الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة الغنم
قال الزين بن المنير: حذف وصف الغنم بالسائمة، وهو ثابت في الخبر، إما لأنه لم يعتبر هذا المفهوم، أو لتردده، من جهة تعارض وجوه النظر فيه عنده، وهي مسألة خلافية شهيرة، والراجح في مفهوم الصفة أنها إن كانت تناسب الحكم مناسبة العلة لمعلولها، اعتبرت، وإلا فلا، ولا شك أن السِّوم يشعر بخفة المؤنة ودَرْء المشقة، بخلاف العَلَف، فالراجح اعتباره هنا. قاله في "الفتح"، قلت: هذا هو مذهبه، ويأتي ما فيه من الخِلاف عند انتهاء الحديث.
الحديث التاسع والخمسون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَاّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَاّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ
فِيهَا شَيْءٌ، إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
قد تابع عبد الله بن المثنى على حديثه هذا حمّادُ بن سَلَمة، فرواه عن ثُمامة أنه أعطاه كتابًا، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس، وعليه خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، حين بعثه مُصَدَقًا، فذكر الحديث، هكذا أخرجه أبو داود عن أبي سلمة عنه. ورواه أحمد في مسنده عن حماد قال: أخذت هذا الكتاب من ثُمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أنّ أبا بكر
…
فذكره، وقال إسحاق بن راهويه في مسنده عن حمّاد بن سَلَمة: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يُحَدِّثُه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، فوضح أن حمّادًا سمعه من ثُمامة وأقرأه الكتابَ، فانتفى تعليل من أعلّه بكونه مكاتبة، وانتفى تعليل من أعله يكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه.
قوله: "لما وجهه إلى البحرين" أي: عاملًا عليها، وهو اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة، قاعدتها هجر، وهكذا ينطق بها بلفظ التثنية، والنسبة إليه بحرانيّ. وقوله:"بسم الله الرحمن الرحيم" قال الماورديّ: يستدل به على إثبات البسملة في ابتداء الكتب، وعلى أن الابتداء بالحمد ليس بشرط، قوله:"هذه فريضة الصدقة" أي: نسخة فريضة، فحذف المضاف للعلم به، وفيه أن اسم الصدقة يطلق على الزكاة خلافًا لمن منع ذلك من الحنفية.
وقوله: "التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين" ظاهر في رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس موقوفًا على أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وقد صرّح برفعه في رواية إسحاق المتقدم ذكرها، ومعنى فرض هنا، أوجب أو شرع، يعني بأمر الله تعالى. وقيل: معناه قَدّر لأن إيجابها ثابت بالكتاب، ففرض النبي صلى الله عليه وسلم لها بيانُه للمجمل من الكتاب، بتقدير الأنواع والأجناس.
وأصل الفرض قطع الشيء الصُّلب، ثم استعمل في التقدير، لكونه مقتطعًا من الشيء الذي يقدر منه، ويرد بمعنى البيان كقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وبمعنى الإنزال كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} وبمعنى الحل كقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير.
ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى كاد يغلب عليه، وهو لا يخرج أيضًا عن معنى التقدير، وقال الراغب: كل شيء ورد في القرآن فَرْض على فلان، فهو بمعنى الإلزام، وكل شيء ورد فرض له فهو بمعنى لم يُحَرِّمه عليه، وذكر أن معنى قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أوجب عليك العمل به. وهذا يؤيد قول الجمهور: إن الفرض مرادف للوجوب.
وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك؛ لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح الحادث. وقوله:"على المسلمين" استدل به على أن الكافر ليس مخاطبًا بذلك، وتعقب بأن المراد بذلك، كونُها لا تصح منه، لا أن المراد أنه لا يعاقب عليها، وهو محل النزاع.
وقوله: "والتي أمر الله بها ورسوله" كذا في كثير من نسخ البخاريّ، وفي كثير منها بحذف "بها"، وأنكرها النَّوويّ، وفي رواية أبي داود المقدم ذكرها، "التي أمر" بغير واو، على أنها بدل من أولى. وقوله:"من سُئِلها من المسلمين على وجهها فلْيُعطِها" أي: على هذه الكيفية المبنية في هذا الحديث. وفيه دلالة على دفع الأموال الظاهرة إلى الإِمام.
وقوله: "ومَنْ سئل فوقها فلا يعط" أي: من سئل زائدًا على ذلك في سن أو عدد، فله المنع. ونقل الرافعي الاتفاقَ على ترجيحه، وقيل: معناه فليمنع الساعي وليتول هو إخراجها بنفسه، أو بساع آخر، فإنّ الساعي الذي طلب الزيادة يكون بذلك متعديًا، وشرطه أن يكون أمينًا، لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل.
وقوله: "في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها" أي: إلى خمس. وقوله: "من الغنم" كذا للأكثر، وفي رواية ابن السكن بإسقاط "من" وصوَّبها بعضهم. قال عياض: مَنْ أثبتها فمعناه زكاتها، أي الإبل من الغنم، ومن للبيان لا للتبعيض، ومَن حذفها فالغنم مبتدأ والخبر مضمر في قوله:"في كل أربع وعشرين"، وإنما قدم الخبر لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة، والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب، فحسن التقديم، واستدل به على تَعَيُّن إخراج الغنم في مثل ذلك، وهو قول مالك وأحمد، فلو أخرج بعيرًا عن الأربع والعشرين لم يجزه. وقال الشافعي والجمهور: يجزؤه، لأنه يجزىء عن خمس وعشرين، فما دونها أولى، ولأن الأصل أن تجب من جنس المال، وإنما عدل عنه رفقًا بالمالك، فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه، فإن كانت قيمة البعير مثلًا دون قيمة أربع شياه، ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم، والأَقيس أنه لا يُجزىء.
واستدل بقوله: "في كل أربع وعشرين" على أن الأربع مأخوذة عن الجميع، وإن كانت الأربع الزائدة على العشرين وَقَصًا، وهو قول الشافعي في البُوَيطيّ. وقال في غيره: إنه عفو، ويظهر أثر الخلاف فيمن له مثلًا تسعٌ من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول، وقبل: التمكن، حيث قلنا إنه شرط في الوجوب، وجبت عليه شاة بلا خلاف. وكذا إذا قلنا التمكن شرط في الضمان، وقلنا الوَقَص عفو، وإن قلنا يتعلق به الفرض، وجبت خمسة أتساع شاة، والأول قول الجمهور، كما نقله ابن المنذر. قلت: الأصح في مذهب مالك إجزاء البعير عن شاة، والوَقَص بالتحريك، ويجوز إسكان القاف، وبالسين المهملة بدل الصاد، هو ما بين الفرضين عند الجمهور. واستعمله الشافعي فيما دون النصاب الأول أيضًا.
وقوله: "فإذا بلغت خمسًا وعشرين" فيه أن في هذا القدر بنتَ مخاض، وهو قول الجمهور إلا ما جاء عن عليّ، أن في خمسٍ وعشرين شياه، فإذا صارت ستًا وعشرين كانت فيها بنت مخاض، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، موقوفًا ومرفوعًا. وإسناد المرفوع ضعيف، وقوله:"ففيها بنت مخاض أنثى" زاد حمّاد بن سَلَمة في روايته "فإن لم تكن بنتَ مخاض، فابن لبون ذكر".
وقوله: "أنثى وذكر" للتأكيد أو لتنبيه رب المال ليطيب نفسًا بالزيادة. وقيل: احترز بذلك عن الخنثى، وفيه بُعد، وبنت المخاض، بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وآخره معجمة، هي التي أتى عليها حول، ودخلت في الثاني، وحملت أُمها، والماخض الحامل، أي: دخل وقت حملها وإن لم تحمل، وابن اللَّبون هو الذي دخل في الثالثة، فصارت أمه لبوناً بوضع الحمل.
وقوله: "إلى خمس وأربعين إلى للغاية" وهو يقتضي أن ما قبل الغاية يشتمل عليه الحكم المعهود بيانه، بخلاف ما بعدها، فلا يدخل إلا بدليل، وقد دخل هنا بدليل قوله بعد ذلك:"فإذا بلغت ستًا وأربعين" فعلم أن حكمها حكم ما قبلها.
وقوله: "ففيها حِقّة طَرُوقة الجَمَل" حِقّة بكسر المهملة وتشديد القاف، والجمع حِقاف بالكسر والتخفيف، وطَرُوقة بفتح أوله، أي: مَطروقة، وهي فَعُولة بمعنى مفعولة، كَحلُولة بمعنى مَحلوية، والمراد أنها بلغت أنْ يطرقها الفحل، وهي التي أتت عليها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة. وقوله:"جَذَعَة" بفتح الجيم والمعجة، وهي التي أتت عليها أربع، ودخلت في الخامسة. وقوله:"فإذا بلغت" يعني ستًا وسبعين، كذا في الأصل بزيادة يعني، وكأن العدد حُذف من الأصل اكتفاءًا بدلالة الكلام، فذكره بعض رواته، وأتى بلفظ "يعني" لينبه على أنه مزيد، أو شك أَحد رواته فيه.
وقد ثبت بغير لفظ "يعني" في رواية الإسماعيليّ من طريق أخرى، فيحتمل أن يكون الشك فيه من البخاريّ، وفي رواية حمّاد بن سلمة بإثباته أيضًا. وقوله:"فإذا زادت على عشرين ومئة واحدةً فصاعدًا" وهذا قول الجمهور، وعند المالكية من إحدى وعشرين ومئة إلى تسع وعشرين حِقَّتان، أو ثلاث بنات لبون، الخيار للساعي وجدًا أو فَقْدًا، وتعيَّن أحدهما منفردًا، وعند كمال الثلاثين يكون الحكم عندهم ما في الحديث: في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقّة.
وعن الإصطخري من الشافعية: تجب ثلاث بنات لبون، لزيادة بعض واحدة، لصدق الزيادة، وتتصور المسألة في الشركة، ويرده ما في كتاب عمر "إذا كانت إحدى وعشرين ومئة، ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعًا وعشرين ومئة" ومقتضاه أن ما زاد على ذلك فزكاته بالإبل، وعند أبي حنيفة: إذا زادت على عشرين ومئة تستأنف الفريضة، فيكون في الخمس شاة مع الحِقَّتَين، وفي العشر شاتان، وفي خمسَ عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لَبون، فإذا بلغت مئة وستًا وتسعين، ففيها أربع حِقاق إلى مئتين، ثم تستأنف الفريضة أبدًا، كما تستأنف في الخمسين التي بعد الخمسين والمئة.
واستدلوا بما رواه أبو داود وغيره من مرسل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كتبه لجده، فكان فيه ما يخرج من فرائض الإبل، فقص الحديث إلى أن تبلغ عشرين ومئة، فإذا كانت أكثر من عشرين ومئة، فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل، وما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم، في كل خمسِ ذودٍ شاةٌ. وهذا مرسل منقطع لا تقوم به حجة.
وقوله: "فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاه، وفي صدقة الغنم
…
إلخ" قد اقتطع البخاريُّ من بين هاتين الجملتين بعد قوله: "ففيها شاة" قوله: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجَذَعة" إلى آخر ما ذكره في الباب الذي قبله. وقد ذكره في باب العرض في الزكاة، وزاد، بعد قوله فيه: "يقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم تكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه، وليس معه شيءٌ" وهذا الحكم متفق عليه، فلو لم يجد واحدًا منهما، فله أن يشتري أيهما شاء على الأصح عند الشافعية، وقيل: يتعين شراء بنت مخاض، وهو قول مالك وأحمد.
وقوله: "ويعطي معها عشرين درهمًا أو شاتين" هو قول الشافعيّ وأحمد وأصحاب الحديث. وعن الثَّوريّ عشرة، وهي رواية عن إسحاق، وعن مالك: يلزم رب المال بشراء ذلك السن بغير جُبران. قال الخطابيّ: يشبه أن يكون الشارع جعل الشاتين أو العشرين درهمًا تقديرًا في الجُبران لئلا يَكِل الأمر إلى اجتهاد الساعي، لأنه يأخذها على المياه، حيث لا حاكم ولا مُقَوِّم غالبًا، فضبطه بشيء يرفع التنازع، كالصاع في المُصَرَّاة والغُرة في الجنين، وبين هاتين الجملتين قوله:"وفي صدقة الغنم" وسيأتي التنبيه على ما حذفه منه أيضًا في موضع آخر قريبًا.
