الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُسْمِعُ الْمَوْتَى} فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، لكن لا يستطيعون أن يجيبوا".
وفي بعضه نظر. لأن أمية بن خلف لم يكن في القلب، لأنه كان ضخمًا فانتفخ، فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيّبه، وقد أخرج ذلك ابن إسحاق من حديث عائشة، لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبًا من القليب فيمن نودي، لكونه من جملة رؤسائهم. ومن جملة مخاطبتهم ما ذكره ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، أنه عليه الصلاة والسلام قال: يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي، كنتم كذبتموني وصدقني الناس، ومأتيٌّ إتمام الكلام عليه عند حديث عائشة التالي له.
رجاله ستة:
قد مرّوا، مرَّ علي بن المدِينيّ في الرابع عشر من العلم، ويعقوب بن إبراهيم في السادس عشر منه، ونافع في الأخير منه، مرَّ إبراهيم بن سعد في السادس عشر من الإِيمان، وابن عمر في أوله قبل ذكر حديث منه، ومرَّ صالح بن كيسان في الأخير من بدء الوحي.
وقوله في الحديث: فقيل له، القائل عمر، ومرَّ في الأول من بدء الوحي.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والإِفراد والإِخبار بالأفراد والعنعنة، ورواته مدنيون، وفيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ. أخرجه البخاريّ أيضًا في المغازي، ومسلم والنَّسائي في الجنائز.
الحديث السابع والعشرون والمئة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ حَقٌّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} .
وقوله: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم ليعلمون الآن أنما كنت أقول لهم حق، وهذا مصير من عائشة إلى رد رواية ابن عمر المذكورة، وقد خالفها الجمهور في ذلك، وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه من غيره عليه، ولم ينفرد ابن عمر ولا ابنه بذلك، بل وافقهما أبو طلحة في المغازي، وروى الطبرانيّ مثله عن ابن مسعود بإسناد صحيح، وفيه "ولكنهم اليوم لا يجيبون" وروى الطبرانيّ أيضًا عن عبد الله بن سيدان نحوه، وفيه "فقالوا: يا رسول الله، وهل يسمعون؟ قال: يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون".
ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة، مثل حديث أبي طلحة، وفيه "ما أنتم بأسمع منهم لما أقول" وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان
محفوظًا، فكأنها رجعت عن الإِنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة، لكونها لم تشهد القصة.
قال الإِسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على الغوامض ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله، يدل على نسخه، أو تخصيصه، أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن؟ لأن قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم "إنهم الآن يسمعون" لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأنْ أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك.
وقيل: معنى الآية: لا تسمعهم سماعًا ينفعهم، أو لا تسمعهم إلا أن يشاء الله، وقيل: إن هذه الآية كقوله تعالى {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} أي: أن الله هو الذي يُسْمع ويهدي. وقال ابن التين: لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية، لأن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله إسماع من ليس من شأنه السماع، لم يمتنع، كقوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الآية، وقوله {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} وسيأتي في المغازي قول قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وندمًا. وفي رواية الإسماعيلي: وَتَنَدُّمًا وذِلة وصَغارًا، والصغار الذلة والهَوان. وأراد قتادة بهذا التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون، كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} كما مرَّ قريبًا.
وقد قال السّهيلي ما محصله: أن في نفس الخبر ما يدل على خَرْق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، لقول الصحابة له: أتخاطب أقوامًا قد جَيّفوا؟ فأجابهم قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين، جاز أن يكونوا سامعين، إمّا بآذان رؤوسهم كما هو قول الجمهور، أو بآذان الروح على رأي من يوجه السؤال للروح، من غير رجوع إلى الجسد. وقال أيضًا: عائشة لم تحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم، فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قالوا له: يا رسول الله، أتخاطب قومًا قد جيّفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع، لما أقول منهم.
وقوله: إنها لم تحضر، صحيح، ولكن لا يقدح ذلك في روايتها، لأنه مرسل صحابيّ، وهو محمول على أنها سمعت ذلك ممن حضره، أو من النبي عليه الصلاة والسلام، بعد، ولو كان ذلك قادحًا في روايتها لقدح في رواية ابن عمر، فإنه لم يحضر أيضًا، ولا مانع، أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال اللفظين معًا، فإنه لا تعارض بينهما. قلت: ما قاله في رواية ابن عمر لا يرد على السّهيليّ، لأنه لم يذكر ابن عمر، وإنما قال: فغيرها ممن حضر أحفظ، وموجود غير ابن عمر، ممن حضر القصة، فيقدم على عائشة، وقد تمسك بهذا الحديث من يقول: إن السؤال يتوجه على الروح والبدن، ورده من قال إنما يتوجه على الروح فقط، بأنّ الإسماع يحتمل أن يكون لأذُن الرأس ولأذن القلب كما مرَّ، فلم يبق فيه حجة، وأيضًا إذا كان الواقع فيه من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما مرَّ، لم يحسن حينئذ التمسك به في مسألة السؤال أصلًا.