الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا]
فَصْلٌ (وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا فَلَهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنُ (أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ حَيَوَانًا وَلَوْ أَمَةً مُرْضِعَةً بِغَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ نَصًّا) مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ: النَّفَقَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُنْفِقُ وَيَنْتَفِعُ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ بِمَا رُوِيَ «إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلْفُهَا» فَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْمُنْفِقُ فَيَكُونُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ وَقَوْلُهُ " بِنَفَقَتِهِ " أَيْ: بِسَبَبِهَا إذْ الِانْتِفَاعُ عِوَضُ النَّفَقَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنْفَاقُهُ وَانْتِفَاعُهُ لَيْسَا بِسَبَبِ الرُّكُوبِ وَالشُّرْبِ بَلْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي كَوْنِ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، لِئَلَّا يَحِيفَ عَلَى الرَّاهِنِ.
(وَسَوَاءٌ أَنْفَقَ) الْمُرْتَهِنُ (مَعَ تَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ الرَّاهِنِ بِ) سَبَبِ (غَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا (أَوْ) أَنْفَقَ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَخْذِ النَّفَقَةِ مِنْهُ) أَيْ: الرَّاهِنِ (أَوْ اسْتِئْذَانِهِ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (وَلَا يَنْهَكُهُ) أَيْ: الْمَحْلُوبَ وَالْمَرْكُوبَ بِالْحَلْبِ وَالرَّكُوبِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِهِ.
(فَإِنْ فَضَلَ) عَنْ النَّفَقَةِ - مِنْ اللَّبَنِ شَيْءٌ بَاعَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَالِكِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَأْذَنِ الرَّاهِنُ لِأَحَدٍ فِي بَيْعِهِ (بَاعَهُ الْحَاكِمُ) ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ إذْ لَوْ تَرَكَهُ لَفَسَدَ.
(وَإِنْ فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ) بِأَنْ لَمْ يَفِ اللَّبَنُ وَالرَّكُوبُ بِهَا (رَجَعَ) الْمُرْتَهِنُ (بِهِ عَلَى رَاهِنٍ) إنْ نَوَى الرُّجُوعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ وَلِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ.
(وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ، نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُرْتَهِنُ (مُتَطَوِّعًا) بِمَا فَضَلَ عَنْ النَّفَقَةِ (لَمْ يَرْجِعْ) بِشَيْءٍ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي) الرَّهْنِ (غَيْرِ الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَيَسْتَخْدِمُهَا بِقَدْرِ النَّفَقَةِ) قَصْرًا لِلنَّصِّ عَلَى مَوْرِدِهِ.
(وَ) يَجُوز (لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِإِذْنِ رَاهِنٍ مَجَّانًا) أَيْ: بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِعِوَضٍ (وَلَوْ بِمُحَابَاةٍ) فِي الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالِانْتِفَاعِ بِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَرْضًا) فَلَا يَنْتَفِعُ
بِهِ الْمُرْتَهِنُ وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ مَجَّانًا أَوْ بِمُحَابَاةٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا " تَنْبِيهٌ " فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا - كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ - بَيْنَ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ وَتَقَدَّمَ فِي الْقَرْضِ: أَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ كَالْمُقْتَرَضِ فِي الْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَمُقْتَضَاهُ: عَدَمُ الْفَرْقِ هُنَاكَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ فِي غَيْرِ الْقَرْضِ رِوَايَتَيْنِ، فَيَكُونُ الْمُصَنِّف كَصَاحِبِ الْمُنْتَهَى مَشَى فِي كُلِّ بَابٍ عَلَى رِوَايَةِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ: الرَّهْنَ (الْمُرْتَهِنُ أَوْ اسْتِعَارَهُ) الْمُرْتَهِن (لَمْ يَخْرُج) الْمَرْهُون (بِذَلِكَ عَنْ الرَّهْن) خِلَافًا لِلْقَاضِي (؛ لِأَنَّ الْقَبْض مُسْتَدَام) بِيَدِهِ وَلَا تَنَافِي بَيْن الْعَقْدَيْنِ (لَكِنْ يَصِيرُ) الرَّهْنُ (فِي الْعَارِيَّةِ مَضْمُونًا) بِالِانْتِفَاعِ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ انْتَفَعَ) الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ (بِغَيْرِ إذْن الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) فِي ذِمَّتِهِ كَالْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْهُ بِقَدَرِهَا بِالْمُقَاصَّةِ بِشَرْطِهَا (وَإِنْ تَلِفَ الرَّهْنُ ضَمِنَهُ) الْمُرْتَهِنُ (؛ لِتَعَدِّيهِ) بِانْتِفَاعِهِ بِهِ بِغَيْرِ إذْن رَبِّهِ، كَالْوَدِيعَةِ.
(وَإِنْ أَنْفَقَ) الْمُرْتَهِنُ (عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ: قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ (فَ) هُوَ (مُتَبَرِّعٌ وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ) ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، حَيْثُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْمَالِكَ إذْ الرُّجُوعُ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَافْتَقَرَ إلَى الْإِذْنِ وَالرِّضَا، كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.
(وَإِنْ عَجَزَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ اسْتِئْذَانِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ لِنَحْوِ غَيْبَةٍ (رَجَعَ) الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِحُرْمَةِ حَقِّهِ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَهُ وَنَفَقَةُ مِثْلِهِ) فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ مِثْلِهِ خَمْسَةً وَأَنْفَقَ أَرْبَعَةً رَجَعَ بِالْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّهَا الَّتِي أَنْفَقَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ رَجَعَ أَيْضًا بِالْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْمِثْلِ تَبَرُّعٌ (إذَا نَوَى الرُّجُوعَ) فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ لَا رُجُوعَ لَهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(وَلَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْذَانِ حَاكِمٍ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلَمْ يُشْهِدْ) أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا) أَيْ: مِثْلُ حُكْمِ النَّفَقَةِ عَلَى الرَّهْنِ حُكْمُ النَّفَقَةِ عَلَى وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ.
(وَجِمَالٍ وَنَحْوِهَا) كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ (إذَا هَرَبَ صَاحِبُهَا وَتَرَكَهَا فِي يَد مُكْتَرٍ) وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا (وَتَأْتِي هَذِهِ) أَيْ: مَسْأَلَةُ هَرَبِ الْجَمَّالِ وَنَحْوِهِ (فِي الْإِجَارَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَكَفَّنَهُ.
(وَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ) الْمَرْهُونَةُ (فَعَمَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ) الْمُرْتَهِنُ (بِهِ) أَيْ: بِمَا أَنْفَقَهُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الرَّاهِنِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ.
(وَلَوْ نَوَى) الْمُرْتَهِنُ (الرُّجُوعَ لَكِنْ لَهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (أَخْذُ أَعْيَانِ آلَتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَكَذَا مُسْتَأْجِرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَوَدِيعٌ.