ بِهِ (أَوْ يَرَوْنَ صِحَّتَهُ مِنْ الْعُقُودِ، وَلَوْ رَضُوا بِحُكْمِنَا) فَلَا نَعْرِضُ لَهُمْ فِيهِ، مَا لَمْ يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا.

(قَالَ الشَّيْخُ وَالْيَهُودِيُّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ) بِنْتِ أُخْتِهِ كَانَ وَلَدُهُ مِنْهَا - (يَلْحَقُهُ وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ هَذَا النِّكَاحُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ.

(وَيَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَشْتَرِطُهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ) لِاشْتِرَاطِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا: " وَأَنْ نَلْزَمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا، وَأَنْ لَا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ، وَلَا عِمَامَةٍ وَلَا نَعْلَيْنِ، وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ إلَخْ وَكَتَبُوا بِهِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ فَكَتَبَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ عُمَرُ " أَنْ امْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ " الْخَبَرُ مُطَوَّلًا رَوَاهُ الْخَلَّالُ.

وَيَكُونُ التَّمْيِيزُ فِي أُمُورٍ مِنْهَا (فِي شُعُورِهِمْ بِحَذْفِ) أَيْ: حَلْقِ (مَقَادِمِ رُءُوسِهِمْ، بِأَنْ يَجُزُّوا نَوَاصِيَهُمْ) وَهِيَ مِقْدَارُ رُبُعِ الرَّأْسِ (وَلَا يَتَّخِذُونَ شَرَابَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ الْأَشْرَافِ) فَيُمْنَعُونَ مِنْهُ.

(وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمَيُّزُ أَيْضًا فِي شُعُورِهِمْ (بِتَرْكِ الْفَرْقِ) وَهُوَ قَسْمُ شَعْرِ الرَّأْسِ نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَجَعْلُهُ ذُؤَابَتَيْنِ (فَلَا يَفْرِقُ) الذِّمِّيُّ (شَعْرَ جُمَّتِهِ) أَيْ: رَأْسِهِ (فِرْقَتَيْنِ كَمَا تَفْرُقُ النِّسَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ تَكُونُ شُعُورُ رُءُوسِهِمْ جُمَّةً لِمَا تَقَدَّمَ (وَكُنَاهُمْ فَلَا يَكْتَنُونَ بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ كَأَبِي الْقَاسِمِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا هُوَ فِي الْغَالِبِ فِي الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِمْ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ " وَلَا نَكْتَنِي بِكُنَاهُمْ "(وَكَذَا اللَّقَبُ) أَيْ: يُمْنَعُونَ مِنْ أَلْقَابِ الْمُسْلِمِينَ (كَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ) كَزَيْنِ الدِّينِ.

(وَلَا يُمْنَعُونَ الْكُنَى بِالْكُلِّيَّةِ) قَالَ أَحْمَدُ لِطَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ عُمَرَ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا بَأْسَ بِهِ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَسْقُفِ نَجْرَانَ يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ» وَعُمَرُ قَالَ لِنَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا حَسَّانَ.

وَفِي الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَيْهِ.

(وَيَلْزَمُهُمْ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِنَا إذَا جَرَى عَلَيْهِمْ) وَلَوْ اعْتَقَدُوا خِلَافَهُ لِنَسْخِ الْإِسْلَامِ سَائِرَ الشَّرَائِعِ، وَالْتِزَامِهِمْ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ، إذْ شَرْطُهُ الْتِزَامُ حُكْمِنَا كَمَا سَبَقَ.

(وَلَهُمْ رُكُوبُ غَيْرِ خَيْلٍ) يَدْخُلُ فِيهِ: الْبِغَالُ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قُلْتُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: إذَا لَمْ تُرَدْ لِلْغَزْوِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ كَالْخَيْلِ وَالْمَقْصُودُ

ص: 127

إذْلَالُهُمْ (بِلَا سَرْجٍ، عَرْضًا بِأَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ إلَى جَانِبٍ وَظَهْرُهُ إلَى) الْجَانِبِ (الْآخَرِ عَلَى الْأُكُفِ جَمْعُ إكَاف) بِوَزْنِ كُتُبٍ وَكِتَابٍ (وَهُوَ الْبَرْدَعَةُ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ " أَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ " وَظَاهِرُهُ: قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.

(وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ أَيْضًا (فِي لِبَاسِهِمْ بِالْغِيَارِ فَيَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُخَالِفُ لَوْنُهُ بَقِيَّةَ ثِيَابِهِمْ كَعَسَلِيٍّ لِيَهُودَ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ اللِّبَاسِ مَعْرُوفٌ وَأَدْكَنَ لِنَصَارَى) وَهُوَ لَوْنٌ (يُضْرَبُ إلَى السَّوَادِ وَهُوَ الْفَاخِتِيِّ، وَيَكُونُ هَذَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا فِي جَمِيعِهَا) أَيْ: الثِّيَابِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا.

(وَلِامْرَأَةٍ غِيَارٌ بِخُفَّيْنِ مُخْتَلِفَيْ اللَّوْنِ كَأَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَنَحْوِهِمَا إنْ خَرَجَتْ بِخُفٍّ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَإِنْ أَبَوْ الْغِيَارَ لَمْ يُجْبَرُوا وَنُغَيِّرُهُ نَحْنُ.

(وَ) مِمَّا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ (شَدُّ الْخِرَقِ الصُّفْرِ وَنَحْوِهَا) كَالزُّرْقِ (فِي قَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ، مُخَالَفَةً لِلَوْنِهَا) أَيْ: تَكُونُ الْخِرَقُ مُخَالِفٌ لَوْنُهَا لَوْنَ الْقَلَانِسِ وَالْعَمَائِمِ، لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ.

(وَلَمَّا صَارَتْ الْعِمَامَةُ الصَّفْرَاءُ وَالزَّرْقَاءُ وَالْحَمْرَاءُ مِنْ شِعَارِهِمْ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ لُبْسُهَا) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَكِنْ فِي الزَّرْقَاءِ وَالصَّفْرَاءِ وَاضِحٌ، لَا فِي الْحَمْرَاءِ (وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَجْتَزِئُ بِهَا) أَيْ: بِالْعِمَامَةِ الزَّرْقَاءِ وَنَحْوِهَا كَاَلَّذِي اعْتَادَهُ الْيَهُودُ بِبَلَدِنَا (فِي حَقِّ الرِّجَالِ: عَنْ الْغَيَارِ وَنَحْوِهِ) كَشَدِّ الزُّنَّارِ (لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ الظَّاهِرِ بِهَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَقَبْلَهَا كَالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَأْلُوفَةً لَهُمْ فَإِنْ أَرَادُوا الْعُدُولَ عَنْهَا مُنِعُوا وَإِنْ تَزَيَّا بِهَا مُسْلِمٌ أَوْ عَلَّقَ صَلِيبًا بِصَدْرِهِ حَرُمَ) لِحَدِيثِ «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ: يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِزِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِمْ: مَخْصُوصٌ بِمَا هُنَا وَالْفَرْقُ مَا فِي هَذِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمُشَابَهَةِ (وَلَمْ يَكْفُرْ) بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَالْخَبَرُ لِلتَّنْفِيرِ.

(وَلَا يَتَقَلَّدُوا السُّيُوفَ وَلَا يَحْمِلُوا السِّلَاحَ وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ الْقُرْآنَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّمُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ مُهَنًّا: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ غُلَامًا مَجُوسِيًّا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ: إنْ أَسْلَمَ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَأَكْرَهُ أَنْ يَضَعَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قُلْتُ فَيُعَلِّمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ.

(وَلَا يَتَعَلَّمُونَ الْعَرَبِيَّةَ)

ص: 128

لِاشْتِرَاطِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي كِتَابِهِمْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ وَأَمْرُ عُمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُمْ قَالُوا فِيهِ: " وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ ".

(وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْعَمَلِ بِالسِّلَاحِ، وَتَعَلُّمِ الْمُقَاتِلَةِ بِالثِّقَافِ، وَالرَّمْيِ وَغَيْرِهِ) كَلَعِبٍ بِرُمْحٍ وَدَبُّوسٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَيْنَا.

(وَيُؤْمَرُ النَّصَارَى بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ) لِأَنَّهُمْ إذَا شَدُّوهُ مِنْ دَاخِلٍ لَمْ يُرَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ (وَهُوَ) أَيْ: الزُّنَّارُ (خَيْطٌ غَلِيظٌ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ خَارِجُ الثِّيَابِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّمَيُّزِ.

