المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُلْقُونَ جِلْدَهَا عَلَى شَجَرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، لِحَدِيثِ - كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي - جـ ٣

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ لَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْعَوْرَاءُ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ هَذَا هَدْيٌ]

- ‌[فَصْلٌ سَوْقُ الْهَدْيِ مِنْ الْحِلِّ مَسْنُونٌ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُضْحِيَّةُ مَشْرُوعَةٌ إجْمَاعًا]

- ‌[فَصْلٌ الْعَقِيقَةُ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ]

- ‌[بَابٌ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ]

- ‌[فَصْلٌ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسَ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ بَدَأَ بِالْأَسْلَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قِسْمَة بَاقِي الْغَنِيمَةِ]

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

- ‌[بَابُ الْفَيْءِ]

- ‌[بَابُ الْأَمَانِ]

- ‌[بَابُ الْهُدْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ]

- ‌[فَصْلٌ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ تَغْلِبِيًّا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[كِتَابِ الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَالًا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْمَبِيع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْبَيْع أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا لَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَة هَذِهِ الصُّبْرَةِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَنْ تَلْزَمهُ الْجُمُعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ لَمْ يَقْبِضْهُ]

- ‌[بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يحرم اشتراطه فِي الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ قَالَ الْبَائِعُ إنْ بِعْتُكَ تَنْقُدُنِي الثَّمَنَ]

- ‌[بَابٌ أَقْسَامُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ]

- ‌[خِيَار الْمَجْلِس]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْرُمُ تَصَرُّفُ البائعين والمشترى فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ الْغَبْنِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ الْعَيْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْعَقْدِ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِيَار الَّذِي يَثْبُتُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِيَارِ الَّذِي يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِقَالَةُ لِلنَّادِمِ مَشْرُوعَةٌ]

- ‌[بَابٌ الرِّبَا وَالصَّرْفُ وَتَحْرِيمُ الْحِيَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُصَارَفَةِ وَهِيَ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ]

- ‌[كِتَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ بَاعَ نَخْلًا قَدْ تَشَقَّقَ طِلْعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا]

- ‌[فَصْلٌ إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ جَازَ بَيْعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَهُ مَالٌ مَلَّكَهُ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَجَلًا مَعْلُومًا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَ الْوُجُودِ فِي مَحَلِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط السَّلَم أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفُ رَاهِنٍ فِي رَهْنٍ لَازِمٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤْنَةُ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ مَنْ تَرَاضَى الْمُتَرَاهِنَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ الْمَبِيعُ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا اخْتَلَفَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَة الرَّهْنُ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ ضَمَانُ دَيْنِ الضَّامِنِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ أَعْلَا الْجَارَيْنِ بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[الْحَجْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّق بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عينا بَاعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْمُحَاصَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَاسْتَمَرَّ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْوَلِيِّ الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ لِوَلِيٍّ مُمَيِّزٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلِسَيِّدِ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ أَوْ بَالِغٍ الْإِذْنُ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُقُوق عَقْدِ الْوَكَالَة]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ نَسَاءً]

- ‌[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ كَانَ عَلَى إنْسَان حَقٌّ مِنْ دِين أوغيره]

- ‌[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[الشَّرِكَةٌ فِي الْمَالِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْعُقُودِ]

- ‌[شَرِكَةُ الْعَنَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجُوز لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِي]

- ‌[فَصْلٌ الشُّرُوطُ فِي الشَّرِكَةِ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْل الْمُضَارَبَةُ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَلِفَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَة]

- ‌[فَصْلٌ الْعَامِلُ أَمِينٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرِكَةٌ الْأَبَدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُنَاصَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ عَقْدَانِ جَائِزَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ دَفَعَ إنْسَانٌ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً لِغَيْرِ ضَرُورَة]

- ‌[فَصْلٌ الْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

الفصل: وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُلْقُونَ جِلْدَهَا عَلَى شَجَرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، لِحَدِيثِ

وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُلْقُونَ جِلْدَهَا عَلَى شَجَرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدِيثُ ثَابِتٍ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِتَأَخُّرِ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ كَانَ فِعْلُهُمَا أَمْرًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُمْ عَلَيْهِ إلَى حِينِ نَسْخِهِ وَاسْتِمْرَارِ النَّسْخِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لَهُ.

(وَلَا يُكْرَهَانِ) أَيْ: الْفَرَعَةُ وَالْعَتِيرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبْرِ نَفْيُ كَوْنِهِمَا سُنَّةً، لَا تَحْرِيمُ فِعْلِهِمَا وَلَا كَرَاهَتُهُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ بِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا وَاضِحٌ لِحَدِيثِ «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .

[كِتَابُ الْجِهَادِ]

ِ خَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرِهِ بِهِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ» (وَهُوَ) أَيْ: الْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدَ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً مِنْ جَهَدَ إذَا بَالَغَ فِي قَتْلِ عَدُوِّهِ فَهُوَ لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ وَشَرْعًا: (قِتَالُ الْكُفَّارِ) خَاصَّةً بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَغَيْرُهُمْ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِتَالِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ.

(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي، سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ) وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَنْ يَكْفِي أَثِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَالْخِطَابُ فِي ابْتِدَائِهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وقَوْله تَعَالَى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95]

ص: 32

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122]- الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ السَّرَايَا وَيُقِيمُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حِينَ اسْتَنْفَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ كَمَا يَأْتِي وَلِذَلِكَ هَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابَهُ لَمَّا تَخَلَّفُوا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

(وَيُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ: حَقِّ غَيْرِ الْكَافِينَ فِيهِ (بِتَأْكِيدٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلِهِ وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ» .

وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ فِي الْجِهَادِ: أَنْ يَنْهَضَ إلَيْهِ قَوْمٌ يَكْفُونَ فِي جِهَادِهِمْ، إمَّا أَنْ يَكُونُوا جُنْدًا لَهُمْ دَوَاوِينُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُوا أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ تَبَرُّعًا، بِحَيْثُ إذَا قَصَدَهُمْ الْعَدُوُّ حَصَلَتْ الْمَنَعَةُ بِهِمْ، وَيَكُونُ فِي الثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ عَنْهَا، وَيَبْعَثُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَيْشًا يُغِيرُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي بِلَادِهِمْ.

(وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) كَرَدِّ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةِ الْمُسْلِمِينَ (فَمِنْ ذَلِكَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ، كَسَتْرِ الْعَارِي، وَإِشْبَاعِ الْجَائِعِ) وَفَكِّ الْأَسْرَى (عَلَى الْقَادِرِينَ) عَلَيْهِ (إنْ عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْهُ) لِمَنْعٍ أَوْ نَحْوِهِ.

(وَ) مِنْ ذَلِكَ (الصَّنَائِعُ الْمُبَاحَةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَصَالِح النَّاسِ غَالِبًا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، كَالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِهَا) ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ لَا يَنْتَظِمُ إلَّا بِذَلِكَ فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ أَهْلُهُ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ كَانَ طَاعَةً وَإِلَّا، فَلَا.

(وَ) مِنْ ذَلِكَ (إقَامَةُ الدَّعْوَى) إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ (وَدَفْعُ الشُّبَهِ بِالْحُجَّةِ وَالسَّيْفِ) لِمَنْ عَانَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .

(وَ) مِنْ ذَلِكَ (سَدُّ الْبُثُوقِ) بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ

ص: 33

وَهُوَ مَا انْفَتَحَ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ (وَ) مِنْ ذَلِكَ (حَفْرُ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَكَرْيُهَا وَهُوَ تَنْظِيفُهَا وَعَمَلُ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ، وَالْأَسْوَارِ وَإِصْلَاحُهَا) أَيْ: الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَالْأَسْوَارِ (وَإِصْلَاحُ الطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ) لِعُمُومِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ.

(وَ) مِنْ ذَلِكَ (الْفَتْوَى وَتَعْلِيمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) كَالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفَرَائِضِ (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حِسَابٍ وَنَحْوِهِ، وَلُغَةٍ، وَنَحْوٍ، وَتَصْرِيفٍ، وَقِرَاءَاتٍ وَعَكْسُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ عُلُومٌ مُحَرَّمَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ فَالْمُحَرَّمَةُ كَعِلْمِ الْكَلَامِ) إذَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِالْمَعْقُولِ الْمَحْضِ، أَوْ الْمُخَالِفِ لِلْمَنْقُولِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ فَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِالنَّقْلِ فَقَطْ، أَوْ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لَهُ، فَهُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَطَرِيقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَفِي حَاشِيَتِهِ: مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي ذَلِكَ.

(وَ) كَعِلْمِ (الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ، وَالضَّرْبِ بِالرَّمْلِ وَالشَّعِيرِ، وَبِالْحَصَى، وَ) كَعِلْمِ (الْكِيمْيَاءِ، وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ، إلَّا الطِّبَّ، فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي قَوْلٍ) قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهَذَا غَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ (وَمِنْ الْمُحَرَّمِ: السِّحْرُ، وَالطَّلْسَمَاتُ) بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الرِّدَّةِ.

(وَ) مِنْ الْمُحَرَّمِ (التَّلْبِيسَاتُ، وَعِلْمُ اخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَذِبٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَ) مِنْ الْمُحَرَّمِ (حِسَابُ اسْمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ أُمِّهِ بِالْجُمَلِ وَأَنَّ طَالِعَهُ كَذَا، وَنَجْمَهُ كَذَا وَالْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ بِفَقْرٍ أَوْ غِنًى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِلِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْأَحْوَالِ السُّفْلِيَّةِ) كَمَا يُصْنَعُ الْآنَ فِي التَّقَاوِيمِ الْمَشْهُورَةِ.

(وَأَمَّا عِلْمُ النُّجُومِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجِهَاتِ وَالْقِبْلَةِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ) كَالْأَدَبِ وَقَدْ يَجِبُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَخَفِيَتْ الْقِبْلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (وَ) الْعِلْمُ (الْمَكْرُوهُ: كَالْمَنْطِقِ وَالْأَشْعَارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْغَزَلِ، وَالْبَطَالَةِ وَالْمُبَاحِ مِنْهَا) أَيْ: الْأَشْعَارِ (مَا لَا سُخْفَ فِيهِ وَمَا لَا يُكْرَهُ، وَلَا يُنَشِّطُ عَلَى الشَّرِّ، وَلَا يُثَبِّطُ عَنْ الْخَيْرِ)، وَيَأْتِي: أَنَّ الشِّعْرَ كَالْكَلَامِ، حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ.

(وَمِنْ) الْعِلْمِ (الْمُبَاحِ: عِلْمُ الْهَيْئَةِ وَالْهَنْدَسَةِ وَالْعَرُوضِ) وَمِثْلُهُ الْقَوَافِي (وَ) مِنْهُ عِلْمُ (الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ) قُلْت: لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، إذْ هُوَ كَالنَّحْوِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَالْمَعْرُوفُ: كُلّ مَا

ص: 34

أُمِرَ بِهِ شَرْعًا وَالْمُنْكَرُ: كُلُّ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ جَزْمًا وَشَاهَدَهُ وَعَرَفَ مَنْ يُنْكِرُهُ وَلَمْ يَخَفْ أَذًى قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّوَهُّمِ فَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُك لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْإِرْشَادِ: مِنْ شُرُوطِ الْإِنْكَارِ: أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى مَفْسَدَةٍ.

قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا أَمَرْت وَنَهَيْت فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلَا تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ، لِيُعَدَّى عَلَيْهِ وَقَالَ أَيْضًا: مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَوْفَ التَّلَفِ وَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: رَجَاءُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَعَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَى النَّاسِ إعَانَةُ الْمُنْكِرِ وَنَصْرُهُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَأَعْلَاهُ: بِالْيَدِ، ثُمَّ بِاللِّسَانِ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ قَالَ الْقَاضِي، وَيَجِبُ فِعْلُ الْكَرَاهَةِ لِلْمُنْكَرِ كَمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ وَفِي الْحَاشِيَةِ مَا يُغْنِي عَنْ الْإِطَالَةِ.

(وَذَكَرْنَا فِي الْكِتَابِ جُمْلَةً مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ كَثِيرًا فِي أَبْوَابِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ) لِمَا فِيهَا مِنْ التَّكْرَارِ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَذْكُورَاتِ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي مَوَاضِعِهِ.

(وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ إلَّا عَلَى ذَكَرٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ فَقَالَ: جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِضَعْفِهَا وَخَوْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْلَمُ ذُكُورِيَّتُهُ (حُرٍّ) ، فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُبَايِعُ الْحُرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَالْعَبْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجِهَادِ» ؛ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ كَالْحَجِّ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا وَظَاهِرُهُ:، وَلَوْ مُبَعَّضًا وَمُكَاتَبًا، رِعَايَةً لِحَقِّ السَّيِّدِ (مُكَلَّفٍ) لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَالْكَافِرُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْجِهَادِ (مُسْتَطِيعٍ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ عَاجِزٌ، وَالْعَجْزُ يَنْفِي الْوُجُوبَ (وَهُوَ)

ص: 35

أَيْ: الْمُسْتَطِيعُ (الصَّحِيحُ) فِي بَدَنِهِ مِنْ الْمَرَضِ وَالْعَمَى وَالْعَرَجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] .

؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُ مِنْ الْجِهَادِ (الْوَاجِدِ بِمِلْكٍ أَوْ بَذْلِ إمَامٍ، أَوْ نَائِبِهِ - لِزَادِهِ، وَمَا يَحْمِلُهُ إذَا كَانَ) السَّفَرُ (مَسَافَةَ قَصْرٍ وَلِمَا يَكْفِي أَهْلَهُ فِي غَيْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91]{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا} [التوبة: 92] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ إلَّا بِآلَةٍ فَاعْتُبِرَتْ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا كَالْحَجِّ وَلَا تُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ كَالْحَجِّ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَأُجْرَةِ مَسْكَنِهِ وَحَوَائِجِهِ، كَالْحَجِّ وَإِنْ بَذَلَ لَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ مَا يُجَاهِدُ بِهِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَطِيعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ.

(وَلَا يَجِبُ) الْجِهَادُ (عَلَى أُنْثَى وَلَا خُنْثَى، وَلَا عَبْدٍ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ) سَيِّدُهُ (وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا ضَعِيفٍ، وَلَا مَرِيضٍ مَرَضًا شَدِيدًا) لِمَا تَقَدَّمَ وَ (لَا) يَسْقُطُ وُجُوبُهُ بِالْمَرَضِ إنْ كَانَ (يَسِيرًا، لَا يَمْنَعُهُ) أَيْ: الْجِهَادَ (كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ خَفِيفٍ وَنَحْوِهِمَا) كَالْعَوَرِ.

(وَلَا) يَجِبُ (عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا كَافِرٍ وَلَا أَعْمَى وَلَا أَعْرَجَ وَلَا أَشَلَّ وَلَا أَقْطَعَ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَلَا مَنْ أَكْثَرُ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٌ، أَوْ إبْهَامُ يَدِهِ) ذَاهِبَةٌ (أَوْ) قُطِعَ مِنْهُ (مَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ نَفْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَيُؤْخَذُ بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ الْكَفَّارَةِ (وَيَلْزَمُ) الْجِهَادُ (الْأَعْوَرَ وَالْأَعْشَى وَهُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ فَقَطْ) أَيْ: دُونَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْجِهَادَ.

(قَالَ الشَّيْخُ الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ) أَعْنِي: الْجِهَادَ الْمَأْمُورَ بِهِ (مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ) كَالْعَزْمِ عَلَيْهِ.

(وَالدَّعْوَةِ) إلَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ (وَالْحُجَّةِ) أَيْ: إقَامَتِهَا عَلَى الْمُبْطِلِ (وَالْبَيَانِ) أَيْ: بَيَانِ الْحَقِّ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ (وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ) فِيمَا فِيهِ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ (وَالْبَدَنِ) أَيْ: الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ (فَيَجِبُ) الْجِهَادُ (بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ) مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ قُلْت: وَمِنْهُ هَجْوُ الْكُفَّارِ كَمَا كَانَ حَسَّانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَهْجُو أَعْدَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ) الْجِهَادُ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: كُلَّ عَامٍ مَرَّةً) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَرَّةً فِي الْعَامِ وَهُوَ بَدَلُ

ص: 36

النُّصْرَةِ فَكَذَا مُبْدَلُهَا (إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ) مِنْ عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ (أَوْ قِلَّةِ عَلَفٍ) فِي الطَّرِيقِ (أَوْ) قِلَّةِ (مَاءٍ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ انْتِظَارِ مَدَدٍ) يَسْتَعِينُ بِهِ إمَامٌ (فَيَجُوزُ تَرْكُهُ) أَيْ: الْجِهَادِ (بِهُدْنَةٍ وَبِغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ وَ (لَا) يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ (إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ وَمَنْ تَابَعَهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُ الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى الْخَوْفِ.

(وَتَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) وَهِيَ رَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ (مَنْسُوخٌ نَصًّا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَبِغَزْوِهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ وَاخْتَارَ فِي الْهَدْيِ: لَا وَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَإِنْ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ وَهُمْ بَدَءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِتَالِ قَالَ: وَيَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ دَفْعًا إجْمَاعًا وَأَطَالَ فِي الْفُرُوعِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ (وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْقِتَالِ فِي عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَوَجَبَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَة.

(وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ) وَهُوَ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْمُسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ (أَوْ) مِنْ (عَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ، أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ حَصْرِ) عَدُوٍّ (أَوْ) حَصَرَ (بَلَدَهُ عَدُوٌّ أَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ بَعِيدٌ) فِي الْجِهَادِ (أَوْ تَقَابَلَ الزَّحْفَانِ) الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ (أَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ، وَلَا عُذْرَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) أَيْ: صَارَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وقَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38] وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ النَّفِيرِ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا لِحَاجَةٍ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ) لِحِفْظِ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مَكَان.

(وَمَنْ مَنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخُرُوجِ) ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ (وَإِنْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ مَعًا صَلَّى ثُمَّ نَفَرَ مَعَ الْبُعْدِ) أَيْ: بُعْدِ الْعَدُوِّ (وَمَعَ قُرْبِ الْعَدُوِّ يَنْفِرُ وَيُصَلِّي رَاكِبًا وَذَلِكَ أَفْضَلُ) نَصَّ عَلَيْهِ.

(وَلَا يَنْفِرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ لَهَا) عِبَارَةُ الْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى: وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فَعُمُومُهُ يَتَنَاوَلُ

ص: 37

الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا (وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ فِيهَا) لِأَجْلِ النَّفِيرِ (وَلَا تُنَفَّرُ الْخَيْلُ إلَّا عَلَى حَقِيقَةٍ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ.

(وَلَا يَنْفِرُ عَلَى غُلَامٍ إذَا أَبَقَ) لِئَلَّا يَهْلِكَ النَّاسُ بِسَبَبِهِ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ فَرَسًا بَيْنَهُمَا يَغْزُوَانِ عَلَيْهَا، يَرْكَبُ هَذَا عُقْبَةً وَهَذَا عُقْبَةً، وَيَأْتِي فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، وَلَوْ نَادَى الْإِمَامُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِحَادِثَةٍ شَاوَرَهُمْ فِيهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ أَحَدٌ عَنْ الْحُضُورِ بِلَا عُذْرٍ) .

لِوُجُوبِ الْجِهَادِ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْبَدَنِ وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالْحَرْبُ خَدْعَةٌ (وَمُنِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَزْعِ لَأْمَةِ الْحَرْبِ إذَا لَبِسَهَا حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ) لِلْخَبَرِ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَسْنَدَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّأْمَةُ: كَتَمْرَةٍ بِالْهَمْزَةِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا وَهِيَ الدِّرْعُ وَجَمْعُهَا: لَأْمٌ كَتَمْرَةِ وَتَمْرٍ، وَلُؤَمٌ: كَصُرَدٍ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ (كَمَا مُنِعَ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّمْزِ بِالْعَيْنِ وَالْإِشَارَةِ بِهَا) لِحَدِيثِ «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَهِيَ الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ أَوْ قَتْلٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ: لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ.

(وَ) مُنِعَ صلى الله عليه وسلم (مِنْ الشِّعْرِ وَالْخَطِّ وَتَعَلُّمِهِمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَقَوْلُهُ {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] ، وَيَأْتِي فِي الْخَصَائِصِ لَهُ تَتِمَّةٌ.

(وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ: الْجِهَادُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الرِّبَاطِ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الْعَمَلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ، وَالْأَحَادِيثُ مُتَظَاهِرَةٌ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ) لِحَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ عِنْدَهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ: فَقُلْت: مَا أَضْحَكَك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكٌ عَلَى الْأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ خَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُ أُخْتٌ لَهُمَا ثَالِثَةٌ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيْ الْبَرِّ، وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كَقَاطِعِ الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إلَّا شَهِيدَ الْبَحْرِ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّى قَبْضَ

ص: 38

أَرْوَاحِهِمْ، وَشَهِيدُ الْبَرِّ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ، وَشَهِيدُ الْبَحْرِ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَالدَّيْنُ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ خَطَرًا وَمَشَقَّةً، لِكَوْنِهِ بَيْنَ خَطَرِ الْعَدُوِّ وَالْغَرَقِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفِرَارِ إلَّا مَعَ أَصْحَابِهِ فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ.

(وَالْجِهَادُ مِنْ السِّيَاحَةِ) الْمَرْغُوبِ فِيهَا (وَأَمَّا السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ لَا لِمَقْصُودٍ) شَرْعِيٍّ (وَلَا إلَى مَكَان مَعْرُوفٍ فَمَكْرُوهَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْعَبَثِ.

(وَيُغْزَى مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرٍّ وَفَاجِرٍ يَحْفَظَانِ الْمُسْلِمِينَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَفِي الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَ الْفَاجِرِ يُفْضِي إلَى تَرْكِهِ وَظُهُورِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِئْصَالِهِمْ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ.

(وَلَا يَكُونُ) الْأَمِيرُ (مَخْذُولًا وَلَا مُرْجِفًا، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْهَزِيمَةِ وَتَضْيِيعِ الْمُسْلِمِينَ) لِعَدَمِ الْمَقْصُودِ مِنْ حِفْظِهِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ عُرِفَ بِالْغُلُولِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ) أَيْ: إثْمُهُ عَلَيْهِ، لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، فَلَا يُمْنَعُ الْغَزْوُ مَعَهُ (وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْأَمِيرَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ.

(وَيُسْتَحَبُّ تَشْيِيعِ غَازٍ مَاشِيًا إذَا خَرَجَ) إلَى الْغَزْوِ (وَلَا بَأْسَ بِخَلْعِ نَعْلِهِ) أَيْ: الْمُشَيِّعِ (لِتُغَبَّرَ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَعَلَهُ أَحْمَدُ) فَشَيَّعَ أَبَا الْحَارِثِ الصَّائِغَ وَنَعْلَاهُ فِي يَدِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ شَيَّعَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ، وَيَزِيدُ رَاكِبٌ وَأَبُو بَكْرٍ يَمْشِي فَقَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ أَنَا فَأَمْشِيَ مَعَك فَقَالَ: لَا أَرْكَبُ، وَلَا تَنْزِلُ إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَشَيَّعَ عَلِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَمْ يَتَلَقَّهُ.

وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَلَقِّيهِ) أَيْ: الْغَازِي؛ لِأَنَّهُ تَهْنِئَةٌ لَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ:، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَجٌّ وَإِنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ (وَفِي الْفُنُونِ: تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ) كَالْمَرْضَى، تَحْسُنُ تَهْنِئَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِسَلَامَتِهِ.

(وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِأَبِي الْمَعَالِي) أَسْعَدَ وَيُسَمَّى: مُحَمَّدًا وَجِيهَ الدِّينِ بْنَ الْمُنَجَّى بْنِ بَرَكَاتٍ (تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ، وَمُعَانَقَتُهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ) وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ فِي حَجٍّ لَا إلَّا إنْ كَانَ قَصَدَهُ، أَوْ ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا، أَوْ يُخَافُ شَرُّهُ وَنَقَلَ ابْنَاهُ: أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا: اُكْتُبَا لِي اسْمَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ حَتَّى إذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي جَعَلَهُ مُقَابَلَةً وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ قَالَ: ابْنُ عَقِيلٍ مَحْمُولٌ عَلَى صِيَانَةِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ.

(وَذَكَرَ) أَبُو بَكْرٍ (الْآجُرِّيُّ: اسْتِحْبَابَ

ص: 39

تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ، وَمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ) وَشَيَّعَ أَحْمَدُ أُمَّهُ لِحَجٍّ.

(وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَاتِلَ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] ؛ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعَدُوِّ الْبَعِيدِ يُمَكِّنُ الْقَرِيبَ مِنْ انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ، لِاشْتِغَالِهِمْ عَنْهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ) إلَى قِتَالِ الْأَبْعَدِ (كَأَنْ يَكُونَ) الْعَدُوُّ (الْأَبْعَدُ أَخْوَفَ، أَوْ) لِمَصْلَحَةٍ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْأَبْعَدِ (لِغِرَّتِهِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ.

(وَإِمْكَانِ الْفُرْصَةِ مِنْهُ أَوْ يَكُونُ الْأَقْرَبُ مُهَادَنًا، أَوْ يَمْنَعُ مَانِعٌ مِنْ قِتَالِهِ) أَيْ: الْأَقْرَبِ (فَيُبْدَأُ بِالْأَبْعَدِ) لِلْحَاجَةِ (وَمَعَ التَّسَاوِي) أَيْ: تَسَاوِي الْعَدُوِّ فِي الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ.

(قِتَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَكَانَ يَأْتِي مِنْ مَرْوَ لِغَزْوِ الرُّومِ وَاسْتَبْعَدَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَيْثُ تَرْكِ الْعَدُوِّ الْقَرِيبِ وَالْمَجِيءِ إلَى الْبَعِيدِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْجِهَادِ، وَالْكِفَايَةُ حَاصِلَةٌ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ: حَدِيثُ أُمِّ خَلَّادٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا «إنَّ ابْنَك لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيُقَاتِلُ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ) وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ (حَتَّى يُسْلِمُوا) لِحَدِيثِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» (أَوْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ) بِشَرْطِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] . الْآيَةَ.

(وَ) يُقَاتِلُ (مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ) الْجِزْيَةُ (حَتَّى يُسْلِمُوا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، خَصَّ مِنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ لِلْآيَةِ، وَالْمَجُوسَ " لِأَخْذِهِ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُمْ (فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، حَيْثُ تُقْبَلُ مِنْهُمْ وَمِنْ الْإِسْلَامِ (وَضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِهِمْ انْصَرَفُوا) عَنْ الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُصَالَحَتِهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ (إلَّا إنْ خِيفَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ) أَيْ: الْكُفَّارَ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ، فَلَا يَنْصَرِفُونَ عَنْهُمْ، لِئَلَّا يُسَلِّطُوهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

(وَيُسَنُّ الدَّعْوَةُ) أَيْ: دَعْوَةُ الْكُفَّارِ إلَى الْإِسْلَامِ (قَبْلَ الْقِتَالِ لِمَنْ بَلَغَتْهُ) أَيْ: الدَّعْوَةُ، قَطْعًا لِحُجَّتِهِ (وَيَحْرُمُ) الْقِتَالُ (قَبْلَهَا) أَيْ: الدَّعْوَةِ (لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ) الدَّعْوَةُ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ إذَا لَقِيت

ص: 40

عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى ثَلَاثٍ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقَيَّدَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ شَمْسُ الدِّينِ (ابْنُ الْقَيِّمِ وُجُوبَهَا) أَيْ: الدَّعْوَةِ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ (وَاسْتِحْبَابَهَا) لِمَنْ بَلَغَتْهُ (بِمَا إذَا قَصَدَهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارَ (الْمُسْلِمُونَ أَمَّا إذَا كَانَ الْكُفَّارُ قَاصِدِينَ) الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ (فَلِلْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ دَفْعًا عَنْ نُفُوسِهِمْ وَحَرِيمِهِمْ) .

(وَأَمْرُ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ وَبِحَالِ الْعَدُوِّ وَنِكَايَتِهِمْ؛ وَقُرْبِهِمْ وَبُعْدِهِمْ.

(وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُمْ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62](وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ) الْإِمَامُ (بِتَرْتِيبِ قَوْمٍ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ، يَكْفُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَيَأْمُرُ بِعَمَلِ حُصُونِهِمْ، وَحَفْرِ خَنَادِقِهِمْ وَجَمِيعِ مَصَالِحِهِمْ) ؛ لِأَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ الْأَمْنُ وَهَذَا طَرِيقُهُ.

(وَيُؤَمِّرُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا، يُقَلِّدُهُ أَمْرَ الْحَرْبِ، وَتَدْبِيرَ الْجِهَادِ، وَيَكُونُ) الْأَمِيرُ (مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ وَعَقْلٌ وَخِبْرَةٌ بِالْحَرْبِ، وَمَكَايِدِ الْعَدُوِّ، مَعَ أَمَانَةٍ، وَرِفْقٍ بِالْمُسْلِمِينَ، وَنُصْحٍ لَهُمْ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إقَامَتِهِ (وَيُوصِيهِ) أَيْ: يُوصِي الْإِمَامُ الْأَمِيرَ إذَا وَلَّاهُ: بِتَقْوَى اللَّهِ فِي نَفْسِهِ، وَ (أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَهْلَكَةٍ وَلَا يَأْمُرَهُمْ بِدُخُولِ مَطْمُورَةٍ يُخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا تَحْتَهَا) .

لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ السَّابِقِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: حَمَلَهُمْ عَلَى مَهْلَكَةٍ، أَوْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ مَطْمُورَةٍ يُخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا تَحْتَهَا (فَقَدْ أَسَاءَ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ: يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ (وَلَا عَقْلَ) أَيْ: دِيَةَ (عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ إذَا أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِطَاعَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ (فَإِنْ عُدِمَ الْإِمَامُ لَمْ يُؤَخَّرْ الْجِهَادُ) لِئَلَّا يَسْتَوْلِيَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَظْهَرَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ (وَإِنْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ قَسَمُوهَا عَلَى مُوجِبِ الشَّرْعِ) كَمَا يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ قَالَ الْقَاضِي

ص: 41

(وَتُؤَخَّرُ قِسْمَةُ الْإِمَاءِ حَتَّى يَقُومَ إمَامٌ) ، فَيَقْسِمُهَا (احْتِيَاطًا) لِلْفُرُوجِ.

(فَإِنْ بَعَثَ الْإِمَامُ جَيْشًا) أَوْ سَرِيَّةً (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ) الْأَمِيرُ (فَلِلْجَيْشِ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ، لَمَّا قُتِلَ أُمَرَاؤُهُمْ، أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضِيَ أَمْرَهُمْ، وَصَوَّبَ رَأْيَهُمْ وَسَمَّى خَالِدًا يَوْمَئِذٍ سَيْفَ اللَّهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَتَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (وَلَا يُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ إلَّا مَعَ أَمِيرٍ) يُقِيمُونَهُ، أَوْ يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ إلَيْهِمْ.

(وَيُسَنُّ الرِّبَاطُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «رِبَاطُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، فَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إلَّا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

(وَهُوَ) أَيْ: الرِّبَاطُ (الْإِقَامَةُ بِثَغْرٍ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ) مَأْخُوذٌ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ وَهَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ، كُلٌّ يُعِدُّ لِصَاحِبِهِ، وَالثَّغْرُ: كُلُّ مَكَان يُخِيفُ أَهْلُهُ الْعَدُوَّ وَيُخِيفُهُمْ، أَيْ: الرِّبَاطُ (وَأَقَلُّهُ سَاعَةٌ) قَالَ أَحْمَدُ يَوْمٌ رِبَاطٌ وَلَيْلَةٌ رِبَاطٌ وَسَاعَةٌ رِبَاطٌ (وَتَمَامُهُ) أَيْ: الرِّبَاطِ (أَرْبَعُونَ يَوْمًا) قَالَهُ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لِحَدِيثِ: «تَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا» رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أُوَافِقَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الرِّبَاطَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ.

(وَإِنْ زَادَ) الرِّبَاطُ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا (فَلَهُ أَجْرُهُ) كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ (وَهُوَ) أَيْ: الرِّبَاطُ (بِأَشَدِّ الثُّغُورِ خَوْفًا: أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْوَجُ، وَالْمَقَامُ بِهِ أَنْفَعُ.

(وَ) الرِّبَاطُ (أَفْضَلُ مِنْ الْمَقَامِ بِمَكَّةَ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا (وَالصَّلَاةُ بِهَا) أَيْ: بِمَكَّةَ (أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالثَّغْرِ) قَالَ أَحْمَدُ: فَأَمَّا فَضْلُ الصَّلَاةِ فَهَذَا شَيْءٌ خَاصَّةُ فَضْلٍ لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ.

(وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ أَهْلِ الثَّغْرِ نَقْلُ أَهْلِهِ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى

ص: 42

الثَّغْرِ: إنْ كَانَ مَخُوفًا لِقَوْلِ عُمَرَ: " (لَا) تُنْزِلُوا الْمُسْلِمِينَ خِيفَةَ الْبَحْرِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ لَا أَخَافُ الْإِثْمَ وَهُوَ يُعَرِّضُ ذُرِّيَّتَهُ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَا يُكْرَهُ نَقْلُ أَهْلِهِ (إلَى غَيْرِ مَخُوفٍ) لِلْأَمْنِ (كَأَهْلِ الثَّغْرِ) أَيْ: كَإِقَامَةِ أَهْلِ الثَّغْرِ بِأَهْلِيهِمْ، فَلَا تُكْرَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ السُّكْنَى بِأَهْلِيهِمْ، وَإِلَّا لَخَرِبَتْ الثُّغُورُ وَتَعَطَّلَتْ.

(وَالْحَرَسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثَوَابُهُ عَظِيمٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَعَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا «حَرَسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ قِيَامُ لَيْلِهَا وَصِيَامُ نَهَارِهَا» رَوَاهُ ابْنُ سَنْجَرَ.

(وَحُكْمُ هِجْرَةٍ بَاقٍ لَا يَنْقَطِعُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا كَانَ الْجِهَادُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ مَعَ إطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَتَحَقُّقِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضَى لَهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» يَعْنِي: مِنْ مَكَّةَ (وَكُلُّ بَلَدٍ فُتِحَ لَا تَبْقَى مِنْهُ هِجْرَةٌ إنَّمَا الْهِجْرَةُ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدِ الْكُفَّارِ فَإِذَا فُتِحَ لَمْ يَبْقَ بَلَدُ الْكُفَّارِ، فَلَا تَبْقَى مِنْهُ هِجْرَةٌ.

(وَتَجِبُ) الْهِجْرَةُ (عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَهِيَ مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ، وَيَرَوْنَ نَارَهُ إذَا أُوقِدَتْ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الدِّينِ وَاجِبٌ وَالْهِجْرَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ.

(زَادَ جَمَاعَةٌ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (أَوْ بَلَدِ بُغَاةٍ أَوْ بِدَعٍ مُضِلَّةٍ، كَرَفْضٍ، وَاعْتِزَالٍ) فَيَخْرُجُ مِنْهَا إلَى دَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ

ص: 43

وُجُوبًا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيهَا (وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] (وَلَوْ) كَانَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِمَا ذُكِرَ (امْرَأَةً) لِدُخُولِهَا فِي الْعُمُومَاتِ (وَلَوْ) كَانَتْ (فِي عِدَّةٍ أَوْ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ) بِخِلَافِ الْحَجِّ.

وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالرِّعَايَتَيْنِ: إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا، لَمْ تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ، كَالْحَجِّ وَمَعْنَاهُ: فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ، وَزَادَ: وَأَمِنَتْهُمْ عَلَى نَفْسِهَا وَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُمْ فَلَهَا الْخُرُوجُ، حَتَّى وَحْدَهَا، بِخِلَافِ الْحَجِّ.

(وَتُسَنُّ) الْهِجْرَةُ (لِقَادِرٍ عَلَى إظْهَارِهِ) أَيْ: دِينِهِ، لِيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ،، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَإِعَانَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُكَثِّرُهُمْ، وَلَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي لَكِنْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً} [النساء: 97] أَنَّ الْمَعْنَى " إذَا عُمِلَ بِالْمَعَاصِي فِي أَرْضٍ فَاخْرُجُوا مِنْهَا " وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَيَرُدُّهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ» الْخَبَرَ.

(وَلَا يُجَاهِدُ تَطَوُّعًا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَوْ مُؤَجَّلًا لِآدَمِيٍّ، لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ يُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، وَبِهَا تَفُوتُ النَّفْسُ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا (فَإِنْ أَقَامَ ضَامِنًا مَلِيئًا أَوْ رَهْنًا مُحَرَّزًا، أَوْ وَكِيلًا يَقْضِيهِ مُتَبَرِّعًا جَازَ) وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ وَالِدَ جَابِرٍ " خَرَجَ إلَى أُحُدٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَاسْتُشْهِدَ، وَقَضَى عَنْهُ ابْنُهُ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ " وَلِعَدَمِ ضَيَاعِ حَقِّ الْغَرِيمِ إذَنْ.

(وَلَا) يُجَاهِدُ تَطَوُّعًا (مَنْ أَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ عَاقِلَانِ، إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ أَبَوَيْهِ (كَذَلِكَ) أَيْ: حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا لَمْ يُجَاهِدْ تَطَوُّعًا (إلَّا بِإِذْنِهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ؟ فَقَالَ: لَك أَبَوَانِ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ: هَلْ لَك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ فَقَالَ: أَبَوَايَ، فَقَالَ: أَذِنَا لَك؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا

ص: 44