الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبُدَاءَةِ، وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا زِيدَ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبُدَاءَةِ لِمَشَقَّةِ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ فِي الْبُدَاءَةِ رِدْءٌ لِلسَّرِيَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَاقُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ، فَهَذَا أَكْثَرُ مَشَقَّةً وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجُ فِي السَّرِيَّةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ.
(وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا غَزَا غَزَاةً أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً أَمَامَهُ تُغِيرُ، وَإِذَا رَجَعَتْ بَعَثَ) سَرِيَّةً (أُخْرَى خَلْفَهُ) تُغِيرُ (فَمَا أَتَتْ بِهِ) السَّرِيَّةُ (أَخْرَجَ خُمْسَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَلِحَدِيثِ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا «لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمْسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جَعَلَ لَهَا) مِنْ رُبُعٍ فَأَقَلَّ، أَوْ ثُلُثٍ فَأَقَلَّ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ فِي الْجَيْشِ، وَالسَّرِيَّةِ مَعًا) ؛ لِأَنَّهَا وَصَلَتْ إلَى ذَلِكَ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ (وَلَا تَسْتَحِقُّهُ السَّرِيَّةُ إلَّا بِشَرْطٍ) فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهَا شَيْئًا لَمْ تَسْتَحِقَّ سِوَى الْمُقَاسَمَة كَأَحَادِ الْجَيْشِ، لَكِنْ لِلْأَمِيرِ إعْطَاؤُهَا ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ (فَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ الثُّلُثِ فِي الرَّجْعَةِ أَوْ الرُّبْعِ فِي الْبُدَاءَةِ (رُدُّوا إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ، وَلَمْ يَسْتَحِقُّوا الزَّائِدَ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ.
[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ]
فَصْلٌ وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي، فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
(وَ) يَلْزَمُهُمْ (النُّصْحُ لَهُ) لِحَدِيثِ " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَلِأَنَّ نُصْحَهُ نُصْحٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَإِذَا نَصَحُوهُ كَثُرَ دَفْعُهُ، وَفِي الْأَثَرِ " إنَّ اللَّهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ " وَمَعْنَاهُ: يَكُفُّ.
(وَ) يَلْزَمُهُمْ (الصَّبْرُ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ وَأَرْضِ الْعَدُوِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200]
وَلِأَنَّهُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ.
(وَ) يَلْزَمُ (اتِّبَاعُ رَايَةٍ وَالرِّضَا بِقِسْمَتِهِ لِلْغَنِيمَةِ وَبِتَعْدِيلِهِ لَهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ طَاعَتِهِ (وَإِنْ خَفِيَ عَنْهُ صَوَابٌ عَرَّفُوهُ وَنَصَحُوهُ)(فَلَوْ أَمُرَهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا عَصَوْا) قَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ قَالَ سِيرُوا وَقْتَ كَذَا دَفَعُوا مَعَهُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " الْخِلَافُ شَرٌّ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ كَانَ يُقَالُ " لَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ " وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يُخَالِفُوهُ، يَتَشَعَّثُ أَمْرُهُمْ (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ) وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَلَفِ لِلدَّوَابِّ (وَلَا يَتَحَطَّبُ) وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَطَبِ.
(وَلَا يُبَارِزُ) عَلَجًا (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثُ حَدَثًا إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ، وَحَالِ الْعَدُوِّ، وَمَكَامِنِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، فَإِذَا خَرَجَ إنْسَانٌ أَوْ بَارَزَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُصَادِفَ كَمِينًا لِلْعَدُوِّ، فَيَأْخُذُوهُ، أَوْ يَرْحَلَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيَتْرُكُهُ، فَيَهْلَكُ، أَوْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يَقْوَى عَلَى الْمُبَارَزَةِ، فَيَظْفَرُ بِهِ الْعَدُوُّ، فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ انْتِفَاءِ الْمَفَاسِدِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62](وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ فِي مَوْضِعِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَخُوفٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِهِمْ.
(وَإِنْ دَعَا كَافِرٌ إلَى الْبِرَازِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ: عِبَارَةٌ عَنْ مُبَارَزَةِ الْعَدُوِّ، وَبِفَتْحِهَا: اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ (اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) لِمُبَارَزَةِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ سَمِعْت أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا فِي قَوْله تَعَالَى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ نَزَلَتْ فِي مُبَارَزَتِنَا يَوْمَ بَدْرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةَ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ، فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِجَابَةِ إلَيْهَا إظْهَارًا لِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ (فَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ) الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ (كُرِهَ) لَهُ أَنْ يُجِيبَ
لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ ظَاهِرًا (فَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ لَا رَأْيَ لَهُ فُعِلَتْ الْمُبَارَزَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ذَكَرَهُ) مُحَمَّدُ بْنُ تَمِيمٍ الْحَرَّانِيُّ (فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ) لِنِكَايَةِ الْعَدُوِّ (وَالْمُبَارَزَةُ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا إذْنُ الْإِمَامِ: أَنْ يَبْرُزَ رَجُلٌ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَبْلَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، يَدْعُو إلَى الْمُبَارَزَةِ) بِخِلَافِ الِانْغِمَاسِ فِي الْكُفَّارِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ وَلَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلَا مُقَاوَمَةٌ، بِخِلَافِ الْمُبَارَزَةِ، فَإِنَّ قُلُوبَ الْجَيْشِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَتَرْتَقِبُ ظَفَرَهُ.
(وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الشُّجَاعِ طَلَبُهَا ابْتِدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ غَالِبٌ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ (وَلَا يُسْتَحَبُّ) لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ شَرَطَ الْكَافِرُ) الْمُبَارِزُ (أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إلَيْهِ أَوْ كَانَ هُوَ الْعَادَةُ لَزِمَهُ) الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَالْعَادَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ (وَيَجُوزُ رَمْيهُ وَقَتْلُهُ قَبْلَ الْمُبَارَزَةِ) ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، لَا عَهْدَ لَهُ، وَلَا أَمَانَ فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمْ) أَيْ: بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ (أَنَّ مَنْ يَخْرُجُ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ لَا يُعَرَّضُ لَهُ، فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الشَّرْطِ) وَيُعْمَلُ بِالْعَادَةِ.
(وَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِم) تَارِكًا لِلْقِتَالِ (أَوْ أُثْخِنَ) الْمُسْلِمُ (بِالْجِرَاحِ جَازَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عَنْهُ وَالرَّمْيُ) أَيْ: رَمْيُ الْكَافِرِ وَقَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا صَارَ إلَى هَذَا الْحَالِ، فَقَدْ انْقَضَى قِتَالُهُ، وَزَالَ الْأَمَانُ، وَزَالَ الْقِتَالُ؛ لِأَنَّ حَمْزَةَ وَعَلِيًّا أَعَانَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْلِ شَيْبَةَ حِينَ أُثْخِنَ عُبَيْدَةُ وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيُقَاتِلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ، لَا الْمُبَارَز؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ.
(وَتَجُوزُ الْخُدْعَةُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالدَّالِ، وَهِيَ الِاسْمُ مِنْ الْخِدَاعِ أَيْ: إرَادَةُ الْمَكْرُوهِ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ كَالْخَدِيعَةِ (فِي الْحَرْبِ لِلْمُبَارِزِ وَغَيْرِهِ) لِحَدِيثِ «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ لَمَّا بَارَزَ عَلِيًّا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ مَا بَرَزْتُ لِأُقَاتِلَ اثْنَيْنِ، فَالْتَفَتَ عَمْرٌو فَوَثَبَ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ فَقَالَ عَمْرٌو خَدَعْتَنِي فَقَالَ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.
(وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ: الْكَافِرَ الْمُبَارِزَ (الْمُسْلِمُ أَوْ أَثْخَنَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَسَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الْمُبَارَزَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَفِي الْإِرْشَادِ:.
وَإِنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ (غَيْر مَخْمُوسٍ) لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَهُوَ) أَيْ: السَّلَبُ (مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، لَا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ احْتَسَبَهُ مِنْ الْخُمْسِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ كَسَهْمِ الْفَارِسِ.
(وَلَوْ) كَانَ الْقَاتِلُ لِلْكَافِرِ (عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا بِإِذْنِ) الْإِمَامِ (أَوْ صَبِيًّا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ،.
وَ (لَا) يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ إنْ كَانَ (مُخَذِّلًا، وَلَا مُرْجِفًا، وَمُعِينًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ عَاصٍ) بِسَفَرِهِ (كَمَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ) الْأَمِيرِ (أَوْ مَنَعَ مِنْهُ) الْأَمِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، وَيَسْتَحِقُّ السَّلَبَ الْقَاتِلُ بِشَرْطِهِ.
(وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً وَنَحْوَهُمَا) كَالْخُنْثَى وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ (إذَا قَاتَلُوا) لِلْعُمُومَاتِ (وَكَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا أَوْ أَثْخَنَهُ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ فَلَهُ سَلَبُهُ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ) كَالرَّجُلِ الْحُرِّ (أَوْ الرَّضْخِ) كَالْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْكَافِرِ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، وَالصَّبِيِّ (كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ) أَيْ: سَوَاءٌ قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ (أَوْ لَمْ يَقُلْهُ) الْإِمَامُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(إذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا)«؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ذَفَّفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ وَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ» (مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ، أَيْ: مُجِدًّا فِيهِ مُقْبِلًا عَلَيْهِ) فَإِنْ كَانَ مُنْهَزِمًا، فَلَا سَلَبَ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ (وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ، كَأَنْ بَارَزَهُ) أَوْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَلَا سَلَبَ لَهُ (لَا إنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَتَلَهُ مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ) لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ وَكَذَا إنْ أَغْرَى عَلَيْهِ كَلْبًا عَقُورًا فَقَتَلَهُ وَإِنْ عَانَقَ رَجُلٌ رَجُلًا فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلًا عَلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُهُ، فَجَاءَ آخَرُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ (أَوْ) قَتَلَهُ (مُنْهَزِمًا مِثْلُ أَنْ يَنْهَزِمَ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ، فَيُدْرِكُ إنْسَانًا مُنْهَزِمًا، فَيَقْتُلُهُ) ، فَلَا سَلَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بِنَفْسِهِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَانْهَزَمَ أَحَدُهُمْ مُتَحَيِّزًا) إلَى فِئَةٍ، أَوْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ (فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَالتَّرْغِيبِ (وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ) أَيْ: الْمَقْتُولِ (أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُثْخَنٍ، أَيْ: مُوهَنٍ بِالْجِرَاحِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ
(وَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَةَ) إنْسَانٍ (ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ أَوْ ضَرَبَهُ اثْنَانِ وَكَانَتْ ضَرْبَةُ أَحَدِهِمَا أَبْلَغَ فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ) لَا رُبْعَتِهِ (وَلِلَّذِي ضَرْبَتُهُ أَبْلَغُ) ؛ لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ.
(وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُشْرِكْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّغْرِيرِ فِي قَتْلِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِالِاشْتِرَاكِ.
(وَإِنْ أَسَرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ اسْتَحْيَاهُ) أَيْ: أَبْقَاهُ حَيًّا رَقِيقًا، أَوْ بِفِدَاءٍ أَوْ مَنٍّ (فَسَلَبُهُ وَرِقُّهُ إنْ رُقَّ وَفِدَاؤُهُ إنْ فُدِيَ: غَنِيمَةٌ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَسَرَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ أَسْرَى، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ وَاسْتَبْقَى مِنْهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَعْطَى أَحَدًا مِمَّنْ أَسَرَهُمْ سَلَبًا وَلَا فِدَاءً.
(وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ، وَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ لِلْقَاتِلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَ لَمْ يُثْخِنْهُ.
(وَإِنْ قَطَعَ) وَاحِدٌ (يَدَهُ وَرِجْلَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ.
(وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْقَتْلِ) لِأَخْذِ السَّلَبِ (إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا يَنْصَرِفُ إلَى شَاهِدَيْنِ، وَكَالْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَيَأْتِي فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ، يُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَرَجُلٌ، وَيَمِينٌ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَالسَّلَبُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْكَافِرِ (مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَعِمَامَةٍ، وَقَلَنْسُوَةٍ، وَمِنْطَقَةٍ، وَلَوْ مُذَهَّبَةٌ، وَدِرْع، وَمِغْفَر، وَبَيْضَة، وَتَاجٍ، وَأَسْوِرَةٍ، وَرَانٍ، وَخُفٍّ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِلْيَةٍ وَ) مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ (سِلَاحٍ مِنْ سَيْفٍ، وَرُمْحٍ، وَلَتٍّ، وَقَوْسٍ، وَنُشَّابٍ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حَرْبِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنْ الثِّيَابِ، وَسَوَاءٌ (قَلَّ) السَّلَبُ (أَوْ كَثُرَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَخْذِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ سَلَبَ مَرْزُبَانَ الدَّارَةِ وَإِنَّهُ بَلَغَ الثَّلَاثِينَ أَلْفًا (وَدَابَّتُهُ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا بِآلَتِهَا مِنْ السَّلَبِ إذَا قُتِلَ وَهُوَ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ؛ وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحَرْبِ كَالسِّلَاحِ، وَآلَتهَا كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ تَبَعٌ لَهَا (وَنَفَقَتُهُ وَرَحْلُهُ، وَخَيْمَتُهُ، وَجَنِيبَتُهُ غَنِيمَةٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ اللُّبُوسِ، وَلَا مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْأَمْوَالِ.
(وَيَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً غَيْرَ مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ.
(وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهِ، فَيُهَانُ (وَتَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ) .
(وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْحَرْبِ وَأَمْرُهُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَجُزْ الْمُبَارَزَةُ إلَّا
بِإِذْنِهِ فَالْغَزْوُ أَوْلَى (إلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ) أَيْ: يَطْلُعَ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً (عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ، أَيْ: شَرَّهُ، وَأَذَاهُ (بِالتَّوَقُّفِ عَلَى الْإِذْنِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ الضَّرَرِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ لَأَحَدٍ إلَّا مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَخَلُّفِهِ، لِحِفْظِ الْمَكَانِ وَالْأَهْلِ، وَالْمَالِ، وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَمَنْ يَمْنَعُهُ الْإِمَامُ (أَوْ) يَجِدُونَ (فُرْصَةً يَخَافُونَ فَوْتَهَا) إنْ تَرَكُوهَا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوا الْأَمِيرَ فَإِنَّ لَهُمْ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ صَارَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ، فَلَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجَ الْمَدِينَةِ تَبِعَهُمْ، وَقَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «وَقَالَ خَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ» وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ، وَرَاجِلٍ.
(وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ لِرَجُلٍ أَخْرُجُ عَلَيْك أَنْ لَا تَصْحَبَنِي، فَنَادَى) الْإِمَامُ (بِالنَّفِيرِ لَمْ يَكُنْ) النَّفِيرُ (إذْنًا لَهُ) فِي الْخُرُوجِ لِتَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (وَلَا بَأْسَ بِالنِّهْدَةِ) بِكَسْرِ النُّونِ، وَهُوَ الْمُنَاهَدَةُ (فِي السَّفَرِ) فَعَلَهُ الصَّالِحُونَ كَانَ الْحَسَنُ إذَا سَافَرَ أَلْقَى مَعَهُمْ، وَيَزِيدُ أَيْضًا بَعْدَ مَا يُلْقِي، وَفِيهِ أَيْضًا رِفْقٌ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ: النِّهْدُ (أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّفْقَةِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ يَدْفَعُونَهُ إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَيَأْكُلُونَ مِنْهُ جَمِيعًا، وَلَوْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَلَوْ دَخَلَ قَوْمٌ لَا مَنَعَةَ) بِفَتْحِ الْأَحْرُفِ الثَّلَاثِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ النُّونُ، أَيْ: الْقُوَّةَ وَالدَّفْعَ (لَهُمْ، أَوْ لَهُمْ مَنَعَةٌ أَوْ) دَخَلَ وَاحِدٌ، وَلَوْ عَبْدًا ظَاهِرًا (كَانَ) الدُّخُولُ (أَوْ خُفْيَةً دَارَ حَرْبٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَمِيرِ فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ لِعِصْيَانِهِمْ) بِافْتِيَاتِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ فَنَاسَبَ حِرْمَانَهُمْ كَقَتْلِ الْمَوْرُوثِ.
(وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ) إلَى الْمَأْخُوذِ (وَلَا إذْنِ) الْأَمِيرِ (طَعَامًا مِمَّا يُقْتَاتُ أَوْ يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ مِنْ الْأُدْمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ سُكَّرًا أَوْ مَعَاجِينَ وَعَقَاقِيرَ وَنَحْوَهُ، أَوْ عَلَفًا فَلَهُ أَكْلُهُ وَإِطْعَامُ سَبْيٍ اشْتَرَاهُ، وَعَلَفُ دَابَّتِهِ، وَلَوْ كَانَا) أَيْ: السَّبْيُ وَالدَّابَّةُ (لِتِجَارَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ، وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْهُ «أَنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا وَعَسَلًا فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ الْخُمْسَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ إذْ الْحَمْلُ فِيهِ مَشَقَّةٌ فَأُبِيحَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسَ (مَا لَمْ يُحْرَزْ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ (أَوْ يُوَكِّلُ الْإِمَامُ مَنْ يَحْفَظُهُ، فَلَا يَجُوزُ إذَنْ)
أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُعْلِفَهُ دَابَّتَهُ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَثَمَّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهِ.
(وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الطَّعَامِ، وَإِنْ لَمْ يُحْرَزْ (فَهْدًا، وَ) لَا (كَلْبًا، وَ) لَا (جَارِحًا فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: أَطْعَمَ ذَلِكَ (غَرِمَ قِيمَتَهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرَدُّ لِلتَّفَرُّجِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْغَزْوِ (وَلَا يَبِيعَهُ) أَيْ: الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ (فَإِنْ) كَانَ (بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمَغْنَمِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ " أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْغَلَّةِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ دَعْ النَّاسَ يَعْلِفُونَ، وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمْسُ اللَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَانِمِينَ، وَفِي رَدِّ الثَّمَنِ تَحْصِيلٌ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا، فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا.
وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ أَيْ: الْمُوَفَّقُ فِي الْكَافِي: إنْ بَاعَهُ لِغَيْرِ غَازٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ كَبَيْعِهِ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ إذَنْ، فَيَرُدُّ الْمَبِيعُ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ ثَمَنُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ، إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ مُبَاحًا، وَأَخَذَ مِثْلَهُ، وَيَبْقَى أَحَقُّ بِهِ لِثُبُوتِ يَده عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ، وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ، جَازَ إذْ لَا بَيْعَ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ وَفَاهُ أَوْ رَدَّ إلَيْهِ عَادَتْ يَدُهُ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ، لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ، وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهُ إلَيْهِ (وَالدُّهْنُ الْمَأْكُولُ كَسَائِرِ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ أَشْبَهَ الْبُرَّ (وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ مِنْهُ) لِحَاجَةٍ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد دُهْنَهُ بِزَيْتٍ لِلتَّزَيُّنِ لَا يُعْجِبُنِي (وَ) لَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ (مِنْ دُهْنٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ نَجِسًا وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ.
(وَ) لَهُ (أَكْلُ مَا يَتَدَاوَى بِهِ، وَشُرْبُ جُلَّابٍ، وَسَكَنْجَبِينَ، وَنَحْوِهِمَا لِحَاجَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الطَّعَامِ (وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِالصَّابُونِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ فِي الْمَغْنَمِ (وَلَا يَرْكَبُ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّ الْمَغْنَمِ) لِمَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَرْكَبُ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ.
؛ وَلِأَنَّهَا تَتَعَرَّضُ لِلْعَطَبِ غَالِبًا وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ
بِخِلَافِ السِّلَاحِ (وَلَا يَتَّخِذْ النَّعْلَ وَالْجُرُبَ) جَمْعُ جِرَابٍ (مِنْ جُلُودِهِمْ، وَلَا الْخُيُوطَ، وَالْحِبَالَ) بَلْ تُرَدُّ عَلَى الْمَغْنَمِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ (وَكُتُبِهِمْ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَ) كُتُبِ (الطِّبِّ وَاللُّغَةِ وَالشِّعْرِ وَنَحْوِهَا) كَالْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ (غَنِيمَة) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نَفْعٍ مُبَاحٍ (وَإِنْ كَانَتْ) كُتُبُهُمْ (مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، كَكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا أَوْ وَرِقِهَا بَعْدَ غَسْلِهِ غَسْلَ) إزَالَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ (وَهُوَ غَنِيمَةٌ) كَسَائِرِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا بَعْدَ غَسْلِهَا (فَلَا) تَكُونُ غَنِيمَةً بَلْ يُتْلِفُهَا (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا) ، وَلَوْ لِإِتْلَافِهَا كَكُتُبِ الزَّنْدَقَةِ وَنَحْوِهَا.
(وَجَوَارِحُ الصَّيْدِ كَالْفُهُودِ وَالْبُزَاةِ: غَنِيمَةٌ تُقَسَّمُ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَبَاقِي الْأَمْوَالِ.
(وَإِنْ كَانَتْ كِلَابًا مُبَاحَةً لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ (فَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا أَحَدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ جَازَ إرْسَالُهَا، وَ) جَازَ (إعْطَاؤُهَا غَيْرَهُمْ) أَيْ: غَيْرَ الْغَانِمِينَ.
(وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا بَعْضُ الْغَانِمِينَ دُونَ بَعْضٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْغَانِمِينَ (وَلَمْ تُحْتَسَبْ عَلَيْهِ) مِنْ سَهْمِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ (وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا) أَيْ: الْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ (الْجَمِيعُ) أَيْ: جَمِيعُ الْغَانِمِينَ (أَوْ) رَغِبَ فِيهَا (نَاسٌ كَثِيرٌ) مِنْ الْغَانِمِينَ (وَأَمْكَنَ قِسْمَتُهَا) عَدَدًا (قُسِمَتْ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ) أَيْ: قِسْمَتُهَا بِالْعَدَدِ (أَوْ تَنَازَعُوا فِي الْجَيِّدِ مِنْهَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُ الْقُرْعَةِ.
(وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ، وَيُكْسَرُ الصَّلِيبُ، وَيُرَاقُ الْخَمْرُ، وَتُكْسَرُ أَوْعِيَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ) وَإِلَّا أُبْقِيَتْ.
(وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ) كَالْعَلَفِ (شَيْءٌ، وَلَوْ يَسِيرًا، فَأَدْخَلَهُ بَلَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَمَا بَقِيَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ.
(وَ) إنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ (قَبْلَ دُخُولِهَا) أَيْ: دُخُولِ بَلَدِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (يَرُدُّ مَا فَضَلَ مَعَهُ) وَفِي نُسَخٍ مِنْهُ (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَعْطَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ (جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، وَصَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) كَمَا لَوْ أَخَذَهُ هُوَ ابْتِدَاءً.
(وَلَهُ أَخْذُ سِلَاحٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ يُقَاتِلُ بِهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ " انْتَهَيْتُ إلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ الطَّعَامِ، وَضَرَرُ اسْتِعْمَالِهِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ أَكْلِ الطَّعَامِ، لِعَدَمِ زَوَالِ عَيْنِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ.
(وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ النُّشَّابَ ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ الْعَدُوَّ)
لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقِتَالِ بِالسَّيْفِ (وَلَيْسَ لَهُ الْقِتَالُ عَلَى فَرَسٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي رُكُوبِ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّهَا (وَلَا لُبْسُ ثَوْبٍ) مِنْ الْغَنِيمَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَيْسَ لِأَجِيرٍ لِحِفْظِ غَنِيمَةٍ رَكُوبُ دَابَّةٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهَا بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (إلَّا بِشَرْطٍ) " بِأَنْ شَرَطَ لَهُ الْأَمِيرُ رَكُوبَهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَعُيِّنَتْ الْمَسَافَةُ، بَلْ ظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنَا.
(وَلَا) لِأَجِيرٍ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ (رَكُوبُ دَابَّةٍ حَبِيسٍ) أَيْ: مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْغَزَاةِ، لِوُجُوبِ صَرْفِ الْوَقْفِ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا (وَلَوْ بِشَرْطٍ) أَيْ: وَلَوْ شَرَطَ الْأَمِيرُ لِلْأَجِيرِ رَكُوبَ الْحَبِيسِ، فَلَا يَسْتَبِيحُهُ بِذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: رَكِبَ الْأَجِيرُ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ (فَ) عَلَيْهِ (أُجْرَةُ مِثْلِهَا) لِتَعَدِّيهِ بِإِتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ فَيُرَدُّ فِي الْغَنِيمَةِ إنْ كَانَتْ مِنْهَا، وَتُصْرَفُ فِي نَفَقَةِ الْحَبِيسِ، إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ حَبِيسًا.
(وَمَنْ أَخَذَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ) مِنْهُ (لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ فَكَانَ الْفَاضِلُ لَهُ، كَمَا لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ حَجَّةً بِأَلْفٍ يُصْرَفُ فِي حَجَّةٍ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الزَّكَاةِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (أَنْفَقَهُ فِي الْغَزْوِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهُ، لِيُنْفِقَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ فَلَزِمَهُ إنْفَاقُ الْجَمِيعِ فِيهَا كَمَا لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَنْفَدَ.
(وَإِنْ أُعْطِيَهُ) أَيْ: الْمَالُ (لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ لِأَهْلِهِ شَيْئًا) قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَلَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ (إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ) ، فَيَكُونُ كَهَيْئَةِ مَالِهِ (فَيَبْعَثُ إلَى عِيَالِهِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ حَوَائِجِهِ.
(وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا أُعْطِيَهُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ (عِنْدَ الْخُرُوجِ لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ عَنْ الْغَزْوِ) ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِمَا أَنْفَقَهُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلَاحًا وَآلَةَ الْغَزْوِ) كَالتُّرْسِ وَالْفَرَسِ.
(وَمَنْ أُعْطِيَ دَابَّةً لِيَغْزُوَ عَلَيْهَا غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَلَا حَبِيسٍ فَغَزَا عَلَيْهَا مَلَكَهَا) بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا لِقَوْلِ عُمَرَ " حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ مَا بَاعَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ بَعْدَ الْغَزْوِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَامَهُ لِلْبَيْعِ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَهُ مِنْ عُمَرَ ثُمَّ يُقِيمَهُ لِلْبَيْعِ فِي الْحَالِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ غَزْوِهِ