الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ (وَهَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا كَالْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ (أَوْ) يُقَسَّمُ (عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ) كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ رِجَالٌ أَحْرَارٌ؟ (احْتِمَالَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ أُعْطِيَ سَهْمًا، وَفُضِّلَ عَلَيْهِمْ) لِمُزَيَّتِهِ بِالْبُلُوغِ، وَالْحُرِّيَّةِ (وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ مَنْ بَقِيَ) ، وَهُمْ الْعَبِيدُ أَوْ الصِّبْيَانُ (عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ التَّفْضِيلِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ سَهْمٌ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَإِنْ غَزَا جَمَاعَةٌ الْكُفَّارِ وَحْدَهُمْ فَغَنِمُوا فَغَنِيمَتُهُمْ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ (وَهَلْ يُؤْخَذُ خُمْسُهَا؟ احْتِمَالَانِ) .
[فَصْلٌ قِسْمَة بَاقِي الْغَنِيمَةِ]
فَصْلٌ (ثُمَّ يُقَسِّمُ بَاقِي الْغَنِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ لِنَفْسِهِ الْخُمْسَ، فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَبِ (لِلرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ (سَهْمٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَارِسِ مِنْ الْكُلْفَةِ (الْكُلْفَةِ وَالْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ، وَيُسَمَّى) الْعَرَبِيُّ (الْعَتِيقَ قَالَهُ فِي الْمُطْلِعِ، وَغَيْرِهِ) لِخُلُوصِهِ، وَنَفَاسَتِهِ (سَهْمَانِ، فَيُكَمِّلُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْم لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ خَالِدُ الْحَذَّاءُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» (وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ قَسْمُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى قَسْمِ الْخُمْسِ) ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ حَاضِرُونَ، وَرُجُوعُهُمْ إلَى أَوْطَانِهِمْ يَقِفُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَأَهْلُ الْخُمْسِ فِي أَوْطَانِهِمْ.
(وَإِنْ كَانَ فَرَسُهُ هَجِينًا، وَهُوَ مَا أَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَأُمُّهُ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ، أَوْ) كَانَ فَرَسُهُ (مُقْرِنًا عَكْسَ الْهَجِينِ) فَتَكُونُ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً، وَأَبُوهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ (أَوْ) كَانَ فَرَسُهُ (بِرْذَوْنًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ فَلَهُ سَهْمٌ، وَلِفَرَسِهِ
سَهْمٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِذَلِكَ لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا» رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَرَوَى مَوْصُولًا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ؛ وَلِأَنَّ نَفْعَ الْعِرَابِ، وَأَثَرُهَا فِي الْحَرْبِ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ سَهْمُهُ أَرْجَحَ لِتَفَاضُلِ مَنْ يُرْضَخُ لَهُ.
(وَإِنْ غَزَا اثْنَانِ عَلَى فَرَسٍ لَهُمَا هَذَا عُقْبَةٌ، وَهَذَا عُقْبَةٌ، وَالسَّهْمُ) أَيْ: سَهْمُ الْفُرْسِ (لَهُمَا) عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا (فَلَا بَأْسَ) نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ» ؛ وَلِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى الثَّانِي بِخِلَافِ الثَّالِثِ.
(وَلَا) يُسْهَمُ (لِغَيْرِ الْخَيْلِ كَفِيلٍ، وَبَعِيرٍ، وَبَغْلٍ، وَنَحْوِهَا، وَلَوْ عَظُمَ غَنَاؤُهَا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ: نَفْعُهَا (وَقَامَتْ مَقَامَ الْخَيْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ، غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ بَلْ هِيَ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ، وَكَذَا أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ أَسْهَمُوا لِغَيْرِ الْخَيْلِ، وَلَوْ أُسْهِمَ لَهَا لَنُقِلَ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْخَيْلِ لَا يَلْحَقُ بِهَا فِي التَّأْثِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَلَا يَصْلُحُ لِلْكَرِّ، وَالْفَرِّ، فَلَمْ يُلْحَقْ بِهَا فِي الْإِسْهَامِ.
(وَمَنْ اسْتَعَارَ فَرَسًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ كَانَ) الْفَرَسُ (حَبِيسًا وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ فَلَهُ سَهْمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَفْعَهُ فَاسْتَحَقَّ سَهْمَهُ وَيُعْطَى رَاكِبُ الْحَبِيسِ نَفَقَةَ الْحَبِيسِ مِنْ سَهْمِهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ.
(وَإِنْ غَصَبَهُ) أَيْ: الْفَرَسَ فَغَزَا عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الْغَاصِبُ لِلْفَرَسِ (مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ) كَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ رَاكِبِهِ، فَيَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِهِ (فَقَاتَلَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ نَفْعِ الْفَرَسِ مُرَتَّبٌ عَلَى نَفْعِهِ، وَهُوَ لِمَالِكِهِ فَكَذَا السَّهْمُ.
(وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا، ثُمَّ مَلِكَ فَرَسًا أَوْ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ اسْتَأْجَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ، فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَلَوْ صَارَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ رَاجِلًا) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِاسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْفَرَسِ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ الْوَقْعَةَ، لَا حَالَ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا مَا بَعْدَ الْوَقْعَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ فَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ حَالَةَ الْقِتَالِ كَالْآدَمِيِّ (وَإِنْ دَخَلَهَا) أَيْ: دَارَ الْحَرْبِ (فَارِسًا ثُمَّ حَضَرَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا حَتَّى فَرَغَ الْحَرْبُ لِمَوْتِ فَرَسِهِ أَوْ شُرُودِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَمَرَضِهِ (فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ، وَلَوْ صَارَ فَارِسًا بَعْدَ الْوَقْعَةِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ شُهُودِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَحْرُمُ قَوْلُ الْإِمَامِ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم، وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يُقَسِّمُونَ الْغَنَائِمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى
اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّهْبِ عَنْ الْقِتَالِ، وَإِلَى ظَفَرِ الْعَدُوِّ بِهِمْ؛ وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ اشْتَرَكُوا فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّسْوِيَةِ.
(وَلَا يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ: لَا يَسْتَحِقُّ الشَّيْءَ آخِذُهُ، بَلْ يَأْتِي بِهِ الْمَغْنَمَ لِيُقَسَّمَ، وَقِيلَ: وَيَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» وَرُدَّ بِأَنَّ قَضِيَّةَ بَدْرٍ لَمَّا اُخْتُلِفَ فِيهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ.
" تَتِمَّةٌ " قَالَ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ: فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْجَمْعَ وَالْقِسْمَةَ وَأَذِنَ فِي الْأَخْذِ إذْنًا جَائِزًا فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا بِلَا عُدْوَانٍ حَلَّ لَهُ بَعْدَ تَخْمِيسٍ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ فَهُوَ إذْنٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ أَوْ أَذِنَ إذْنًا غَيْرَ جَائِزٍ جَازَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ مَا يُصِيبُهُ بِالْقِسْمَةِ، مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ.
(مَثَلًا وَيَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ لِغَنَاءٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: نَفْعٍ (فِيهِ، كَشَجَاعَةٍ، وَنَحْوِهَا) كَالرَّأْيِ، وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْفِلَ، وَيُعْطِيَ السَّلَبَ فَجَازَ التَّفْضِيلُ لِذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّفْضِيلُ لِغَنَاءٍ فِيهِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ اشْتَرَكُوا فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّسْوِيَةِ، فَوَجَبَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ، كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ.
(وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْجِهَادِ وَلَوْ كَانَ) الْأَجِيرُ (مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ) الْجِهَادُ كَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ (فَيَرُدُّ) الْأَجِيرُ (الْأُجْرَةَ) لِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ (وَلَهُ سَهْمُهُ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ (أَوْ رَضْخُهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ.
(وَمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ غَنِمُوا عَلَى حِفْظِ الْغَنِيمَةِ أَوْ حَمْلِهَا حَمْلِهَا وَسَوْقِ الدَّوَابِّ الدَّوَابِّ وَرَعْيهَا، وَنَحْوِهِ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ سَهْمِهِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةِ الْغَنِيمَةِ، فَهُوَ كَعَلَفِ الدَّوَابِّ، وَإِطْعَامِ السَّبْيِ، يَجُوزُ لِلْإِمَامِ بَذْلُهُ، وَيُبَاحُ لِلْأَجِيرِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِفِعْلٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْأُجْرَةُ كَالدَّلِيلِ عَلَى الطَّرِيقِ.
(وَلَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ) لِذَلِكَ (بِدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ، أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَتُهُ رَكُوبَ دَابَّةٍ مِنْهَا صَحَّ) ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ بِنَقْدٍ مِنْهَا.
(وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَيِّتِ لَهُ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَلَوْ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا فِي حَالٍ لَوْ قُسِّمَتْ فِيهِ صَحَّتْ قِسْمَتُهَا، وَكَانَ لَهُ سَهْمُهُ مِنْهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ سَهْمَهُ فِيهَا كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ إحْرَازِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
وَلِقَوْلِ عُمَرَ " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ "، وَهَذَا قَدْ شَهِدَهَا.
(شَهِدَهَا وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَتْ، وَتُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ) أَيْ: أَيُّهُمَا غَنِمَ شَارَكَهُ الْآخَرُ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا غَزَا هَوَازِنَ بَعَثَ سَرِيَّةً مِنْ الْجَيْشِ قِبَلَ أَوْطَاسٍ، فَغَنِمَتْ فَشَارَكَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْجَيْشِ» ؛ وَلِأَنَّ الْجَمِيعَ جَيْشٌ وَاحِدٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ، كَأَحَدِ جَانِبِيِّ الْجَيْشِ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ بَعْدَ النَّفْلِ (وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ) .
(وَإِنْ أَقَامَ الْأَمِيرُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ مَثَلًا وَبَعَثَ سَرِيَّةً فَمَا غَنِمَتْ فَهُوَ لَهَا) بَعْدَ الْخُمْسِ لِانْفِرَادِهَا بِالْغَزْوِ، وَالْمُقِيمُ بِدَارِ الْإِسْلَام لَيْسَ بِمُجَاهِدٍ (وَإِنْ أَنْفَذَ) الْإِمَامُ (جَيْشَيْنِ أَوْ سَرِيَّتَيْنِ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُنْفَرِدَةٍ بِمَا غَنِمَتْهُ) لِانْفِرَادِهَا بِالْقِتَالِ عَلَيْهِ.
(وَإِذَا قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَتَبَايَعُوهَا أَوْ تَبَايَعُوا غَيْرَهَا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ مُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مَقْبُوضٌ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ أَشْبَهَ سَائِرَ أَمْوَالِهِ.
(وَكَذَا لَوْ تَبَايَعُوا شَيْئًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ زَمَنَ خَوْفٍ وَنَهْبٍ، وَنَحْوِهِ) فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ فَإِنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي.
(مَثَلًا وَلِلْإِمَامِ الْبَيْعُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِمَصْلَحَةٍ) ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ أَشْبَهَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ لِلْغَانِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ قِسْمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ أَوْ لِوَلَدِهِ، أُدِّبَ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ حَرَامٍ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْحَدَّ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ مِلْكًا أَوْ شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ.
(وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا يُطْرَحُ فِي الْمُقَسَّمِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَشْبَهَ وَطْءَ أَمَةِ الْغَيْرِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ كَالْمُشْتَرَكَةِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ حَقِّهِ يَعْسُرُ الْعِلْمُ بِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْمَهْرِ فِي الْغَنِيمَةِ، فَيَعُودُ إلَيْهِ حَقُّهُ (إلَّا أَنْ تَلِدَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا، وَحِينَئِذٍ تُطْرَحُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَهْرِهَا، وَقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا حِينَ عَلَقَتْ فَلَمْ يَكُنْ لِلْغَانِمِينَ سِوَى قِيمَتُهَا (وَتَصِيرُ أُمُّ، وَلَدٍ لَهُ) ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِيلَادٌ صَيَّرَ بَعْضَهَا أُمَّ، وَلَدٍ، فَيَجْعَلُ جَمِيعَهَا كَذَلِكَ كَاسْتِيلَادِ جَارِيَةِ ابْنِهِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ لِكَوْنِهِ فِعْلًا، وَيَنْفُذُ مِنْ الْمَجْنُونِ (وَالْوَلَدِ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ) لِلشُّبْهَةِ.
(لِلشُّبْهَةِ وَلَا يَتَزَوَّجُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ) لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ وَلَدُهُ (وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ) مُفَصَّلًا (وَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ أَسِيرًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَوْ كَانَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ، وَابْنِهِ، وَأَخِيهِ (عَتَقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ)(؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ فِي شَرِكَةِ الْغَانِمِينَ بِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهِ) أَشْبَهَ الْمَمْلُوكَ بِالْإِرْثِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ حَقِّهِ بِأَنْ زَادَ
(فَكَمُعْتِقٍ شِقْصًا) مِنْ مُشْتَرَكٍ يَعْتِقُ قَدْرَ مَا يَمْلِكُهُ، وَبَاقِيهِ بِالسِّرَايَةِ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ الْبَاقِي، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ مِنْهَا (وَقَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ) كَالشَّرْحِ (لَا يُعْتِقُ رَجُلٌ) حُرٌّ مُقَاتِلٌ أُسِرَ بِالْإِعْتَاقِ (قَبْلَ خِيرَةِ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَمَّ عَلِيٍّ، وَعَقِيلًا أَخَا عَلِيٍّ كَانَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ، وَلَمْ يُعْتَقَا عَلَيْهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ رَقِيقًا بِالِاسْتِرْقَاقِ، فَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْهُمْ أَوْ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْي، كَالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ.
(وَالصِّبْيَانُ وَيَحْرُمُ الْغُلُولُ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ) لِلْوَعِيدِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161](1)(وَالْغَالُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَهُ، أَوْ) كَتَمَ (بَعْضَهُ: يَجِبُ حَرْقُ رَحْلِهِ كُلِّهِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ حَرَقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
، وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِذَلِكَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ الْوَاجِبِ، فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ (مَا لَمْ يَكُنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ) ، فَلَا يُحَرَّقُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِغَيْرِ الْجَانِي (إذَا كَانَ) الْغَالُّ (حَيًّا) فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إحْرَاقِهِ لَمْ يُحَرَّقْ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ (حُرًّا) فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ (مُكَلَّفًا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ عُقُوبَةٌ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
(أَهْلِهَا وَلَوْ) كَانَ الْغَالُّ (أُنْثَى أَوْ ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَلِذَلِكَ يُقْطَعَانِ فِي السَّرِقَةِ، وَغَيْرُ الْمُلْتَزِمِ لِأَحْكَامِنَا لَا يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ (إلَّا سِلَاحًا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْقِتَالِ (وَمُصْحَفًا) ، وَجِلْدَهُ، وَكِيسَهُ، وَمَا يَتْبَعُهُ لِحُرْمَتِهِ (وَكُتُبَ عِلْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ الْإِضْرَارَ بِهِ فِي دِينِهِ، بَلْ فِي بَعْضِ دُنْيَاهُ (وَحَيَوَانًا بِآلَتِهِ مِنْ سَرْجٍ، وَلِجَامٍ، وَجُلٍّ، وَرَحْلٍ، وَنَحْوِهِ، وَعَلَفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاج إلَيْهِ، وَلِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا (وَثِيَابُ الْغَالِّ الَّتِي عَلَيْهِ) ، فَلَا تُحْرَقُ تَبَعًا لَهُ.
(وَنَفَقَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْرَقُ عَادَةً (وَسَهْمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَحْلِهِ حَالَ الْغُلُولِ (وَمَا غَلَّهُ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْغَانِمِينَ (وَلَا يُحْرَمُ) الْغَالُّ (سَهْمَهُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودٌ، فَيَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَغُلَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ حِرْمَانُ سَهْمِهِ فِي خَبَرٍ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قِيَاسٌ، فَبَقِيَ بِحَالِهِ (وَمَا لَمْ تَأْكُلْهُ النَّارُ) كَالْحَدِيدِ (أَوْ اسْتَثْنَى مِنْ التَّحْرِيقِ فَهُوَ لَهُ) أَيْ: الْغَالِّ.
(وَيُعَزَّرُ) الْغَالُّ (مَعَ ذَلِكَ بِالضَّرْبِ
وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ الْغُلُولُ (وَلَا يُنْفَى) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَيُؤْخَذُ مَا غَلَّ لِلْمَغْنَمِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْغَانِمِينَ، فَتَعَيَّنَ رَدُّهُ إلَيْهِمْ.
(فَإِنْ تَابَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي الْمَغْنَمِ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ تَابَ) الْغَالُّ (بَعْدَهَا) أَيْ: الْقِسْمَةِ (أَعْطَى الْإِمَامَ خُمْسَهُ، وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُعْرَفُ مُسْتَحِقُّوهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا.
(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ سَتَرَ عَلَى الْغَالِّ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْغَالِّ (مَا أَهْدَى لَهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَيْ: مِمَّا غَلَّهُ مِنْهَا (أَوْ بَاعَهُ إمَامٌ أَوْ حَابَاهُ فَلَيْسَ بِغَالٍّ) لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ (وَلَا يُحَرَّقُ رَحْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَالٍّ.
(وَإِنْ لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُ الْغَالِّ حَتَّى اسْتَحْدَثَ مَتَاعًا آخَرَ، وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ) أَوْ لَمْ يَرْجِعْ (أَحْرَقَ مَا كَانَ مَعَهُ حَالَ الْغُلُولِ) دُونَ الْمُسْتَحْدَثِ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ.
(وَلَوْ غَلَّ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَا غَلَّهُ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ) كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ.
(وَمَنْ أَنْكَرَ الْغُلُولَ وَذَكَرَ أَنَّهُ ابْتَاعَ مَا بِيَدِهِ لَمْ يُحَرَّقْ مَتَاعُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغُلُولِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (حَتَّى يَثْبُتُ) الْغُلُولُ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَلَا يُقْبَلُ فِي بَيِّنَةٍ إلَّا) رَجُلَانِ (عَدْلَانِ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، وَيُوجِبُ عُقُوبَةً أَشْبَهَ سَائِرَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرُ.
(وَمَا أَخَذَ مِنْ الْفِدْيَةِ) أَيْ: فِدْيَةُ الْأَسَارَى، فَغَنِيمَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ حَصَلَ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ، أَشْبَهَ السِّلَاحَ (أَوْ أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ لِبَعْضِ قُوَّادِهِ) جَمْعُ قَائِدٍ، وَهُوَ نَائِبُهُ (أَوْ) أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِ (بَعْضِ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَ) هُوَ (غَنِيمَةٌ) لِلْجَيْشِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فُعِلَ خَوْفًا مِنْ الْجَيْشِ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً كَمَا لَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِهَا فَلَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِدَارِنَا فَهِيَ لِمَنْ أُهْدِيَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ، وَاخْتَصَّ بِهَا (وَلَنَا قَطْعُ شَجَرِنَا الْمُثْمِرِ إنْ خِفْنَا أَنْ يَأْخُذُوهُ، وَلَيْسَ لَنَا قَتْلُ نِسَائِنَا، وَصِغَارِنَا إنْ خِفْنَا أَنْ يَأْخُذُوهُمْ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ) لِعِصْمَةِ النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ، وَأَمَّا الشَّجَرُ فَمَالٌ، وَإِتْلَافُهُ لِمَصْلَحَةٍ جَائِزٌ.