الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابٌ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ]
بَابٌ (بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ يَلْزَمُ) كُلَّ أَحَدٍ إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الطَّاعَاتِ، وَيَجْتَهِد فِي ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ سِرًّا بِحُضُورِ قَلْبِ لِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا غَزَا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أُصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُهُ عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ الْعِلْمِ.
وَ (يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَوْ الْأَمِيرَ إذَا أَرَادَ الْغَزْوَ أَنْ يَعْرِضَ جَيْشَهُ جَيْشُهُ وَيَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ وَالرِّجَالَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْجَيْشِ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ، كَبَقِيَّةِ الْمَصَالِحِ، فَيَخْتَارُ مِنْ الرِّجَالِ مَا فِيهِ غِنًى وَمَنْفَعَةٌ لِلْحَرْبِ وَمُنَاصَحَةٌ، وَمِنْ الْخَيْلِ مَا فِيهِ قُوَّةٌ وَصَبْرٌ عَلَى الْحَرْبِ، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الرُّكُوبِ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ (فَيَمْنَعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ، كَفَرَسٍ حَطِيمٍ وَهُوَ الْكَسِيرُ، وَ) كَفَرَسٍ (قُحْمٍ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْفَرَسُ الْمَهْزُولُ الْهَرِمُ وَضَرِعٌ وَهُوَ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ وَالنَّحِيفُ وَنَحْو ذَلِكَ) كَالْفَرَسِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ (مِنْ دُخُولِ أَرْضِ الْعَدُوِّ) لِئَلَّا يَنْقَطِعُ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ كَلًّا عَلَى الْجَيْشِ وَمُضَيِّقًا عَلَيْهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْهَزِيمَةِ.
(وَيَمْنَعُ مُخَذِّلًا لِلْهَزِيمَةِ مَثَلًا فَلَا يَصْحَبُهُمْ، يَصْحَبُهُمْ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الَّذِي يَصُدُّ غَيْرَهُ عَنْ الْغَزْوِ) وَيُزَهِّدُهُمْ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ (وَ) يَمْنَعُ (مُرْجِفًا، وَهُوَ مَنْ يُحَدِّثُ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَبِضَعْفِنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} [التوبة: 47] الْآيَةَ (وَ) يَمْنَعُ (صَبِيًّا لَمْ يَشْتَدَّ، وَمَجْنُونًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا.
(وَ) يَمْنَعُ (مُكَاتِبًا بِأَخْبَارِنَا وَرَامِيًا بَيْنَنَا الْعَدَاوَةَ، وَسَاعِيًا بِالْفَسَادِ، وَمَعْرُوفًا بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ) ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَزِمَ مَنْعُهُمْ إزَالَةً لِلضَّرَرِ (وَ) يَمْنَعُ (نِسَاءٌ) لِلِافْتِتَانِ بِهِنَّ، مَعَ أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، لِاسْتِيلَاءِ الْخَوَرِ وَالْجُبْنِ عَلَيْهِنَّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيَسْتَحِلُّونَ مِنْهُنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْضُهُمْ: (إلَّا
امْرَأَةَ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ) لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَ) إلَّا امْرَأَةً (طَاعِنَةً فِي السِّنِّ لِمَصْلَحَةٍ فَقَطْ كَسَقْيِ الْمَاءِ وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى) لِقَوْلِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَسْقِي الْمَاءَ وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى، وَالْقَتْلَى إلَى الْمَدِينَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الرِّجَالَ يَشْتَغِلُونَ بِالْحَرْبِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مَعُونَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَتَوْفِيرًا فِي الْمُقَاتَلَةِ.
(الْمُقَاتَلَةُ وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُ: تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ وَالْحَرْبُ يَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلُهَا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرْبِهِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَرَوَى أَيْضًا «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَبِهَذَا حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالضَّرُورَةُ مِثْلُ كَوْنِ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ يُخَافُ مِنْهُمْ وَحَيْثُ جَازَ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْي فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ كَالْمُرْجِفِ وَأَوْلَى.
(وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يُعِينَهُمْ) الْمُسْلِمُ (عَلَى عَدُوِّهِمْ إلَّا خَوْفًا) مِنْ شَرِّهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] .
(قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ الْكُفَّارِ (دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ) إنْ كَانَ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ) مُسْلِمٌ (بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ) كَالرَّافِضَةِ (فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَزْوٍ، وَعِمَالَةٍ، وَكِتَابَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ ضَرَرًا، لِكَوْنِهِمْ دُعَاةً، بِخِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ) الْإِمَامُ (بِهِمْ) أَيْ: بِالْجَيْشِ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ فِي السَّفَرِ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي السَّيْرِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ
الضَّعِيفُ وَلَا يَشُقُّ عَلَى الْقَوِيِّ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَقْطَعُهُمْ» أَيْ: أَقَلُّهُمْ سَيْرًا وَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ يُشَقَّ عَلَيْهِمْ (فَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْجَدِّ فِي السَّيْرِ جَازَ)«؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَدَّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ لِيَشْتَغِلَ النَّاسُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ» .
(وَيَعُدُّ) الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ (لَهُمْ) أَيْ: لِجَيْشِهِ (الزَّادَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبِهِ قُوَاهُمْ وَرُبَّمَا طَالَ سَفَرُهُمْ، فَيَهْلَكُونَ حَيْثُ لَا زَادَ لَهُمْ (وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ)، فَيَقُولُ مَثَلًا: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا وَعُدَدًا، وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَعِينُ بِهِ النُّفُوسُ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَيَبْعَثُهَا عَلَى الْقِتَالِ، لِطَمَعِهَا فِي الْعَدُوِّ (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ الْعُرَفَاءَ) جَمْعُ عَرِيفٍ (وَهُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاسِ كَالْمُقَدَّمِ عَلَيْهِمْ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ، وَيَتَعَرَّفُ الْأَمِيرُ مِنْهُ أَحْوَالَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا «؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ أَيْضًا لِجَمْعِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ» الْعَرَافَةُ حَقٌّ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةً النَّاسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ» فَتَحْذِيرٌ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّيَاسَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفِتْنَةِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَمْرِهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ الْأَمِيرِ (عَقْدُ الْأَلْوِيَةِ الْبِيضِ وَهِيَ الْعَصَائِبُ تُعْقَدُ عَلَى قَنَاةٍ وَنَحْوِهَا) قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: اللِّوَاءُ رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْحَرْبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ اهـ قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ «كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُ الْمُقْنِعِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا تَكُونُ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ.
(وَ) يَعْقِدُ لَهُمْ (الرَّايَاتِ، وَهِيَ أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ وَيُغَايِرُ أَلْوَانَهَا لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَأَيْتَهُمْ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ حِينَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ احْبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمَرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَرَاهَا قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ.
(وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعُونَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ) لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا " حم لَا يُنْصَرُونَ "؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى نُصْرَةِ صَاحِبِهِ وَرُبَّمَا
تَهْتَدِي بِهَا إذَا ضَلَّ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلِئَلَّا يَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (وَيَتَخَيَّرُ) الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ (لَهُمْ الْمَنَازِلَ) أَيْ: (أَصْلَحَهَا لَهُمْ) كَالْخِصْبَةِ (وَأَكْثَرُهَا مَاءً وَمَرْعًى) ؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِمْ (وَيَتَّبِعُ مَكَامِنَهَا، فَيَحْفَظُهَا) جَمْعُ مَكْمَنٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْفَظُهَا (لِيَأْمَنُوا) هُجُومَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ.
(وَلَا يَغْفُلُ الْحَرَسُ وَالطَّلَائِعُ) لِئَلَّا يَأْخُذُهُمْ الْعَدُوُّ بَغْتَةً وَالطَّلَائِعُ جَمْعُ طَلِيعَةٍ، وَهِيَ مَنْ يُبْعَثُ لِيَطَّلِعَ طَلْعَ الْعَدُوِّ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ وَالطِّلْعُ بِالْكَسْرِ: الِاسْمُ مِنْ الِاطِّلَاعِ، تَقُولُ مِنْهُ اطَّلِعْ طِلْعَ الْعَدُوِّ (وَيَبْعَثُ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْفِجَاجِ) أَيْ: الطُّرُقِ (حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ) أَيْ: أَمْرُ أَعْدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «بَعَثَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَدِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ فِي أُخْرَى» .
(وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي) ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْخِذْلَانِ، وَتَرْكُهَا دَاعٍ لِلنَّصْرِ، وَسَبَبٌ لِلظَّفَرِ (وَ) يَمْنَعُ جَيْشَهُ أَيْضًا مِنْ (التَّشَاغُلِ بِالتِّجَارَةِ الْمَانِعَةِ لَهُمْ مِنْ الْقِتَالِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ (وَيَعِدُ) الْأَمِيرُ (ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفَلِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى سَهْمِهِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى بَذْلِ جُهْدِهِ وَزِيَادَةِ صَبْرِهِ.
(وَيُشَاوِرُ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ وَالْمُسْلِمِينَ ذَا الرَّأْيِ وَالدِّينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ.
(وَيُخْفِي مِنْ أَمْرِهِ مَا أَمْكَنَ إخْفَاؤُهُ، وَإِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا (؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ (وَيَصُفُّ جَيْشَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] الْآيَةَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي الصُّفُوفَ يَوْمَ بَدْرٍ» ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَسَدًّا لِثُغُورِهِمْ، فَيَصِيرُونَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.
(الْوَاحِدُ وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنْبَةٍ كُفْئًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ خَالِدًا عَلَى إحْدَى الْجَنْبَتَيْنِ وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحَرْبِ، وَأَبْلَغُ فِي إرْهَابِ الْعَدُوِّ وَ (لَا يَمِيلُ) الْأَمِيرُ (مَعَ قَرَابَتِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِئَلَّا تَنْكَسِرُ قُلُوبُهُمْ) أَيْ: قُلُوبُ