(وَ) يَكُونُ الزُّنَّارُ (لِلْمَرْأَةِ تَحْتَ ثِيَابِهَا) قَالَهُ الْقَاضِي وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا إنْ شَدَّتْهُ فَوْقَ كُلِّ الثِّيَابِ انْكَشَفَ رَأْسُهَا.

وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تَشُدُّ فَوْقَ ثِيَابِهَا تَحْتَ الْإِزَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُدَّ فَوْقَهُ لَمْ يَثْبُتْ (وَيَكْفِي أَحَدُهُمَا أَيْ: الْغِيَارُ أَوْ الزُّنَّارُ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّمْيِيزُ وَهُوَ حَاصِلٌ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَالتَّمْيِيزُ فِي الْمَلْبُوسِ بِالْغِيَارِ - إلَى أَنْ قَالَ وَيُؤْمَرُونَ مَعَ ذَلِكَ بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ فَمُقْتَضَاهُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ.

(وَلَا يُمْنَعُونَ فَاخِرَ الثِّيَابِ وَلَا الْعَمَائِمِ، وَالطَّيْلَسَانِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ وَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ خَوَاتِيمَ مِنْ رَصَاصٍ أَوْ حَدِيدٍ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) لِتَحْرِيمِهَا عَلَى الذُّكُورِ.

(وَ) كَذَلِكَ (لَوْ جَعَلَ، فِي عُنُقِهِ صَلِيبًا لَمْ يَجُزْ) لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الصَّلِيبِ (أَوْ) يُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ (جُلْجُلٌ جَرَسٌ صَغِيرٌ، لِدُخُولِهِمْ حَمَّامِنَا) لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهَا الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ.

(وَيَلْتَزِمُ تَمْيِيزَ قُبُورِهِمْ عَنْ قُبُورِنَا تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى) وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَدْفِنُوا أَحَدًا مِنْهُمْ فِي مَقَابِرِنَا (وَيَنْبَغِي مُبَاعَدَةُ مَقَابِرِهِمْ عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُهُ: وُجُوبًا، لِئَلَّا تَصِيرَ الْمَقْبَرَتَانِ مَقْبَرَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلَّمَا بَعُدَتْ) مَقَابِرُهُمْ (عَنْهَا كَانَ أَصْلَحَ) لِلتَّبَاعُدِ عَنْ الْمَفْسَدَةِ.

(وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي مَقَابِرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهُمْ عَذَابٌ قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] .

(وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لَهُمْ (وَلَا) يَجُوزُ (الْقِيَامُ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ.

(وَلَا لِمُبْتَدَعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ) كَرَافِضِيٍّ قُلْتُ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِمَنْ يُسَنُّ هَجْرُهُ كَمُجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ كَعِيَادَتِهِ (وَلَا يُوَقَّرُونَ كَمَا يُوَقَّرُ الْمُسْلِمُ) لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ.

(وَلَا تَجُوزُ بَدْأَتُهُمْ بِالسَّلَامِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهَا»

ص: 129

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَالْمُبْدِعِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ إلَى التِّرْمِذِيِّ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ نَوَاهُ) أَيْ: الْمُسْلِمُ (بِالسَّلَامِ) لِأَهْلِيَّتِهِ لَهُ.

(وَلَا يَجُوزُ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (لَهُمْ) أَيْ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ وَكَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَكَيْفَ أَنْتَ؟ وَكَيْفَ حَالُكَ؟) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد هَذَا عِنْدِي أَكْبَرُ مِنْ السَّلَامِ (وَقَالَ الشَّيْخُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَهْلًا وَسَهْلًا وَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ وَنَحْوُهُ) مِثْلُ: كَيْفَ حَالُكَ.

(وَيَجُوزُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ (لَهُ) الذِّمِّيِّ (أَكْرَمَكَ اللَّهُ وَهَدَاكَ اللَّهُ، يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لِأَحْمَدَ يَقُولُ لَهُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ نَعَمْ يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ (وَيَجُوزُ) قَوْلُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ (أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَأَكْثَرَ مَالَكَ وَوَلَدَكَ قَاصِدًا بِذَلِكَ كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ) لَكِنْ كَرِهَ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ،؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَسْتَعْمِلُهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِأَنَسٍ بِطُولِ الْعُمُرِ " وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إلَّا الْبِرُّ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.

وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ: نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ قَوْلِ أَطَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَقَاءَكَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ (وَلَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى كَافِرٍ وَكَتَبَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ (فِيهِ سَلَامًا كَتَبَ: سَلَامٌ عَلَى مِنْ اتَّبَعَ الْهُدَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى جَامِعٌ.

(وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْلِمًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ اُسْتُحِبَّ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (لَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ (رُدَّ عَلَى سَلَامِي) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَافِرٌ فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ ".

(وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ) أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (لَزِمَ رَدُّهُ فَيُقَالُ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ، أَوْ عَلَيْكُمْ) بِلَا وَاوٍ (وَبِالْوَاوِ أَوْلَى) لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «نُهِينَا أَوْ أُمِرْنَا أَلَّا نَزِيدَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى وَعَلَيْكُمْ» وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ: يَرُدُّ مِثْلَ تَحِيَّتِهِ فَيَقُولُ: وَعَلَيْكَ مِثْلُ تَحِيَّتِكَ.

(وَإِذَا لَقِيَهُ الْمُسْلِمُ فِي طَرِيقٍ فَلَا يُوَسِّعُ لَهُ وَيَضْطَرُّهُ إلَى ضَيِّقِهِ) لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ.

(وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَ) يُكْرَهُ (تَشْمِيتُهُ) قَالَهُ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ عَقِيلٍ وَعَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ

ص: 130

لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

(وَ) يُكْرَهُ (التَّعَرُّضُ لِمَا يُوجِبُ الْمَوَدَّةَ بَيْنَهُمَا) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ.

(وَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ أَجَابَهُ) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْهِدَايَةِ جَائِزٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ.

(وَيَحْرُمُ تَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ أَشْبَهَ السَّلَامَ.

(وَعَنْهُ تَجُوزُ الْعِيَادَةُ) أَيْ: عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ (إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ فَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَادَ يَهُودِيًّا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

(وَقَالَ) الشَّيْخُ (وَيَحْرُمُ شُهُودُ عِيدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ (وَبَيْعُهُ لَهُمْ فِيهِ) .

وَفِي الْمُنْتَهَى: لَا بَيْعُنَا لَهُمْ فِيهِ (وَمُهَادَاتُهُمْ لِعِيدِهِمْ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ فَيُشْبِهُ بَدَاءَتَهُمْ بِالسَّلَامِ.

(وَيَحْرُمُ بَيْعُهُمْ) وَإِجَازَتُهُمْ (مَا يَعْمَلُونَهُ كَنِيسَةً أَوْ تِمْثَالًا) أَيْ: صَنَمًا (وَنَحْوَهُ) كَاَلَّذِي يَعْمَلُونَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2](وَ) يَحْرُمُ (كُلُّ مَا فِيهِ تَخْصِيصٌ كَعِيدِهِمْ وَتَمْيِيزٌ لَهُمْ وَهُوَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إجْمَاعًا) لِلْخَبَرِ (وَتَجِبُ عُقُوبَةُ فَاعِلِهِ) .

(وَقَالَ وَالْكَنَائِسُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَالْعَابِدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْغَافِلِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا انْتَهَى) قُلْتُ وَفِي مَعْنَاهُ الْأَمَاكِنُ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الْمَعَاصِي، لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهَا، وَلِهَذَا قِيلَ

إنِّي اطَّلَعْتُ عَلَى الْبِقَاعِ وَجَدْتُهَا

تَشْقَى كَمَا تَشْقَى الرِّجَالُ وَتَسْعَدُ

" تَتِمَّةٌ " قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا غَمَّضَ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا عَنِّي هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَلَكِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ.

(وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ وَالسَّفَرُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْكُفْرِ مُطْلَقًا) مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ (وَإِلَى بِلَادِ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ وَالرَّوَافِضِ، وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْهَا

ص: 131

أَنْ لَوْ كَانَ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ إنْ قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِيهَا فَحَرَامٌ سَفَرُهُ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَعْصِيَةِ.

(وَيُمْنَعُونَ مِنْ تَعْلِيَةِ بُنْيَانٍ، لَا) مِنْ (مُسَاوَاتِهِ عَلَى بُنْيَانِ جَارٍ مُسْلِمٍ وَلَوْ كَانَ بُنْيَانُ الْمُسْلِمِ فِي غَايَةِ الْقِصَرِ، أَوْ رَضِيَ) الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَدُومُ عَلَى مُدَاوَمَةِ الْأَوْقَاتِ وَرِضَاهُ يُسْقِطُ حَقَّ مِنْ يَأْتِي بَعْدَهُ.

(وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقْ) بُنْيَانُهُ بُنْيَانَ مُسْلِمٍ (بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَارِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرَفُّعًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَمُنِعُوا مِنْهُ كَالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجَالِسِ (حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ مُحَرَّمٌ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَيَجِبُ هَدْمُهُ، أَيْ: الْعَالِي إنْ أَمْكَنَ هَدْمُهُ بِمُفْرَدِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى هَدْمِ الْعَالِي لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ بِهِ.

وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى عُلُوِّ الْكُفْرِ وَلَا إلَى اطِّلَاعِهِمْ عَلَى عَوْرَاتِنَا (وَيَضْمَنُ مَا تَلَفَ بِهِ) أَيْ الْعَالِي (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ هَدْمِهِ، لِتَعَدِّيهِ بِالتَّعْلِيَةِ لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهَا (وَإِنْ مَلَكُوهُ عَالِيًا مِنْ مُسْلِمٍ) لَمْ يُنْقَضْ سَوَاءٌ كَانَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا وَإِنْ كَانَتْ مُلِكَتْ مِنْ كَافِرٍ وَجَبَ نَقْضُهَا (أَوْ بَنَى الْمُسْلِمُ) إلَى جَانِبِ دَارِ الذِّمِّيِّ (أَوْ مَلَكَ) الْمُسْلِمُ (دَارًا إلَى جَانِبِ دَارِ الذِّمِّيِّ دُونَهَا لَمْ تُنْقَضْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهَا بَلْ مَلَكَهَا كَذَلِكَ (لَكِنْ لَا تُعَادُ عَالِيَةً لَوْ انْهَدَمَتْ أَوْ هُدِمَتْ) ظُلْمًا أَوْ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْهِدَامِهَا كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ (فَإِنْ تَشَعَّثَ الْعَالِي) الَّذِي لَا يَجِبُ هَدْمُهُ وَلَمْ يَنْهَدِمُ (فَلَهُ رَمُّهُ وَإِصْلَاحُهُ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لَا إنْشَاءُ تَعْلِيَةٍ.

(وَإِنْ كَانُوا فِي مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُجَاوِرُهُمْ فِيهَا مُسْلِمٌ تُرِكُوا وَمَا يَبْنُونَهُ كَيْفَ أَرَادُوا) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ دَارُهُ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ حَيْثُ لَا جَارَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمُطَاوَلَةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّعْلِيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ.

(وَلَوْ وَجَدْنَا دَارَ ذِمِّيٍّ عَالِيَةً وَدَارَ مُسْلِمٍ أَنْزَلَ مِنْهَا وَشَكَكْنَا فِي السَّابِقَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَمْ يَعْرِضْ لَهُ فِيهَا وَقَالَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَمْسِ الدِّينِ (بْنِ) أَبِي بَكْرٍ (الْقَيِّمِ) بِالْمَدْرَسَةِ الْجَوْزِيَّةِ (فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ لَهُ: لَا تُقَرُّ) دَارٌ لِذِمِّيٍّ عَالِيَةٌ (؛ لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ مُفْسِدَةٌ وَقَدْ شَكَكْنَا فِي شَرْطِ الْجَوَازِ اهـ) وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.

(وَلَوْ أُمِرَ الذِّمِّيُّ بِهَدْمِ بِنَائِهِ) الْعَالِي (فَبَادَرَ) الذِّمِّيُّ (وَبَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ) أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ (صَحَّ) الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ (وَسَقَطَ الْهَدْمُ، كَمَا لَوْ بَادَرَ وَأَسْلَمَ) لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ.

(وَيُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ بِنَاءِ صَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ، وَمُجْتَمَعٍ لِصَلَوَاتِهِمْ قَالَهُ فِي

ص: 132

الْمُسْتَوْعِبِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بَيْعَةً رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ وَالْكَنَائِسُ: وَاحِدُهَا كَنِيسَةٌ وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى وَالْبِيَعُ جَمْعُ بَيْعَةٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ لِلنَّصَارَى فَهُمَا حِينَئِذٍ مُتَرَادِفَانِ وَقِيلَ: الْكَنَائِسُ لِلْيَهُودِ وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَهُوَ الْأَصْلُ.

(وَمَا فُتِحَ) مِنْ الْأَرَاضِي (صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا فَلَهُمْ إحْدَاثُ مَا يَخْتَارُونَ) وَلَا يُمْنَعُونَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ أَشْبَهُوا أَهْلَ الْحَرْبِ زَمَنَ الْهُدْنَةِ.

(وَإِنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ بِشَرْطٍ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ اسْتَحَقُّوهُ بِالشَّرْطِ فَجَازَ لَهُمْ فِعْلُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا مُنِعُوا مِنْ إحْدَاثِهَا.

(وَلَا يَجِبُ هَدْمُ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا (وَقْتَ فَتْحِ) الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ بِهَا (وَلَوْ كَانَ) فَتْحُهَا (عَنْوَةً) لِمَفْهُومِ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ.

(وَلَهُمْ) أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (رَمُّ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا) أَيْ: الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا مَلَكُوا اسْتِدَامَتِهَا مَلَكُوا رَمَّ شُعُثِهَا (لَا الزِّيَادَةَ) أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ الزِّيَادَةُ بِتَوْسِعَةٍ أَوْ تَعْلِيَةٍ لِلْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مَعْنَى إحْدَاثِهَا إذًا لِمَزِيدٍ مِنْهَا مُحْدَثٍ فَكَانَ كَإِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا) أَيْ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمُنْهَدِمُ مِنْهَا (كُلَّهَا، أَوْ هُدِمَ) مِنْهَا (ظُلْمًا) ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَمُنِعُوا مِنْهُ كَابْتِدَاءِ بِنَائِهَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلَدًا فِيهَا بَيْعَةٌ خَرَابٌ لَمْ يَجُزْ بِنَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ لَهَا فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ.

(وَ) يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ مُنْكَرٍ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ (وَ) مِنْ (إظْهَارِ ضَرْبِ نَاقُوسٍ وَرَفْعِ صَوْتِهِمْ بِكِتَابِهِمْ، أَوْ) صَوْتِهِمْ (عَلَى مَيِّتٍ وَإِظْهَارِ عِيدٍ وَصَلِيبٍ) ؛ لِأَنَّ فِي شُرُوطِهِمْ لِابْنِ غَنْمٍ " وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا فِي جَوْفِ كَنَائِسنَا وَلَا نَظْهَرُ عَلَيْهَا وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا، فِيمَا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْ لَا نُظْهِرَ صَلِيبًا، وَلَا كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا وَأَنْ لَا نُجَاوِرَهُمْ بِالْجَنَائِزِ وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا ".

(وَ) يُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ إظْهَارُ (أَكْلٍ وَشُرْبٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَمِنْ إظْهَارِ بَيْعٍ مَأْكُولٍ فِيهِ كَشِوَاءٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شِعَارِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا لِقَاءِ الْمُلُوكِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ

ص: 133

تَقِيُّ الدِّينِ.

(وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ شِرَاءِ مُصْحَفٍ وَكِتَابِ فِقْهٍ وَحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَوْ أَخْبَارِ صَحَابَتِهِ.

(وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ ارْتِهَانِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحَّانِ) أَيْ: بَيْعُ وَرَهْنُ الْمُصْحَفِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ امْتِهَانِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

(وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ شِرَاءِ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ، وَالنَّحْوِ، وَالتَّصْرِيفِ، الَّتِي لَا قُرْآنَ فِيهَا) وَلَا أَحَادِيثَ (دُونَ كُتُبِ الْأُصُولِ) أَيْ: أُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ، فَيُمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَأَوْلَى.

(وَيُكْرَهُ بَيْعُهُمْ ثِيَابًا مَكْتُوبًا عَلَيْهَا بِطِرَازٍ أَوْ غَيْرِهِ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كَلَامَهُ) حَذَرًا مِنْ أَنْ يُمْتَهَنَ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَ) مِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ فَإِنْ فَعَلُوا أَتْلَفْنَاهُمَا.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوهُمَا (فَلَا) نَتَعَرَّضُ لَهُمَا (وَإِنْ بَاعُوا الْخَمْرَ لِلْمُسْلِمِينَ اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ) مِنْ السُّلْطَانِ (وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْأَثْمَانَ الَّتِي قَبَضُوهَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) لِبُطْلَانِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَتَحْرِيمِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ.

(وَلَا تُرَدُّ إلَى مَنْ اشْتَرَى بِهَا مِنْهُمْ الْخَمْرَ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَمَنْ بَاعَ خَمْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَمْلِكْ ثَمَنَهُ) لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (وَيُصْرَفُ) مَا أُخِذَ مِنْهُ (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قِيلَ فِي مَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ عِوَضٌ عَنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، إذَا كَانَ الْمُعَاضُ قَدْ اسْتَوْفَى الْمُعَوَّضَ قَالَهُ الشَّيْخُ) لِئَلَّا يَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ قُلْتُ: مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ بَقَاءُ الْعِوَضِ عَلَى مِلْكِ بَاذِلِهِ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ.

(وَإِنْ صَالَحُوا) أَيْ: الْكُفَّارَ (فِي بِلَادِهِمْ عَلَى إعْطَاءِ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ بَلَدَهُمْ لَيْسَ بِبَلَدِ إسْلَامٍ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِمْ فِيهِ كَمَنَازِلِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَمُنِعُوا مِنْهُ.

(وَيُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ: حَرَمُ مَكَّةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] أَيْ ضَرَرًا بِتَأْخِيرِ الْجَلْبِ عَنْ الْحَرَمِ وَيُؤَيِّدُهُ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]

ص: 134

أَيْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ لَا مِنْ نَفْسِ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ دُونَ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّسُكِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَظَاهِرُهُ: مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ أَوْ لَا، لِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.

(وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (غَيْرَ مُكَلَّفٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَ (لَا) يُمْنَعُونَ دُخُولَ (حَرَمِ الْمَدِينَةَ) لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يُمْنَعُوا مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا.

(فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ) مِنْ الْكُفَّارِ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ وَهُوَ) أَيْ الْإِمَامُ (بِهِ) أَيْ: بِالْحَرَمِ الْمَكِّيّ (خَرَجَ) الْإِمَامُ إلَيْهِ.

(وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي الدُّخُولِ لِعُمُومِ الْآيَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ تِجَارَةٌ أَوْ مِيرَةٌ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الدُّخُولِ لِلْآيَةِ.

(فَإِنْ دَخَلَ) الْكَافِرُ الْحَرَمَ رَسُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عَالِمًا عُزِّرَ) لِإِتْيَانِهِ مُحَرَّمًا.

(وَأُخْرِجَ) مِنْ الْحَرَمِ (وَيُنْهَى الْجَاهِلُ) عَنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِ ذَلِكَ (وَيُهَدَّدُ وَيَخْرُجُ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ) وَلَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ (فَإِنْ مَرِضَ) بِالْحَرَمِ (أَوْ مَاتَ) بِهِ (أُخْرِجَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَيًّا فَإِخْرَاجُ جِيفَتِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا جَازَ دَفْنُهُ بِالْحِجَازِ سِوَى حَرَمِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ سَهْلٌ مُمْكِنٌ، لِقُرْبِ الْحِلِّ مِنْهُ، وَخُرُوجُهُ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَهُوَ مَرِيضٌ، أَوْ مَيِّتٌ صَعْبٌ مُشِقٌّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ (وَإِنْ دُفِنَ) بِالْحَرَمِ (نُبِشَ) وَأُخْرِجَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ) فَيُتْرَكُ وَكَذَا لَوْ تَصَعَّبَ خُرُوجُهُ لِنَتَنِهِ وَتَقَطُّعِهِ، لِلْمَشَقَّةِ فِي إخْرَاجِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ.

(وَإِنْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ بِعِوَضٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ يُحِلُّ حَرَامًا (فَإِنْ دَخَلُوا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ الْعِوَضُ) لِئَلَّا يَجْمَعُوا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِمْ الْعِوَضُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَوْفَوْهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْعَقْدُ لَمْ يُوجِبْ الْعِوَضَ، لِبُطْلَانِهِ (وَإِنْ دَخَلُوا إلَى بَعْضِهِ) أَيْ: بَعْضِ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ (أُخِذَ مِنْ الْعِوَضِ بِقَدْرِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ مَا سَبَقَ.

(وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ وَهُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ تِهَامَةَ) بِكَسْرِ التَّاء وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ؛ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ سُمِّيَتْ تِهَامَةَ مِنْ التَّهَمِ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ - وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودُ الرِّيحِ ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَنَجْدٌ) وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَعِبَارَةُ الْمُبْدِعِ: قِيلَ هُوَ، يَعْنِي الْحِجَازَ مَا بَيْنَ الْيَمَامَةَ وَالْعَرُوضِ، وَبَيْنَ الْيَمَنِ وَنَجْدٍ (كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ

ص: 135

وَيَنْبُعَ وَفَدَكِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ.

(وَمَا وَالَاهَا مِنْ قُرَاهَا قَالَ الشَّيْخُ مِنْهُ تَبُوكُ وَنَحْوُهَا وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَيْ وَهُوَ عَقَبَةُ صُوَانٍ مِنْ الشَّامِ كَعَمَّانَ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ «أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَقَالَ عُمَرُ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُكُ فِيهِمَا إلَّا مُسْلِمًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ: الْحِجَازُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَخْرَجَ أَحَدًا مِنْ الْيَمَنِ وَتَيْمَاءَ قَالَ أَحْمَدُ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا يَعْنِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ بِهِ: الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَخَيْبَرُ وَيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا.

(وَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولُهُ) أَيْ الْحِجَازِ (إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَدْخُلُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يَدْخُلُونَ أَرْضَ الْحِجَازِ إلَّا بِإِذْنِهِ.

(وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ (وَحَدُّ الْجَزِيرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ) الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مِنْ عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ وَالرِّيفُ أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَالْجَمْعُ أَرْيَافٌ.

قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (طُولًا وَمِنْ تِهَامَةَ إلَى مَا وَرَاءَهَا إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ) عَرْضًا قَالَ الْخَلِيلُ إنَّمَا قِيلَ لَهَا جَزِيرَةٌ؛ لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشَةِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتِ أَحَاطَتْ بِهَا، وَنُسِبَتْ إلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا أَرْضُهَا وَمَسْكَنُهَا وَمَعْدِنُهَا (فَإِنْ دَخَلُوا الْحِجَازَ لِتِجَارَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا (لَمْ يُقِيمُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لِمَنْ دَخَلَ تَاجِرًا فِي إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " فَدَلَّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الزَّائِدِ (وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ (فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ.

(وَكَذَا) لَهُ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةً فَمَا دُونَ (فِي) مَوْضِعٍ (ثَالِثٍ، وَ) مَوْضِعٍ (رَابِعٍ) وَهَكَذَا (فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ) مِنْ الْحِجَازِ (عُزِّرَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ: فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّاخِلِينَ أَرْضَ الْحِجَازِ لِتِجَارَةٍ (مَنْ لَهُ دَيْنٌ) حَالٌّ (أُجْبِرَ غَرِيمُهُ عَلَى وَفَائِهِ) لِيَخْرُجَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَتْ الْإِقَامَةُ لِاسْتِيفَائِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي إخْرَاجِهِمْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ ذَهَابُ أَمْوَالِهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعَذُّرُ لِمَطْلٍ أَوْ تَغَيُّبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(وَإِنْ كَانَ) الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا لَمْ يُمَكَّنْ) مِنْ الْإِقَامَةِ حَتَّى يَحِلَّ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً لِلْإِقَامَةِ (وَيُوَكِّلُ) مَنْ يَسْتَوْفِيهِ لَهُ إذَا حَلَّ.

(وَإِنْ مَرِضَ) مَنْ دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْهُمْ (جَازَتْ

ص: 136