الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة
أي: مشروعيتها، وهي من المسائل المختلف فيها، ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمُسَوّر بن مَخْرَمة مشروعيتها، وبه قال الشافعيّ وأحمد وإسحاق، ونُقل عن أبي هُريرة وابن عمر: ليس فيها قراءة، وهو قول مالك، والكوفيين وفيهم أبو حنيفة. وكان عمر لا يقرأ فيها، وينكر على من يقرأ، وكذا علي بن أبي طالب.
قال مالك: قراءة الفاتحة ليس معمولًا بها في بلدنا في صلاة الجنازة. وقال ابن مسعود: لم يؤقت فيها النبي صلى الله عليه وسلم قولًا ولا قراءة، ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه، كسجود التلاوة، واستدل الطحاويّ على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات، وبترك التشهد. وقال: لعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء، لا على وجه التلاوة.
ثم قال: وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب، يقول: اللهم اجعله لنا سلفًا وفَرَطًا وأجرًا، وروى عبد الرزاق والنَّسائيّ عن أبي أُمامة بن سَهل بن حُنيف قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت، ولا يقرأ إلا في الأولى، وإسناده صحيح.
وقوله: سَلَفا، بتحريك اللام، أي متقدمًا إلى الجنة لأجلنا. وقوله: فرَطَا بالتحريك، وهو الذي يتقدم الواردة فَيُهَيِّىء لهم أسباب النزول.
وأثر الحسن هذا وصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز له، عن سعيد بن أبي عَروبة، والحسن هو البصريّ، وقد مرَّ في الرابع والعشرين من الإِيمان.
الحديث الحادي والتسعون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ. قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ.
وقوله: لتعلموا أنها سنة، ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر، أخرجه الشافعيّ، بلفظ "وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى" أفاده زين الدّين العراقي في شرح التِّرمذي، وقال: إن سنده ضعيف، نعم يجوز تأخيرها إلى التكبيرة الثانية. كما ذكره الرافعيّ والنوويّ عن حكاية الرويانيّ وغيره له عن النص بعد نقلهما المنع عن الغزالي، وجزم به في المنهاج، والمجموع ولم يخص الثانية، والدعاء في الثالثة يلزم خلو الأولى عن ذكر والجمع بين ركنين في تكبيرة واحدة.
والذي قال الجمهور تعيُّن الفاتحة في الأولى، وبه جزم النوويّ في "التبيان"، وهو ظاهر نصين نقلهما في شرح المهذب. وقال الأذرعيّ: وظاهر نصوص الشافعيّ والأكثرين تعيينها في الأولى، وقوله: إنها سنة أي: طريقة للشارع، فلا ينافي كونها واجبة، قال الإِسماعيليّ: جمع البخاري بين روايتي شعبة وسفيان وسياقهما مختلف.
فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خُزيمة في صحيحه والنَّسائيّ جميعًا، عن محمد بن بشار، بلفظ "فأخذتُ بيده فسألتُه عن ذلك فقال: نعم يا ابن أخي، إنه حق وسنة" وللحاكم عن شعبة "فسألته فقلت: يقرأ؟ قال: نعم، إنه حق وسنة" وأما رواية سُفيان فأخرجها التِّرمِذِيّ عنه بلفظ "فقال إنه من السنة أو من تمام السنة". وأخرجه النَّسائيّ عن سعد بهذا الإِسناد وبلفظ تُقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسْمَعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته، فقال سنة وحق".
وللحاكم عن سعيد بن أبي سعيد "صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد، ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة" والصحيح أن قول الصحابي سنة حديث مسند، وفيه خلاف شهير عند أهل الحديث والأصول، وعلى الحاكم في استدراكه على البخاري مؤاخذة، لأنه فيه، وقد روى التِّرمذيّ عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم "قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب" وقال: لا يصح هذا والصحيح عن ابن عباس قوله "من السند" وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين. ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال.
وروى الحاكم عن شُرَحبيل بن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبّر، ثم قرأ الفاتحة رافعًا صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اللهم عبدك وابن عبدك، أصبح فقيرًا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان زاكيًا فزكِّه، وإن كان مخطئًا فاغفر له، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم انصرف فقال: أيها الناس، إني لم أقرأ عليها، أي: جهرًا، إلا لتعلموا أنها سنة.