وقوله: "في سائمتها" أي: راعيتها، وهذا دليل على أن لا زكاة في المعلوفة، وهذا قول أبي حنيفة والشافعيّ وأحمد والليث وأبي ثور. وقال الحنفية: لا زكاة في العوامل والمعلوفة، وعند مالك وقتادة ومحكول: تجب الزكاة في المعلوفة والنواضح بالعمومات. استدل الأولون بكتاب الصديق هذا، وما شابهه، وجعل مالك ومَنْ معه التعبير بالسوم من باب التعبير بالغالب، على حد قوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} فلا مفهوم له.
والسائمة عند أبي حنيفة وأحمد هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول؛ لأن اسم السوم لا يزول عنها بالعلف اليسير، ولأن العلف اليسير لا يمكن التحرز منه، ولأن الضرورة تدعو إليه في بعض الأحيان، لعدم الشرعي فيه، واعتبر الشافعي في جميع الحول، ولو علفت قدرًا تعيش بدونه بلا ضرر بَيِّن، وجبت الزكاة.
وقوله: "إذا كانت أربعين
…
إلخ" في رواية الكشميهنيّ: "إذا بلغت" وقد أجمع العلماء على أن لا شيء في أقل من الأربعين من الغنم. وقوله: "فإذا زادت على عشرين ومئة، في كتاب عمر "فإذا كانت إحدى وعشرين، حتى تبلغ مئتين، ففيها شاتان". وقوله: "فإذا زادت على مئتين إلى ثلاث مئة، ففيها ثلاث" مذهب مالك أنها إذا زادت على مئتين بشاة، تجب فيها ثلاث شياه، تقديمًا لحق الفقراء عند وجود أول جزء من المئة الثالثة.
وقوله: "فإذا زادت على ثلاث مئة، ففي كل مئة شاة" مقتضاه أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى تتم أربع مئة، وهو قول الجمهور. قالوا: وفائدة ذكر الثلاث مئة لبيان النصاب الذي بعده، لكون
ما قبله مختلفًا، وعن بعض الكوفيين، كالحسن بن صالح، ورواته عن أحمد إذا زادت على الثلاث مئة واحدةً وجبت الأربع.
وقوله: "ففي كل مئة شاة شاة"، وقوله:"فإذا كانت سائمة الرجل" اقتطع البخاري من بين هاتين الجملتين. قوله: "ولا يخرج في الصدقة هَرِمة" إلى آخر ما ذكره في الباب الذي يليه، واقتطع منه أيضًا. قوله:"ولا يجمع بين مفترق" إلى آخر ما ذكره في بابه، وكذا قوله:"وما كان من خليطين" إلى آخر ما ذكره في بابه. ويلي هذا قوله هنا: "فإذا كانت سائمة الرجل
…
إلخ". وهذا حديث واحد يشتمل على هذه الأحكام التي فرقها المصنف في هذه الأبواب غَيْرَ مراعٍ الترتيبَ فيها، بل بحسب ما ظهر له من مناسبة إيراد التراجم المذكور.
وقوله: "وفي الرِّقَةِ" بكسر الراء وتخفيف القاف، الفضة الخالصة، سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة. قيل: أصلها الوَرِق فحذفت الواو وعوضت الهاء، وقيل: يطلق على الذهب والفضة بخلاف الوَرِق، فعلى هذا فقيل إن الأصل في زكاة النقدين نصابُ الفضة، فإذا بلغ الذهب ما قيمته مئتا درهم فضة خالصة، وجبت فيه الزكاة، وهو ربع العشر، وهذا قول الزُّهريّ. وخالفه الجمهور.
وقوله: "فإن لم تكن إلا تسعين ومئة" أي: إن لم تكن الفضة، وهذا يوهم أنها إذا زادت على التسعين ومئة، قبل بلوغ المئتين، أن فيها صدقة، وليس كذلك، وإنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المئة، والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالعقود، كالعشرات والمِئتين والألوف، فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المئتين. ويدل عليه قوله الماضي "ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة، إلا أن يشاء ربها" أي: في المواضع الثلاثة، أي: إلا أن يتبرع متطوعًا.
رجاله رجال الذي قبله. ثم قال المصنف: