الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» ؛ وَلِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ.
(إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ) الْجِهَادُ لِحُضُورِ الصَّفِّ، أَوْ حَصْرِ الْعَدُوِّ، أَوْ اسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوِهِ (فَيَسْقُطُ إذْنُهُمَا وَإِذْنُ غَرِيمٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ (لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَكَانِ الْقَتْلِ مِنْ الْمُبَارَزَةِ وَالْوُقُوفِ فِي أَوَّلِ الْمُقَاتِلَةِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِتَفْوِيتِ الْحَقِّ (وَلَا طَاعَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ، كَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَاجِبٍ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ مِنْ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَصِيَامٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ (بِبَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِهِمَا) أَيْ: أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (وَلَا إذْنَ لِجَدٍّ، وَلَا جَدَّةٍ) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلَا لِلْكَافِرِينَ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَلَا لِرَقِيقَيْنِ، لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَا لِمَجْنُونَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا.
(فَإِنْ خَرَجَ فِي جِهَادِ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِمَا ثُمَّ مَنَعَاهُ مِنْهُ بَعْدَ سَيْرِهِ وَقَبْلَ تَعْيِينِهِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ فِي الِابْتِدَاءِ مُنِعَ، فَمُنِعَ إذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ كَسَائِرِ الْمَوَانِعِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الرُّجُوعِ، أَوْ يَحْدُثَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ فِي الطَّرِيقِ) أَقَامَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الرُّجُوعِ، فَيَرْجِعُ (وَإِلَّا مَضَى مَعَ الْجَيْشِ وَإِذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِحُضُورِهِ، وَسَقَطَ إذْنُهُمَا وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ إذَنْ.
(وَإِنْ كَانَا) أَيْ: الْأَبَوَانِ (كَافِرَيْنِ، فَأَسْلَمَا ثُمَّ مَنَعَاهُ كَانَ كَمَنْعِهِمَا بَعْدَ إذْنِهِمَا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَكَذَا حُكْمُ الْغَرِيمِ) يَأْذَنُ ثُمَّ يَرْجِعُ (فَإِنْ عَرَضَ لِلْمُجَاهِدِ فِي نَفْسِهِ مَرَضٌ أَوْ عَمًى، أَوْ عَرَجٌ فَلَهُ الِانْصِرَافُ، وَلَوْ بَعْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَبَوَاهُ فِي الْجِهَادِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ فَحَضَرَ الْقِتَالَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ شَرْطُهُمَا) قُلْت: وَكَذَا لَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِهِ الْجِهَادُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ يَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرَيْنِ]
فَصْلٌ:، وَيَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرَيْنِ وَيَحْرُمُ فِرَارُ (جَمَاعَةٍ مِنْ مِثْلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ " (وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ: الْمُسْلِمِينَ (الثَّبَاتُ وَإِنْ ظَنُّوا التَّلَفَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَدَّ الْفِرَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ (إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] .
(وَمَعْنَى التَّحَرُّفِ) لِقِتَالٍ أَنْ يَنْحَازُوا إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ، (مِثْلُ أَنْ يَنْحَازُوا مِنْ ضِيقٍ إلَى سَعَةٍ، أَوْ مِنْ مَعْطَشَةٍ إلَى مَاءٍ أَوْ مِنْ نُزُولٍ إلَى عُلُوٍّ أَوْ مِنْ اسْتِقْبَالِ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ إلَى اسْتِدْبَارِهِمَا، أَوْ يَفِرُّوا بَيْنَ أَيْدِيهمْ لِيَنْقَضَّ صَفُّهُمْ، أَوْ تَنْفِرَ خَيْلُهُمْ مِنْ رِجَالَتِهِمْ، أَوْ لِيَجِدُوا فِيهِمْ فُرْصَةً أَوْ يَسْتَنِدُوا إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ عُمَرُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ " فَانْحَازُوا إلَيْهِ وَانْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ (أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ نَاصِرَةٍ تُقَاتِلُ مَعَهُمْ، وَلَوْ بَعُدَتْ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] .
(قَالَ الْقَاضِي لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ وَالْفِئَةُ بِالْحِجَازِ لَجَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ.
وَقَالَ عُمَرُ «إنَّا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُيُوشُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
(وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِمْ فَلَهُمْ الْفِرَارُ) قَالَ " ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ "{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حِين فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] فَلَمَّا خَفَّفَ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدَدِ، نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْقَدْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ مَعَ أَدْنَى زِيَادَةٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْفِرَارُ (أَوْلَى) مِنْ الثَّبَاتِ (إنْ ظَنُّوا التَّلَفَ بِتَرْكِهِ) أَيْ: الْفِرَارِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَإِنْ ظَنُّوا الظَّفَرَ فَالثَّبَاتُ أَوْلَى)