الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا: مُرَائِي. وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا. فَنَزَلَتِ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} الآيَةَ.
قوله: "لما نزلت آية الصدقة" كأنّه يشير إلى قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية. وقوله: "نُحامل" أي: نحمل على ظهورنا بالأُجرة. يقال: حاملت بمعنى حَمَلْت، كسافرت. وقال الخطابيّ: يريد نتكلف العمل بالأُجرة لنكتسب ما نتصدق به. ويؤيده قوله في الرواية الثانية التي بعد هذه، حيث قال فيها: انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل، أي: يطلب الحبل بالأجرة.
وقوله: "فجاء رجل فتصدق بشيءٍ كثير" والرجل هو عبد الرحمن بن عَوف، ويأتي في السند محل ذكره. والشيء المذكور هو ثمانية آلاف، أو أربعة آلاف. وقوله:"وجاء رجل، سنذكر في السند ما قيل من الخلاف فيه، ونذكر تعريف من قيل إنه هو، وإنما حصل له الصالح لكونه آجر نفسه على النَّزْح من البئر بالحبل. وقوله: "فقالوا: سمى من اللّامزين" في مغازي الواقدي مُعتب بن قُشير وعبد الرحمن بن نُبْتل، بنون ثم موحدة ساكنة ثم مثناة مفتوحة ثم لام. وقوله: "يلمزون" أي: يعيبون. وقوله: "المُطَّوِّعينَ" أصله المتطوعين، أبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء. وشاهد الترجمة قوله:{وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} .
رجاله ستة:
وفيه لفظ رجل مبهم مرتين، مرّت من رجاله أربعة، ومرّ أحد الرجلين المبهمين. مرَّ شعبة في الثالث من الإيمان، وسليمان بن مِهران في الخاص والعشرين منه، وأبو وائل في الحادي والأربعين منه، وأبو مسعود في الثامن والأربعين منه، والرجلان المبهمان: الأول منهما عبد الرحمن بن عوف، وقد مرَّ في السابع والخمسين من الجمعة، والباقي اثنان من السند، ورجل من المبهَمَين.
الأول: عُبيد الله بن سعيد بن يحيى بن بُرْد اليَشكُريّ، مولاهم، أبو قدامة السَّرخَسِيّ الحافظ، نزيل نَيْسابور. قال أبو حاتم: كان من الثقات، وقال أبو داود: ثقة، وقال النَّسائيّ: ثقة مأمون، قَلَّ من كتبنا عنه مثله. وقال إبراهيم بن أبي طالب: ما قدم علينا أثبت منه ولا أتقن. وذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: هو الذي أظهر السنة بسَرْخَس، ودعا إليها. وقال يحيى بن محمد بن يحيى: حدثنا أبو قُدامة وكان إمامًا خيرًا فاضلًا. وقال ابن عَديّ: فاضل من أهل السنة. وقال مسلمة: ثقة مأمون. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على ثقته، وقال الحاكم: أبو قُدامة أحد أئمة الحديث، متفق على إمامته وحفظه وإتقانه.
وقد كان محمد بن يحيى روى عنه، ثُمّ ضرب على حديثه لا يخرج عنه، وسبب ذلك أن محمد بن يحيى دخل على أبي قدامة يومًا فلم يقم إليه. وفي الزهرة روى عنه البخاريّ ثلاثة عشر
ومسلم، ثمانية وأربعين. روى عن عبد الله بن نُمير وابن عيينة وحمّاد بن زيد وغيرهم. وروى عنه الشيخان والنَّسائِيّ وأبو زرعة والذُّهلي وغيرهم. مات بَفَرْقَد سنة إحدى وأربعين ومئتين.
الثاني: أبو النعمان الحَكَم بن عبد الله الأنصاريّ، ويقال: القيسيّ بالقاف، ويقال العجليّ البصريّ. قال البخاريّ: حديثه معروف كان يحفظ. وقال الخطيب: كان ثقة معروفًا بالحفظ. وقال ابن حِبّان: كان حافظًا، وربما أخطأ. وقال الذُّهليّ: حدثنا أبو النعمان، وكان ثَبْتًا في شُعبة، عاجله الموت سمعت عبد الصمد يثبته، ويذكره بالضبط. وقال ابن عديّ: له مناكير لا يتابع عليها.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كان يحفظ وهو مجهول. قال في المقدمة: ليس بمجهول من روى عنه أربعة ثقات، ووثقه العجلي وغيره، ومع ذلك لم يرو عنه البخاريّ سوى هذا الحديث الواحد في الزكاة. روى عن سعيد بن أبي عرَوبة وشُعبة ويزيد بن زريع وغيرهم. وروى عنه أبو قُدامة السَّرْخَسِيّ، وأبو موسى ومحمد بن المُنهال وغيرهم.
والرجل الثاني المبهم، قيل: هو أبو عقيل الأنصاري، سماه قتادة حَثْحَاث، بمهملتين مفتوحتين ومثلثتين، الأولى ساكنة. أخرج الطبريّ "جاء عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله، أربعة آلاف درهم، وأقبل رجل من فقراء المسلمين من الأنصار يقال له الحثحاث أبو عقيل، فقال: يا رسول الله، بن أجر الجرير علي صاعين من تمر، فأما صاع فامسكته لعيالي، وأما صاع فها هو هذا. فقال المنافقون: إنْ كان الله ورسولُه لَغنيين عن صاع أبي عقيل. وثبت ذكره في الصحيح من حديث ابن مسعود قال: لما أمرنا بالصدقة، كنا نتحامل، فتصدق أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر من ذلك.
وقيل: إن اسمه سَهْل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثَعْلبة بن غنم بن مالك بن النجَّار الأنصاريّ، الخزرجيّ، يقال: إنه شهد أُحدًا، ومات في خلافة عمر. وروى عن سعيد بن عثمان البَلَوِيّ عن جدته بنت عَدِيّ أن أُمها عُميرة بنت سَهل بن رافع صاحب الصالح الذي لمزه المنافقون، خرج بزكاته صاع تمر، وبابنته عُميرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي ولها بالبركة، فمالي غيرها، فوضع يده عليها فدعا لها. أخرجه الطبراني في الأوسط.
وزعم ابن الكلبيّ أنه أخو سهيل، وأنهما صاحبا المَرْبِد الذي كان موضع المسجد، وأما ابن إسحاق فقال: إن صاحبي المسجد سهَل وسُهيل ابنا عمرو.
وقيل: سهل بن رافع بن خَريج بن مالك بن غنم بن سَرِيّ بن سَلَمة بن أُنَيْف البَلَويّ الأراشِيّ، حليف بني عمرو بن الأنصاري. قال ابن الكلبي في الجَمهرة: هو صاحب الصالح الذي لمزه المنافقون. وقال ابن عبد البَرّ أيضًا: هو صاحب الصالح، ويقال له صاحب الصاعين، لمّا أتى بصاعي تمر زكاة ماله. وفيه نزلت:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية.
وقيل: اسمه عبد الرحمن بن بَيْجان بموحدة ثم تحتانية ساكنة ثم جيم، وقيل بسين مهملة بدل