الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله غفور رحيم.
وقد قال: لا يكتفى بشهادة النساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بشهادة المرأة التي أثنت على عثمان بن مظعون، بقولها: شهادتي عليك يا أبا السائب، لقد أكرمك الله، قال لها: وما يدريك؟ وقد يجاب عنه بأنه إما أنكر عليها القطع بأن الله أكرمه، وذلك مغيب عنها، بخلاف الشهادة على الميت بأفعاله الجميلة، التي كان متلبسًا بها في الدنيا.
وقال ابن العربي: فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد، وقبولها قبل الاستفصال، وفيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة والمشاكلة، وحقيقته إنما هي في الخير.
رجاله خمسة:
مرّ منهم عفان بن مسلم في الحادي عشر والمئة من الوضوء ومرَّ عبد الله بن بُريدة في الخامس والثلاثين من الحيض، ومرَّ محل عمر في الذي قبله بحديث، والباقي اثنان: الأول داود بن أبي الفُرات، عمرو بن الفُرات الكِنديّ، أبو عمرو المروزيّ، قدم البصرة، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال ابن مُعين وأبو داود: ثقة، وكذا قال ابن المبارك والعجليّ، وقال الدارقطنيّ: ليس به بأس، روى عن عبد الله بن بُريدة وإبراهيم بن مَيمون الصائغ وعَلياء بن أحمر وغيرهم. وروى عنه أيوب وسعيد بن أبي عَروبة، وهما أكبر منه، وعفان وغيرهم. مات سنة سبع وستين ومئة أو سنة ست وتسعين ومئة، ولهم شيخ آخر اسم داود بن أبي الفرات، اسم أبيه بكر، أبو الفرات اسم جده أشجعيٌّ، من أهل المدينة، أقدم من الكنديّ.
الثاني أبو الأسود الدؤلي البصريّ القاضي، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جَنْدل بن يَعْمرُ بن حَنَش بن ثَعْلبة بن عَدِيّ بن الدُّنِل بن بكر بن عبد مناة بن كِنانة، وقيل اسمه عمرو بن ظالم، وقيل عثمان بن عمرو، وقيل عمرو بن عمران، مشهورٌ بكنيته، وهو من كبار التابعين، مخضرم أدرك الجاهلية والإِسلام، وثّقه ابن مُعين والعجليّ وابن سعد. وقال أبو حاتم: ولي قضاء البصرة. وقال أبو عمر: كان ذا دين وعقل ولسان وبيان وفهم وحزم. وقال ابن سعد: استخلفه ابن عباس على البصرة، وأقره عليٌّ.
وقال المرزبانيّ: هاجر أبو الأسود إلى البصرة في خلافة عمر، وولاه على البصرة خليفة لابن عباس، فكان عَلَويّ المذهب. وقال الجاحظ: كان أبو الأسود معدودًا في طبقات من الناس، مقدمًا في كل منها، كان يعد في التابعين، والشعراء، والفقهاء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والصُّلْع، والنجْر، والبخلاء، ومن لطيف قوله: ليس السائل المُلْحِف خيرًا من المانع الحابس، ومن عجائب أجوبته أنه قيل أبو الأسود أظرف الناس، لولا بخل فيه، فقال: لا خير في ظَرْف لا يمسك ما فيه، ومن محاسن الحكم في شعره قوله:
لا ترسلنّ مقالةً مشهورةً
…
لا نستطيعُ، إذا مضت، إدراكها
لا تبدينّ نميمة أُنْبِئتها
…
وتَحفظنّ مِن الذي أنباكها
وقوله:
ما كل ذي لبٍّ بمؤتيك نصحه
…
وما كل مؤتٍ نصحه بلبيبِ
ولكنْ إذا ما استجمعا عند واحدٍ
…
فحق له من طاعة بنصيب
قال المبرد: أول من وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود، وقد سئل عمن نهج له الطريق، فقال تلقيته من علي بن أبي طالب. وقيل: كان الذي حداه على ذلك أن ابنته قالت له: يا أبت ما أشدُّ الحر؟ برفع أشدُّ، وكان في شدة القيظ، فقال: ما نحن فيه. فقالت: إنما أردت أنه شديد، فقال: قولي ما أشد، نعمل باب التعجب.
وروى عمرو بن شَبّة أنه استأذن زيادًا، وقال له: العرب خالطت العجم، ففسدت ألسنتها، فلم يأذن لي حتى جاء رجل، فقال: أظلح الله الأمير، ات أبانا وترك بنون، فقال زياد: ادع أبا الأسود، فأذِن له حينئذ. وروى ابن أبي سعد أن سبب ذلك أنه مرَّ به فارسيٌّ فَلَحنَ، فوضع باب الفاعل والمفعول، فلما جاء عيسى بن عمر تتبع الأبواب، فهو أول من بلغ الغاية فيه.
وقد ذكر أبو عُبيدة أنه أدرك الإِسلام، وشهد بدرًا مع المسلمين، وهو وهم، ولعله مع المشركين، فقد ذكروا أن أباه قُتل كافرًا في بعض المشاهد التي قاتل فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم المشركين. روى عن عمر وعليّ ومعاذ وابن عباس وغيرهم. وروى عنه ابنه أبو حرب وعبد الله بن بُريدة ويحيى بن يَعْمرُ وغيرهم. مات في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وكان له يوم مات خمس وثمانون سنة.
وأخباره كثيرة، فمنها أن قومه بنو الدُّئِل قتلوا رجلًا من بني لَيْث، ثم اصطلحوا على أن يعطوهم الدِّيَة، فجاء قومه يطلبون منه الإعانة، وألح عليه غلام منهم ذو بيان، فقال: يا أبا الأسود، أنت شيخ العشيرة، وسيدهم، وما يمنعك من معاونتهم قلةُ ذاتِ يدٍ، ولا سؤدد، فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود، ثم قال له: قد أكثرت يا ابن أخي، فاسمع مني، إن الرجل والله لا يعطي ماله إلا لأحدى ثلاث خلال، إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة، أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله، أو رجل أراد وجه الله وما عنده في الآخرة، أو رجل أحمق خدع من ماله. والله ما أنتم أحد هذه الطبقات، ولا عمك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء، ولَما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي الأسود، لو وصل إلى بني الدُّئِل، قوموا إذا شئتم، فقاموا يبادرون الباب.
ومنها أنه ذهب هو وأصحابه إلى الصيد، فجاءه أعرابيّ فقال له: السلام عليك، فقال له أبو الأسود: كلمة مَقولة، قال: قال له: أَدْخُل؟، قال له: وراءك أوسع لك، قال: إنَّ الرمضاء قد أحرقت رجليّ، قال له: بُلْ عليها أو أئت الجبلَ يفيء عليك. قال: هل عندك شيء تعطينيه؟ قال: