الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُلُوًّا كَبِيرًا (عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِقَتْلٍ أَوْ بِمَا دُونَهُ) أَيْ لِإِتْيَانِهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَ (لَا) يُعَاقَبُ بِذَلِكَ (إنْ قَالَهُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ أَوْ قَالَ) ذِمِّيٌّ: (هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ الْكِلَابُ أَبْنَاءُ الْكِلَابِ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عُوقِبَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ) عَنْ أَنْ يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّنِيعِ.
(وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْعُمُومِ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ وَوَجَبَ قَتْلُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ نَقْضَ الْعَهْدَ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ فَكَذِمِّيٍّ، وَتَقَدَّمَ وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ الزُّنَّارِ وَلَا يَشْتَرِي مُسْلِمٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَأْذَنُ الْمُسْلِمُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَمَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى بَيْعَةٍ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابِ الْبَيْعِ]
بَابٌ كِتَابِ الْبَيْعِ قَدَّمَهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَلِبَاسٍ، وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعَلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ وَبَعَثَ عُمَرُ رضي الله عنه مَنْ يُقِيمُ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ.
وَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقْرَارِهِ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ غَالِبًا، فَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ وُصُولٌ لِغَرَضِهِ، وَدَفْعُ حَاجَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ: الْبَيْعُ مَصْدَرُ بَاعَ يَبِيعُ إذَا مَلَكَ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى شَرَى وَكَذَلِكَ شَرَى يَكُونُ لِلْمَعْنَيَيْنِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ كَغَيْرِ بَاعَ، أَبَاعَ بِمَعْنًى وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَاعِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَذَكَرْتُ فِي الْحَاشِيَةِ: مَا رُدَّ بِهِ ذَلِكَ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَمَعْنَاهُ لُغَةً: دَفْعُ عِوَضٍ، وَأَخْذُ مَا عَوَّضَ عَنْهُ وَشَرْعًا (مُبَادَلَةُ مَالٍ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَوْصُوفٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمَالُ (فِي الذِّمَّةِ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا (أَوْ) مُبَادَلَةُ (مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَنْ لَا تَخْتَصُّ إبَاحَتُهَا بِحَالٍ دُونَ حَالٍ (كَ) نَفْعِ (مَمَرِّ الدَّارِ) وَبُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا (بِمِثْلِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: بِمَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ وَالْجَارُ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ وَشَمَلَ صُوَرًا: بَيْعَ نَحْوِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ أَوْ دِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ مَمَرٍّ فِي دَارٍ، وَبَيْعَ نَحْوِ دِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ بِمَمَرِّ دَارٍ، وَبَيْعَ نَحْوِ مَمَرِّ دَارٍ بِعَبْدٍ وَدِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ أَوْ مَمَرٍّ آخَرَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ: جَعْلُ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ آخَرَ وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ وَعَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَخْصَرُ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِهِ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ فِي نَظِيرِ الْإِعَارَةِ وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِزَمَنٍ؛ لِأَنَّ الْعَوَارِيَّ مَرْدُودَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: لِلْمِلْكِ وَقَوْلُهُ (غَيْرُ رِبًا وَقَرْضٍ) إخْرَاجٌ لَهُمَا فَإِنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ، وَالْقَرْضُ وَإِنْ قُصِدَ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ فِيهِ: الْإِرْفَاقُ.
ثُمَّ الْبَيْعُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: عَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَصِيغَةٌ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَأْتِي فِي الشُّرُوطِ وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ:(وَلَهُ) أَيْ: لِلْبَيْعِ (صُورَتَانِ يَنْعَقِدُ) أَيْ: يُوجَدُ عَقْدُهُ (بِهِمَا) أَيْ: بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (إحْدَاهُمَا الصِّيغَةُ الْقَوْلِيَّةُ، وَهِيَ) أَيْ: الصِّيغَةُ الْقَوْلِيَّةُ (غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي لَفْظٍ بِعَيْنِهِ) كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ (بَلْ) هِيَ (كُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَى الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَخُصَّهُ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ (فَمِنْهَا) أَيْ: مِنْ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ (الْإِيجَابُ) وَهُوَ مَا يَصْدُرُ (مِنْ بَائِعٍ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ) كَذَا (أَوْ مَلَّكْتُكَ) هَذَا.
(وَنَحْوُهُمَا كَوَلَّيْتُكَ، أَوْ شَرِكْتُكَ فِيهِ أَوْ وَهَبْتُكَهُ) بِكَذَا (وَنَحْوَهُ) كَأَعْطَيْتُكَ.
(وَ) مِنْهَا (الْقَبُولُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَحَكَى فِي اللُّبَابِ الضَّمَّ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْإِيجَابِ وَيَأْتِي حُكْمُ مَا لَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَالْقَبُولُ مَا يَصْدُرُ مِنْ مُشْتَرٍ (بِأَيِّ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الرِّضَا) بِالْبَيْعِ (فَيَقُولُ) الْمُشْتَرِي (ابْتَعْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ: مَعْنَى مَا ذُكِرَ (كَتَمَلَّكْتُهُ أَوْ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ أَخَذْتُهُ وَنَحْوَهُ) كَاسْتَبْدَلْتُهُ.
(وَيُشْتَرَطُ) لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ.
(أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ فِي الْقَدْرِ) فَلَوْ خَالَفَ، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِعَشْرَةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَانِيَةٍ لَمْ يَنْعَقِد.
(وَ) أَنْ
يَكُونَ عَلَى وَفِقْهِ أَيْضًا فِي (النَّقْدِ وَصِفَتِهِ، وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ (صَحِيحَةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ وَنَحْوَهُ) كَاشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ نِصْفُهَا صَحِيحٌ وَنِصْفُهَا مُكَسَّرٌ، أَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ حَالَّةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى رَجَبٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إلَى شَعْبَانَ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْإِيجَابِ لَا قَبُولٌ لَهُ.
(وَلَوْ قَالَ) الْبَائِعُ: (بِعْتُكَ) كَذَا (بِكَذَا فَقَالَ) الْمُشْتَرِي: (أَنَا آخُذُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ: لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ بِأَخْذِهِ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي) لِمَنْ قَالَ لَهُ: بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا (أَخَذْتُهُ مِنْك أَوْ) أَخَذْتُهُ (بِذَلِكَ صَحَّ) الْبَيْعُ، لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
(وَلَا يَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ (بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ) فِي بَابِ السَّلَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَفْظِ السَّلَمِ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَقِيلَ يَصِحُّ بِلَفْظِ السَّلَمَ، قَالَهُ الْقَاضِي: قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ صَحَّ) الْبَيْعُ إنْ كَانَ الْقَبُولُ (بِلَفْظِ أَمْرٍ أَوْ) كَانَ بِلَفْظِ (مَاضٍ مُجَرَّدٍ عَنْ اسْتِفْهَامٍ وَنَحْوِهِ) كَتَمَنَّ وَتَرَجَّ وَيَأْتِي مِثَالُهُ فِي كَلَامِهِ (وَمَعَهُ) أَيْ: مَعَ الِاسْتِفْهَامِ وَنَحْوِهِ (أَلَا) بِعْتنِي (أَوْ مُضَارِعًا مِثْل: أَتَبِيعُنِي) وَكَذَا لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ وَلَا اسْتِدْعَاءٍ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي) كَذَا (بِكَذَا) فَقَالَ: بِعْتُكَهُ صَحَّ، وَهَذَا مِثَالُ الْأَمْرِ.
(أَوْ) قَالَ (اشْتَرَيْتُ مِنْك) هَذَا (بِكَذَا فَقَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ وَنَحْوَهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ صَحَّ الْبَيْعُ، (أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْنِي بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُ مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ، أَوْ هُوَ مُبَارَكٌ عَلَيْك أَوْ) قَالَ (إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكَ) صَحَّ الْبَيْعُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ (أَوْ قَالَ) الْمُشْتَرِي (أَعْطِنِيهِ بِكَذَا فَقَالَ) الْبَائِعُ:(أَعْطَيْتُكَ أَوْ أَعْطَيْتُ صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِهِ بِكَذَا، أَوْ ابْتَعْهُ بِكَذَا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ أَوْ ابْتَعْتُهُ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ (حَتَّى يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ (بِعْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُكَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ) قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَتَقَدُّمِ الطَّلَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْبَذْلِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ الْمُشْتَرِي: (قَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ) الْبَيْعُ (وَيَأْتِي) فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ (وَإِنْ تَرَاخَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ: الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ أَوْ عَكْسُهُ (صَحَّ) الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا وَلَمْ يُلْغَ (مَا دَامَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا
بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا) ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُمَا، أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا (فَلَا) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعْرَاضٌ عَنْ الْعَقْدِ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَا بِالرَّدِّ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُشْتَرِي (غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ فَكَاتَبَهُ) الْبَائِعُ (أَوْ رَاسَلَهُ: إنِّي بِعْتُك) دَارِي بِكَذَا (أَوْ) إنِّي (بِعْتُ فُلَانًا) وَنَسَبَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ (دَارِي بِكَذَا فَلَمَّا بَلَغَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (الْخَبَرُ) قَبِلَ الْبَيْعَ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ مَعَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْ الْإِيجَابِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا، وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ فِي النِّكَاحِ، قَالَ فِي رَجُلٍ يَمْشِي إلَيْهِ قَوْمٌ، فَقَالُوا: زَوِّجْ فُلَانًا فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْت، هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الشَّيْخُ التَّقِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا قُلْنَا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ الْإِيجَابِ، ثُمَّ ذَكَرُوا حُكْمَ التَّرَاخِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَحَكَّمُوا رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ فِي النِّكَاحِ مُقَابِلَةً لِمَا قَدَّمُوهُ.
(وَ) الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ) لِعَقْدِ الْبَيْعِ (الدَّلَالَةُ الْحَالِيَّةُ وَهِيَ الْمُعَاطَاةُ تَصِحُّ) فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهَا (فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي بَيْعِهِمْ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا، وَلَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُخْفِ حُكْمَهُ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَبِيَاعَاتِهِمْ عَلَى الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ بِهَا فِي الْيَسِيرِ خَاصَّةً وَهُوَ رِوَايَةٌ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمِنْ صُوَرِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ (وَنَحْوِهِ) قَوْلُ الْمُشْتَرِي (أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ خُبْزًا فَيُعْطِيهِ) الْبَائِعُ (مَا يُرْضِيهِ) وَهُوَ سَاكِتٌ (أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ) لِلْمُشْتَرِي (خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذُهُ) وَهُوَ سَاكِتٌ.
(وَمِنْهَا) أَيْ: الْمُعَاطَاةِ (لَوْ سَلَّمَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (خُذْهَا) فَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَاكِتٌ، (أَوْ) يَقُولُ الْبَائِعُ:(هِيَ لَك أَوْ) يَقُولُ (أَعْطَيْتُكَهَا) فَيَأْخُذُهَا (أَوْ يَقُولُ) الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ؟ فَيَقُولُ) الْبَائِعُ: (كَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ) الْمُشْتَرِي: (خُذْ دِرْهَمًا أَوْ وَزْنَهُ) وَمِنْ الْمُعَاطَاةِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ وَضَعَ ثَمَنَهُ) أَيْ: الْقَدْرِ
الْمَعْلُومِ أَنَّهُ ثَمَنُهُ (عَادَةً) كَقِطَعِ الْحَلْوَى، وَحُزَمِ الْبَقْلِ (وَأَخَذَهُ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا (وَ) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِنَحْوِ (ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَيْعٍ وَشِرَاءٍ) فِي الْعَادَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ فِي) صِحَّةِ بَيْعِ (الْمُعَاطَاةِ مُعَاقَبَةُ الْقَبْضِ) لِلطَّالِبِ فِي نَحْوِ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ (أَوْ) مُعَاقَبَةُ (الْإِقْبَاضِ لِلطَّلَبِ) فِي نَحْوِ: أَعْطِنِي بِهَذَا خُبْزًا (لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيِّ) أَيْ: إذَا اُعْتُبِرَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ، أَوْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا (فَ) اعْتِبَارُ عَدَمِ التَّأْخِيرِ (فِي الْمُعَاطَاةِ أَوْلَى) نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قُنْدُسٍ، وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ فِي نَحْوِ: فَيُعْطِيهِ، وَمَا بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الْمُعَاطَاةِ مُبْطِلٌ وَلَوْ كَانَ بِالْمَجْلِسِ، لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ لِضَعْفِهَا عَنْ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ (وَكَذَا هِبَةٌ، وَهَدِيَّةٌ، وَصَدَقَةٌ) فَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي الْمَعْنَى، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَتَجْهِيزُ بِنْتِهِ) أَوْ غَيْرِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ التَّقِيُّ: تَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ (بِجِهَازٍ إلَى بَيْتِ زَوْجٍ تَمْلِيكٌ) لَهَا (وَلَا بَأْسَ بِذَوْقِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الشِّرَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ لَا أَدْرِي إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فَلِذَا قَالَ:(مَعَ الْإِذْنِ) وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، لَكِنْ قَدَّمَ الْأُولَى فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُبْدِعِ، وَالْإِنْصَافِ، وَغَيْرِهَا.
(وَشُرُوطُ الْبَيْعِ سَبْعَةٌ أَحَدُهَا التَّرَاضِي بِهِ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ اخْتِيَارًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلِحَدِيثِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ وَأَمَانَةٍ، بِأَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يُرِيدَاهُ بَاطِنًا بَلْ) أَظْهَرَاهُ (خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِ ضَيَاعِهِ، أَوْ نَهْبِهِ وَدَفْعًا لَهُ (فَ) الْبَيْعُ إذْن (بَاطِلٌ) حَيْثُ تَوَاطَآ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَقُولَا فِي الْعَقْدِ: تَبَايَعْنَا هَذَا تَلْجِئَةً) لِدَلَالَةِ الْحَال عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ بَيْعُ الْأَمَانَةِ) هُوَ (الَّذِي مَضْمُونُهُ اتِّفَاقُهُمَا) أَيْ: اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ جَاءَ بِالثَّمَنِ، أَعَادَ إلَيْهِ) الْمُشْتَرِي (مِلْكَ ذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ) أَيْ: بِالْمِلْكِ الْمَبِيعِ (الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ وَالسُّكْنَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَرُكُوبِ مَا يَرْكَبُهُ، أَوْ حَلْبِهِ (وَهُوَ) أَيْ: الْبَيْعُ إذَنْ (عَقْدٌ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَمَقْصُودُهُمَا: إنَّمَا هُوَ الرِّبَا بِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَمَنْفَعَةُ الدَّارِ) أَوْ نَحْوُهَا (هِيَ الرِّبْحُ) فَهُوَ فِي الْمَعْنَى
قَرْضٌ بِعِوَضٍ.
(وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ، وَأَنْ يَرُدَّ) الْبَائِعُ إلَى (الْمُشْتَرِي مَا قَبَضَهُ مِنْهُ لِكَيْ يُحْسَبَ لَهُ) أَيْ: الْبَائِعُ (مِنْهُ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي سَمَّوْهُ أُجْرَةً) وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي سَكَنَ حُسِبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِهِ، وَيُرَدُّ الْفَضْلُ.
(وَكَذَا) أَيْ: كَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ (بَيْعُ الْهَازِلِ) فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُرَدْ حَقِيقَتُهُ (وَيُقْبَلُ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الْبَائِعِ: أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ تَلْجِئَةً أَوْ هَزْلًا (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ (مَعَ يَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ: بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ (خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ خَافَ) إنْسَانٌ (ضَيْعَتَهُ، أَوْ نَهْبَهُ، أَوْ سَرِقَتَهُ، أَوْ غَصْبَهُ) فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ) مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ وَأَمَانَةٌ (صَحَّ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكٍ بِلَا حَقٍّ فَطَلَبَهُ فَجَحَدَهُ) إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ لَهُ (أَوْ مَنَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ) لَهُ فَبَاعَهُ (عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا مُكْرَهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَيْهِ.
(فَإِنْ كَانَ) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (أَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يُكْرَهَ بِحَقٍّ كَاَلَّذِي يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ) أَوْ عَلَى شِرَاءِ مَا يُوَفِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ (فَيَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَصَحَّ، كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ) إنْسَانٌ (عَلَى وَزْنِ مَالٍ فَبَاعَ مِلْكَهُ) فِي ذَلِكَ (صَحَّ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ (وَكُرِهَ الشِّرَاءُ) مِنْهُ (وَهُوَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّينَ) قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لِبَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِهِ أَيْ: ثَمَنِ مِثْلِهِ.
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ فَاشْتَرَاهُ) الْمَقُولُ لَهُ (فَبَانَ حُرًّا لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: الْقَائِلَ (الْعُهْدَةُ) أَيْ عُهْدَةُ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ (حَضَرَ الْبَائِعُ، أَوْ غَابَ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَدَ مِنْهُ الْإِقْرَارَ، دُونَ الضَّمَانِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ: كَقَوْلِ إنْسَانٍ لِآخَرَ: (اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا) فَاشْتَرَاهُ، فَتَبَيَّنَ حُرًّا فَلَا تَلْزَمُ الْقَائِلَ الْعُهْدَةُ.
(وَيُؤَدَّبُ، هُوَ وَبَائِعُهُ) لِمَا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنْ التَّغْرِيرِ (وَيَرُدُّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَا أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَةٌ (يُؤْخَذُ الْبَائِعُ وَالْمُقِرُّ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ أُخِذَ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَيَتَوَجَّهُ هَذَا فِي كُلِّ غَارٍّ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
(وَلَوْ كَانَ الْغَارُّ أُنْثَى) فَقَالَتْ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ هَذَا فَإِنِّي أَمَتُهُ، فَاشْتَرَاهَا وَوَطِئَهَا (حُدَّتْ دُونَهُ) وَلَا مَهْرَ (لَهَا؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ) وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ لِلشُّبْهَةِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ) شَخْصٌ لِآخَرَ (أَنَّهُ عَبْدُهُ فَرَهَنَهُ فَكَبَيْعٍ) فَلَا تَلْزَمُ الْعُهْدَةُ الْقَائِلَ: حَضَرَ الرَّاهِنُ، أَوْ غَابَ عَلَى الْمُخْتَارِ.