الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ) أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ (كَالْأَصْلِ فَتُبَاعُ مَعَهُ إذَا بِيعَ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا ذُكِرَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهُ فَكَانَتْ مِنْ الرَّهْنِ كَقِيمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ (وَتَأْتِي الْجِنَايَةُ) عَلَى الرَّهْنِ (الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ) مُفَصَّلَةً.
(وَإِذَا رَهَنَ أَرْضًا أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَهُمَا) كَبُسْتَانٍ وَطَاحُونٍ (تَبِعَهُ فِي الرَّهْنِ مَا يَتْبَعُ) الْمَبِيعَ (فِي الْبَيْعِ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا) يُتَّبَعُ فِي الْبَيْعِ (فَلَا) يُتَّبَعُ فِي الرَّهْنِ.
[فَصْلٌ فِي مُؤْنَةُ الرَّهْنِ]
فَصْلٌ وَمُؤْنَةُ الرَّهْنِ. مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَسْكَنِهِ وَحَافِظِهِ (وَكَفَنِهِ وَبَقِيَّةِ تَجْهِيزِهِ إنْ مَاتَ، وَأُجْرَة مُخَزِّنه إنْ كَانَ مَخْزُونًا وَ) أُجْرَة (سَقْيِهِ وَتَلْقِيحِهِ وَزبَارِهِ) أَيْ: قَطْعِ الْأَغْصَانِ الرَّدِيئَةِ لِتَخْلُفَهَا أَغْصَانٌ جَدِيدَةٌ مِنْ الْكَرْمِ (وَجِذَاذِهِ، وَرَعْيِ مَاشِيَةٍ) مَرْهُونَةٍ (وَرَدِّهِ) أَيْ: رَدِّ الْمَرْهُونِ (مِنْ إبَاقِهِ وَ) أُجْرَةِ (مُدَاوَاتِهِ لِمَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ، وَخِتَانِهِ: عَلَى الرَّاهِنِ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَكَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ تَابِعَةٌ لِمُؤْنَتِهِ.
(فَإِنْ) امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَخَذَ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ وَفِعْلِهِ فَإِنْ (تَعَذَّرَ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ الرَّهْنِ) لِغَيْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَقْدِرْ لَهُ عَلَى مَالٍ (بِيعَ كُلُّهُ وَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُ ثَمَرِهِ مِنْهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ: الرَّاهِنِ (فِعْلُهُ بِقَدَرِ الْحَاجَةِ) ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَةِ الْكُلِّ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ " مِنْ نَحْوِ مُدَاوَاتِهِ وَخِتَانِهِ (فَإِنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُهُ) أَيْ: اسْتِغْرَاقُ الْبَيْعِ لِلرَّهْنِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (بِيعَ كُلُّهُ) وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا (وَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُ الثَّمَرَةِ) الْمَرْهُونَةِ (إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ) أَيْ: التَّجْفِيفِ (وَالْحَقُّ مُؤَجَّلٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْنَةِ الَّتِي تُحْفَظُ بِهَا وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَ) الْحَقُّ (حَالًا بِيعَتْ) الثَّمَرَةُ وَوُفِّيَ مِنْهَا الدَّيْنُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى تَجْفِيفِهَا.
(وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى بَيْعِهَا) أَيْ: الثَّمَرَةِ (وَجَعْلِ ثَمَنِهَا رَهْنًا) مَكَانَهَا بِدَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (فَإِنْ اخْتَلَفَا) بِأَنْ طَلَبِ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَالْآخَرُ
بَقَاءَهَا (قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَسْتَبْقِيهَا) إلَى حُلُولِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ بَيْعِهَا (إلَّا أَنْ تَكُونَ) الثَّمَرَةُ (مِمَّا تَقِلُّ قِيمَتُهُ بِالتَّجْفِيفِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ رُطَبًا) أَوْ عِنَبًا (فَيُبَاعُ) كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ: الْمُتَرَاهِنَانِ (عَلَى قَطْعِهَا) أَيْ: الثَّمَرَةِ (فِي وَقْتٍ جَازَ، حَالًا كَانَ الْحَقُّ أَوْ مُؤَجَّلًا، أَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْقَطْعَ أَوْ التَّرْكَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا فَمهمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ.
(وَيُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْأَصْلَحَ) مِنْ الْقَطْعِ أَوْ التَّرْكِ (إنْ كَانَ ذَلِكَ) الْقَطْعُ (قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ بَيْعَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ قُدِّمَ (قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَطْعَ) مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلَحَ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَلَبَهُ الرَّاهِنُ فَالضَّرَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ بَعْد حُلُولِهِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا قَبْلَ كَمَالِهَا) كَثَمَرَةِ الْجَوْزِ (لَمْ يَجُزْ قَطْعُهَا قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ كَمَالِهَا (وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم.
(وَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ السَّفَرَ بِالْمَاشِيَةِ لِيَرْعَاهَا فِي مَكَان آخَرَ وَكَانَ لَهَا فِي مَكَانِهَا مَرْعَى تَتَمَاسَكُ بِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ) مِنْ السَّفَرِ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَهَا عَنْ يَدِهِ وَنَظَرِهِ (وَإِنْ أَجْدَبَ مَكَانُهَا) أَيْ: مَحَلُّ رَعْيِهَا (فَلَمْ تَجِدْ مَا تَتَمَاسَكُ بِهِ فَلَهُ) أَيْ: الرَّاهِنِ (السَّفَرُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ (إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ) الْمَاشِيَةُ (فِي يَدِ عَدْلٍ يَرْضَيَانِ بِهِ، أَوْ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ) فَيُسَافِرُ هُوَ بِهَا (وَلَا يَنْفَرِدُ الرَّاهِنُ بِهَا) ؛ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ التَّوَثُّقِ (فَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ السَّفَرِ بِهَا) مَعَ جَدْبِ مَكَانِهَا (فَلِلْمُرْتَهِنِ نَقْلُهَا) لِلْحَاجَةِ.
(وَإِنْ أَرَادَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (السَّفَرَ بِهَا وَ) لَكِنْ (اخْتَلَفَا فِي مَكَانِهَا قُدِّمَ مَنْ يُعَيِّنُ الْأَصْلَحَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْيَدِ (وَأَيُّهُمَا أَرَادَ نَقْلَهَا عَنْ الْبَلَدِ مَعَ خَصْبِهِ إلَى مِثْلِهِ أَوْ) إلَى (أَخْصَبَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى نَقْلِهَا إلَى خِصْبٍ مِثْلِ مَكَانِهَا، أَوْ أَخْصَبَ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى مُدَاوَاةِ الرَّهْنِ) وَلَا فَتْحِ عِرْقِهِ؛ لِأَنَّ الشِّفَاءَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يَجِيءُ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ.
(وَلَا) يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى (إنْزَاءِ الْفَحْلِ عَلَى الْإِنَاثِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَائِهَا (وَ) لَا يُجْبَرُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ.
وَإِنْ احْتَاجَتْ الْمَاشِيَةُ لِرَاعٍ لَزِمَ الرَّاهِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا قِوَامَ لَهَا بِدُونِهِ (وَإِنْ جَرِبَتْ الْمَاشِيَةُ) الْمَرْهُونَةُ (فَلِلرَّاهِنِ دَهْنُهَا بِمَا يُرْجَى نَفْعُهُ وَلَا يُخَافُ ضَرَرُهُ كَالْقَطِرَانِ وَالزَّيْتِ الْيَسِيرِ) كَمُدَاوَاةِ الْقِنِّ (وَإِنْ خِيفَ ضَرَرُهُ ك) الزَّيْتِ (الْكَثِيرِ فَلِلْمُرْتَهِنِ
مَنْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّهْنَ (وَهُوَ) أَيْ: الرَّهْنُ (أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى تَعْطِيلِ الْمُدَايِنَاتِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَلَا يُضْمَنُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ.
(وَلَوْ قَبْلَ الْعَقْدِ) بِأَنْ وَضَعَ لَهُ الْعَيْنَ لِيَرْهَنَهَا بَعْدُ فَتَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ (ك) مَا لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ (بَعْدَ الْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ) مِنْ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ تَلِفَ الرَّهْنُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (أَوْ تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (كَمَا لَوْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِ الْعَدْلِ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ مُؤْنَةُ (رَدِّهِ) بَلْ يُخَلِّي بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَهُ (كَالْوَدِيعَةِ) وَالْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ (فَإِنْ سَأَلَ مَالِكَهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (دَفْعَهُ إلَيْهِ) بَعْد فَكِّهِ (لَزِمَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ دَفْعُهُ إلَيْهِ) أَيْ: أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ (إذَا أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْعَدْلُ مَعَ الْإِمْكَانِ (صَارَ ضَامِنًا) بِمَنْعِهِ رَبَّهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ (وَإِنْ تَعَدَّى) الْمُرْتَهِنُ (فِيهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (أَوْ فَرَّطَ زَالَ ائْتِمَانُهُ كَوَدِيعَةٍ وَيَصِيرُ) الرَّهْنُ (مَضْمُونًا) حِينَئِذٍ لِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ (وَالرَّهْنُ) بَاقٍ (بِحَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ.
(وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ) إنْ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قَبْلَ التَّلَفِ، لَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطهُ فَبَقِيَ بِحَالِهِ (كَدَفْعِ عَبْدٍ) أَوْ نَحْوِهِ لِرَبِّ دَيْنٍ (يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ) تَعَجَّلَ رَبُّهَا أُجْرَتَهَا ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ (بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْأُجْرَةِ وَيَتْلَفَانِ) أَيْ: الْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ لِمَنْ يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ الْمَحْبُوسَةُ عَلَى أُجْرَتِهَا بَعْدَ الْفَسْخِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَلَا الْأُجْرَةُ بِتَلَفِهَا؛ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِهِمَا (بِخِلَافِ حَبْسِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ الْمُتَمَيِّزَ عَلَى ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ) ثَمَنُهُ (بِتَلَفِهِ) فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ وَالرَّهْنُ لَيْسَ بِعِوَضِ الدَّيْنِ.
(وَإِذَا تَلِفَ الرَّهْنُ لَمْ يَلْزَمْ الرَّاهِنَ أَنْ يَرْهَنَ مَكَانَهُ رَهْنًا آخَرَ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ أَصْلِهِ جَائِزٌ غَيْرُ وَاجِبٍ.
(وَإِنْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ) أَيْ: دَيْنِ الْمَدِينِ (أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ وَبِبَعْضِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ (رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ الدَّافِعُ أَوْ الْمُبْرِئُ) ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي ذَلِكَ لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَيَّنَهُ فَمَنْ عَلَيْهِ مِائَتَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ فَوَفَّى مِنْهُمَا مِائَةً، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهَا فَإِنْ نَوَى الْقَاضِي أَوْ الْمُبْرِئُ الْمِائَةَ الَّتِي بِهَا الرَّهْنُ أَوْ الْكَفِيلُ وَقَعَ عَنْهَا وَانْفَكَّ الرَّهْنُ، وَبَرِيءَ الْكَفِيلُ، وَإِنْ نَوَى الْآخَرُ عَنْهَا وَقَعَ، وَالرَّهْنُ أَوْ الْكَفِيلُ بِحَالِهِ.
(وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْقَاضِي أَوْ
الْمُبْرِئِ (فِي النِّيَّةِ وَاللَّفْظِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَا صَدَرَ مِنْهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) وَلَمْ يُعَيِّنْ إحْدَى الْمِائَتَيْنِ بِلَفْظِهِ وَلَا نِيَّتِهِ حَالَ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ (صَرَفَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (إلَى أَيُّهُمَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى أَيُّهُمَا شَاءَ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الرَّهْنِ) وَبَقِيَ بَعْضُهُ (فَبَاقِيه رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ.
(وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (عَيْنَيْنِ تَلِفَ أَحَدُهُمَا) فَالدَّيْنُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأُخْرَى، لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ حَتَّى يُقْضَى جَمِيعُ الدَّيْنِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْوَثِيقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ، فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الْحَقِّ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ يُقْضَى جَمِيعُهُ (حَتَّى وَلَوْ قَضَى أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ دَيْنٍ بِرَهْنٍ) رَهَنَهُ مُوَرِّثُهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي التَّلَفِ) بِيَمِينِهِ إنْ أَطْلَقَ أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (دُونَ الرَّدِّ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ.
(وَإِنْ ادَّعَاهُ) الْمُرْتَهِنُ، أَيْ: التَّلَفَ (بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ قُبِلَ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِيهِ) أَيْ: فِي التَّلَفِ (بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْحَادِثِ) الظَّاهِرِ لِعَدَمِ خَفَائِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْحَادِثِ الظَّاهِرِ فَيُقْبَلُ (قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي تَلَفِهِ بِهِ) أَيْ: بِالْحَادِثِ الظَّاهِرِ (بِدُونِهَا) أَيْ: بِدُونِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّهُ تَلِفَ بِالْحَادِثِ الظَّاهِرِ (وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ) مَثَلًا (فَوَفَّى أَحَدُهُمَا) انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ مُنْفَرِدًا (أَوْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ) مَثَلًا (شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا) مَا عَلَيْهِ (انْفَكَّ) الرَّهْنُ (فِي نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُتَعَدِّدٌ فَتَعَلَّقَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ (كَتَعَدُّدِ الْعَقْدِ) .
فَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ وَيَصِيرُ كُلُّ رُبُعٍ مِنْهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَمَتَى قَضَى فِي شَيْءٍ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
(فَإِنْ أَرَادَ مَنْ انْفَكَّ نَصِيبُهُ) مِنْ الرَّهْنِ (مُقَاسَمَةَ الْمُرْتَهِنِ وَكَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا تُنْقِصُهُ الْقِسْمَةُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مِمَّا تُنْقِصُهُ الْقِسْمَةُ (فَلَا) يُجِيبُهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ (وَيُقِرُّ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، بَعْضُهُ رَهْنٌ وَبَعْضُهُ وَدِيعَةٌ) حَتَّى يُوَفِّيَ دَيْنَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ.
(وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ لَزِمَ) الْمَدِينَ (الرَّاهِنَ الْإِيفَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَزِمَ إيفَاؤُهُ كَاَلَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمَدِينُ (مِنْ وَفَائِهِ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ) فِي بَيْعِهِ (أَوْ) أَذِنَ (الْعَدْلُ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ.
(وَوَفَّى الدَّيْنَ) مِنْ ثَمَنِهِ (لَكِنْ