الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِتَعَلُّقِ حُقُوقِهِمْ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَجُزْ، كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ، لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ.
[فَصْلٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمُفْلِس]
(فَصْلٌ الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْمُتَمِّمُ لِأَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَقَوْله صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَاءِ مُعَاذٍ «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ ثُمَّ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» (فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا أَوْ بَاعَهُ) شَيْئًا لَمْ (يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ) بِبَدَلِهِ (حَتَّى يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَةِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ لَكِنْ إنْ وَجَدَ الْمُقْرِضُ أَوْ الْبَائِعُ أَعْيَانَ مَالِهِمَا فَلَهُمَا أَخْذُهَا كَمَا سَبَقَ إنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْحَجْرِ.
[فَصْلٌ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ]
(فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِي) حَجْرُ (الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ) أَيْ حَظِّ الْمَحْجُورِ نَفْسِهِ (وَهُوَ الصَّبِيُّ) أَيْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.
(وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ) لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ وَنَحْوِهِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ) أَيْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا ذِمَمِهِمْ قَبْلَ الْإِذْنِ) ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِمْ يُفْضِي إلَى ضَيَاعِ مَالِهِمْ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ (وَمَنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ) أَوْ إلَى أَحَدِهِمْ (مَالَهُ بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ.
(وَإِنْ أَتْلَفُوهُ أَوْ أُتْلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ) بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ لَا (لَمْ يَضْمَنُوا وَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ) لِأَنَّهُ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، سَوَاءٌ (عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِتَفْرِيطِهِ (وَإِنْ جَنَوْا) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرْفٍ أَوْ جُرْحٍ (فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَعَ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ بِشَرْطِهِ.
(وَيَضْمَنُونَ) أَيْ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ (مَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ إذَا أَتْلَفُوهُ) لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ وَالْإِتْلَافُ يَسْتَوِي فِيهِ الْآهِلُ وَغَيْرُهُ وَحُكْمُ الْمَغْصُوبِ كَذَلِكَ، لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِمْ
بِغَيْرِ اخْتِيَارِ مَالِكِهِ.
وَإِذَا دَفَعَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالَهُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ فَتَلِفَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ مِنْ الْمَالِكِ وَقَدْ تَلِفَ بِفِعْلِ الْقَابِضِ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا (وَيَأْتِي حُكْمُ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ) إذَا تَلِفَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمْ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا (وَ) يَأْتِي أَيْضًا فِي الْوَدِيعَةِ حُكْمُ (عَبْدٍ) أُودِعَ (وَمَنْ أَعْطَوْهُ) أَيْ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ أَوْ السَّفِيهَ (مَالًا) بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ (ضَمِنَهُ) أَيْ صَارَ فِي ضَمَانِ آخِذِهِ، لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ دَفْعٌ (حَتَّى يَأْخُذَهُ وَلِيُّهُ) أَيْ وَلِيُّ الدَّافِعِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ قَبْضُهُ (وَيَأْتِي بَعْضُهُ) .
(وَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ الْمَالَ إنْسَانٌ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَيَحْفَظَهُ) مِنْ الضَّيَاعِ (لَمْ يَضْمَنْهُ) بِذَلِكَ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ (كَمَغْصُوبٍ أَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ) فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.
(وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَا) ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ أُنْثَيَيْنِ (وَلَوْ بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ (انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا بِلَا حُكْمٍ) أَمَّا فِي الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ كَانَ لِجُنُونِهِ فَإِذَا زَالَ وَجَبَ زَوَالُ الْحَجْرِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ.
(وَدُفِعَ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ عَقَلَ رَشِيدًا (مَالُهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6](وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ) لَهُمَا (بِإِذْنِ قَاضٍ، وَ) أَنْ يَكُونَ (بِبَيِّنَةٍ بِالرُّشْدِ، وَ) أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ (بِالدَّفْعِ لِيَأْمَنَ التَّبِعَةَ) أَيْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَلَا يَنْفَكُّ) الْحَجْرُ عَنْهُمَا (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَقْلِ مَعَ الرُّشْدِ (بِحَالٍّ) وَلَوْ صَارَا شَيْخَيْنِ وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجِمِ قَالَ كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَلِي أَمْرَ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ذِي أَهْلٍ وَمَالٍ، لِضَعْفِ عَقْلِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ يَرَوْنَ الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.
(وَيَحْصُلُ الْبُلُوغُ) فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ يَقَظَةً أَوْ مَنَامًا بِاحْتِلَامٍ، أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَلِمِ الْعَاقِلِ (أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَيْ اسْتِكْمَالِهَا لِمَا رَوَى
ابْنُ عُمَرَ قَالَ «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ الْقَوِيِّ حَوْلَ الْقُبُلِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَأَمَرَ أَنْ يُكْشَفَ عَلَى مُؤْتَزِرِهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَهُوَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (دُونَ) نَبَاتِ (الزَّغَبِ الضَّعِيفِ) لِأَنَّهُ يَنْبُتُ لِلصَّغِيرِ (وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ) عَلَى الذَّكَرِ بِشَيْئَيْنِ (بِالْحَيْضِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَالْحَمْلُ لِأَنَّ حَمْلَهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا، فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا مُنْذُ حَمَلَتْ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَائِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7](وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَقْتُ الَّذِي حَكَمَ بِبُلُوغِهَا مِنْهُ (بِمَا قَبْلَ وَضْعِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ (إذَا كَانَتْ تُوطَأُ) بِأَنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً.
(وَإِنْ طَلُقَتْ وَكَانَتْ لَا تُوطَأُ فَوَلَدْت لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ) وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ (فَأَقَلَّ) مِنْ ذَلِكَ (مُنْذُ طَلُقَتْ فَقَدْ بَلَغْت قَبْلَ الْفُرْقَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ خِلَافُ ذَلِكَ.
(وَ) يَحْصُلُ بُلُوغُ (خُنْثَى) بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (بِسِنٍّ) أَيْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ نَبَاتِ) شَعْرٍ خَشِنٍ (حَوْلَ الْفَرْجَيْنِ، أَوْ مَنِيٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ حَيْضٍ مِنْ فَرْجٍ) أَيْ مِمَّا يُشْبِهُ فَرْجَ الْأُنْثَى (أَوْ هُمَا) أَيْ الْحَيْضُ وَالْمَنِيُّ (مِنْ فَرْجٍ وَاحِدٍ أَوْ مَنِيٍّ مِنْ ذَكَرٍ وَحَيْضٍ مِنْ فَرْجِهِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ حَاضَتْ وَيَأْتِي حُكْمُ إشْكَالِهِ وَمَا يَزُولُ بِهِ فِي مِيرَاثِهِ (وَلَا اعْتِبَارَ) فِي الْبُلُوغِ (بِغِلَظِ الصَّوْتِ وَ) لَا (فِرْقِ الْأَنْفِ وَ) لَا (نُهُودِ الثَّدْيِ وَ) لَا (شَعْرِ الْإِبِطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ.
(وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ لَا غَيْرُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي صَلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ "
وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا كَانَ عَاقِلًا وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ فِي الدَّوَامِ فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالٌ) بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ رُشْدِهِ (وَلَوْ صَارَ شَيْخًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالُهُ (حَتَّى يُخْتَبَرَ) أَيْ يُمْتَحَنَ (بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَيُؤْنَسَ) أَيْ يُعْلَمَ (رُشْدُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الْآيَةَ أَيْ فَاخْتَبِرُوهُمْ فَعَلَّقَ الدَّفْعَ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ فَوَجَبَ اخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ، وَهُمْ) أَيْ التُّجَّارُ (مَنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) لِطَلَبِ الرِّبْحِ (فَ) إينَاسُ الرُّشْدِ مِنْهُ (بِأَنْ يَتَكَرَّرَا) أَيْ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ (مِنْهُ فَلَا يُغْبَنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا وَأَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، كَالْقِمَارِ وَالْغِنَاءِ وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ) كَالْخَمْرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ (وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ الصَّدَقَةُ بِهِ وَصَرْفُهُ فِي بَابِ بِرٍّ) كَغَزْوٍ وَحَجٍّ.
(وَ) صَرْفُهُ فِي (مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ: تَبْذِيرًا إذْ لَا إسْرَافَ فِي الْخَبَرِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْإِسْرَافُ مَا صَرَفَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ كَانَ صَرْفُهُ فِي الْمُبَاحِ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ أَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَثِقْ بِإِيمَانِهِ أَوْ أَسْرَفَ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَاشِيَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ: أَنَّ الْإِسْرَافَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي وَالتَّبْذِيرَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي (وَيُخْتَبَرُ ابْنُ الْمَزَارِعِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّرَاعَةِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْعُمَّالِ وَالْقُوَّامِ وَ) يُخْتَبَرُ (ابْنُ الْمُحْتَرِفِ) أَيْ صَاحِبِ الصِّنَاعَةِ (بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ وَ) يُخْتَبَرُ (ابْنُ الرَّئِيسِ وَالصَّدْرِ الْكَبِيرِ، وَ) ابْنُ (الْكَاتِبِ الَّذِينَ يُصَانُ أَمْثَالُهُمْ عَنْ الْأَسْوَاقِ، بِأَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتُهُ مُدَّةً لِيُنْفِقَهَا فِي مَصَالِحِهِ فَإِنْ صَرَفَهَا فِي مَصَارِفِهَا وَمَرَافِقِهَا وَاسْتَوْفَى عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَاسْتَقْصَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَكِيلِهِ (دَلَّ ذَلِكَ عَلَى رُشْدِهِ) فَيُعْطَى مَالَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْكُلِّ مَا تَقَدَّمَ، فِي ابْنِ التَّاجِرِ مِنْ حِفْظِ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ وَأَرْجَعَهُ إلَى الْكُلِّ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ لَكَانَ أَفْيَدُ.
(وَ) إذَا عُلِمَ رُشْدُهُ أُعْطِيَ مَالَهُ (سَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] .
(قَالَ