الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-صلى الله عليه وسلم بعسل فقال: ما هذا؟ فقال: صدقة، فأمر برفعها، ولم يذكر عشورًا، لكن الإسناد الأول أقوى، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحَمْي، كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب.
وقال ابن المنذر ليس في العسل خبر يثبت، ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور، وعن أبي حنيفة وصاحبيه وأحمد وإسحاق: يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج، وما نقله عن الجمهور مقابله قول التِّرمذيّ بعد أن أخرج حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في العسل في كل عَشرة أزُقّ زق" العمل على هذا عند أكثر أهل العلم.
قال في الفتح: أشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى، وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه يجب عنده في قليل العسل وكثيره، لأنه لا يشترط النصاب في العشر، وعن أبي يوسف: إذا بلغت قيمته خمسة أواق، وعنه أنه قدره بعشرة أرطال، وهي خمسة أَمْنَاء، وعنه أنه اعتبر فيه عَشْر قِرَب، وعن محمد ثلاث روإيات: إحداها خمس قرب، والقربة خمسون مَنًا، وقيل القربة مئة رطل، والثانية خمسة أَمْناء، والثالثة خمسُ أواق، وهي تسعون مَنًا، وتعليق عمر بن عبد العزيز هذا وصله مالك في الموطأ، وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسناد صحيح، وعمر بن عبد العزيز مرَّ في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه.
الحديث الخامس والثمانون
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ.
وقوله: عَثَريًا، بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية، وحكى عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة، وردّه ثعلب، وحكى ابن عديس في المثلث في ضم أوله وإسكان ثانيه. قال الخطابيّ هو الذي يشرب بعروقه من غير سَقي، زاد ابن قُدامة عن القاضي أبي يعلى، وهو المستنقع في بركة ونحوها، يصب إليه من ماء المطر في سوق تشق له. قال: واشتقاقه من العاثور، وهي الساقية التي يجري فيها الماء؛ لأن الماشي يعثر فيها.
قال: ومنه الذي يشرب بالأنهار بغير مؤنة، أو يشرب بعروقه، كان يغرس في أرض يكون الماء قريبًا، فيصل إليه عروق الشجر، فيستغني عن السقي، وهذا التفسير أوْلى من إطلاق أبي عبيد أنّ العَثَّريَّ ما سقته السماء، لأن سياق الحديث يدل على المغايرة، وكذا قول من فسر العثريّ بأنه
الذي لا حمل له؛ لأنه لا زكاة فيه. قال ابن قدامة: لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافًا. وقوله: وما سقى بالنَّضْح، بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة، أي بالسائية، وهي رواية مسلم، والمراد بها الإبل التي يستقى عليها، وذكر الإبل كالمثال، وإلا فالبقر وغيره كذلك في الحكم.
وقوله: قال أبو عبد الله، هذا تفسير الأول، لأنه لم يؤقت في الأول أي حديث ابن عمر، أي لم يذكر فيه حدًا للنصاب. وقوله: وبين في هذا، يعني حديث أبي سعيد الآتي في الباب الذي يليه، وقوله: والزيادة مقبولة، أي من الحافظ. والثَّبَت، بالتحريك، الثبات والحجة. وقوله: والمفسر يقضي على المبهم، أي الخاص يقضي على العام، لأن فيما سقت عام، يشمل النصاب ودونه، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة خاصٌ بقدر النصاب. ويأتي إن شاء الله تعالى بعد قريبًا ما فيه من أقوال.
وقوله: قال أبو عبد الله .. الخ، هذا الكلام وقع بعد حديث ابن عمر في العشري في رواية أبي ذرٍّ. وفي رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده، وهو الذي وقع عند الإِسماعيلي، ولذكره عقب كل من الحديثين وجهٌ، لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد؛ لأنه هو المفسر للذي قبله، وهو حديث ابن عمر، فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب، وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة، ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله، وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر، بخلاف حديث أبي سعيد، فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره، فأخذ به الجمهور عملًا بالدليلين.
ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح وبغير نضح، وإن سقى بهما، فظاهره أنه يجب فيه لثلاثة أرباع العشر، إذا تساوى ذلك، وهو قول أهل العلم، وقال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعًا للأكثر. نص عليه أحمد، وهو قول الثَّوريّ وأبي حنيفة، واحد قوليْ مالك والشافعي. والثاني يؤخذ بالقسط، ويحتمل أن يقال: إنْ أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه.
وعن ابن القاسم صاحب مالك: العبرة بما تم به الزرع، ولو كان أقل. قاله ابن التين، وما مرَّ قريبًا من أن الجمهور أخذ بحديث أبي سعيد خالفه أبو حنيفة، فأخذ بحديث ابن عمر، فأوجب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض، قل أو كثر، عملًا بظاهر حديث ابن عمر إذ لم يقدر فيه مقدارًا، أو بعموم قوله تعالى {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} وعموم قوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} واستثنى من ذلك الحطب والقصب والحشيش والتين والسَّعف والشجر الذي ليس له ثمر.
وأجاب بعض الحنفية عما مرَّ من أن حديث أبي سعيد خاص يفضي على العام، بأن محل ذلك ما إذا كان البيان وفق المبيَّن، لا زائدًا عليه، ولا ناقصًا عنه، أما إذا انتفى شيء من أفراد العام