الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْأَمَانِ]
ِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ مَصْدَرُ أَمِنَ أَمْنًا وَأَمَانًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ (وَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ: الْأَمَانِ (قَتْلٌ وَرِقٌّ وَأَسْرٌ وَأَخْذُ مَالٍ) وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ بِهِ.
(وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) الْأَمَانُ (مِنْ مُسْلِمٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ كَالْحَرْبِيِّ (عَاقِلٍ) لَا طِفْلٍ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ مُخْتَارٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَاتِلُ (مُمَيِّزًا) لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ فَصَحَّ مِنْهُ كَالْبَالِغِ (حَتَّى مِنْ عَبْدٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ " الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ أَمَانُهُ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ " فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ أَمَانًا لِلْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَدْنَى مِنْهُ صَحَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ.
(وَ) حَتَّى مِنْ (أُنْثَى) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا الْعَاصِي بْنَ الرَّبِيعِ وَأَجَازَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (وَهَرَمٍ وَسَفِيهٍ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ وَ (لَا) يَصِحُّ الْأَمَانُ (مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ وَطِفْلٍ وَنَحْوِهِ، وَمُغْمًى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَصْلَحَةَ مِنْ غَيْرِهَا.
(وَ) يُشْتَرَطُ لِلْأَمَانِ (عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا) بِتَأْمِينِ الْكُفَّارِ (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ) أَيْ: الْأَمَانِ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ فَإِنْ زَادَتْ لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ هَلْ يَبْطُلُ مَا زَادَ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَوْ كُلُّهُ.
(وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (مُنَجَّزًا) كَقَوْلِهِ: أَنْتَ آمِنٌ (وَ) يَصِحُّ (مُعَلَّقًا) بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ آمِنٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» .
(وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (مِنْ إمَامٍ وَأَمِيرٍ لِأَسِيرٍ كَافِرٍ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْإِمَامُ)
لِأَنَّ أَمْرَ الْأَسِيرِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يَجُزْ الِافْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ: كَقَتْلِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: يَصِحُّ أَمَانُ غَيْرِ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ الْكَافِرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ اهـ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ، لِقِصَّةِ زَيْنَبَ فِي أَمَانِهَا زَوْجَهَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ بِإِجَازَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَنْبِيهٌ " قَالَ الْجَوْهَرِيّ: الرَّعِيَّةُ الْعَامَّةُ.
(وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (مِنْ إمَامٍ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ) لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ.
(وَ) يَصِحُّ (أَمَانُ أَمِيرٍ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ جَعَلَ بِإِزَائِهِمْ) أَيْ: وَلِيَ قِتَالَهُمْ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَقَطْ (وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَهُوَ كَآحَادِ الرَّعِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى قِتَالِ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
(وَيَصِحُّ أَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِوَاحِدٍ وَعَشْرَةٍ وَقَافِلَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرَيْنِ عُرْفًا) لِأَنَّ عُمَرَ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ لِأَهْلِ الْحِصْنِ (كَمِائَةٍ فَأَقَلّ) هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْفُرُوعِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ عُرْفًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَا مِائَةً فَأَقَلَّ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ.
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَا رُسْتَاقٍ، وَلَا جَمْعٍ كَبِيرٍ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَالِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ.
(وَ) يَصِحُّ (أَمَانُ أَسِيرٍ بِدَارِ حَرْبٍ إذَا عَقَدَهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْعُمُومَاتِ (وَكَذَا أَمَانُ أَجِيرٍ وَتَاجِرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» (وَمَنْ صَحَّ أَمَانُهُ) مِمَّنْ تَقَدَّمَ (صَحَّ إخْبَارُهُ بِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا) وَالْقَاسِمِ وَنَحْوِهِ.
(وَلَا يَنْقُضُ الْإِمَامُ أَمَانَ الْمُسْلِمِ) حَيْثُ صَحَّ لِوُقُوعِهِ لَازِمًا (إلَّا أَنْ يَخَافَ خِيَانَةَ مَنْ أُعْطِيَهُ) فَيَنْقُضُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ.
(وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ) وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ (وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ) حَتَّى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ لِقَوْلِ عُمَرَ " وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ فَنَزَلَ بِأَمَانِهِ فَقَتَلَهُ لَقَتَلْتُهُ بِهِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ، تَغْلِيبًا لَحَقْنِ الدَّمِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ عَدَمُ فَهْمِ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ كَالْعَكْسِ (وَرِسَالِهِ) بِأَنْ يُرَاسِلَهُ بِالْأَمَانِ (وَكِتَابٍ) بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِالْأَمَانِ كَالْإِشَارَةِ وَأَوْلَى (فَإِذَا قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ) فَقَدْ أَمَّنَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ»
(أَوْ) قَالَ لِكَافِرٍ (لَا بَأْسَ عَلَيْكَ) فَقَدْ أَمَّنَهُ.
لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَالَ لِلْهُرْمُزَانِ " تَكَلَّمْ وَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ " ثُمَّ أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ لَهُ أَنَسٌ وَالزُّبَيْرُ " قَدْ أَمَّنْتَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (أَوْ أَجَرْتُكَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» (أَوْ) قَالَ لَهُ (قِفْ أَوْ قُمْ أَوْ لَا تَخَفْ، أَوْ لَا تَخْشَ أَوْ لَا خَوْفَ عَلَيْكَ، أَوْ لَا تُذْهَلُ أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ) فَقَدْ أَمَّنَهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ (أَوْ) قَالَ لَهُ (مَتَرْسُ بِالْفَارِسِيَّةِ) وَمَعْنَاهُ: لَا تَخَفْ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم، وَالتَّاء وَسُكُون الرَّاء آخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَيَجُوزُ سُكُونُ التَّاءِ وَفَتْحُ الرَّاءِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ بِكُلِّ لِسَانٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَعْجَمِيًّا فَقَالَ: مَتَرْسُ فَقَدْ أَمَّنَهُ " (أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَمَّنَهُ) ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مَعْنَاهُ الْأَمَانُ (أَوْ أَمَّنَ بَعْضَهُ أَوْ يَدَهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ.
(وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الْأَمَانَ) وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ.
(فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِمَا اعْتَقَدُوهُ أَمَانًا: وَقَالَ أَرَدْتُ بِهِ الْأَمَانَ فَهُوَ أَمَانٌ) لِصِحَّتِهِ بِالْإِشَارَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْأَمَانَ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (وَإِنْ خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْ حِصْنِهِمْ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْإِشَارَةِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ وَيُرَدُّونَ إلَى مَأْمَنِهِمْ) قَالَ أَحْمَدُ إذَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ فَظَنَّهُ أَمَانًا فَهُوَ أَمَانٌ وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ فَهُوَ أَمَانٌ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ) الَّذِي وَقَعَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْإِشَارَةُ الْمُحْتَمِلَةُ (أَوْ غَابَ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَمَانِ.
(وَإِذَا قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ فَرَدَّ) الْكَافِرُ (الْأَمَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ) أَمَانُهُ أَيْ: انْتَقَضَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ كَالرِّقِّ (وَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ قَبِلَ الْكَافِرُ الْأَمَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ أَمَانُهُ أَيْ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ كَالرِّقِّ.
(وَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ: الْكَافِرُ الْأَمَانَ (ثُمَّ رَدَّهُ وَلَوْ بِصَوْلَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِ وَطَلَبَهُ نَفْسَهُ أَوْ جُرْحَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ انْتَقَضَ) الْأَمَانُ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا.
(وَإِنْ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ وَجَاءَ ابْنُهَا يَطْلُبُهَا وَقَالَ إنَّ عِنْدِي أَسِيرًا مُسْلِمًا فَأَطْلِقُوهَا حَتَّى أُحْضِرَهُ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْضِرْهُ لَزِمَ إطْلَاقُهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا إجَابَتُهُ إلَى مَا سَأَلَ (فَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ لَمْ يُجْبَرْ) الْكَافِرُ عَلَى تَرْكِ أَسِيرهِ وَرُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ الشَّرْطُ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ فَهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَبَنَى عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَهِمَ الْأَمَانَ مِنْ الْإِشَارَةِ.
(وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَسَرَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ فَادَّعَى الْمُشْرِكُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَّنَهُ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَمَانِ (وَيَكُونُ)
الْأَسِيرُ (عَلَى مِلْكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ.
(وَمَنْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَعْرِفْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَ إجَابَتُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى مَأْمَنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هِيَ إلَى يَوْم الْقِيَامَةِ.
(وَإِذَا أَمَّنَهُ) مَنْ يَصِحُّ أَمَانُهُ (سَرَى) الْأَمَانُ (إلَى مَنْ مَعَهُ) أَيْ: الْمُؤَمَّنُ (مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ) مُؤَمِّنُهُ (أَمَّنْتُك وَحْدَكَ) وَنَحْوَهُ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْأَمَانِ فَيَخْتَصُّ بِهِ.
(وَمَنْ أَعْطَى أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ) وَاشْتَبَهَ (أَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) قَبْلَ الْفَتْحِ (ثُمَّ ادَّعَوْهُ) أَيْ: ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الَّذِي أَعْطَى الْأَمَانَ أَوْ أَنَّهُ الَّذِي أَسْلَمَ قَبْلُ (وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا) الَّذِي أَمَّنَّاهُ أَوْ كَانَ أَسْلَمَ (فِيهِمْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ صِدْقُهُ وَاشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمُحَرَّمِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَوَجَبَ تَغْلِيبُ التَّحْرِيمِ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ زَانٍ مُحْصَنٍ بِمَعْصُومَيْنِ (وَ) حَرُمَ (اسْتِرْقَاقُهُمْ) ؛ لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ مَنْ لَا يَحِلُّ اسْتِرْقَاقُهُ مُحَرَّمٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّه مِثْلُهُ لَوْ نَسِيَ، أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَلَا قَوَدَ وَفِي التَّسْوِيَةِ بِقُرْعَةٍ الْخِلَافُ.
(وَإِنْ قَالَ) كَافِرٌ (كُفَّ عَنِّي حَتَّى أَدُلَّك عَلَى كَذَا، فَبَعَثَ مَعَهُ قَوْمًا لِيَدُلَّهُمْ فَامْتَنَعَ مِنْ الدَّلَالَةِ فَلَهُمْ ضَرْبُ عُنُقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمَانِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا لَقِيَ عِلْجًا فَطَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ فَلَا يُؤَمِّنُهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ شَرَّهُ) وَشَرْطُ الْأَمَانِ أَمْنُ شَرِّهِ.
(وَإِنْ كَانُوا سَرِيَّةً فَلَهُمْ أَمَانُهُ) لِأَمْنِهِمْ شَرَّهُ (وَإِنْ لَقِيَتْ السُّرِّيَّةُ أَعْلَاجًا فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ جَاءُوا مُسْتَأْنِسِينَ قُبِلَ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ) ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ.
(وَيَجُوزُ عَقْدُهُ) أَيْ: الْأَمَانِ (لِرَسُولٍ وَمُسْتَأْمَنٍ) أَيْ: طَالِبِ الْأَمَانِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ «جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا: أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَا إنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ إذْ لَوْ قُتِلَ لَفَاتَتْ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَظَاهِرُهُ جَوَازُ عَقْدِ الْأَمَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَطَوِيلَةٍ، بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا مُقَيَّدَةً؛ لِأَنَّ فِي جَوَازِهَا مُطْلَقًا تَرْكًا لِلْجِهَادِ.
(وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ
الْهُدْنَةِ) أَيْ: الْأَمَانِ (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْمُقَامُ فِي دَارِنَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَالنِّسَاءِ.
(وَمَنْ دَخَلَ مِنَّا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (دَارَهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (بِأَمَانٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ خِيَانَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ بِشَرْطِ عَدَمِ خِيَانَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ (وَ) حَرُمَتْ عَلَيْهِ (مُعَامَلَتُهُمْ بِالرِّبَا) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (فَإِنْ خَانَهُمْ) شَيْئًا (أَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) شَيْئًا (أَوْ اقْتَرَضَ) مِنْهُمْ (شَيْئًا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى أَرْبَابِهِ) فَإِنْ جَاءُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَعْطَاهُ لَهُمْ وَإِلَّا بَعَثَهُ إلَيْهِمْ،؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ بِأَمَانٍ فَخَانَنَا كَانَ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ) لِمُنَافَاةِ الْخِيَانَةِ لَهُ.
(وَمَنْ دَخَلَ) مِنْهُمْ (دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ مِنْهُ إنْ صَدَّقَتْهُ عَادَةٌ كَدُخُولِ تِجَارَتِهِمْ إلَيْنَا وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُمْكِنٌ، فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ مَجْرَى الشَّرْطِ.
(وَإِلَّا) فَإِنْ انْتَفَتْ الْعَادَةُ وَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْعِصْمَةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إذَا قَالَ جِئْتُ مُسْتَأْنِسًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ وَحِينَئِذٍ (فَ) يَكُونُ (كَأَسِيرٍ) يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلٍ وَرِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ.
(وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا) وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَعَكْسُهُ النَّامُوسُ (فَكَأَسِيرٍ) يُخَيَّرُ فِيهِ، الْإِمَامُ لِقَصْدِهِ نِكَايَةَ الْمُسْلِمِينَ.
(وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ حَمَلْتُهُ رِيحٌ فِي مَرْكَبِهِ إلَيْنَا، أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا بَعْضُ دَوَابِّهِمْ، أَوْ أَبَقَ بَعْضُ رَقَبَتِهِمْ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِأَخْذِهِ ذَلِكَ كَالصَّيْدِ.
(وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَيْنَا بِلَا إذْنٍ وَلَوْ رَسُولًا وَتَاجِرًا) أَيْ: يَحْرُمُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيُنْتَقَضُ الْأَمَانُ بِرِدَّةٍ وَبِالْخِيَانَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ.
(وَإِنْ أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَقْرَضَهُ) الْمُسْتَأْمَنُ (إيَّاهُ) أَيْ: مَالَهُ (ثُمَّ عَادَ) الْمُسْتَأْمَنُ (إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِتِجَارَةٍ أَوْ حَاجَةٍ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَيْنَا فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
(وَإِنْ دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ مُسْتَوْطِنًا أَوْ مُحَارِبًا أَوْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ عَهْدَهُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا انْتَقَضَ) عَهْدُهُ (فِي نَفْسِهِ وَبَقِيَ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ ثَبَتَ لِمَا لَهُ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ إلَيْهَا وَبَقِيَ فِي مَالِهِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطِل بِنَفْسِهِ لَا يُقَالُ: إذَا بَطَلَ فِي الْمَتْبُوعِ فَالتَّابِعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَبَعًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا بَطَلَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَ الْآخِرُ وَلَوْ سَلَّمَ فَيَحُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ التَّبَعِ
وَإِنْ زَالَ فِي الْمَتْبُوعِ كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ بَاقٍ وَيَأْتِي فِي آخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ: أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيْءٌ.
وَفِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ دُونَ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ ثَبَتَ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ بِدُخُولِهِ مَعَهُ فَإِنَّ الْأَمَانَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَصَالَةِ كَمَا لَوْ بَعْثَهُ مَعَ وَكِيلٍ أَوْ مُضَارِبٍ، بِخِلَافِ مَالِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ بَعْدَ عَقْدِ ذِمَّتِهِ (فَيَبْعَثُ بِهِ) أَيْ: بِمَالِ الْمُعَاهِدِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَوَّلِ (إلَيْهِ إنْ طَلَبَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ.
(وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ) الْمُسْتَأْمَنُ أَوْ الذِّمِّيُّ بَعْدَ نَقْضِهِ الْعَهْدَ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَشَرِكَةٍ وَإِجَارَةٍ (صَحَّ تَصَرُّفُهُ) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ) كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَيْسَ بِمَانِعٍ كَمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ (وَإِنْ عَدِمَ) وَارِثَهُ (فَ) هُوَ (فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ كَمَا لَوْ مَاتَ بِدَارِنَا.
(وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ مَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُسْتَوْطِنًا أَوْ مُحَارِبًا (انْتَقَضَ الْأَمَانُ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَالِ (كَ) مَا يُنْتَقَضُ الْأَمَانُ فِي (نَفْسِهِ) لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ فِيهِمَا.
(وَإِنْ أُسِرَ الْمُسْتَأْمَنُ وَاسْتُرِقَّ وُقِفَ مَالُهُ فَإِنَّ عَتَقَ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لِمَالِكٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ سَبَبُ الِانْتِقَالِ فَيُوقَفُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ (وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَفَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَرَقَّ بَلْ مَنَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ فَوُدِيَ بِمَالٍ فَمَالُهُ لَهُ وَإِنْ قَتَلَهُ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ.
(وَإِنْ أَخَذَ مُسْلِمٌ مِنْ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَالًا مُضَارَبَةً أَوْ وَدِيعَةً وَدَخَلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ) أَيْ: الْمَالُ (فِي أَمَانٍ) بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ.
(وَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ: أَخَذَ الْمُسْلِمُ مَالَ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ (بِبَيْعٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ قَرْضٍ فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ) بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ (عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إلَيْهِ) لِعُمُومِ " أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مِنْ ائْتَمَنَكَ ".
(وَإِنْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ مَالًا ثُمَّ دَخَلَ إلَيْنَا فَأَسْلَمَ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْبَدَلِ) لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ (كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ رَدُّ مَهْرِهَا) إلَيْهَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا.
(وَإِذَا سَرَقَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِنَا أَوْ قَتَلَ أَوْ غَصَبَ) أَوْ لَزِمَهُ مَالٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ (ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَأْمَنًا مَرَّةً ثَانِيَةً اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ مَا لَزِمَهُ فِي أَمَانَةِ الْأَوَّلِ) لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) الْمُسْتَأْمَنُ (عَبْدًا مُسْلِمًا فَخَرَجَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرِبِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْعَبْدِ (لَمْ يَغْنَمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الشِّرَاءِ بَاطِلًا) فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ.
(وَيُرَدُّ) الْعَبْدُ (إلَى بَائِعِهِ وَيَرُدُّ بَائِعُهُ الثَّمَنَ إلَى الْحَرْبِيِّ) إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا،؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَالِفًا فَعَلَى الْحَرْبِيِّ قِيمَتُهُ)
فَرَّطَ فِيهِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَأْتِي (وَيَتَرَادَّانِ) أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (الْفَضْلَ) أَيْ: الزَّائِدَ فَيَسْقُطُ مِنْ الْأَكْثَرِ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ، وَيَرْجِعُ رَبُّ الزَّائِدِ بِهِ إنْ كَانَ.
(وَإِذَا دَخَلْتِ الْحَرْبِيَّةُ) دَارَ الْإِسْلَامِ (بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا فِي دَارِنَا، ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ لَمْ تُمْنَعْ إذَا رَضِيَ زَوْجُهَا أَوْ فَارَقَهَا) قُلْتُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْعِدَدِ.
(وَإِنْ أَسَرَ كُفَّارٌ مُسْلِمًا فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً أَوْ أَبَدًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ) لَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرَبَ.
(قَالَ الشَّيْخُ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي الْتِزَامِ الْإِقَامَةِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى) أَيْ: حَيْثُ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَتُقَدَّمُ.
(وَإِنْ) أَطْلَقُوهُ وَ (لَمْ يَشْتَرِطُوا شَيْئًا أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَسْرِقَ وَيَهْرَبَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مِنْ الْوَثَاقِ لَا يَكُونُ أَمَانًا وَالرِّقُّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ إذَا أَطْلَقُوهُ فَقَدْ أَمَّنُوهُ (وَإِنْ أَحَلَفُوهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى كَوْنِهِ رَقِيقًا (وَكَانَ مُكْرَهًا) عَلَى الْحَلِفِ (لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ) لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَهُوَ الِاخْتِيَارُ (وَإِنْ أَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ فَقَطْ) أَيْ: لَا الْخِيَانَةُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ صَارُوا بِأَمَانِهِ فِي أَمَانٍ مِنْهُ فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَادِرٌ.
(وَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ: حَيْثُ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ لِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ إذَنْ وَإِلَّا سُنَّ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) الْمُضِيُّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (أَقَامَ) حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286](وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ) فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالِاجْتِهَادِ لِأَوْقَاتِهَا عَلَى مَا سَبَقَ.
(فَإِنْ خَرَجَ) الْأَسِيرُ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقُوهُ وَأَمَّنُوهُ (وَتَبِعُوهُ فَأَدْرَكُوهُ قَاتَلَهُمْ وَبَطَلَ الْأَمَانُ) بِقِتَالِهِمْ إيَّاهُ.
(وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَالًا بِاخْتِيَارِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَادَ إلَيْهِمْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَفَاءِ مَصْلَحَةً لِلْأَسَارَى، وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةٌ فِي حَقِّهِمْ لِكَوْنِهِمْ لَا يُؤَمِّنُونَ بَعْدَهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً فَلَا تَرْجِعُ) إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّ فِي