الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، كان يكون من قبيل الشهادة، وقد يجب في بعض المواضع، وقد تكون فيه مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور، ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت، إن علم أن ذلك المال يرد إلى أهله.
قال: ولأجل الغفلة عن هذا التفصيل، ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر، وإنما قصد البخاريّ أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على وجه السب، ولما كان المتن قد يشعر بالعموم، أتْبعه بالترجمة التي بعده، وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة، والوجه حَمْلُه على العموم إلا ما خصصه الدليل، بل لقائل أن يمنع أنّ ما كان على جهة الشهادة، وقصد التحذير، يسمى سبًا في اللغة.
وقال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير، وقد تكون منه الفلتة، فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة له. فكذلك الميت، ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن، ليتعظ بذلك قُسّاق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أمسك عنه، لإفضائه إلى ما قدم.
وقد عملت عائشة راوية الحديث بذلك فيمن استحق عندها اللعن، فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك، ونهت عنه، فقد أخرج عمر بن شَيّة في أخبار البصرة عن مجاهد أن عائشة قال: ما فعل يزيد الأرجي: لعنه الله؟ قالوا: مات، قالت: استغفر الله. قالوا: ما هذا؟ فذكرت الحديث.
وأخرج عن مسروق أن عليًا بعث يزيد بن قيس الأرجي في أيام الجمل برسالة، فلم ترد عليه جوابًا، فبلغها أنه عاب عليها ذلك، فكانت تلعنه، ثم لما بلغها موته نهت عن لعنه. وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن سب الأموات. وقوله: "أَفْضُوا إلى ما قدموا"، أي: وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، واستدل به على منع سب الأموات مطلقًا، وقد مرَّ أن عمومه مخصوص.
وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفُسّاق يجوز ذكر مساوئهم، للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة.
رجاله خمسة:
قد مرَّوا، مرَّ آدم وشعبة في الثالث من الإيمان، ومرَّ الأعمش في الخامس والعشرين منه، ومرَّ مجاهد في أثر أوله قبل ذكر حديث منه، ومرت عائشة في الثاني من بدء الوحي.
ثم قال: رواه عبد الله بن عبد القدوس ومحمد بن أنس عن الأعمش، أي: متابعين لشعبة، ورواية عبد الله بن عبد القدوس ومحمد بن أنس لم أرها موصولة، ولكن أخرجه عمر بن شَيَّة في كتاب أخبار البصرة عن مجاهد.
رجاله ثلاثة:
مرَّ محل الأعمش في الذي قبله، والباقي اثنان:
الأول: عبد الله بن عبد القدوس التميميّ السعديّ، أبو محمد، ويقال أبو سعيد، ويقال أبو صالح، قال محمد بن عيسى: هو ثقة، وقال البخاريّ: هو في الأصل صَدُوق إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف. وقال ابن مُعين: ليس بشيء، رافضي خبيث. وقال محمد بن مِهران الحمّال: لم يكن بشيء، كان يسخر منه، يشبه المجنون، يصيح الصبيان في أثره.
وقال أبو داود: ضعيف الحديث، كان يرمى بالرفض، وقال النَّسَائِيُّ: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، وقال ابن عديّ: عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت، وذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: ربما أغرب. روى عن الأعمش وعبد الملك بن عُمير ولَيث بن أبي سُلَيم وغيرهم.
وروى عنه عبّاد بن يعقوب، ومحمد بن حُميد الرازيّ، ومحمد بن عيسى بن الطبّاع وغيرهم وليس له في صحيح البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، وروى عنه أبو داود حديثًا واحدًا في الفتن.
الثاني: محمد بن أنس القرشي أبو أنس العدويّ، مولى عمر بن الخطاب، كوفيّ سكن الدِّيْنَوَر. قال أبو حاتم: سمع منه إبراهيم بن موسى فقط، وهو صحيح الحديث، وقال أبو زرعة: ثقة، كان إبراهيم بن موسى يثني عليه، وذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: يغرب، وذكر العقيلي في الضعفاء محمد بن أنس بن عبد الحميد بن أخي جرير، وقال: كوفيّ سكن الرَّيَّ، يحدث عن الأعمش بأحاديث لم يتابَع عليها، ثم أخرج من طريق إبراهيم بن موسى عنه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، رفعه، "رأيت في يدي سُوَارين، فنفختهما
…
" الحديث، فلعلهما اثنان روى عنهما إبراهيم بن موسى؛ لأن جريرًا ضَبِّيٌّ، وما هو من موالي آل عمر، أو كان أنس بن أخي جرير من غير أبيه.
روى عن الأعمش وسهيل بن أبي صالح وحُصَين بن عبد الرحمن وغيرهم. وروى عنه إبراهيم بن موسى الرازيّ وعلي بن بَحر بن بَرِيّ.
ثم قال: تابعه عَلِيُّ بن الجَعْد وابن عُرْعُرة وابن أبي عَدِيّ عن شُعبة. أما متابعة علي بن الجعد، فقد وصلها المصنف في الرقاق، ومتابعة محمد بن عرعرة قال في الفتح: لم يرها موصولة من طريقة، ومتابعة ابن أبي عَدِيّ وصلها الإسماعيليّ، ووصلها أيضًا من طريق عبد الرحمن بن مهديّ عن شُعبة، وهي عند أحمد أيضًا عنه.
ورجال المتابعة أربعة، مرَّ عليّ بن الجَعْد في السادس والأربعين من الإيمان، ومرَّ محمد بن عُرْعُرة في الحادي والأربعين منه، ومرَّ شعبة في الثالث منه، ومرَّ محمد بن أبي عديّ في العشرين من الغُسل. ثم قال المصنف: