الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنازة، وقد مرَّ استيفاء الكلام على المذاهب في كيفية المشيء معها في باب "اتباع الجنائز من الإيمان،.
والغير هو عبد الرحمن من قرظ، وأثره وَصَله سعيد بن منصور، وعبد الرحمن بن قُرْظ بضم القاف وسكون الراء، الثّماليّ الحُمصيّ، صحابيّ. قال البخاريُّ وغيره: كان من أهل الصُّفة. وقال هشام بن عِمارة في فوائده: كان عبد الرحمن بن قرظ واليًا على حُمص في زمان عمر، فبلغه أن عروسًا حملت في هودج ومعها النيران، فكسر الهودج وأطفأ النيران، ثم أصبح فصعد المنبر وقال: إني كنت مع أهل الصُّفة، وهم مساكين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أبا جندل نكح أُمامة، فصنع طعامًا، فدعانا فأكلنا، فاستشهد أبو جندل بعد ذلك، وماتت أمامة.
وروى البخاريّ وابن السكن عن رُوَيم عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْري به إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم جبريلُ عن يمينه وميكائيلُ عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات السبع، فلمّا رجع قال: سمعت تسبيحًا في السموات العلى". الحديث.
وأخرج هشام بن عِمارة في فوائده أن ابن قرظ صعد المنبر فرأى أهل اليمن وقُضاعة عليهم المُعَصْفَر والمُزَهَّر، فذكر القصة، وفيه قوله "إنما قامت النعمة على المنعم عليه بالشكر" روى عنه سليم بن عامر.
والثُّمالي في نسبه، بضم الثاء على الأصح، نسبة إلى ثُمالة كثُمامة، أبي بطن من الأزْد، لقب عوف بن سليم بن أحْجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، منهم محمد بن يزيد المُبَرِّدُ النَّحْويّ. وفيهم يقول الشاعر:
سألنا عن ثُمالَةَ كلَّ حيٍّ
…
فقالَ القائلون ومن ثُمالَهْ
فقلتُ: محمدُ بنُ يزيدَ منهم
…
فقالوا: زدتنا بهمُ جهالهْ
وإنما لقب بهذا اللقب، لأنه أطعم قومه، وسقاهم لبنًا بثمالته، فغلب عليه ذلك.
الحديث الثالث والسبعون
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ.
قوله: حفظناه من الزُّهريّ، في رواية المستملي "عن" بدل "من"، والأول أَوْلى، لأنه يقتضي سماعه منه، بخلاف رواية المستملي، وقد صرح الحميديّ في مسنده بسماع سفيان له من الزهريّ: وقوله: عن سعيد بن المسيب، كذا قال سفيان، وتابعه معمر وابن أبي حَفصة عند مسلم، وخالفهم يونس فقال: عن الزهريّ، حدثني أبو أمامة بن سهل عن أبي هُريرة، وهو محمول على أن للزهريّ فيه شيخين.
وقوله: أسرعوا، نقل ابن قُدامة أنّ الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء، وشذ ابن حزم، فقال بوجوبه، والمراد بالإسراع شدة المشي، وعلى ذلك حمله بعض السلف، وهو قول الحنفية. قال صاحب الهداية: ويمشون بها مسرعين دون الخَبَب. وفي "المبسوط": ليس فيه شيء مؤقت، غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة. قاله في "الفتح": وعن الشافعيّ والجمهور: المرادُ بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإِسراع الشديد، ومال عِياض إلى نفي الخلاف، فقال: من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد، ومن كرهه أراد الإِفراط فيه، كالرَّمل. والحاصل أنه يستحب الإسراع بها، لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مَفْسدة بالميت، أو مشقة على الحامل أو المشيع، لئلا ينافي المقصود من النظافة، أو إدخال المشقة على المسلم.
قال القرطبيّ: مقصود الحديث أن لا يُتباطأ بالميت عن الدفن، ولأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال. وقوله: بالجنازة، أي: بحملها إلى قبرها. وقيل: المراد والإِسراع بتجهيزها، فهو أعم من الأول. قال القرطبيّ: الأول أظهر. وقال النّوويّ: الثاني باطل مردود بقوله في الحديث "تضعونه عن رقابكم". وتعقبه الفاكهانيّ بأن الحملَ على الرقاب قد يعبر عن المعاني، كما تقول حمل فلان على رقبته ذنوبًا، فيكون المعنى استريحوا من نظر من لا خير فيه.
قال: ويؤيده أن الكل لا يحملونه، ويؤيده حديث ابن عمر:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره" أخرجه الطبرانيّ بإسناد حسن، ولأبي داود عن حُصين بن وَحْوح مرفوعًا "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهرانيْ أهله". الحديث.
وقوله: فإنْ تك صالحة، ومعناه في الذي قبله، وقوله: فخير، هو خبر مبتدأ محذوف، أي: فهو خبر، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: فلها خير، أو هناك خير. ويؤيده رواية مسلم بلفظ "قربتموها إلى الخير"، ويأتي في قوله بعد ذلك "فشر نظير ذلك"، وقوله: تقدمونها إليه، راجع إلى الخبر، باعتبار الثواب، قال ابن مالك: روي تقدمونه إليها فأنت الضمير على تأويل الخير بالرحمة والحسنى، وقوله: تضعونه عن رقابكم، استدل به على أن حمل الجنازة يختص بالرجال، للإِتيان فيه بضمير المذكر.