الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَالًا]
فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَالًا لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْمَالِ، إذْ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ (وَهُوَ) أَيْ: الْمَالُ شَرْعًا: (مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ضَرُورَةٍ) فَخَرَجَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا كَالْحَشَرَاتِ وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا " تَنْبِيهٌ " ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا كَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّفْعَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي حَدِّ الْبَيْعِ صِحَّتَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا: كَوْنُ الْمَبِيعِ مَالًا أَوْ نَفْعًا مُبَاحًا مُطْلَقًا أَوْ يُعَرَّفُ الْمَالُ بِمَا يَعُمُّ الْأَعْيَانَ وَالْمَنَافِعَ (فَيَجُوزُ بَيْعُ بَغْلٍ وَحِمَارٍ وَعَقَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَدَقِيقٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَقِيَاسًا، لِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَرَدَ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (دُودِ قَزٍّ وَبَزْرِهِ) قَبْلَ أَنْ يَدِبَّ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَرِيرُ الَّذِي هُوَ أَفْخَرُ الْمَلَابِسِ، بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ) يَجْعَلُهَا (شَبَاشًا) وَهُوَ طَائِرٌ تُخَاطُ عَيْنَاهُ وَيُرْبَطُ لِيَنْزِلَ عَلَيْهِ الطَّيْرُ فَيُصَادُ.
(وَيُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهَا (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (دِيدَانٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (عَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ وَ) .
يَصِحُّ (بَيْعُ طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ كَبُلْبُلٍ وَهَزَارٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا (وَ) كَذَا (بَبَّغَاءٌ وَهِيَ الدُّرَّةُ وَ) كَذَا (نَحْوُهَا) كَقُمْرِيٍّ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (نَحْلٍ مُنْفَرِدًا عَنْ كُوَّارَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِ شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ فَهُوَ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ خَارِجًا عَنْ كُوَّارَتِهِ مَعَهَا (بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ) وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لِلْغَرَرِ (وَفِيهَا) أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُ نَحْلٍ فِي كُوَّارَتِهِ (مَعَهَا) إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا إلَيْهَا.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ فِي كُوَّارَتِهِ (بِدُونِهَا إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا إلَيْهَا) أَيْ: إلَى كُوَّارَتِهِ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِفَتْحِ رَأْسِهَا) أَيْ: الْكُوَّارَةِ (وَمُشَاهَدَتِهِ) أَيْ: النَّحْلِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُهُ دَاخِلًا إلَيْهَا، بَلْ يَكْفِي رُؤْيَتُهُ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ قَالَ (وَخَفَاءُ بَعْضِهِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ) أَيْ صِحَّةَ الْبَيْعِ (كَالصُّبْرَةِ) لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهَا اسْتِتَارُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا) أَيْ: الْكُوَّارَةِ (بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ) لِلْجَهَالَةِ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا كَانَ مَسْتُورًا) مِنْ النَّحْلِ (بِأَقْرَاصِهِ) لِلْجَهَالَةِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ هِرٍّ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا» وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ الْمِلْكُ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا أَشْبَهَ الْبَغْلَ (وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اخْتَارَهُ فِي الْهَدْيِ وَالْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ السِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» .
وَفِي لَفْظٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ مَا لَا نَفْعَ مِنْهَا.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ فِيلٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ أَشْبَهَ الْبَغْلَ (وَ) يَجُوزُ بَيْعُ (سِبَاعِ بَهَائِمَ) كَالْفَهْدِ.
(وَ) بَيْعُ (جَوَارِحِ طَيْرٍ) كَصَقْرٍ وَبَازٍ (يَصْلُحَانِ) أَيْ: السِّبَاعُ وَالْجَوَارِحُ (لِصَيْدٍ) بِأَنْ تَكُونَ (مُعَلَّمَةً أَوْ تَقْبَلَهُ) أَيْ: التَّعْلِيمَ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (وَلَدِهِ) أَيْ: وَلَدِ ذَكَرٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (فَرْخِهِ) أَيْ: فَرْخِ طَيْرِ الصَّيْدِ (وَبَيْضِهِ لِاسْتِفْرَاخِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَالِ أَشْبَهَتْ الْجَحْشَ الصَّغِيرَ فَإِنْ اشْتَرَى الْبَيْضَ الْمَذْكُورَ لِنَحْوِ أَكَلٍ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ إبَاحَتِهِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (قِرْدٍ لِحِفْظٍ) ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ قِرْدٍ (لِلَّعِبِ وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ) قَالَ أَكْرَهُ بَيْعَ الْقِرْدِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَاقَةِ بِهِ وَاللَّعِبِ فَأَمَّا بَيْعُهُ لِحِفْظِ الْمَتَاعِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّقْرِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (مُرْتَدٍّ) وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ،؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَخَشْيَةُ هَلَاكِهِ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ كَالْمَرِيضِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (جَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا) سَوَاءٌ (أَوْجَبَتْ) الْجِنَايَةُ (الْقِصَاصَ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَقٌّ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهُ كَالدَّيْنِ (وَلِجَاهِلٍ) بِالرِّدَّةِ أَوْ الْجِنَايَةِ حَالَ الشِّرَاءِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ كَالْعَيْبِ (وَيَأْتِي آخِرَ خِيَارِ الْعَيْبِ) .
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَرِيضٍ وَلَوْ مَأْيُوسًا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ خَشْيَةَ هَلَاكِهِ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ (وَلِجَاهِلٍ) بِمَرَضِهِ حَالَ الشِّرَاءِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (قَاتَلَ فِي مُحَارَبَةٍ مُتَحَتِّمٍ قَتْلُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ، وَيُعْتِقُهُ فَيَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ قِنٍّ (مُتَحَتَّمٍ قَتْلُهُ بِكُفْرٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَمُرْتَدٍّ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (أَمَةٍ لِمَنْ بِهِ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَهَلْ لَهَا) أَيْ: لِلْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ بِهِ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ
(مَنْعَهُ مِنْ وَطْئِهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَوْلَاهُمَا لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ) لِمِلْكِهِ لَهَا وَلِمَنَافِعِهِ (وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ، حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحَيَوَانِ) .
(وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ وَلَوْ) كَانَتْ (حُرَّةً) أَيْ: الْمُنْفَصِلِ مِنْهَا،؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ فَيَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ.
(وَيُكْرَهُ) لِلْمَرْأَةِ بَيْعُ لَبَنِهَا نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ (بَيْعُ لَبَنِ رَجُلٍ) فَلَا يُضْمَنُ بِإِتْلَافٍ.
(وَلَا) بَيْعُ (خَمْرٍ وَلَوْ كَانَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (ذِمِّيَّيْنِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (لَا) بَيْعُ وَلَوْ مُبَاحَ الِاقْتِنَاءِ (كَلْبِ صَيْدٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ قَتَلَهُ) أَيْ: الْكَلْبَ (وَهُوَ مُعَلَّمُ) الصَّيْدِ.
وَالْمُرَادُ مَنْ قَتَلَ كَلْبًا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ، كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (أَسَاءَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا يُمْلَكُ) وَلَا قِيمَةَ لَهُ وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ غَيْرِ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَعَقُورٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ.
(وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ) أَيْ الْكَلْبِ (كَ) مَا يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ (خِنْزِيرٍ) وَلَوْ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا (إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ، وَحَرْثٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ وَالْحَرْثِ (إنْ لَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ عَقُورًا وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ) بَيَانُ ذَلِكَ وَتَعْلِيلُهُ.
(وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ: لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ وَالْحَرْثِ،؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَا يُبَاحُ.
(وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ ثُمَّ تَرَكَ الصَّيْدَ مُدَّةً وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ اقْتِنَاؤُهُ فِي مُدَّةِ تَرْكِهِ) الصَّيْدَ.
(وَكَذَا) مَنْ اقْتَنَى كَلْبَ زَرْعٍ (لَوْ حَصَدَ الزَّرْعَ أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ حَتَّى يَزْرَعَ زَرْعًا آخَرَ وَكَذَا لَوْ هَلَكَتْ مَاشِيَةٌ) اقْتَنَى لَهَا كَلْبًا (أَوْ بَاعَهَا وَهُوَ يُرِيدُ شِرَاءَ غَيْرِهَا فَلَهُ إمْسَاكُ كَلْبِهَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي الَّتِي يَشْتَرِيهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(وَمَنْ مَاتَ وَفِي يَدِهِ كَلْبٌ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ (فَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِهِ) كَسَائِرِ الِاخْتِصَاصَاتِ (وَيَجُوزُ إهْدَاءُ الْكَلْبِ الْمُبَاحِ وَالْإِثَابَةُ عَلَيْهِ) لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) قِنٍّ (مَنْذُورٍ عِتْقُهُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: نَذْرٌ تَبَرَّرَ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِبَيْعِهِ، كَالْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ وَاحْتَرَزَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ عَنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِإِجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ.
(وَلَا) بَيْعُ (تِرْيَاقٍ يَقَعُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا
يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَخَلَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَلَا بِسُمِّ الْأَفَاعِي وَيَصِحُّ بَيْعُ التِّرْيَاقِ الْخَالِي مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ وَمِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَسَائِرِ الْمَعَاجِينِ الْخَالِيَةِ مِنْ مُحَرَّمٍ (وَلَا) بَيْعُ (سُمُومٍ قَاتِلَةٍ كَسُمِّ الْأَفَاعِي) لِخُلُوِّهَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ (فَأَمَّا السُّمُّ مِنْ الْحَشَائِشِ وَالنَّبَاتِ فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ اُنْتُفِعَ بِهِ وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ كَالسَّقَمُونْيَا وَنَحْوِهَا، جَازَ بَيْعُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْمُبَاحِ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُ مُصْحَفٍ وَلَوْ فِي دَيْنٍ) قَالَ أَحْمَدُ لَا نَعْلَمُ فِي بَيْعِ الْمُصْحَفِ رُخْصَةً قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " وَدَدْتُ أَنَّ الْأَيْدِي تُقْطَعُ فِي بَيْعِهَا " وَلِأَنَّ تَعْظِيمَهُ وَاجِبٌ وَفِي بَيْعِهِ ابْتِذَالٌ لَهُ وَتَرْكٌ لِتَعْظِيمِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُ الْمُصْحَفِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَا يَصِحُّ لِكَافِرٍ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ: صِحَّتُهُ لِلْمُسْلِمِ مَعَ الْحُرْمَةِ (كَ) مَا لَا يَصِحُّ (بَيْعُهُ لِكَافِرٍ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ فَمُنِعَ مِنْ ابْتِدَائِهِ (فَإِنْ مَلَكَهُ) الْكَافِرُ (بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ (أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ) خَشْيَةَ امْتِهَانِهِ.
(وَكَذَا) أَيْ كَبَيْعِ الْمُصْحَفِ (إجَارَتُهُ وَرَهْنُهُ) فَيَحْرُمَانِ وَلَا يَصِحَّانِ (وَيَلْزَمُ بَذْلُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مُصْحَفًا غَيْرَهُ) لِلضَّرُورَةِ (وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِلَا إذْنِ) مَالِكِهِ.
(وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى رَبِّهِ (وَلَا يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ) أَيْ: شِرَاءُ الْمُصْحَفِ (؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ) لَهُ كَشِرَاءِ الْأَسِيرِ.
(وَلَا) يُكْرَهُ (إبْدَالُهُ) أَيْ إبْدَالِ الْمُصْحَفِ (لِمُسْلِمٍ بِمُصْحَفٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ (وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ) أَيْ: الْمُصْحَفِ وَلَوْ فِي دَيْنٍ (لَمْ يُبَعْ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ نَسْخُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (بِأُجْرَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ (وَلَا يُقْطَعُ) سَارِقٌ (بِسَرِقَتِهِ) أَيْ: الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ.
(وَيَجُوزُ وَقْفُهُ) أَيْ: الْمُصْحَفِ (وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِيَاضَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِهِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ) فَلَمْ نُطِلْ بِإِعَادَتِهَا.
وَيَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا تُبَاعُ (وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ لِيُتْلِفَهَا، لَا) شِرَاءُ خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا (؛ لِأَنَّ فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةُ الْوَرَقِ) وَتَعُودُ وَرَقًا مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْمُعَالَجَةِ.
(قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ بِآلَةِ اللَّهْوِ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَالِيَّةِ الْخَشَبِ) .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ آلَةِ لَهْوٍ كَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ وَمِنْهَا النَّرْدُ وَالشِّطْرَنْجُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (حَشَرَاتٍ) كَخَنَافِسَ (سِوَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ دُودِ الْقَزِّ وَدِيدَانٍ يُصَادُ بِهَا وَالْحَشَرَاتُ (كَفَأْرٍ وَحَيَّاتٍ وَعَقَارِبَ وَنَحْوِهَا) كَصَرَاصِرَ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ
(مَيْتَةٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ لِمُضْطَرٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا سَمَكًا وَجَرَادًا وَنَحْوَهُمَا) كَجُنْدُبٍ لِحِلِّ أَكْلِهَا (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَمٍ وَخِنْزِيرٍ وَصَنَمٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سِبَاعِ بَهَائِمَ) لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ (وَ) لَا (جَوَارِحِ طَيْرٍ لَا تَصْلُحُ لِصَيْدٍ، كَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَسَبُعٍ وَغُرَابٍ) لَا يُؤْكَلُ (وَحِدَأَةٍ وَنِسْرٍ وَعَقْعَقٍ وَنَحْوِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْحَشَرَاتِ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سِرْجِينٍ) أَيْ زِبْلٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ: سِرْقِينٌ (نَجِسٍ) بِخِلَافِ الطَّاهِرِ مِنْهُ كَرَوَثِ الْحَمَامِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (أَدْهَانٍ نَجِسَةِ الْعَيْنِ مِنْ شُحُومِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (وَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا) أَيْ: بِالْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ الْعَيْنِ (بِاسْتِصْبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَتُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ: لَا بَلْ هُوَ حَرَامٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ) نَحْوِ (نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إنَاءٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ كُلِّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَوْ كُسِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ مُفْرَدًا إلَّا بِإِتْلَافِهِ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَالِيَّة، بِخِلَافِ بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهُ مُشَاعًا (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ أَدْهَانٍ مُتَنَجِّسَةٍ) كَزَيْتٍ لَاقَى نَجَاسَةً.
(وَلَوْ) بِيعَ (لِكَافِرٍ) يُعْلَمُ حَالُهُ (لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مُخْتَصَرًا (وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا) أَيْ: بِالْأَدْهَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ (فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضُرٍّ وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى بِأَنْ تُجْعَلَ فِي إبْرِيقٍ وَيُصَبُّ مِنْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا يُمَسَّ، أَوْ يُدْعَ عَلَى أُسِّ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الدُّهْنُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا وَيُطَيِّنُهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الدُّهْنِ وَكُلَّمَا نَقَصَ دُهْنُ السِّرَاجِ صُبَّ فِيهِ مَاءٌ بِحَيْثُ يَرْفَعُ الدُّهْنَ فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْقَيْدُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ طَائِفَةٌ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا فِيهِ مُطْلَقًا.
(وَ) يَجُوزُ (أَنْ تُدْفَعَ) الْأَدْهَانُ الْمُتَنَجِّسَةُ (إلَى كَافِرٍ فِي فِكَاكِ مُسْلِمٍ وَيُعْلَمُ بِنَجَاسَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقَةً) بَلْ افْتِدَاءً (وَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْ دُخَانِهِ) أَيْ: الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ (شَيْءٌ فَهُوَ نَجِسٌ) كَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ عَلَقَ) دُخَانُ النَّجَاسَةِ (بِشَيْءٍ) طَاهِرٍ (عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ) وَهُوَ مَا لَا تَظْهَرُ صِفَتُهُ لِلْمَشَقَّةِ وَتَقَدَّمَ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ نَجِسٍ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) كَإِنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