الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ أَخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ]
فَصْلٌ (وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) بْنِ وَائِلٍ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَذَارٍ فَإِنَّهُمْ انْتَقَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَدَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى بَذْلِ الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ وَشِدَّةٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْكَ عَدُوَّكَ بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ عُمَرُ فِي طَلَبِهِمْ وَرَدِّهِمْ، وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ.
(وَلَوْ بَذَلُوهَا) أَيْ: الْجِزْيَةَ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ وَقَدْ عَقَدَهُ مَعَهُمْ عُمَرُ هَكَذَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ (بَلْ) تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ (مِنْ حَرْبِيٍّ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ بَنِي تَغْلِبَ (لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ إذَا بَذَ لَهَا) قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْضٌ لِفِعْلِ عُمَرَ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِ.
(وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَقْضُ عَهْدِهِمْ) أَيْ: بَنِي تَغْلِبَ (وَتَجْدِيدُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ رضي الله عنه هَكَذَا فَلَا يُغَيِّرُهُ إلَى الْجِزْيَةِ) أَحَدٌ (وَإِنْ سَأَلُوهُ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَنْقُضُ الِاجْتِهَادَ.
(وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ بَنِي تَغْلِبَ (عِوَضَهَا) أَيْ: الْجِزْيَةَ (مِنْ مَاشِيَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ مِثْلَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعَانِ وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَفِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشْرَةٌ وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْخُمُسُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْخٍ أَوْ دُولَابٍ الْعُشْرُ وَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَيُؤْخَذُ عِوَضُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ مِثْلَيْ زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ (حَتَّى مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِغَارِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ وَزَمِنَاهُمْ وَمَكَافِيفِهِمْ) أَيْ: الْعُمْيِ مِنْهُمْ (وَشُيُوخِهِمْ وَنَحْوِهِمْ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْأَنْفُسِ سَقْطٌ وَانْتَقَلَ إلَى الْأَمْوَالِ بِتَقْدِيرِهِمْ فَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ نِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ صِينُوا عَنْ السَّبْيِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَدَخَلُوا فِي حُكْمِهِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْوَاجِبِ بِهِ كَالرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ (وَ) لِهَذَا (لَا تُؤْخَذُ مِنْ فَقِيرٍ) وَلَوْ مُعْتَمَلًا (وَلَا مِمَّنْ لَهُ مَالٌ دُونَ نِصَابٍ أَوْ) لَهُ مَالٌ (غَيْرُ زَكَوِيٍّ) كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَنَحْوِهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَيَكْتَفِي بِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ
بِاسْمِ الزَّكَاةِ (وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ جِزْيَةِ ذِمِّيٍّ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَيَلْحَقُ بِهِمْ) أَيْ: بِبَنِي تَغْلِبَ (كُلُّ مَنْ أَبَاهَا) أَيْ: الْجِزْيَةَ (إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَرَبِ وَخِيفَ مِنْهُمْ الضَّرَرُ كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخِ) قَبِيلَةٌ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا فَأَقَامُوا فِي مَوَاضِعِهِمْ يُقَالُ تَنَخَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ.
(وَبَهْرَاءَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وِزَانُ حَمْرَاءَ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ قَالَهُ فِي حَاشِيَتَيْهِ (أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ) بِكَسْرِ الْكَافِ (وَحِمْيَرَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ) وَمُضَرَ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَرَبِ أَشْبَهُوا بَنِي تَغْلِبَ (وَمَصْرِفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَجِزْيَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُشْرِكٍ فَكَانَ جِزْيَةً وَغَايَتُهُ أَنَّهُ جِزْيَةٌ مُسَمَّاةٌ بِالصَّدَقَةِ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ هَؤُلَاءِ حَمْقَاءُ رَضُوا بِالْمَعْنَى وَأَبَوْا عَنْ الِاسْمِ.
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ إذَا أُسِرَ) ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُمْتَنِعٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ قَتْلِهِمْ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ " أَنْ اضْرِبُوا الْجِزْيَةَ وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (فَلَا تَجِبُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى صَغِيرٍ وَلَا امْرَأَةٍ) لِمَا مَرَّ.
(وَلَا) عَلَى (خُنْثَى) مُشْكَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رَجْلًا (فَإِنْ بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ مِنْهُ لِلْمُسْتَقْبِلِ فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْمَاضِي (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى وَلَا شَيْخٍ فَانٍ وَلَا رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ، وَهُوَ الَّذِي حَبَسَ نَفْسَهُ وَتَخَلَّى عَنْ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (وَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ) أَيْ: الرَّاهِبِ بِصَوْمَعَةٍ (مَالٌ إلَّا بَلَغَتْهُ فَقَطْ، وَيُؤْخَذُ مَا بِيَدِهِ) زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ.
(وَأَمَّا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَيَتَّخِذُونَ الْمَتَاجِرَ وَالْمَزَارِعَ فَحُكْمُهُمْ كَسَائِرِ النَّصَارَى تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ الشَّيْخُ وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (مِنْ الشَّمَّاسِ كَغَيْرِهِ) لِعَدَمِ الْفَرْقِ.
(وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى عَبْدٍ وَلَوْ لِكَافِرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا جِزْيَةَ عَلَى عَبْدٍ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَالٌ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
(بَلْ) تَجِبُ الْجِزْيَةُ (عَلَى مُعْتَقٍ ذِمِّيٍّ) لِمَا يُسْتَقْبَلُ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مُوسِرٌ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يُقَرَّ فِي دَارِنَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ كَحُرِّ الْأَصْلِ.
(وَ) تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى (مُعْتَقٍ بَعْضُهُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَجَزَّأُ يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَيَقْسِمُ عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْهُمَا كَالْإِرْثِ.
(وَلَا) تَجِبُ الْجِزْيَةُ (عَلَى فَقِيرٍ يَعْجَزُ عَنْهَا غَيْرُ مُعْتَمَلٍ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمَلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمَلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]
(فَإِنْ كَانَ) الْفَقِيرُ (مُعْتَمَلًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ) الْجِزْيَةُ لِمَا سَبَقَ.
(وَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ أَوْ اسْتَغْنَى مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُ الْجِزْيَةُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ ذُكِرَ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ مَعَ سَادَتِهِمْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُهُمْ.
(وَتُؤْخَذُ) مِنْهُ الْجِزْيَةُ (فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ) مِنْهُ فَإِنْ كَانَ فِي نِصْفِهِ فَنِصْفُهَا، وَلَا يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلٌ مِنْ حِينِ وَجَدَ سَبَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ وَضَبْطُ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَوْلٍ يَشُقُّ وَيَتَعَذَّرُ وَمِثْلُهُمْ مَنْ عَتَقَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ.
(وَمَنْ كَانَ) مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ (يُجَنُّ) تَارَةً (وَيُفِيقُ) أُخْرَى (لُفِّقَتْ إفَاقَتُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ) إفَاقَتُهُ (حَوْلًا أُخِذَتْ مِنْهُ) الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ لَا يَكْمُلُ إلَّا حِينَئِذٍ.
(وَإِنْ كَانَ فِي الْحِصْنِ نِسَاءٌ أَوْ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ) كَالْأَعْمَى وَالشُّيُوخِ (فَطَلَبُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ أُجِيبُوا إلَيْهَا) فَيُعْقَدُ لَهُمْ الْأَمَانُ (وَإِنْ طَلَبُوا عَقْدَهَا) أَيْ: الذِّمَّةِ (بِجِزْيَةٍ أُخْبِرُوا أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ) لِيَنْكَشِفَ لَهُمْ الْأَمْرُ (وَإِنْ تَبَرَّعُوا بِهَا، كَانَتْ هِبَةً) لَا جِزْيَةً فَلَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَ (مَتَى امْتَنَعُوا مِنْهَا لَمْ يُجْبَرُوا) عَلَيْهَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ.
(وَإِنْ بَذَلَتْهَا) أَيْ: الْجِزْيَةَ (امْرَأَةٌ لِدُخُولِ دَارِنَا مُكِّنَتْ مَجَّانًا) أَيْ: بِلَا شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْ شَيْئًا رُدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَدَّى شَيْئًا يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى آخِذِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ (إلَّا إنْ تَتَبَرَّعَ بِهِ) أَيْ: بِمَا تَدْفَعُهُ (بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا) فَتَكُونُ هِبَةً لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنْ شَرَطَتْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ (لَكِنْ يَشْتَرِطُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ دُخُولَ دَارِنَا (الْتِزَامَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ) كَمَا يَشْتَرِطُهُ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ (وَيَعْقِدُ لَهَا الذِّمَّةَ) بَعْدَ إجَابَتِهَا لِذَلِكَ.
(وَمَرْجِعُ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ: إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَتَقَدَّمَ) فِي الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ.
(وَعَنْهُ) يَرْجِعُ فِيهِمَا (إلَى مَا ضَرَبَهُ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه (فَيَجِبُ أَنْ يَقْسِمَهُ) أَيْ: مَالَ الْجِزْيَةِ (الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ، فَيَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ) دِرْهَمًا.
(وَعَلَى الْأَدْوَنِ اثْنَا عَشْرَ) دِرْهَمًا لِفَعْلِ عُمَرَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبُ لِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ قَالَ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ " وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ
وَاجِبًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً فَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ (وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ) فِي الْجِزْيَةِ (عَنْ كُلِّ اثْنَيْ عَشْرَةَ دِرْهَمًا دِينَارًا) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ لَهَا قِيمَةً بِحَسْبِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ.
(وَلَا يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا) أَيْ: الْجِزْيَةِ (مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ بَلْ كُلُّ الْأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا - دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ - ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إذَا تَوَلَّوْا بَيْعَهَا وَقَبَضُوهُ) أَيْ: الثَّمَنَ،؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا كَثِيَابِهِمْ قَالَ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ قُلْت: وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ، أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا وَطَابَتْ لَهُ (وَالْغَنِيُّ فِيهِمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا عُرْفًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ، وَالْحِرْزِ.
(وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ) عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ (لَزِمَ قَبُولُهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ «اُدْعُهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» .
(وَدَفَعَ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى فِي دَارِنَا) وَلَوْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ بِبَلَدٍ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ عَلَى الْأَشْبَهِ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ فَإِنْ كَانُوا بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَلْزَمْنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ (وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) بَعْدَ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ.
(وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْهُمْ (بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ سَبَبُهَا الْكُفْرُ فَسَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ تُؤْخَذْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَ (لَا) الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) الذِّمِّيُّ بَعْدَ الْحَوْلِ (أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ) كَعَمًى (فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَمِنْ مَالِ حَيٍّ) لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَلَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَإِنْ طَرَأَ الْمَانِعُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ كَمَوْتٍ سَقَطَتْ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا.
(وَمَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ سِنِينَ اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا وَلَمْ تَتَدَاخَلْ) كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالدِّيَةِ.
(وَتُؤْخَذُ)