الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إقَامَتُهُ) بِهِ (حَتَّى يَبْرَأَ) مِنْ مَرَضِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ يَشُقُّ عَلَى الْمَرِيضِ (وَتَجُوزُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا لِمَنْ يُمَرِّضُهُ) لِضَرُورَةِ إقَامَتِهِ.
(وَإِنْ مَاتَ دُفِنَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ (وَلَا يُمْنَعُونَ) أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (مِنْ تَيْمَاءَ فَيْدَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ بَعْدَهَا وَهِيَ مِنْ بِلَادِ طَيٍّ (وَنَحْوِهِمَا) مِنْ بَاقِي الْجَزِيرَةِ غَيْرِ الْحِجَازِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ لَمْ يُخْرِجْ وَاحِدًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
(وَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ، وَلَوْ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا بَصَرَ بِمَجُوسِيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ وَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ يَمْنَعُ فَالشِّرْكُ أَوْلَى، وَصَحَّحَ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ أَهْلِ الطَّائِفِ فَأَنْزَلَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ» وَأُجِيبَ عَنْهُ وَعَنْ نَظَائِرِهِ: بِأَنَّهُ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُخَاطِبُونَهُ صلى الله عليه وسلم وَيَحْمِلُونَ إلَيْهِ الرَّسَائِلَ وَالْأَجْوِبَةَ وَقَدْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ الدَّعْوَةَ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجَ لِكُلِّ مَنْ قَصْدَهُ مِنْ الْكُفَّارِ (وَيَجُوزُ دُخُولُهَا) أَيْ: مَسَاجِدِ الْحِلِّ (لِلذِّمِّيِّ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِعِمَارَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَصْلَحَةٍ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: تَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكِسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ بِيَدِهِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا: الْعِمَارَةُ فِي الْآيَةِ دُخُولُهُ وَجُلُوسُهُ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] الْآيَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الْفُنُونِ وَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَهِيَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَظَاهِرُهُ: الْمَنْعُ فِيهِ فَقَطْ لِشَرَفِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بِنَائِهِ وَإِصْلَاحِهِ وَلَمْ يَخُصَّ مَسْجِدًا بَلْ أَطْلَقَ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
[فَصْلٌ إنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ تَغْلِبِيًّا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ]
فَصْلٌ وَإِنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ وَلَوْ صَغِيرًا، أَوْ أُنْثَى أَوْ تَغْلِبِيًّا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى بَلَدِهِ (وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْوَاجِبُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بِلَادِنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا مَعَهُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ " أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا " وَهَذَا كَانَ بِالْعِرَاقِ وَاشْتُهِرَ، وَعُمِلَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَهُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالزَّكَاةِ (وَيَمْنَعُهُ) أَيْ: نِصْفَ الْعُشْرِ (دَيْنٌ ثَبَتَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِبَيِّنَةٍ كَزَكَاةٍ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّيْنِ بِمُجَرَّدِهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَارِيَةٌ فَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ ابْنَتُهُ صَدَقَ) لِتَعَذُّرِ إقَامَتِهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مِلْكِهِ إيَّاهَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا.
(وَلَا بِعُشْرِ ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ يَتَبَايَعُونَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ " وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ " أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَخَرَاجُ أَرْضِهَا بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا، فَأَنْكَرَهُ عُمَرُ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا إذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمَامَةَ بْنِ غَفَلَةَ " أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ؟ إنَّ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا مِنْ الثَّمَنِ ".
(وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى أُخِذَ مِنْ تِجَارَتِهِ الْعُشْرُ، دَفْعَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ عَشَرُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلَتْ إلَيْهِمْ أَمْ لَا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا اتَّجَرَ إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ.
(وَلَا يُؤْخَذُ) الْعُشْرُ وَلَا نِصْفُهُ (مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا اتَّجَرَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ بِالشَّرْعِ فَاعْتُبِرَ لَهُ النِّصَابُ، كَالزَّكَاةِ وَخُصَّ بِالْعُشْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَالْعُشْرَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ.
(وَيُؤْخَذُ) نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْعُشْرُ مِنْ الْحَرْبِيِّ (مِنْ كُلِّ عَامٍ مَرَّةً) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ " أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: إنَّ عَامِلَكَ عَشَرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ قَالَ وَمَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ أَنْ لَا يُعَشِّرَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَالزَّكَاةَ إنَّمَا يُؤْخَذَانِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَكَذَا هُنَا وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ
أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَمَتَى أَخَذَ ذَلِكَ كَتَبَ لَهُمْ بِهِ حُجَّةً لِتَكُونَ وَثِيقَةً لَهُمْ، وَحُجَّةً عَلَى مَنْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْشُرُهُمْ ثَانِيَةً إلَّا مَنْ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ فَيَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْشَرْ.
(وَيَحْرُمُ تَعْشِيرُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكُلَفُ الَّتِي ضَرَبَهَا الْمُلُوكُ عَلَى النَّاسِ) بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ (إجْمَاعًا قَالَ الْقَاضِي لَا يَسُوغُ فِيهَا اجْتِهَادٌ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ قَالَ الشَّيْخُ لِوَلِيٍّ) أَيْ: فِي نِكَاحٍ (يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ: مَنْعُ مُوَلِّيَتِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ مِمَّنْ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ.
(وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ) أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَالْمَنْعُ مِنْ آذَاهُمْ) لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَلَى ذَلِكَ (وَاسْتِنْقَاذُ أَسْرَاهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَتَأَبَّدَ عَهْدُهُمْ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (بَعْدَ فَكِّ أَسَرَانَا) فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ (وَلَوْ لَمْ يَكُونَا فِي مَعُونَتِنَا) خِلَافًا لِلْقَاضِي قَالَ: إنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي قِتَالٍ فَسُبُوا.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلِ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ، وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ، وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ، وَحِفْظِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ) أَيْ: نَقَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كِتَابٌ قَدْ كَتَبَهُ فِيهِ حِسَابُ عَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ " اُدْعُ الَّذِي كَتَبَهُ لِيَقْرَأَهُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَالَ وَلِمَ لَا يَدْخُلُ؟ فَقَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ.
(وَلَا يَكُونُ) الذِّمِّيُّ (بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا، وَلَا جَهْبَذًا وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) لِخِيَانَتِهِمْ، فَلَا يُؤْمَنُونَ.
(وَيَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ مِنْ دِيوَانِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ (وَتَقَدَّمَ نَحْوُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْقِتَالِ فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ) .
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَشَارُوا أَوْ يُؤْخَذَ بِرَأْيِهِمْ) لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُومِينَ (فَإِنْ أَشَارَ الذِّمِّيُّ بِالْفِطْرِ فِي الصِّيَامِ، أَوْ) أَشَارَ (بِالصَّلَاةِ جَالِسًا لَمْ يُقْبَلْ) خَبَرُهُ (لِتَعَلُّقِهِ بِالدِّينِ، وَكَذَا لَا يُسْتَعَانُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ) كَالرَّافِضَةِ أَيْ: تَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ إلَى بِدْعَتِهِمْ كَمَا سَبَقَ.
(وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَطِبَّ ذِمِّيًّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يَقِفْ عَلَى مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةِ وَكَذَا مَا وَصَفَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَوْ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَسْمُومَاتِ أَوْ النَّجَاسَاتِ) قَالَ تَعَالَى {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118](وَ) يُكْرَهُ (أَنْ تَطِبَّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً وَلَوْ بَيَّنَتْ لَهَا
الْمُفْرَدَاتِ لِلِاخْتِلَافِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ لَكِنْ يَنْبَغِي جَوَازُهُ لِلضَّرُورَةِ كَالرَّجُلِ) (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا نَقْبَلَهَا) أَيْ: تَكُونُ قَابِلَةً لَهَا (فِي وِلَادَتِهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ) لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَى حَاكِمِنَا مَعَ مُسْلِمٍ لَزِمَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ إنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ.
(وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (مَعَ بَعْضٍ) وَلَوْ زَوْجَةً مَعَ زَوْجِهَا (أَوْ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَانِ أَوْ اسْتَعْدَى بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ خُيِّرَ) الْحَاكِمُ (بَيْنَ الْحُكْمِ وَتَرْكِهِ) قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42](فَيَحْكُمُ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إنْ شَاءَ (وَيُعَدَّى بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) إحْضَارَ الْآخَرِ إنْ شَاءَ لِمَا تَقَدَّمَ (وَفِي الْمُسْتَأْمَنِينَ بِاتِّفَاقِهِمَا) فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْكُمْ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا حُكْمَنَا، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ (وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] (وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا) إنْ حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ بِالْعَقْدِ ذَلِكَ (لَا شَرِيعَتُنَا) لِإِقْرَارِنَا لَهُمْ بِالْجِزْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ وَلَا الزَّكَاةِ وَلَا الْحَجِّ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَاقَبُونَ عَلَى سَائِرِ الْفُرُوعِ كَالتَّوْحِيدِ.
(وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتْبَعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ وَلَا يَدْعُو) هُمْ (إلَى حُكْمِنَا نَصًّا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
(وَلَا يُحْضِرُ) الْحَاكِمُ (يَهُودِيًّا يَوْمَ السَّبْتِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ) لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ وَلِهَذَا لَا يُكْرِهُ امْرَأَتَهُ عَلَى إفْسَادِهِ مَعَ تَأْكِيدِ حَقِّهِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» فَيُسْتَثْنَى مَنْ عَمِلَ فِي إجَارَةٍ.
(وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً) كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ (وَتَقَابَضُوا مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ أَتَوْنَا أَوْ أَسْلَمُوا لَمْ يُنْقَضْ فِعْلُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالتَّقَابُضِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَتَنْفِيرًا عَنْ الْإِسْلَامِ بِتَقْدِيرِ إرَادَتِهِ وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِمْ وَمُقَاسَمَاتِهِمْ إذَا تَقَابَضُوهَا.
(وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا) مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (فَسَخَهُ) حَاكِمُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَنُقِضَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا لِعَدَمِ لُزُومِهِمْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
(وَإِنْ تَبَايَعُوا بِرِبًا فِي سُوقِنَا مُنِعُوا) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نُقُودِنَا.
(وَإِنْ عَامَلَ الذِّمِّيُّ بِالرِّبَا وَبَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ مَضَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَأَشْبَهَ نِكَاحَهُ فِي الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمَ.
(وَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21](وَ) أَوْلَادُ (الزِّنَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ) إذْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوِزْرِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ (وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ) لِلْخَبَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (هُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ غَلَّطَ الْقَاضِي عَلَى أَحْمَدَ بَلْ يُقَالُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) وَهَذَا مُصَادَمَةٌ فِي النَّقْلِ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ بِقَوْلِ الْقَاضِي وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْوَالٍ وَالْإِخْبَارُ فِيهَا ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ " وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ - حَتَّى سَمِعَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ - فَتَرَكَ قَوْلَهُ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: وَنَحْنُ نُمِرُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ، وَلَا نَقُولُ شَيْئًا وَسُئِلَ عَنْ الْمَجُوسِيَّيْنِ يَجْعَلَانِ وَلَدَهُمَا مُسْلِمًا فَيَمُوتُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ فَقَالَ: يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» يَعْنِي أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يُمَجِّسَاهُ فَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَالَ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ: لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ فَإِذَا جَعَلَاهُ مُسْلِمًا صَارَ مُسْلِمًا (وَيَأْتِي: إذَا مَاتَ أَبَوَا الطِّفْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي) بَابِ حُكْمِ (الْمُرْتَدِّ) وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي السَّبْيِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا صَلَاتَيْنِ أَوْ يَرْكَعَ وَلَا يَسْجُدَ وَنَحْوَهُ) كَأَلَّا يَسْجُدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً (صَحَّ إسْلَامُهُ وَيُؤْخَذُ بِالصَّلَاةِ كَامِلَةً) لِلْعُمُومَاتِ.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا بِمَا أَخَذَ مِنْهُمْ) لِيَكُونَ لَهُمْ حُجَّةً إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ (وَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ (وَقْتَ الْأَخْذِ وَقَدْرَ الْمَالِ، لِئَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَأَنْ يَكْتُبَ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ عَقْدِ الصُّلْحِ مَعَهُمْ فِي دَوَاوِينِ الْأَمْصَارِ لِيُؤْخَذُوا بِهِ إذَا تَرَكُوهُ) أَوْ أَنْكَرُوهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ.
(وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الْحَقِّ، وَالدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِينٌ صُولِحَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ غَيْرُهُمَا لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ دِينٌ بَاطِلٌ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ (فَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