الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مَنْ أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه
قال الزين بن المنير: فائدة قوله: "ولم يناول بنفسه" التنبيهُ على أن ذلك مما يغتفر، وإن قوله في الباب قبله:"الصدقة باليمين" لا يلزم منه المنع من إعطائها بيد الغير، وإن كانت المباشرة أولى، فقد روى ابن أبي شَيبة عن عباس بن عبد الرحمن المدنيّ خصلتان لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يَلِيْهُما إلى أحد من أهله؟ "كان يناول المسكين بيده، ويضع الطهور لنفسه". وفي الترغيب للجوزيّ عن ابن عباس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَكِل طَهوره ولا صَدقته التي يتصدق بها إلى أحد، يكون هو الذي يتولّاهما بنفسه".
ثم قال: وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو أحد المتصدقين، ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية، قال القرطبيّ: ويجور الكسر على الجمع، أي هو متصدق من المتصدِقين، أي هو ورب الصدقة في أصل الأجر سواء، لا ترجيح لأحدهما على الآخر، وإن اختلف مقداره لهما، فلو أعطى المالك مثلًا مئة درهم لخادمه، ليدفعها لفقير على باب داره مثلًا، فأجر المالك أكثر، ولو أعطاه رغيفًا ليذهب إلى فقير في مسافة بعيدة، بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرغيف، فأجر الخادم أكثر. وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلًا، فيكون مقدار الأجر سواءًا.
وهذا التعليق طرف من حديث وصله بعد ستة أبواب، بلفظ "الخازن" والخازن خادم المالك في الخزن، وإن لم يكن خادمه حقيقة. وقيد الخازن في الحديث الآتي بأمور فقال: "الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ، وربما قال: يعطي ما أمر به كاملًا موفرًا طيبًا به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به. فأخرج بالمسلم الكافر؛ لأنه لا نية له، وبكونه أمينا الخائنَ؛ لأنه مأزور وتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص، لكونه خائنًا أيضًا، وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية، فيفقد الأجر، وهي قيود لابد منها. وقد مرَّ أبو موسى في الرابع من الإيمان.
الحديث الثلاثون
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ
بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا".
قال ابن رشيد: نبه بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر بها؛ لأن كلًا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف إلا بإذن المالك، نصًا أو عرفًا، إجمالًا أو تفصيلًا. قوله:"من طعام بيتها غير مُفسدة" أي: المتصرفة فيه إذا أذِنَ لها في ذلك بالتصريح، أو المفهوم من اطِّراد العُرف، فعلمت رضاه بذلك، وكانت غير مفسدة بأن لم تتجاوز العادة، ولا يؤثر نقصانه. وقيّد بالطعام لأن الزوج يسمح به عادة، بخلاف الدنانير والدراهم، فإنّ إنفاقها منها بغير إذنه لا يجوز، فلو اضطرب العُرف أو شكّت في رضاه، أو كان شحيحًا يشح بذلك، وعلمت ذلك من حاله، أو شكّت فيه، حَرُم عليها التصدُّق من ماله إلا بصريح أمره.
قال ابن العربيّ: اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم مَنْ أجازه، لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له، ولا يظهر به النقصان. ومنهم مَنْ حمله على ما إذا أذن ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاريّ، ولذلك قيد الترجمة بالأمر به، ويحتمل أن يكون ذلك محمولًا على العادة كما مرَّ، وأما التقييد بغير الإفساد، فمتفقٌ عليه. ومنهم مَنْ قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن، النفقةُ على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن، ومنهم مَنْ فرّق بين المرأة والخادم، فقال: المرأة لها حق في مال الزوج، والنظر في بيتها، فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم، فليس له تصرف في متاع مولاه، فيشترط الإذن فيه. وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها، فتصدقت منه، فقد تخصصت به، وإن تصدقتْ من غير حقها رجعت المسألة كما كانت، وليس في حديث الباب تصريحٌ بجواز التصدق بغير إذنه. نعم في حديث أبي هريرة عند مسلم "وما أنفقتْ من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره لها" لكن قال النّوويّ: معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذنُ عامٌ سابق متناول لهذا القدر وغيره، إما بالصريح أو بالمفهوم، كما مرَّ. قال النوويّ: قال الخطابيّ: هو على العُرف البخاري، وهو إطلاق رب البيت لزوجته إطعام الضيف، أو التصدق على السائل، فندب الشارع ربة البيت لذلك، ورغبها فيه على وجه الإصلاح لا الفساد والإسراف، وفي حديث أبي أُمامة عند التِّرمِذِيّ، وقال حسن:"لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: ذاك أفضل أموالنا". وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود "لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، قامت امرأة فقالت: يا رسول الله، إنا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا". قال أبو داود؟ وأرى فيه وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: الرُّطب تأكليه وتهديه" قال أبو داود: الرطب بفتح الراء، الخبز والبقل، والرُّطب بضم الراء، وتحصل من هذا أن الحكم يختلف باختلاف عادة البلاد، وحال الزوج من مسامحة وغيرها، وباختلاف حال المنْفَق بين أن يكون يسيرًا يتسامح به، وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا يخشى فساده إن تأخر، وبين غيره.